كيف ومتى مات النبي محمد ؟
كيف ومن قتل الرسول محمد ؟
يعلم الجميع أنّ رسول الله مُحمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) التحق بالرفيق الأعلى بسن الثالثة والستون ، وهذا السن ليس بسن الشيخوخة حتّى نقول أنّه مات موتاً طبيعاً بسبب الشيخوخة ، وقد عاش حسان بن ثابت شاعر الرسول مائة وعشرين سنة ! بل قد عاش سلمان الفارسي مائتين وخمسين سنة ! خصوصاً أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان مُلازماً للصيام والصلاة وسائر العبادات ، ومعروفٌ جداً أنّ ذلك ينزل البركات ويطيل الأعمار ويقوي البدن ويُبيّض الوجه ، قَالَ تَعَالَى : ﴿...يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ - [سُّورَةُ إِبْرَاهِيمَ : 10.] وتأخير الأجل المُسمّى هو إطالة العُمر . فلابدّ من سببٍ لاستشهاد نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهذا العُمْرِ القصير .
قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ - [سُّورَةُ آلَ عِمْرَانَ : 144.]
(مَاتَ أَوْ قُتِلَ) الآية لم تستبعد قتل الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وهناك عدّة أدلة من صحاح مذاهب السنة والجماعة تقول أنّ رسول الله مات شهيداً مسموماً (أي موتاً قهرياً) .
قال عبد الله بن مسعود (رض) بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «لَأَنْ أَحْلِفَ تِسْعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قُتِلَ قَتْلًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً ، وَذَلِكَ بِأَنَ اللَّهَ اتَّخَذَهُ نَبِيًّا وَجَعَلَهُ شَهِيدًا» . [ابن سعد - كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر - ذكر ما سم به رسول الله (ص) - الجزء (2) - الصفحة (201)]
ورد فيما يخصُّ وفاة النبي مسموماً في الصحيحين أنّ قبل وفاتِه بثلاث سنوات كان قد أكلَ من شاةٍ مسمومة ، كانت قد سمَّمتها امراةٌ يهوديَّة تدعى زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أكل لقمةً منها ثمّ لفظها ولم يبلعها ، ولكنّه قد يكون تأثّر بها ، وقد احتجم بعد أكله منها وطلب ممّن أكل منها أن يحتجم أيضاً ، وقد مات بعضٌ منهم ، وقد جاء في ذلك :-
روى البخاري في صحيحه الجزء (6) الصفحة (9) في باب مرض النبي (ص) ووفاته :- 4428 - وَقَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ (ر) : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ» .
وروى مسلم في صحيحه الجزء (4) الصفحة (1721) في باب السم :- 45 - (2190) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، قَالَ: «مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ» قَالَ: - أَوْ قَالَ - «عَلَيَّ» قَالَ قَالُوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: «فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
وروى الطبراني في معجمه الكبير الجزء (2) الصفحة (34) في باب بشر بن البراء بن معرور الأنصاري عقبي بدري : 1202 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ يَهُودِيَّةَ أَهْدَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَصْلِيَّةً، فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ: «أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ» ، فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْهَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟» ، قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ، وَإِنْ كُنْتَ مَلِكًا أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ، فَأَمَرَ بِهَا فَقُتِلَتْ .
