إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مولد علي الأكبر عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مولد علي الأكبر عليه السلام

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اللهم صل على محمد وال محمد
    ++++++++++++++++++++
    {ولادة علي الأكبر عليه السلام}

    ولد علي الأكبر في الحادي عشر من شهر شعبان سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة قبل مقتل عثمان بسنتين.
    فيكون له يوم الطف ما يقارب سبعا وعشرين سنة ويؤيّده اتّفاق المؤرّخين وأرباب النسب على أنّه أكبر من الإمام السجاد عليه السلام الذي له يوم الطف ثلاث وعشرون سنة.
    {كنيته عليه السلام}
    جاء في زيارة علي الأكبر المروية عن أبي حمزة الثمالي أن الإمام الصادق عليه السلام قال له:
    (ضع خدّك على القبر وقل:
    صلّى الله عليك يا أبا الحسن ثلاثا)
    وكما يحتمل أن تكون الكنية للتفاؤل بالولد الحسن يحتمل أنها صدرت بعد أن كان له ولد سمّي (الحسن) والإمام الصادق في نفس الزيارة يقول أيضا:
    (صلّى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك وأمّهاتك الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا).
    ولفظ الأبناء جمع يدلّ على ان لعلي الأكبر عليه السلام أكثر من الولدين الاثنين.
    كما أن قوله عليه السلام (وعلى عترتك) دالّ عليه أيضا فإن عترة الرجل ذريته فلو لم يكن له ذرية لما صحّ استعمال هذا اللفظ وورود هذه الجملة في لسان الإمام العارف بخواص البلاغة ومقتضيات الأحوال أقوى برهان.
    وغير خافٍ أن هذه الرواية رواها الشيخ الجليل ابن قولويه في (كامل الزيارة) بسند صحيح ورجال ثقات.
    {لقبه عليه السلام}
    لقّب السيد الشهيد (بالأكبر) لكونه أكبر من الإمام زين العابدين وقد صرّح بذلك السجاد عليه السلام حين قال له ابن زياد: أليس قتل الله عليّا؟ فقال الإمام: كان أخ أكبر مني يسمّى عليا فقتلتموه
    ولقد وصف السجاد بالأصغر والشهيد بالأكبر جماعة من المؤرخين منهم:
    1-قال ابن قتيبة في المعارف ص 93 ولد الحسين عليا الأكبر أمّه بنت أبي مرّة وعليا الأصغر أمه أم ولد. وفي ص 94 قال: وأما علي بن الحسين الأصغر فليس له عقب إلا منه.
    2-قال الدينوري في الأخبار الطوال ص 256: لم ينج من أصحاب الحسين وولده وولد أخيه إلا ابنه علي الأصغر.
    3-قال السهيلي في الروض الأنف ج 2 ص 326: قتل معه بالطف علي الأكبر وأما علي الأصغر لم يقتل معه أمّه أم ولد اسمها سلافة بنت كسرى يزدجرد.
    4-قال الديار بكري في تاريخ الخميس ج 2 ص 319: كان زين العابدين ابن ثلاث وعشرين سنة وهو علي الأصغر وأما علي الأكبر فإنّه قتل مع أبيه.
    شبهه عليه السلام بجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
    لم ينص المؤرخون على مشابهة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم له في جميع الصفات إلا في ولده الأكبر.
    فعن جابر الأنصاري أن فاطمة الزهراء عليها السلام تشبه أباها في المشية.
    ورواية الصدوق تشهد بأن الحسن شابه جده في الهيبة والسؤدد والحسين في الجود والشجاعة وأخرج الحاكم النيسابوري عن علي عليه السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لجعفر الطيار: أشبهت خلقي وخلقي
    ويحدث الشيخ الجليل الشيخ فخر الدين الطريحي في المنتخب أن الحسين قال في حق الرضيع: اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسول الله محمد عليه السلام.
    وهذه الشواهد كلها لا تدل على مشابهة العترة الطاهرة للرسول في جميع الصفات الكريمة.
    لكن كلمة الحسين الذهبية في حق ولده الأكبر:
    اللهم اشهد أنه برز إليهم أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقا برسولك وكنا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه
