عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ :
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، أَتَدْرِي مَا مَنَعَ قَوْمَكُمْ مِنْهُمْ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ؟
فَكَرِهْتُ أَنْ أُجِيبَهُ فَقُلْتُ : إِنْ لَمْ أَكُنْ أَدْرِي فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْرِينِي !
فَقَالَ عُمَرُ : كَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا لَكُمُ النُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةَ ، فَتَجْحَفُوا النَّاسَ جَحْفاً ، فَاخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لِأَنْفُسِهَا فَأَصَابَتْ وَوُفِّقَتْ .
فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ تَأْذَنْ لِي فِي الْكَلَامِ وَتُمِطْ عَنِّي الْغَضَبَ تَكَلَّمْتُ .
فَقَالَ عُمَرُ : تَكَلَّمْ .
قُلْتُ : أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : (اخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لِأَنْفُسِهَا فَأَصَابْتَ وَوَفِّقْتَ) ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ ، وَقَدْ عَلِمْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ لِذَلِكَ مَنِ اخْتَارَ ، فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشاً اخْتَارَتْ لِأَنْفُسِهَا حَيْثُ اخْتَارَ اللَّهُ لَهَا لَكَانَ الصَّوَابُ بِيَدِهَا غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلَا مَحْدُودٍ . وَأَمَّا قَوْلُكَ : ﴿إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ تَكُونَ لَنَا النُّبُوَّةُ وَالْخِلَافَةُ﴾ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَ قَوْمًا بِالْكَرَاهَةِ فَقَالَ : ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ . وَأَمَّا قَوْلُكَ : إِنَّا كُنَّا نَجْحَفُ .. فَلَوْ جَحَفْنَا بِالْخِلَافَةِ جَحَفْنَا بِالْقَرَابَةِ ، وَلَكِنَّ أَخْلَاقَنَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ، وَقَالَ لَهُ : ﴿وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
فَقَالَ عُمَرُ : أَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ كَلَامٌ أَكْرَهُ أَنْ أُخْبِرَكَ بِهِ ، فَتَزُولَ مَنْزِلَتُكَ عِنْدِي .
فَقُلْتُ : وَمَا هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ أَخْبِرْنِي بِهِ ! فَإِنْ يَكُ بَاطِلًا فَمِثْلِي أَمَاطَ الْبَاطِلَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنْ يَكُ حَقّاً فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُزِيلَ مَنْزِلَتِي مِنْكَ .
فَقَالَ عُمَرُ : بَلَغَنِي أَنَّكَ لَا تَزَالُ تَقُولُ : (أُخِذَ هَذَا الْأَمْرُ حَسَداً وَظُلْماً) .
فَقُلْتُ : أَمَّا قَوْلُكَ - يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - حَسَداً ، فَقَدْ حَسَدَ إِبْلِيسُ آدَمَ ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَنَحْنُ بَنُو آدَمَ الْمَحْسُودُونَ . وَأَمَّا قَوْلُكَ ظُلْماً ، فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْلَمُ صَاحِبَ الْحَقِّ مَنْ هُوَ .
ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! أَلَمْ تَحْتَجّ الْعَرَبُ عَلَى الْعَجَمِ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ وَاحْتَجَّتْ قُرَيْشٌ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ سَائِرِ قُرَيْشٍ .
فَقَالَ عُمَرُ : هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! أَبَتْ قُلُوبُكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا غِشّاً فِي أَمْرِ قُرَيْشٍ لَا يَزُولُ ، وَحِقْداً عَلَيْهَا لَا يُحَوَّلُ .
فَقُلْتُ : مَهْلًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَا تَصِفْ قُلُوبَ قَوْمٍ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا بِالْحَسَدِ وَالْغِشِّ ! فَإِنَّ قُلُوبَهُمْ مِنْ قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الَّذِي طَهَّرَهُ اللَّهُ وَزَكَّاهُ ، وَهُمْ أَهْلُ الْبَيْتِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ : ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ . وَأَمَّا قَوْلُكَ : حِقْداً .. فَكَيْفَ لَا يَحْقِدُ مَنْ غُصِبَ شَيْئَهُ وَيَرَاهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ ؟!
فَقَالَ عُمَرُ : إِلَيْكَ عَنِّي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ! قُمِ الْآنَ فَارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ .
فَقُلْتُ : أَفْعَلُ .
فَلَمَّا ذَهَبْتُ لِأَقُومَ اسْتَحْيَا مِنِّي فَقَالَ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، مَكَانَكَ ! فَوَاللَّهِ إِنِّي لَرَاعٍ لِحَقِّكَ مُحِبٌّ لِمَا سَرَّكَ .
فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ لِي عَلَيْكَ حَقًّا وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، فَمَنْ حَفِظَهُ فَحَظَّهُ أَصَابَ ، وَمَنْ أَضَاعَهُ فَحَظَّهُ أَخْطَأَ .
ثُمَّ قَامَ فَمَضَى ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى مَنْزِلِهِ . وَقَالَ عُمَرُ لِجُلَسَائِهِ : وَاهاً لِابْنِ عَبَّاسٍ ! مَا رَأَيْتُهُ يُحَاجُ (لاحى) أَحَداً قَطُّ إِلَّا خَصَمَهُ .