بحسب هذه الروايات الصريحة التي تقول بأنّ موت الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان مسموماً وأنه مات من اثر سُم اليهودية ، والأبهر عرق مستبطن بالصلب متصل بالقلب ، حينما نطلع على أساس ذلك نجد هناك عدّة أمور ، منها : أنّ النبي قد أكل لقمةً منها ثمّ لفظها ولم يبلعها - ولكنّه قد يكون تأثّر بها - في حين يقول الزرقاني فى شرح المواهب اللدنية الجزء (8) الصفحة (260) : «ومن المعجزة أنه لم يؤثر فيه في وقته ، لأنهم قالوا: إن كان نبياً لم يضره ، وإن كان ملكاً استرحنا منه . فلما لم يؤثر فيه تيقنوا نبوته حتى قيل : إن اليهودية أسلمت ، ثم نقض عليه بعد ثلاث سنوات لإكرامه بالشهادة» . ويقول ابن القيم في كتابه "الطب النبوي" الصفحة (92) : «وَلَمَّا احْتَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، احْتَجَمَ فِي الْكَاهِلِ ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْحِجَامَةُ إِلَى الْقَلْبِ ، فَخَرَجَتِ الْمَادَّةُ السُّمِّيَّةُ مَعَ الدَّمِ لَا خُرُوجًا كُلِّيًّا ، بَلْ بَقِيَ أَثَرُهَا مَعَ ضَعْفِهِ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ تَكْمِيلِ مَرَاتِبِ الْفَضْلِ كُلِّهَا لَهُ» .
وفي ذلك دلالة على أنّ النبيّ لم يتأثر من ذلك السُم ؛ لأنّ النبي أكل لقمة صغيرة ثم لفظها ولم يبلعها ، وقام بالاحتجام وإخراج المادّة السُّمِّية كما ذكر ذلك ابن القيم . وبعض الروايات تقول أنّ الشاة أخبرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّها مسمومة قبل ان يأكلها وبهذا يكون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تركها لأنه يعلم أنّها مسمومة . ولو سلمنا على قولهم أنّ النبيّ تناول اللقمة المسمومة ولفظها ولم يبلعها . فلماذا لم يتأثر الرسول بالسمِّ في وقته ؟! وكيف لُسمٍّ أن يبقى طوال أكثر من ثلاث سنين في جسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟!
فلا بُدّ من أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد سُقِيَ السم مرةً أخرى أو مراراً ؛ لأنّه هناك شواهد وسوابق أفعال كثيرة على القوم المحيطين بالنبي ، قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ - [سُّورَةُ التَّوْبَةِ : 101.] . ولقد تعرّض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خلال فترة نبوته لعدّة محاولات اغتيال واختلف المؤرخون في عدد هذه المحاولات ، ولكن اتفقت أغلب المصادر على عشرة ، منها :
خروج عمرُ بن الخطاب يوماً ما متوشّحًا سيفه يريد به قتل النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ومنها في السنة الأولى لیلة المبيت ، ومنها في الطريق من غار الثور إلی المدينة ، ومنها في السنة الثانية محاولة عمير بن وَهب الجُمحي في اغتيال الرسول ، ومنها في السنة الثالثة في غزوة ذي أمرّ ، ومنها في السنة الرابعة عند حصون بني النضير ، ومنها في السنة السابعة حادثة الشاة المشويّة ، ومنها في السنة الثامنة غزوة حنين ومؤامرة العقبة ، ومنها في السنة التاسعة مؤامرة عامر وأربد ، ومنها في السنة العاشرة بعد الغدیر وهي أنّ أربعة عشر نفراً من المنافقين من أصحابه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تآمروا على قتله ، فاتّفقوا على أن ينفّروا بالنبي ناقته ، وقعدوا له في عقبة هَرْشى بين الجحفة والأبواء سبعة عن يمينها وسبعة عن يسارها ليُنفّروا بناقة رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . فلما اقترب النبيُّ من عقبة هرشی ليلاً أخبره جبرئيلُ ، ولمَّا دنا رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منهم ناداهم بأسمائهم ، فلما سمعوا النداء فرّوا ودخلوا في غمار الناس الذين أخذوا بطن الوادي . فلمّا نزل النبيُّ من العقبة جاؤوا إليه فحلفوا أنّهم لم يهمّوا بشيء من رسول اللّه ! فتلا النبيُّ هذه الآية : ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ - [سُّورَةُ التَّوْبَةِ : 74.]