    ترشدنا إلى أن فقيد بيت النبوة كان في وقته مرآة الجمال النبوي وانموذجا من منطقه البليغ الرائع حتى أن أباه عليه السلام إذا اشتاق إلى رؤية ذلك المحيا الأبهج الذي يقول فيه حسان مصرحا بالحقيقة غير مبالغ:
    وأحسن منك لم تر قط عيني**وأجمل منك لم تلد النساء
    خلقـــت مبــــــرأً عـــــن كـــل عيب**كأنـــــك قد خلقت كما تشاء
    { صفاته عليه السلام }
    إن من مكارم الأخلاق أن يتحلى المرء بالصفات الحميدة ويتخلى من العادات الذميمة وهذه الأخلاق سواء أكانت حميدة أم ذميمة يكتسبها المرء وراثيا وبيتيا ومجتمعا. وشرائع السماء التي بعثها الله سبحانه وتعالى لخلقه عن طريق رسله وأنبيائه كلها تدعو إلى مكارم الأخلاق لا سيما رسالة سيد الأنبياء ورسله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: صلى الله عليه وآله وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فهو يريد أن يجعل حياة البشرية كلها حياة هانئة رغيدة خالدة لا تبيدها الحقب والأعوام لأن رسالته خاتمة الرسالات.
    وعلي الأكبر عليه السلام هو ربيب ذلك البيت الطاهر الذي هو خلاصة الوجود من طيب الأرومة ومكارم الأخلاق من حلم وعلم وشجاعة وكرم وتواضع وبلاغة. وما إلى ذلك من المكارم التي ليس من العجيب ان يرثها عن آبائه.
    {محاورة علي الأكبر مع أبيه الحسين عليه السلام}
    في حديث لعقبة بن سمعان قال(لما كان السحر من الليلة التي بات الحسين عليه السلام فيها بقصر بني مقاتل أمرنا بالاستسقاء ثم ارتحلنا فبينا هو يسير إذ خفق الإمام الحسين عليه السلام برأسه خفقة وانتبه وهو يسترجع ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين كرر ذلك ثلاثا.
    فأقبل إليه ابنه علي الأكبر وكان على فرس له وقال له جعلت فداك مم استرجعت وحمدت الله؟ فقال الحسين عليه السلام خفقت برأسي خفقة فعرض لي فارس يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا. قال علي الأكبر عليه السلام يا أبت ألسنا على الحق؟ فقال الحسين عليه السلام: بلى والذي إليه مرجع العباد. فقال علي الأكبر عليه السلام: إذاً لا نبالي أن نموت محقين.
    فقال الحسين عليه السلام:
    جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده)
    {قبره الطاهر عليه السلام }
    إذا نظرنا إلى فعل الإمام زين العابدين في وضع (علي الأكبر) قريبا من أبيه الحسين عليه السلام نعرف من ذلك الغرض الباعث له وهو تعريف الناس وعلى مر العصور بما حواه علي الأكبر عليه السلام من مزايا جليلة وصفات فاضلة وأنه أقرب من بقية الشهداء إلى المهيمن تعالى لما حواه من ملكات لا تدركها أحلام البشر.
    قال الإمام الصادق عليه السلام لحماد البصري(إن الحسين بن علي غريب مدفون بأرض غريبة يبكيه
    ويحزن له من لم يزره ويحترق له من لم يشهده ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجليه في أرض فلاة ولا حميم قربه ولا قريب ثم منع الحق وتوازر عليه أهل الردة حتى قتلوه وضيعوه وعرضوه للسباع ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب وضيعوا حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيته به وبأهل بيته فأمسى مجفواً في حفرته صريعا بين قرابته وشيعته بين أطباق الثرى قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جده والمنزل الذي لا يأتيه إلا من امتحن الله قلبه للإيمان وعرفه حقنا. ولقد حدّثني أبي أنه لم يخل مكانه منذ قتل من مصلّ عليه من الملائكة أو من الجن والأنس أو من الوحش وما من شيء إلا ويغبط زائره ويتمسح به ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره.وإن الله ليباهي الملائكة بزائريه.وأما ما له عندنا فالترحم كل صباح ومساء. ولقد بلغني أن قوما من أهل الكوفة وناسا من غيرهم يأتونه في النصف من شعبان فبين قارئ يقرأ وقاص يقص ونادب يندب ونساء يندبنه وقائل يقول المراثي. فقال حماد: قد شهدت بعض ما تصف.قال الصادق (عليه السلام): الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا وجعل عدونا يطعن عليهم ويقبح ما يصنعون).

