(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)/ (القصص:5).
الحمد لله حقّ حمده وكما يستحق أن يُحمد والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد صلى الله
عليه وآله الطيبين الطاهرين، لقد أنجز البارئ سبحانه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم
استوي على العرش، جل شأنه وعظم تقديره وهو الذي يستطيع خلق ما يشاء بالزمن الفاصل بين
الكاف والنون، فإذا علمنا أن اليوم عند الله جل جلاله (مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)/ (السجدة:5)،
نتوصل إلى حقيقة إلهية علمية تتطلب أن يتحقق التطور والتقدم في نشوء الأشياء وتطورها سواء
المادية أو المعنوية منها بشكل تدريجي متصاعد، وتلك سنة الله المفروضة على قوانين الحياة الدنيا
إلاّ فيما يتطلبه الأمر في المعجزات الخارقة لقوانين المادة والطبيعة. ثم بعث الحق الأنبياء
والمرسلين ليؤكدوا للبشر الصراط القويم الذي يحقق الخلافة الصحيحة التي أرادها الله من خلق
الإنسان، قال تعالى.. (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)/ (البقرة:30)،
فإذا أمعنت النظر في تسلسل الأديان والتشريعات السماوية وجدت قوانينها تتبلور تباعاً ديناً بعد دين
حتى تبلغ قمة النضوج بنزول القرآن الكريم بدين الإسلام على قلب سيد الكائنات محمد صلى الله
عليه وآله الذي حمل عبء تبليغ هذه الرسالة الكبرى بمؤازرة أهله وعشيرته وقليل من المؤمنين،
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله بتبليغ معالم الخارطة السياسية الخاصة بإدارة الدولة التي يجب
أن يلتزم بمفرداتها من بعده المسلمون والتي تتلخص بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام على
الأمة وَوُلده الأئمة الاثني عشر عليهم السلام بالتسلسل المعروف ضمن معتقداتنا. لكن الذي حصل
هو الانحراف عن عهد الله وبيعة وليه وتمزيق خارطة الطريق الإلهية بهوس التعطش للسلطة وحب
الدنيا والتحول إلى هدم المشروع الإلهي، وعرقلة عجلة التطور البشري بإبعاد آل محمد صلى الله
عليه وآله عن مراتبهم الطبيعية مما أدى إلى نكوص الأمة وتراجعها بعد أن تنكرت لنبيها وآل بيته،
فأذاقها الله صنوف العذاب بما اكتسبت أيديهم وما زالوا يكسبون، لكنه تعالى وعد نبيه وآله
والمؤمنين بأنه سيجعلهم الوارثين للأرض فشمل القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله بلطف
غيبه، وأمرنا بانتظار دولته انتظاراً بلا جمود بل هو انتظار متحرك يدور فيه المنتظِر حول عدة
محاور:
1- حتمية انتصار دولة الحق.
2- حتمية ظهور الإمام الحجة عليه السلام كأول قائد لهذه الدولة.
3- حتمية الرجعة لكل عناصر هذه الدولة التي سبق وأن أراد الله لها أن تكون.
4- حتمية التمحيص الذي يجب أن يتعرض له المنتظرون.
5- التمسك بنشر ثقافة الانتظار وتشمل:
أ- نشر ثقافة القرآن الكريم حفظاً وتلاوة وتفسيراً حسب منهج أهل البيت عليهم السلام.
ب- نشر ثقافة أهل البيت عليهم السلام عبر نشر أحاديثهم والاقتداء بأفعالهم ومواقفهم في حياتهم الشريفة.
ج- الاستفادة من وسائل الاتصال الحالية (الفضائيات - الانترنيت - الطباعة بلغات شتى) في
إيصال ثقافة الانتظار المتحركة سواء إلى المنتظرين أو إلى الناس كافة.
أمّا المنتظرون فإن التمحيص والفرز سيُظهر لنا أنهم ينقسمون إلى:
النخبة العليا التي هيّأها الله سبحانه للخروج مع وليه المنتظر وعددهم كعدة أهل بدر، وهم السادة
القادة لهذا المشروع الإلهي تحت قيادة ولي الله الأعظم عليه السلام.
الصف الثاني من الموالين المحبين العاملين ضمن مشروع نشر ثقافة الانتظار المتحركة، والموقنين
بحتمية ظهور الحجة بن الحسن عليه السلام، وحتمية عودة آل محمد؛ ليتبوأوا مراتبهم الحقة في
دولتهم (دولة العدل الإلهي).
وغير المنتظرين فهم نوعان:
الغافلون:
وهذا الصنف من البشر يحتاج إلى صدمة عنيفة ليفيق من غفلته وهي (لطف) إلهي يمنحه الله
سبحانه لبعض هؤلاء، كرامة لشفاعة محمد وآله صلى الله عليه وآله لفعل خيرٍ قاموا به أو استجابة
لدعاء من أبوين مؤمنين أو دعوة مستجابة لمحب مخلص، فإذا أفاقوا أكرمهم البارئ عز وجل
بإدخالهم ضمن دائرة المنتظرين، وهذا حقاً ما يجب أن يلتفت إليه الغافلون الذين هم كثرة في هذه
الأمة، ويجب على الصف الثاني من المنتظرين الموالين المحبين إفاضة هذا الولاء والحب على هذه
الفئة الغافلة وأن يكونوا مركز جذب لهم؛ لتوسيع دائرة المنتظرين الفاعلين ومن ثَمَّ تهيئة الظروف
الملائمة؛ لبدء عصر دولة آل محمد صلى الله عليه وآله.
المعاندون:
وهم الذين يصفهم أمير المؤمنين عليه السلام أنهم أتباع كل ناعق مع كل ريح يميلون، لم يستضيئوا
بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق وهم نواصب هذه الأمة وأعداء الدين قاتلهم الله أنى يؤفكون.
محمد شاكر الموسوي
دار القرآن الكريم في العتبة الحسينية المقدسة
تم نشره في المجلة العدد47