أما محاولة الاغتيال الأخيرة والتي كانت ناجحة تماماً هي عندما تناول النبيُّ مكرهاً ومرغماً للدواء المزعوم من يد عائشة ! والذي كان السبب في مقتله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . حيث روى البخاري في صحيحه الجزء (7) الصفحة (127) في باب اللدود :- 5712 - قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا: «أَنْ لاَ تَلُدُّونِي»، فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي؟!» قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: «لاَ يَبْقَى فِي البَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَّا العَبَّاسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ» .
فمن خلال هذه الرواية التي يرويها البخاري وغيره نعرف أنّ هناك مؤامرة حيكت بالخفاء على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهي إرغام النبيُّ على شرب السمِّ بدعوى الدواء المزعوم ! ولماذا نهاهم رسول الله عن أن يعطوه الدواء ؟! ولماذا أمر بأن يشرب الجميع من الدواء إلّا العباس ؟! فلابُدّ من حكمةٍ في فعل رسول الله هذا لأنّه ما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى ، ويريد أن يقول للجميع إني سقيت شيئاً لا أريده وأكرهه رغماً عني ؟! ثم أنّ بعض الروايات تقول سال من فم رسول الله دماً ! بدليل ما ذكره إبن أبي الحديد من أنّ قذف الدم كان بسبب سمّ خيبر ليس دقيقاً ؛ وذلك للقرائن المتقدّمة . والتقيء دماً علامة شدة السمّ ، وقد ذكر ذلك أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) في خطبته الشريفة في رثاء الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) بقوله : « فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ ، وَفَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي » ، فقد اشار إبن أبي الحديد في تفسيره لنهج البلاغة بأن النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مات مسموماً وأنه قد قذف دماً وقت مرضه . وفي خُطبة أخرى قال (عليه الصلاة والسلام) في نهج البلاغة : « لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَإِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي ، وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي . وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَالْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي ، فَضَجَّتِ الدَّارُ وَالْأَفْنِيَةُ ، مَلَأٌ يَهْبِطُ وَ مَلَأٌ يَعْرُجُ » , وقد فسّرها الشيخ محمد عبده في شرح النهج في الجزء (2) الصفحة (172) : بأن (معنى نفسه هو دمه . فقد رُوِيَ أنّ النبيّ قاء في مرضه ، فتلقى أمير المؤمنين في يده ومسح به وجهه) .
واللدُّ لُغَةً هو الإرغام على أخذ الدواء كما يرغم الصبيُّ . فيؤخذ لسانه فيمدُّ إلى أحد شقّيه ، ويوجر الدواء في الصدف بين اللسان وبين الشدق . وهذا يعني أنّ ثمة شيئاً غريباً جداً أرادوا تمريره بسقيهم الدواء وهو مغمى عليه ، وهو من الغرائب في التعاطي مع المريض المحتاج إلى الدواء ، مما يجعلنا نعتقد بتدبير مكيدة السمّ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى يتخلّصوا منه ؛ ليتمَّ لهم الإستيلاء على مقاليد السلطة والحكم . وقد فعل ذلك عائشة وحفصة ، وقد أشاعتا بين الناس بأن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مصاب بداء الجنب وهو السل أو السرطان ؛ حتّى تبرران شنعتهما . ودفع تساؤل البعض عن إصرارهما على سقيّ زوجيهما الدواء ، فكان الجواب حاضراً بأنه مصاب بداء الجنب . فمن هنا ردَّ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذا الإدعاء قائلاً بأن الله تعالى لا يصيبه به لكونه من الخبائث والأنبياء منزهون عن ذلك ، وأنّ الله تعالى يكرمهم بإبعاد الأمراض الخبيثة عنهم . حيث ورد في كتاب تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري : الجزء (3) الصفحة ( 195 ) :- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بن الزبير، عن عُرْوَةَ، [أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص حِينَ قَالُوا: خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ، قَالَ: إِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُسَلِّطَهَا عَلَيَّ] .