  • #2


    علي الأكبر عليه السلام ميلاده ونشأته

    ولادة علي الأكبر(ع)

    تعودنا الاختلاف في الروايات المدونة حول كثير من الأمور التاريخية.. ووفق هذهِ العادة الملحوظة يأتي الكلام عن زمن ولادة عليّ الأكبر عليه السلام. أما مكان ولادته فهو مدينة جده المنورة، من دون مبرر للشك والاختلاف في ذلك اللهّم،






    ميلاده المجيد
    تعودنا الاختلاف في الروايات المدونة حول كثير من الأمور التاريخية.. ووفق هذهِ العادة الملحوظة يأتي الكلام عن زمن ولادة عليّ الأكبر عليه السلام. أما مكان ولادته فهو مدينة جده المنورة، من دون مبرر للشك والاختلاف في ذلك اللهّم، إذا اعتبرنا ولادته في عهد خلافة الإمام أمير المؤمنين عليعليه السلام، فحينئذٍ يكون لدينا اح ل بأن المكان هو مدينة الكوفة، سيما وقد كان الإمام الحسين مقيماً فيها يومذاك.

    فزمن ولادته هو:
    في خلافة عثمان. وقيل قبل قتل عثمان بسنتين. وجاء أنه ولد بعد استشهاد الإمام علي أمير المؤمنين. ولعل ما أورده الاصفهاني أضبط من غيره، مؤيداً بما أورده النسابة الكلبي ومصعب. حيث ذكرا أنه ولد قبل قتل عثمان بسنتين.. هذا وان للاصفهاني قرائن تؤكد ولادته حين ذلك وتؤكد معاصرته للإمام أمير المؤمنين، فمما قاله الأصفهاني:"وقد روى عن جده علي بن أبي طالب".

    لكنه لم يسجل لنا بعضاً مما رواه علي الأكبر عن جدِه، لضيق الوقت - كما قال الإصفهاني - أو لعدم المناسبة في ذلك الموضوع. أما فيما يتعلق بأخبار ميلاده الأغر، فليس لدينا شيء منها، بيد أن هناك مجموعة روايات عن عائشة بصدد ميلاد علي الأكبر، فقد جاء بكتاب مطبوع حديثاً ان لعائشة روايات كثيرة حول تولده عليه السلام ، ولم يورد الكتاب بعض تلك الروايات والذي يبدو أن تلك المجموعة من الأخبار والروايات ليست موجودة أو مدونة، وانما هي مجرد إشارات ينوهون بها فقط. ولو تجشم المؤرخون بعض الأتعاب الجزئية لتدوينها وسردها لما أخذت منهم وقتاً كما نرى، سيما وهي خير قرائن تفيد تحديد مدة ولادته الشريفة ومتعلقاتها، وتوحي إلى عدة أمور يمكن الاستفادة منها.

    نشأته وترعرعه
    ولد علي في بيت يتمتع بالحضور الكامل للإيمان والتقوى بيت رحب الفكر واسع المعرفة مزدحم بالصالحين والطاهرين والذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، الذين لا يفتأون يحرصون على صيانة مبادئ رسالتهم، ويتمسكون بحرفيتها، ويرفعون ألوية العقيدة عالياً.. بيت هو العقيدة بذاتها، الأمر الذي يفسر دعوة الله للناس كي يحبوا ذلك البيت ويوادوه، ويحاربوا من يكرهه ويعادوه.. بيت عامر بكل ما يمت للإسلام بصلة وللحق والحقائق بروابط وعلائق.

