بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإمام الحسين ملاذ الفقراء وملجأ من جارت عليه الأيام.
كان لا يقابل مسيئاً باساءته ولا مذنباً بذنبه وإنما كان يغدق عليهم ببره.
نحن مدعوون للاقتداء بهديه والسير على خطه بالاهتمام بأوضاع مجتمعنا.
التحق في عهد الخليفة عثمان بالجيش الإسلامي للفتح في أفريقيا.
كان يحمل في دجى الليل الجراب يملؤها طعاماً ونقوداً لمنازل الأرامل واليتامى والمساكين.
إذا كانت الروايات التاريخية قد اختلفت في تحديد تاريخ ولادة الإمام الحسين بن علي سبط رسول الله هل كانت في السنة الثالثة أو الرابعة للهجرة، وهل كانت في شهر شعبان أو أواخر شهر ربيع الأول، وهل هي في اليوم الثالث أو الخامس من شهر شعبان، فإن هذا الاختلاف نواجهه في الكثير من وقائع وحوادث التاريخ، وتراجم رجاله، وليس هناك مشكلة في أن نعتمد على أي رواية نرى رجحانها.
بيد أنّا سنتناول في حديثنا جانباً من جوانب حياة الإمام الثرية المعطاءة وهو البعد الاجتماعي في سيرته العطرة.
وبإطلالة عابرة يتلخص لنا هذا البعد في ثلاث نقاط:
1- الحضور الاجتماعي.
2- النموذج الأخلاقي.
3- الاهتمام بمناطق الضعف في المجتمع.
الحضور الاجتماعي
أن يحمل الإنسان أهدافاً كبيرة، أو يمتلك مستوى علمياً متقدماً، فذلك لا يؤثر شيئاً في حركة الواقع والحياة، ما لم يصاحبه حضور اجتماعي، يشق الطريق أمام تلك الأهداف الكبرى، ويترجم العلم إلى فعل ملموس.
لذلك كان الأنبياء والأئمة يعيشون في وسط الناس، ويتفاعلون معهم، ولم يكونوا منعزلين على قمم الجبال، أو في الكهوف والمغارات، ولا كانوا يتعالون ويترفعون عن الناس في أبراج عاجية.
ومهما كان مستوى المجتمع من حيث التخلف والجهل، أو من حيث طغيان أجواء الفساد والانحراف فإن ذلك لا يبرر الهروب والعزوف عن الناس لدى المصلحين الإلهيين.
صحيح أن مخالطة الناس وهم يعيشون حالة الجهل والتخلف أو يخضعون لأجواء الفساد والانحراف، قد تسبب الكثير من الأذى والمعاناة للرجال الإلهيين، لكن ذلك هو طريق التغيير والإصلاح، كما أنه وسيلة لنيل ثواب اللَّه ورضوانه.
ورد في حديث مروي عن رسول اللَّه أنه قال: «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»1.
وفي حديث آخر أنه فقد رجلاً، فسأل عنه فجاء، فقال: يا رسول اللَّه إني أردت أن آتي هذا الجبل فأخلوَ فيه وأتعبّد. فقال رسول اللَّه : يصبر أحدكم ساعة على ما يكره في بعض مواطن الإسلام خير من عبادته خالياً أربعين سنة. وفي نص آخر: ستين سنة2.
والإمام الحسين نشأ من بداية حياته في عمق الشأن الاجتماعي وفي صميم الأحداث، فجده رسول اللَّه كان قطب رحى المجتمع وقائده الأعلى، وأبوه علي كان وزير الرسول، وساعده الأيمن، بل كان نفسه بنص آية المباهلة.
فكان حضوره في ساحة الشأن العام أمراً طبيعياً، لالتصاقه بجده الرسول ، والذي كان يحتضن حفيده حتى وهو في الصلاة، ويأخذه معه على المنبر، فقد روي عن عبداللَّه بن بريدة، عن أبيه، قال: خطبنا رسول اللَّه فأقبل الحسن والحسين رضي اللَّه عنهما، عليهما قميصان أحمران، يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر3.
وفي ذلك الموقف الحسّاس بين المسلمين والنصارى، حينما دعاهم الرسول إلى المباهلة، كان الحسين محمولاً على كتف جده، وهو وأخوه الحسن مصداق الأبناء في قوله تعالى: ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ... ﴾ 4.
وينقل التاريخ موقفاً للإمام الحسين في بداية عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، والحسين إذ ذاك لتوه يتخطى العقد الأول من عمره:
يروي ابن حجر العسقلاني في كتابه (الإصابة) عن يحي ابن سعيد الأنصاري عن عبيد بن حنين: حدثني الحسين اْبن علي، قال: أتيت عمر وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك. فقال عمر: لم يكن لأبي منبر، وأخذني فأجلسني معه أقلب حصى بيدي، فلما نزل انطلق بي إلى منزله، فقال لي: من علمك؟ قلت: واللَّه ما علمني أحد. قال: بأبي لو جعلت تغشانا، قال: فأتيته يوماً وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب، فرجع ابن عمر فرجعت معه، فلقيني بعد فقال لي: لم أرك. قلت: يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية، فرجعت مع ابن عمر، فقال: أنت أحق بالإذن من ابن عمر، فإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا اللَّه ثم أنتم. سند صحيح5.
وفي القصة دلالات مؤثرة واضحة، فهو على صغر سنه يأتي المسجد، ويعرب عما في نفسه للخليفة، وأمام الناس، ويقرر أن ذلك التصرف نابع من قرارة نفسه، لم يمله أحد عليه، ثم يذهب لزيارة الخليفة في داره.
ونرى الإمام الحسين في عهد الخليفة عثمان، قد التحق بالجيش الإسلامي، للفتح في أفريقيا، وكان الجيش بقيادة عقبة بن نافع بن عبد القيس، وعبد اللَّه بن نافع ابن الحرث، وفيه جماعة من الصحابة، كعبد اللَّه بن عباس، وابن عمر، وابن جعفر، والحسن والحسين.
كما شارك الحسين في حروب المسلمين مع الفرس في طبرستان وجهاتها، والجيش بإمرة سعيد بن العاص.
وتأكيداً لحضوره الاجتماعي، كان مجلسه في المسجد النبوي، حيث تلتف حوله حلقة واسعة من طلاب المعرفة، ورواد العلم، وأصحاب الحاجات، وقد سأل رجل من قريش معاوية أين يجد الحسين؟ فقال له معاوية: «إذا دخلت مسجد رسول اللَّه فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد اللَّه».
والشواهد على هذا الجانب في حياة الإمام كثيرة يضيق المجال عن استقصائها.
المصادر
1. علي المتقي الهندي/ كنز العمال، حديث رقم 686.
2. المصدر السابق، حديث رقم 11354.
3. أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني/ سنن أبي داود.
4. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 61، الصفحة: 57.
5. ابن حجر العسقلاني/ الإصابة في تمييز الصحابة ج2 ص77.
تعليق