إنْ كان الله سبحانه قد خصّ قوم نوح بسفينة واحدة تحملهم إلى بر الأمان ، فإنه تعالى خص العالمين بسفن الآل الكرام
إنكم أمام طوفان عظيم يدمر كل شيء بإذن الله هكذا قال لهم نبيهم نوح عليه السلام، ويمرّون من أمامه ويستهزئون به، وهو يصفّ الألواح غير عابىء بسخريتهم واستهزائهم.وتمر الأيام تلو الأيام وبدأت السفينة تتشكل معالمها أمام انظار الجميع ، ولا زالوا في سخريتهم والغين ، وللكفر بدينه وكلماته مستمرئين .
لقد كانوا أكثر أقوام الأنبياء سخرية.. بل وأكثرهم عنادا وتزمّتا.. حتى أنهم كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم كي لا يصل إليها صوت الحق.. ويستغشون ثيابهم ويغلقون كل منافد أجسادهم ليحولوا بينهم وبين سماع ذكر الله ، ولقد دعاهم نبيهم نوح عليه السلام ليلا ونهارا سرا وجهارا لكنهم كانوا يزدادون بُعدا وأنفة وتعنّتا وجهلا.
كيف بهم؟! وأنّى لهم أن يدركوا جدّية نبيهم في صنع الفلك العظيمة؟! وقد أعمى الكفر بصيرتهم وأبصارهم ، فما عادوا ينظرون لأبعد من أرنبة أنوفهم.. أتراهم فعلا يفكرون في ملجأ يقيهم من طوفان موعود لا يصدقون بمجيئه؟ أم تراهم لا زالوا عاكفين على عبادة وتنزيه أصنامهم غير عابئين بالمصير الآتي لا محالة ؟
لا نظن ونحن نقلّب إرشيف بغيهم وظلمهم وعنادهم ، أنهم أعملوا عقولهم وأيقظوها من سبات عظيم قد لفّها لسنين طوال ، فدعوة العبد الصالح نوح لم تنقطع لهم ، تسعمائة وخمسون عاما من عمر تلك الدعوة ، وهو لم ييأس من امكانية انتشالهم من وحل الكفر والعناد إلى بحبوحة الإيمان والتسليم ، من هنا عُدّ نبي الله نوح من أنبياء أولي العزم ، حتى بلغ غاية الجهد من تحملّه لاهاناتهم وتصرفاتهم وإيذائهم ، حينها فقط طلب من الله أن يخلصه منهم كي يستريح أخيرا ، فاستجاب الله له وأمره ببناء سفينة الخلاص، حتى تكون ملاذا له ولمن آمن معه من الطوفان الحتمي .
لكننا واثقون تماما بأنهم لم يكونوا يعلمون أن هذه السفينة التي سخروا منها واستهزأوا بصانعها هي المنقذ الوحيد للبشريّة آنذاك ، وعندما تمّ الانتهاء من بناء السفينة ، أمر الله تعالى السماء بأن تمطر مطراً غزيراً وأن تخرج المياه من الأرض وتلتقي المياه من السماء والأرض لتشكّل طوفاناً عظيماً إجتاح المنطقة ، وغرق به كلّ ما على الأرض إلا من آمن مع سيدنا نوح..
فما أشبه سفينة نوح بسفينة محمد وآل محمد؟! إنْ كان الله سبحانه قد خصّ قوم نوح بسفينة واحدة تحملهم إلى بر الأمان ، فإنه تعالى خص العالمين بسفن الآل الكرام ... إذ يقول صادق العترة عليه السلام : (كلنا سفن النجاة ، وسفينة جدّي الحسين أوسع ، وفي لجج البحار أسرع).
فطوبى ثم طوبى لمن ركبها ، فبها طوق النجاة من لجج البحار الغامرة.. وملاذ النفوس التائهة ، ولا زال صوت الداعي يصدح قائلا :
( وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ).
كتبه
نجاح الجيزاني
من موقع بشرى حياة
تعليق