    ومن شأن الوليد الذي يفتح عينه في أجواء الصفاء لبيت الصفوة، وأوساط الشرف والسؤدد، وبيئة الخير والصلاح والهدى، من شأنه أن ينشأ على إفاضات ذلك البيت النبيل، وقبسات أهل ذلك البيت من الرجال الذين أنيطت بهم حراسة القضية الإسلامية، وصيانة الشرع الشريف، وحفظ الدين المحمدي الحنيف. نشأ وهو يرتشف لبن صدور المؤمنات التقيات، وقد تشرب بأخلص العواطف وصادق الحنان، وراح جسده ينمو وتنمو مشاعرهُ السليمة وروحه الطاهرة، ونفسه السوية، أكل وشرب مما أنعم الله به حلالاً طيباً لا يأتيه الباطل والشبهة.. نشأ على أسمى معاني المؤمنين الأتقياء، ومزاحهم الجميل معه. فمادته ومعنوياته من فيض حوض طاهر نقي، بمعنى أن جسده وروحه تنزها عن الشوائب المكدرة والأدران المقيتة.

    ترعرع علي الأكبر في تلك الأوساط النظيفة، حيث قضى سني حياة صباه يدرج بين صفوة الرجال وصفوة النساء، وخيرة الفتيان والصبيان، بين شخصيات جليلة القدر وشباب يسمون نحو الكمال والعز والإباء. نشأ وترعرع وهو ملء العين، فتخطى الزمن وتجاوز الأيام، مضى يقضي أياماً زاهرة وليالي مباركة، وأشهراً وسنيناً خالدات، متسلقاً الدهر، يعلو فوق هامة التاريخ شخصاً فريداً في مجمل خصوصياته، وشاباً خلاّقاً في ربيع حياته، فرجلاً بطلاً ينفرد في مميزات جمة وجليلة سامية.. إذ نال من التربية ما يصعب على الكثيرين حصوله ونيله، حتى أبناء الملوك والأمراء، أبناء الأكاسرة، والقياصرة، وما هو وجه الشبه حتى نذكر ونمثل بأبناء الملوك؟!

    تربيته
    شب نحو العُلى والكمال، فهو بمستوى تعاطي القيم والمثل والتربويات القيمة، والحق أن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مكيفون لذلك منذ الصغر بدءاً من نعومة أظفارهم أي لا يشترط فيهم بلوغ سنٍ معينة ليكونوا على استعداد لأمر ما، كالتربية مثلاً التي تساير نشأتهم وترافق ترعرع صغارهم الكبار. أخذ علي الأكبر من التربية الشيء الكثير - دون أن نستكثره عليه سلام الله عليه - وذلك من أعضاء الأسرة الرسالية سواءً الرجال أو النساء، وخصوصاً والده الإمام الحسين الذي يقع عليه عبء إعدادهِ وتعبئتهِ إن صح قولنا عبء، والحق أن ذلك لم يكن عبئاً بنظرتهم، أهل البيت، لأنه من أخص خصوصياتهم، فلا يصعب عليهم تكوين النموذج الحي في التربية.

    لقد ندرك ببساطة عوامل بلوغ أحدهم مستوىً تربوياً عالياً جداً، وهي بعض عوامل تضلعهم العلم واضطلاعهم بالحكمة فضلاً عن التربية بالذات، وذلك عندما نأخذ بنظر الاعتبار وجود العناصر، أو توفر المقدمات الأساسية هذهِ سلفاً، وهي:
    1 - خلو الشخصية من الشوائب السلبية المعكرة والرافضة للإيجابيات والنافرة من الصفاء.
    2 - طهارة الروح، وصفاء النفس.
    3 - سلامة الضمير.. والتجاوب مع الوجدان.
    4 - نزاهة المشاعر، وسمو الأحاسيس..
    5 - التطلّع للأفضل والتوق للأحسن.
    6 - السعي للاقتراب من الكمال وبلوغ مستوى المسؤوليات ومستوى حمل الرسالة.

    هذه كلها مجتمعة تشكل تربة الأرض الخصبة لبذر بذور التربية وغرس أشجار التربية الراسخة الأصول، الضاربة الجذور.. الثابتة في الواقع طالما تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.. لقد كانوا أهل البيت يحرصون على تطبيق نظرياتهم التربوية الرحبة، ويشددون على ضبط الأساليب التهذيبية، ويخلصون في ممارستهم المنهجية من أجل إعداد الإنسان، إعداداً لا يقبلونه إن لم يكن معادلاً لمهامه ومعادلاً لواجباته ومخاطر مسؤولياته الموكل بها..