كيف ومن قتل الرسول محمد ؟
يعلم الجميع أنّ رسول الله مُحمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) التحق بالرفيق الأعلى بسن الثالثة والستون ، وهذا السن ليس بسن الشيخوخة حتّى نقول أنّه مات موتاً طبيعاً بسبب الشيخوخة ، وقد عاش حسان بن ثابت شاعر الرسول مائة وعشرين سنة ! بل قد عاش سلمان الفارسي مائتين وخمسين سنة ! خصوصاً أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان مُلازماً للصيام والصلاة وسائر العبادات ، ومعروفٌ جداً أنّ ذلك ينزل البركات ويطيل الأعمار ويقوي البدن ويُبيّض الوجه ، قَالَ تَعَالَى : ﴿...يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ - [سُّورَةُ إِبْرَاهِيمَ : 10.] وتأخير الأجل المُسمّى هو إطالة العُمر . فلابدّ من سببٍ لاستشهاد نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهذا العُمْرِ القصير .
قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ - [سُّورَةُ آلَ عِمْرَانَ : 144.]
(مَاتَ أَوْ قُتِلَ) الآية لم تستبعد قتل الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وهناك عدّة أدلة من صحاح مذاهب السنة والجماعة تقول أنّ رسول الله مات شهيداً مسموماً (أي موتاً قهرياً) .
قال عبد الله بن مسعود (رض) بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «لَأَنْ أَحْلِفَ تِسْعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قُتِلَ قَتْلًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً ، وَذَلِكَ بِأَنَ اللَّهَ اتَّخَذَهُ نَبِيًّا وَجَعَلَهُ شَهِيدًا» . [ابن سعد - كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر - ذكر ما سم به رسول الله (ص) - الجزء (2) - الصفحة (201)]
ورد فيما يخصُّ وفاة النبي مسموماً في الصحيحين أنّ قبل وفاتِه بثلاث سنوات كان قد أكلَ من شاةٍ مسمومة ، كانت قد سمَّمتها امراةٌ يهوديَّة تدعى زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أكل لقمةً منها ثمّ لفظها ولم يبلعها ، ولكنّه قد يكون تأثّر بها ، وقد احتجم بعد أكله منها وطلب ممّن أكل منها أن يحتجم أيضاً ، وقد مات بعضٌ منهم ، وقد جاء في ذلك :-
روى البخاري في صحيحه الجزء (6) الصفحة (9) في باب مرض النبي (ص) ووفاته :- 4428 - وَقَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ (ر) : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ» .
وروى مسلم في صحيحه الجزء (4) الصفحة (1721) في باب السم :- 45 - (2190) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، قَالَ: «مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ» قَالَ: - أَوْ قَالَ - «عَلَيَّ» قَالَ قَالُوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: «فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
وروى الطبراني في معجمه الكبير الجزء (2) الصفحة (34) في باب بشر بن البراء بن معرور الأنصاري عقبي بدري : 1202 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ يَهُودِيَّةَ أَهْدَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَصْلِيَّةً، فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ: «أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ» ، فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْهَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟» ، قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ، وَإِنْ كُنْتَ مَلِكًا أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ، فَأَمَرَ بِهَا فَقُتِلَتْ .
