إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ابو الفضل العباس نافذ البصيرة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ابو الفضل العباس نافذ البصيرة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    مما تميز به أبو الفضل العباس ـ عليه السلام ـ العلم حتى جاء في حديث شريف : " قد زق العلم زقا " 1 . وعلمه كان نابعا من البصيرة واليقين .
    ان بصيرته جعلته يتمسك بعروة الولاية الالهية ، وان صلابة ايمانه وصدق يقينه جعلاه لا يأبه بالحياة ، فحينما جاء اليه شمر ابن ذي الجوشن في اليوم التاسع من شهر محرم في تلك السنة بأمان من عند ابن زياد ، واراد ان يفرق بينه وبين أخيه . وكانت بين شمر وبين أبي الفضل العباس علاقة الخوئلة ، لان أم البنين كانت من تلك القبيلة التي ينتمي اليها الشمر ابن ذي الجوشن ، فجاء شمر حاملا الأمان ودعى أبا الفضل واخوته قائلا : أين بنوا أختنا ؟ سكت اخوة العباس احتراما لاخيهم الأكبر ، وسكت العباس احتراما لإمامه ، وحجة الله عليهم الحسين ـ عليه السلام ـ ، وكرر شمر النداء وبقي أبو الفضل ساكتا لا يجيبه ، فقال الحسين ـ عليه السلام ـ لهم : " اجيبوه ولو كان فاسقا " .
    قالوا ( لشمر ) : ما شأنك وما تريد ؟
    قال : يا بني اختي انتم آمنون ، لا تقتلوا انفسكم مع الحسين ، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد .
    فقال له العباس : لعنك الله ، ولعن أمانك . تؤمننا وابن رسول الله لا أمان له ، وتأمرنا ان ندخل في طاعة اللعناء واولاد اللعناء ؟ 2
    فرجع الشمر مغضبا .
    انظروا إلى يقين العباس ، ذلك اليقين الذي وصفه به الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ حيث قال : " كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة ، صلب الايمان ، جاهد مع أبي عبد الله ، وأبلى بلاءا حسنا ، ومضى شهيدا " 3 . فالعباس ـ عليه السلام ـ كان يعرف ان الزمن يطوى بسرعة ، وان الحياة لا تبقى لاحد ، وان الابدان قد خلقت للموت ، فلم البخل بها عن الشهادة وهي ارفع وسام ، وقد قال الحسين ـ عليه السلام ـ :
    وان تكن الابدان للموت انشأت *** فقتل امرء بالسيف في الله أفضل
    وهكذا حينما دخل المشرعة ، واغترف الغرفة من الماء كانت كلمته رائعة حينما قال ـ عليه السلام ـ :
    والله ما هذا فعال ديني *** ولا فعال صادق اليقين
    لقد كان اعزم ما في العباس ـ عليه السلام ـ يقينه ، وهذا ما نقرأه في زيارته التي سوف نستعرضها في فصل قادم انشاء الله ، لقد انفتحت بصيرة العباس منذ سن مبكر على حقيقة التوحيد ، ولذلك تجده عندما يجلسه والده سيد العارفين أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في حجره المبارك وهو صبي فيقول له : قل واحد ، فيقول واحد .
    فقال له : قل اثنين ، فيمتنع قائلا : اني استحي ان اقول اثنين بلسان قلت به واحدا 4.
    بلى .. ان قلبه الذي وعى وحدانية الرب ، كيف يسمح له بأن يقول اثنين ؟
    وكما يقين أبي الفضل ، كذلك تسليمه لله كان في القمة ، بلى ان صفة التسليم ناشئة حقيقة اليقين . وسوف نعود إلى نصوص زيارته ، وترى كيف تؤكد على صفة التسليم ، واي تسليم أعظم من الطاعة التامة لامام زمانه ، والصبر معه حتى الشهادة .
    وكان من صفاته عليه السلام البطولة النادرة ، وانما حمل لواء الحسين ـ عليه السلام ـ لشجاعته النادرة ، وبطولته العظيمة .