    انهم لا يقلدون أحداً أو فئة في طرائق التربية، وانما لهم عمقهم الفكري وبعد نظرتهم وإبداع أساليبهم، وممارساتهم المبتكرة، انهم يأخذون من الإسلام ما فيه من شذرات ليضيفوا إليها ليوضحوها ويفصلوها بتحويلها إلى فعل وعمل، إلى ترجمة حيوية صادقة، وذلك بجرها جراً إلى حيز التطبيق، لتدخل دائرة التجربة المؤكدة النجاح والحتمية العطاء.. أضف إلى تلك الممارسات الجادة، امتلاكهم للخبرة الواسعة جداً وإدراكهم للمناهج الفاشلة في هذا المضمار.

    ثم إن خريج مدارسهم إنسان رفيع في التربية،عالٍ في العلم، علواً يؤهله وبجدارة لأن يكون هو بشخصه مربياً ومعلماً ينهج ويبدع في المنهج الإسلامي، بل يكون هو بالذات مدرسة مستقلة كفيلة باستيعاب المجتمع وتقديم العطاءات الاصلاحية له، لأن خريج مدارسهم مكيف لذلك جاهز له بحكم مضمونه ومحتواه وكل إناء بالذي فيه ينضح. ولمن يريد الوقوف على مدارس التربية عند أهل البيت ومناهجهم الواعية، ولمن يريد التوفر على نظرياتهم الثرية، فما عليه إلا أن يراجع مذخوراتهم والثروة الكبيرة من التراث الذي خلفوه. سلام الله عليهم. ان خصوصيات مناهجهم، التربوية قد انعكست على مواقفهم الصارمة الحاسمة، ففوق أنها سر كمالهم، فهي تفسير مواقفهم المبدئية وقراراتهم الخطيرة التي آلوا على ألا يفرطوا في جنبها. ونحن إذ نمجد، والمسلمون إذ يمجدون ذلك فيهم فليس من باب الزهو بهم، وانما من باب التأثر والاقتداء بهم لندرك أسرار سيرتهم وأبعاد أعمالهم الصعبة وأمرهم المستصعب، الذي عجز الرجال عن تحمله لافتقارهم للرجولة ولأن رجولتهم الضعيفة تنقصها تربويات الإسلام وفق منهاجه التام.

    أوصافه وصفاته
    تمتع آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأوصاف جميلة وصفات جليلة، أوصاف ظاهرة على شخصياتهم للعيان وصفات كامنة تتجلى منهم عند التعرف إليهم ومعايشتهم كما لاحظها وعاشها المعاصرون لهم. تمتعوا بتجميع الكمالات لديهم دون استثناء أو افتقار لشيء صغير أو كبير.. تمتعوا بتجمع كبريات المواصفات وحسنيات الصفات النبيلة الساميات، فلم يتركوا جميلاً جليلاً إلا ولهم فيه خصوصية، وما من قبيح حقير إلا ولهم في النهي عنه وحربه ممارسات وظيفية.. ذلك لأن تمتعهم بما ذكرنا هو من أخص خصوصياتهم، التي أهلتهم للرسالة، بل هو من أهم اختصاصاتهم - بتعبير أدق -، إذ أنهم ينبغي أن يكونوا في مستوى ما يدعون إليه، وليس من المعقول أن يكونوا رواداً لنظريات ومبادئ، وهم بعيدون عنها أو يفتقرون لمؤهلاتها ومتطلباتها سواء أثناء الدعوة أو خلال التطبيق لما لديهم من مقررات، فالنظرية والتطبيق مما لا يمكن فصلهما قط.. وبذلك فان اختصاصهم الفعال هو كونهم المثل الأعلى، والقدوة الحسنى..
    ولو قمنا باستقصاء النظر في مميزاتهم، واستقرأنا مواصفاتهم وأخص خصوصيات شخصياتهم، لما عدونا علي الأكبر عنهم فيما كانوا عليه مما لم يشاركهم أحد فيه.. بل هو في ذروة المميزات وله الحظ الأكبر والقسط الأوفر منها، بحكم أنه شبيه جده النبيصلى الله عليه وآله وسلم، الذي حاز قصب السبق إذ كان الأول كما كان المنبع والمصدرصلى الله عليه وآله وسلم.