بحسب هذه الروايات الصريحة التي تقول بأنّ موت الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان مسموماً وأنه مات من اثر سُم اليهودية ، والأبهر عرق مستبطن بالصلب متصل بالقلب ، حينما نطلع على أساس ذلك نجد هناك عدّة أمور ، منها : أنّ النبي قد أكل لقمةً منها ثمّ لفظها ولم يبلعها - ولكنّه قد يكون تأثّر بها - في حين يقول الزرقاني فى شرح المواهب اللدنية الجزء (8) الصفحة (260) : «ومن المعجزة أنه لم يؤثر فيه في وقته ، لأنهم قالوا: إن كان نبياً لم يضره ، وإن كان ملكاً استرحنا منه . فلما لم يؤثر فيه تيقنوا نبوته حتى قيل : إن اليهودية أسلمت ، ثم نقض عليه بعد ثلاث سنوات لإكرامه بالشهادة» . ويقول ابن القيم في كتابه "الطب النبوي" الصفحة (92) : «وَلَمَّا احْتَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، احْتَجَمَ فِي الْكَاهِلِ ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْحِجَامَةُ إِلَى الْقَلْبِ ، فَخَرَجَتِ الْمَادَّةُ السُّمِّيَّةُ مَعَ الدَّمِ لَا خُرُوجًا كُلِّيًّا ، بَلْ بَقِيَ أَثَرُهَا مَعَ ضَعْفِهِ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ تَكْمِيلِ مَرَاتِبِ الْفَضْلِ كُلِّهَا لَهُ» .
وفي ذلك دلالة على أنّ النبيّ لم يتأثر من ذلك السُم ؛ لأنّ النبي أكل لقمة صغيرة ثم لفظها ولم يبلعها ، وقام بالاحتجام وإخراج المادّة السُّمِّية كما ذكر ذلك ابن القيم . وبعض الروايات تقول أنّ الشاة أخبرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّها مسمومة قبل ان يأكلها وبهذا يكون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تركها لأنه يعلم أنّها مسمومة . ولو سلمنا على قولهم أنّ النبيّ تناول اللقمة المسمومة ولفظها ولم يبلعها . فلماذا لم يتأثر الرسول بالسمِّ في وقته ؟! وكيف لُسمٍّ أن يبقى طوال أكثر من ثلاث سنين في جسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟!
فلا بُدّ من أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد سُقِيَ السم مرةً أخرى أو مراراً ؛ لأنّه هناك شواهد وسوابق أفعال كثيرة على القوم المحيطين بالنبي ، قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ - [سُّورَةُ التَّوْبَةِ : 101.] . ولقد تعرّض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خلال فترة نبوته لعدّة محاولات اغتيال واختلف المؤرخون في عدد هذه المحاولات ، ولكن اتفقت أغلب المصادر على عشرة ، منها :
خروج عمرُ بن الخطاب يوماً ما متوشّحًا سيفه يريد به قتل النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ومنها في السنة الأولى لیلة المبيت ، ومنها في الطريق من غار الثور إلی المدينة ، ومنها في السنة الثانية محاولة عمير بن وَهب الجُمحي في اغتيال الرسول ، ومنها في السنة الثالثة في غزوة ذي أمرّ ، ومنها في السنة الرابعة عند حصون بني النضير ، ومنها في السنة السابعة حادثة الشاة المشويّة ، ومنها في السنة الثامنة غزوة حنين ومؤامرة العقبة ، ومنها في السنة التاسعة مؤامرة عامر وأربد ، ومنها في السنة العاشرة بعد الغدیر وهي أنّ أربعة عشر نفراً من المنافقين من أصحابه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تآمروا على قتله ، فاتّفقوا على أن ينفّروا بالنبي ناقته ، وقعدوا له في عقبة هَرْشى بين الجحفة والأبواء سبعة عن يمينها وسبعة عن يسارها ليُنفّروا بناقة رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . فلما اقترب النبيُّ من عقبة هرشی ليلاً أخبره جبرئيلُ ، ولمَّا دنا رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منهم ناداهم بأسمائهم ، فلما سمعوا النداء فرّوا ودخلوا في غمار الناس الذين أخذوا بطن الوادي . فلمّا نزل النبيُّ من العقبة جاؤوا إليه فحلفوا أنّهم لم يهمّوا بشيء من رسول اللّه ! فتلا النبيُّ هذه الآية : ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ - [سُّورَةُ التَّوْبَةِ : 74.]