    قال بعض الرواة ان العباس ـ عليه السلام ـ شارك في حرب صفين مشاركة فعالة ، وقالوا : خرج من جيش أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ شاب على وجهه نقاب تعلوه الهيبة ، و تظهر عليه الشجاعة يقدر عمره بـ " 17 " سنة ، فطلب المبارزة فهابه الناس ، وندب معاوية اليه أبا الشعثاء فقال : ان أهل الشام يعدونني بألف فارس ولكن ارسل اليه احد اولادي ، وكانوا سبعة . وكلما خرج احد منهم قتله حتى أتى عليهم . فساء ذلك أبا الشعثاء واغضبه ، ولما برز اليه ألحقه بهم ، فهابه الجميع ، ولم يجرأ أحد على مبارزته ، وتعجب أصحاب أمير المؤمنين من هذه البسالة التي لا تعدو الهاشميين ، ولم يعرفوه لمكان نقابه . ولما رجع إلى مقره دعاه أمير المؤمنين و ازال النقاب عنه ، فاذا هو العباس ـ عليه السلام ـ 5 .
    والبطولة لا تعني مجرد منازلة الاقران ، بل جملة صفات انسانية سامية كالشهامة والاباء والتضحية والوفاء والمواساة . وهكذا كان العباس ـ عليه السلام ـ ؛ انظروا كيف حارب ، وكيف استشهد .
    لقد استشهد العباس وهو يطلب الماء للعطاشى ، وكان اهتمامه بالماء اكثر من اهتمامه بنفسه ، فلم تكن غايته كشف العدو عن نفسه بقدر ما كانت غايته الاحتفاظ بالسقاء سالما ، لايصاله إلى حيث العطاشى من أهل بيت الرسالة .
    هذا هو الذي يجعلنا نقف اجلالا لبطولته النادرة ، بينما اعداؤه حاربوه بالغدر . لقد كانوا أجبن من مواجهته ، حيث رشقوه بالسهام ، ثم كمن له احدهم من وراء نخلة واغتال يده . كانت الضربة مجرد فتك ، وهكذا تتجلى شجاعة سيدنا العباس ـ عليه السلام ـ كما يتبين مدى جبن الطرف الآخر ، وهو لم يزل يسعى لايصال الماء إلى المخيم . هذه هي الشجاعة النادرة التي يقف التاريخ اجلالا لها .
    اما وفاؤه فهو الآخر في القمة ، حيث استقام في الدفاع عن حجة الله حتى أخر لحظة ، وقيل انه حينما حضر الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ عنده كان به رمق ، انتبه العباس ـ عليه السلام ـ ، وقال : " يا هذا إذا اردت ان تقطع رأسي فاصبر حتى يأتي أخي ، والقي عليه نظرة أخيرة " .
    فقال له الحسين ـ عليه السلام ـ : " هذا أنا أخوك " ، ووضع رأس العباس في حجره .
    فتقول هذه الرواية بأن أبا الفضل رفع رأسه ووضعه على التراب ، فقال له أبو عبد الله الحسين ـ عليه السلام ـ : لم تفعل ذلك يا أخي ؟
    فقال وهو يلفظ انفاسه الأخيرة : يا أخي ؛ أنت تضع رأسي الآن في حجرك ، فمن يضع رأسك في حجره بعد ساعة ؟
    وسواءا صحت هذه الرواية ام لا ، فان مجمل سلوك العباس ـ عليه السلام ـ تجاه أخيه يدل على هذا النوع من التعامل .
    هكذا واسى أخاه في لحظة الوفاة ، كما واساه في رمي الماء على الماء وهو يتلظى عطشا مواساة لأخيه وأهل بيته الطاهرين .


    المصادر


    1. المصدر ص 172 عن كتاب : اسرار الشهادة ص 324 . قال : جاء المأثور عن المعصومين عليه السلام ان العباس بن علي زق العلم زقا .
    2. المصدر ص 193 عن كتاب : تذكرة الخواص ص 142 ، وكتاب : اعلام الورى ص 120 .
    3. المصدر ص 208 .
    4. المصدر ص 168 نقلا عن مستدرك الوسائل ج 3 ص 815 .
    5. المصدر ص 275 .
    السَّلامُ عَلَى مَحَالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ ، وَمَسَاكِنِ بَرَكَةِ اللهِ ، وَمَعَادِنِ حِكْمَةِ اللهِ ، وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ ، وَحَمَلَةِ كِتَابِ اللهِ ، وَأَوْصِيَاءِ نَبِيِّ اللهِ ، وَذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ .
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X