    وما قولنا بأنه شبيه جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مأخوذ من راوٍ أو مؤرخ أو شاهد عيان بسيط ومعاصر عادي، وإنما هو مأخوذ عن شاهد دقيق النظر، صادق صدوق، فقد صرح بذلك والده الإمام الحسين عليه السلام، وعنه روى الراوي وأرخ المؤرخ. سيما وأن الإمام أعرف الناس برسول الله، وأكثرهم التصاقاً به وأشدهم تعلقاً به كما أنه ورث منه واكتسب عنه، فلما ولد نجله علي الأكبر وشب يافعاً، فقد أخذ يوحي بصورته وأخلاقه ومنطقه إلى الرسول، فأضحى ذكراه وتذكاره حتى كان الناس - من أهل المدينة - يشتاقون لرؤياه، سلام الله عليه.. ثم ليس أكثر من أبيه الإمام الحسين حضوراً لملامح جده ومعالم تلك الشخصية العظيمة.. وعليه فان كلامه - والذي سنسجل نصه في القسم الثاني بمكانه المناسب - الذي يؤكد محاكاة علي للنبي وأنه أشبه الناس به خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً، كلام بمستوى الحضور الحقيقي. وكان علي الأكبر من أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً حسبما اتفق المؤرخون فضلاً عن اتفاقهم واجماعهم على مضمون تصريح أبيه الحسين من كونه مثيل الرسول من حيث الخلقة، والأخلاق، والنطق.

    وحري بنا أن نعود لتسجيل بعض ما ورد عن النبي الأعظم بالذات، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم: يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب أي الطويل القامة، عظيم الهامة رجل الشعر.. أزهر اللون واسع الجبين، أزج الحواجب سوابع في غير قرن، بينهما عِرق يدرّه الغضب، أقنى العِرنين، ولـه نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، أدعج، ضليع الفم، أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسرٌبة كأن عُنقه جيد دُمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق بادناً متماسكاً، سواء البطن والصدر عريض الصدر.. حتى يقول: خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جُلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدر من لقي بالسلام.

    تلك بعض أوصافه المقدسة، ومن بعض صفاته الجليلة تقرأ
    كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليس له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصلاً لا فضولاً ولا قصيراً فيه، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، يُعظم النعمة وان دقت ولا يذم منها شيئاً، ولا يذم ذواقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها.. وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ من طرفه، جُلّ ضحكه التبسم. وغير تلك الصفات والأوصاف الشيء الكثير لذلك الرجل الكامل، سيد الكمالات وصاحبها، على أن ما يروى بهذا الصدد إنما هو محاولة لتقريب شخصه الشريف للأذهان.

    وبعد: فلنا أن نؤكد حقائق هامة قبل أن نختم الموضوع، فنقول: بأن حرصنا للوقوف على الأوصاف والصفات وتأكيد التقاء علي الأكبر بالنبي الأعظم في مميزاته يرجع إلى أسباب هامة ومبررات موضوعية جادة، منها مثلاً:
    1 - إجلاء الشخصية الحيوية السامية، لا لأنها منتسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما لما اتسمت به مما توفر في شخص الرسول بالذات، ولمضمون الشخصية ومحتواها، وبحكم أنها تشكل المثل الأعلى.
    2 - إن الانتساب للرسول كان يكفي للاحترام والامتناع عن القتل، ولكن الأوصاف والصفات كانت تشكل حجة أكبر بجمعها مع النسب الشريف المقدس، ومن هنا كان العدو يخشى قتل علي الأكبر أو يتجنبه كما قيل، لا لأنه سليل الرسول بل لما فيه من اجتماع لمواصفات الرسول بيد أنهم تناسوا ذلك كله فانتهكوا حرمته..
    3 - إن أوصافهم وصفاتهم تعطي إيحاءات راقية ومفاهيم خلقية وقيماً ومثلاً نبيلة، لها دورها في إبراز مصداقية المعاني السامية الكريمة التي تكمن فيهم والتي يتسربلون بها.
    4 - وأخيراً فمن الضروري جداً إدراك هذه الناحية وهي أنه ليست المميزات المتطابقة مهمة بقدر أهمية تطابق المواقف الرسالية.. وقد شهد التاريخ لعلي الأكبر مواقف جده الصلبة الصارمة، وشهد له أنه شبيه جده رسول الله خلقاً وخُلقاً ومنطقاً وموقفاً وعملاً..