أما محاولة الاغتيال الأخيرة والتي كانت ناجحة تماماً هي عندما تناول النبيُّ مكرهاً ومرغماً للدواء المزعوم من يد عائشة ! والذي كان السبب في مقتله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . حيث روى البخاري في صحيحه الجزء (7) الصفحة (127) في باب اللدود :- 5712 - قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا: «أَنْ لاَ تَلُدُّونِي»، فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي؟!» قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: «لاَ يَبْقَى فِي البَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَّا العَبَّاسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ» .
فمن خلال هذه الرواية التي يرويها البخاري وغيره نعرف أنّ هناك مؤامرة حيكت بالخفاء على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهي إرغام النبيُّ على شرب السمِّ بدعوى الدواء المزعوم ! ولماذا نهاهم رسول الله عن أن يعطوه الدواء ؟! ولماذا أمر بأن يشرب الجميع من الدواء إلّا العباس ؟! فلابُدّ من حكمةٍ في فعل رسول الله هذا لأنّه ما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى ، ويريد أن يقول للجميع إني سقيت شيئاً لا أريده وأكرهه رغماً عني ؟! ثم أنّ بعض الروايات تقول سال من فم رسول الله دماً ! بدليل ما ذكره إبن أبي الحديد من أنّ قذف الدم كان بسبب سمّ خيبر ليس دقيقاً ؛ وذلك للقرائن المتقدّمة . والتقيء دماً علامة شدة السمّ ، وقد ذكر ذلك أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) في خطبته الشريفة في رثاء الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) بقوله : « فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ ، وَفَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي » ، فقد اشار إبن أبي الحديد في تفسيره لنهج البلاغة بأن النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مات مسموماً وأنه قد قذف دماً وقت مرضه . وفي خُطبة أخرى قال (عليه الصلاة والسلام) في نهج البلاغة : « لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَإِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي ، وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي . وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَالْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي ، فَضَجَّتِ الدَّارُ وَالْأَفْنِيَةُ ، مَلَأٌ يَهْبِطُ وَ مَلَأٌ يَعْرُجُ » , وقد فسّرها الشيخ محمد عبده في شرح النهج في الجزء (2) الصفحة (172) : بأن (معنى نفسه هو دمه . فقد رُوِيَ أنّ النبيّ قاء في مرضه ، فتلقى أمير المؤمنين في يده ومسح به وجهه) .
واللدُّ لُغَةً هو الإرغام على أخذ الدواء كما يرغم الصبيُّ . فيؤخذ لسانه فيمدُّ إلى أحد شقّيه ، ويوجر الدواء في الصدف بين اللسان وبين الشدق . وهذا يعني أنّ ثمة شيئاً غريباً جداً أرادوا تمريره بسقيهم الدواء وهو مغمى عليه ، وهو من الغرائب في التعاطي مع المريض المحتاج إلى الدواء ، مما يجعلنا نعتقد بتدبير مكيدة السمّ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى يتخلّصوا منه ؛ ليتمَّ لهم الإستيلاء على مقاليد السلطة والحكم . وقد فعل ذلك عائشة وحفصة ، وقد أشاعتا بين الناس بأن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مصاب بداء الجنب وهو السل أو السرطان ؛ حتّى تبرران شنعتهما . ودفع تساؤل البعض عن إصرارهما على سقيّ زوجيهما الدواء ، فكان الجواب حاضراً بأنه مصاب بداء الجنب . فمن هنا ردَّ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذا الإدعاء قائلاً بأن الله تعالى لا يصيبه به لكونه من الخبائث والأنبياء منزهون عن ذلك ، وأنّ الله تعالى يكرمهم بإبعاد الأمراض الخبيثة عنهم . حيث ورد في كتاب تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري : الجزء (3) الصفحة ( 195 ) :- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بن الزبير، عن عُرْوَةَ، [أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص حِينَ قَالُوا: خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ، قَالَ: إِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُسَلِّطَهَا عَلَيَّ] .
تعليق