    فنحن إذ نقف على الخصال الخيرة المتطابقة، فليس على حساب تطابق النتائج، لاسيما وأن ثمة علاقة بين المميزات المتشابهة - كمقدمات - وبين المواقف المصيرية - كنتائج - ولنختم هذا الفصل ببيتين لشاعر الرسول حسان بن ثابت الذي قالها في علي الأكبر وهي:
    وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
    خلقت مبرّءاً من كل عيـب كأنك قد خلقت كما تشـاء
    .

    * حياة علـى الأكبـر عليه السـلام محمد علي عابدين



    تعليق


    • #3

      خلقاً برسول الله



      بلى اذن الحسين ( عليه السلام ) لولده باقتحام الشهادة . ولكن طريقة اذنه كانت فريدة ..
      رفع بصره الى السماء . وقال : اللهم إشهد على هؤلاء القوم . فقد برز اليهم غلام اشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنا إذا اشتقنا الى نبيك نظرنا الى وجهه ، اللهم امنعهم بركات الأرض ، وفرقهم تفريقاً ، ومزقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينـا يقاتلوننـا .
      ثـم صاح الحسين بعمـر بن سعد : مالك ؟ قطع اللـــه رحمك ولا بارك الله لك في أمرك ، وسلّط عليك مـن يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ثم رفع الحسين صوته وتلا : " إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيـم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " (3) .
      وهكذا أعطى الامام وساماً عالياً لهذا المجاهد الأمثل عند انطلاقته في عملية استشهادية فريدة .ولم يفه الامام المعصوم ( عليه السلام ) بحرف باطلاً حاشا لله . إنه مصباح الهدى وسفينة نجاة كما كتب على ســاق العرش ، فكيف ينطق بالباطل .
      في واقعة مشابهة عندما برز الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) الى عمر بن ود العامري في معركة الخندق . هناك ايضاً اعطى النبي له وساماً عظيماً حينما قال : برز الايمان كلّه الى الكفر كلّه ..
      منـذ القديم كان الناس يعرفون بفطرتهم امكانية انتقـال الصفات الجسدية والنفسية من الأب لإبنه او الجد لحفيده . ولكنّ البحوث العلمية الحديثة عمقت عندنا هذه المعرفة ، حينما كشفت لنا عن الجينات المورثة ومدى اثرها في نقل الصفات من جيل لآخـر . وهكذا كان علي الأكبر ( عليه السلام ) أشبه الناس برسول الله . حيث تجلت فيـه شمائل الرسول الكريمة . من نبرات صوته الى ملامح وجهه الى طريقة مشيته . حتى انه نقل أن يهوديــاً رأى في المنام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقرر ان يعتنق الدين الاسلامي . فجاء الى الامام الحسين ( عليه السلام ) فادعى رؤية رسول الله . فسأله ان كان يعرفه لو شاهده . قـال : بلى . فطلب علياً الأكبر . فلما رآه استغرق في العجب وقال كأنه هو .
      كانت ولا تزال الأمة الاسلامية بأشد ما تكون من الشوق الى رسول الله . حتى أن من الأدعية الشائعة حتى الان بين المؤمنين الدعوة لبعضهم البعض برؤية وجه رسول الله . وهكذا كان يتسلى المسلمون في ذلك العهد حيث ملامح الرسول لم تزل معروفة عند الكثير ممن رآه او سمع كامل وصفه ممن رآه من اصحاب الرسول ، كان يتسلى المسلمون بالنظر الى علي الأكبر .
      ولكن هذه الصورة المشابهة جسدياً ونفسياً للرسـول أصبحت مادة ثمينة للتربية المثلى . فاذا كانت صــورة علي الأكبر شبيهة بالنبي ، فإن نفسه أشـد ما تكون مناسبة لتلقـي اخلاق الرسول ايضـاً ..
      انها ذهبة خالصة ، صاغتها يد الولاية . يد الامام الحسين سبط النبي فصارت أشبه الناس خلقاً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنها شهادة عظيمة وعظيمة جداً ان يمتثل شخص ( من غير الأئمة ) صفات الرسول . كان الرسول هو القرآن بكل جماله وبهاءه وعظمته وروعته . ولقد وصفه الله سبحانه بأنه على خلق عظيم .
      وقد سرى حتى اليوم عطر خلقه في حقول الايمان حتى انتشى به كل من أراد كمالاً او رام جمالاً . باخلاقه العطرة ( صلى الله عليه وآله ) فتح القلوب ، وملك الأفئدة حتى قلوب اعداءه ..
      وعلي الأكبر ( عليه السلام ) تمثل تلك الأخلاق بأجلى صورها . فمن طلاقة الوجه ، الى أدب المنطق ، الى استقامة السلوك ، الى العفو والصفح ، الى الصبر والزهد، الى التقوى واليقيـن ، الى الشجاعة والتوكل ، وبالتالـي الى الخلق الذي هو أصل كل خلق فاضل وجذر كل سمو أي الصلة بالله سبحانه .
      إن بلوغ شخص درجة عالية من العلم ،كمال ، لاشك فـي اهميته وصعوبته . ولكن بلوغ انسان الى درجة عالية من الأخلاق وبهذا المستوى الأسمى من مجاهـدة النفس واتباع الوحي ، وتمثل الرسالة .. انها كمال لايسمو اليه كمـال .. ولقـد بلغـه علـي الأكبـر بشهـادة الامام الحسيـن ( عليه السلام ) .
      وانا وأنت . كم نخسر لو ضيعنا فرصة العمر الوحيدة ولما نتمثل خلق الرسول ولو بصورة جزئية . إن المال والجاه والزخارف الدنيوية كلها تصحبنا في أحسن الفروض الى بوابة الآخرة ، أي باب القبر . بينما الخلق الفاضل يصحبنا ليكون عوناً عند سكرات الموت ، وأنيساً في بيت القبـر ، وأمناً عند هول المطلع ، ونوراً في القيامة ، وثقلاً في الميزان عند الحساب ، ودرجة عاليـة في الجنان . على أنه في الدنيا نور وذكر حسن وسعادة .
      ولأن علي الأكبر ( عليه السلام ) كان قمة في الخلق المحمدي فقد شهد بفضله الناس وفرض شخصيته حتى علــى أعداءه . فهذا معاوية يزعم إن اولى الناس بالخلافـة إذا تجاوزت بني أمية انما هو علي الأكبر (4) .
      وكلام معاوية لا يهمنا إلا بقدر انه يعكس مدى انتشار ذكر علي الأكبر ( عليه السلام ) العطر في الآفاق حتى اضطر عدوه وعدو البيت الهاشمي الى الاعتراف بفضله .
      ____________________
      (3) بحار الأنوار / ج 45 / ص 43 .
      (4) بحار الأنوار / ج 45 / ص 45 .

      ​من شبكة الامامين الحسنين للتراث والفكر الاسلامي

      تعليق


      • #4
        زيارة الإمام علي الأكبر عليه السلام


        – السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ..
        اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ نَبِيِّ اللهِ ..
        اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ ..
        اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ الْحُسَيْنِ الشَّهيدِ ..
        اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الشَّهيدُ ..
        اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْمَظْلُومُ وَابْنُ الْمَظْلُومِ ..
        اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَابْنَ وَلِيِّهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الْمُصيبَةُ وَجَلَّتِ الرَّزِيَّةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ الْمُسْلِمينَ،
        فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكَ، وَاَبْرَأُ اِلَى اللهِ وَاِلَيْكَ مِنْهُمْ.


        منقووول​

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
        x
        يعمل...
        X