المصادر :-
{ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد : الجزء (12) ، الصفحة (52) . والكامل في التاريخ لابن الأثير : الجزء (2) - الصفحة (439) . وتاريخ الطبري : الجزء (4) ، الصفحة (223) . والإيضاح لابن شاذان : الصفحة (87) . وقصص العرب : الجزء (2) - الصفحة (363) . والبحار للمجلسي : الجزء (31) - الصفحة (71) } .
لقد اعترف عُمَر بن الخطاب بأنّ ابن عباس قد لاحاه وخصمه وجبهه بأنّه غاصب لحق أهل البيت (عليهم السلام) ظالمٌ لهم ، وأنّه ما رضى باختيار اللّه عزّ وجلّ حيث اختار بني عبد المطلب على غيرهم ، ثمّ اختار منهم عليّاً (عليه السلام) علماً هادياً . بل ردّ اختيار اللّه واختار لقريش من اختار . بل جبهه بالكفر حيث استشهد بقوله عزّ وجلّ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ ومعلوم أنّ ذلك اشارة الى ما في الآية قبلها : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ . ولعلّ ابن عبّاس ذكر الآيتين كملاً وأسقطها الرواة .
قال النبي محمد (ص) لعلي (ع) : (أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلّا أنك لست بنبي ، وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي) . ولقد نزلت آية التبليغ الكريمة على النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة المصادف يوم الخميس ، لدى رجوع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع في مكان يسمى بـ"غدير خم" وكان عدد الحضور آنذاك هائلاً جداً من الناس . حيث أمر الله تعالى أن يخبر الناس بولاية ابن عمّه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فتخوّف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه .
فأوحى الله تعالى إليه :
قَالَ تَعَالَى : ﴿۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ - [سُّورَةُ الْمَائِدَةِ : 67.]
فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال :
أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟
قالوا : بلى يا رسول الله !
فأخذ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد الإمام علي (عليه السلام) وقال :
« مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ،
اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ » .
وتكملة في بعض النُسخ :
« وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ » .
ولقد بلغت المصادر (450) مصدر سني قد بيّن ذلك الحدث العظيم .
للدخول إليها :
https://justpaste.it/3uiir

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، أَتَدْرِي مَا مَنَعَ قَوْمَكُمْ مِنْهُمْ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ؟
فَكَرِهْتُ أَنْ أُجِيبَهُ فَقُلْتُ : إِنْ لَمْ أَكُنْ أَدْرِي فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْرِينِي !
فَقَالَ عُمَرُ : كَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا لَكُمُ النُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةَ ، فَتَجْحَفُوا النَّاسَ جَحْفاً ، فَاخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لِأَنْفُسِهَا فَأَصَابَتْ وَوُفِّقَتْ .
فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ تَأْذَنْ لِي فِي الْكَلَامِ وَتُمِطْ عَنِّي الْغَضَبَ تَكَلَّمْتُ .
فَقَالَ عُمَرُ : تَكَلَّمْ .
قُلْتُ : أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : (اخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لِأَنْفُسِهَا فَأَصَابْتَ وَوَفِّقْتَ) ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ ، وَقَدْ عَلِمْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ لِذَلِكَ مَنِ اخْتَارَ ، فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشاً اخْتَارَتْ لِأَنْفُسِهَا حَيْثُ اخْتَارَ اللَّهُ لَهَا لَكَانَ الصَّوَابُ بِيَدِهَا غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلَا مَحْدُودٍ . وَأَمَّا قَوْلُكَ : ﴿إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ تَكُونَ لَنَا النُّبُوَّةُ وَالْخِلَافَةُ﴾ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَ قَوْمًا بِالْكَرَاهَةِ فَقَالَ : ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ . وَأَمَّا قَوْلُكَ : إِنَّا كُنَّا نَجْحَفُ .. فَلَوْ جَحَفْنَا بِالْخِلَافَةِ جَحَفْنَا بِالْقَرَابَةِ ، وَلَكِنَّ أَخْلَاقَنَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ، وَقَالَ لَهُ : ﴿وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
فَقَالَ عُمَرُ : أَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ كَلَامٌ أَكْرَهُ أَنْ أُخْبِرَكَ بِهِ ، فَتَزُولَ مَنْزِلَتُكَ عِنْدِي .
فَقُلْتُ : وَمَا هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ أَخْبِرْنِي بِهِ ! فَإِنْ يَكُ بَاطِلًا فَمِثْلِي أَمَاطَ الْبَاطِلَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنْ يَكُ حَقّاً فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُزِيلَ مَنْزِلَتِي مِنْكَ .
فَقَالَ عُمَرُ : بَلَغَنِي أَنَّكَ لَا تَزَالُ تَقُولُ : (أُخِذَ هَذَا الْأَمْرُ حَسَداً وَظُلْماً) .
فَقُلْتُ : أَمَّا قَوْلُكَ - يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - حَسَداً ، فَقَدْ حَسَدَ إِبْلِيسُ آدَمَ ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَنَحْنُ بَنُو آدَمَ الْمَحْسُودُونَ . وَأَمَّا قَوْلُكَ ظُلْماً ، فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْلَمُ صَاحِبَ الْحَقِّ مَنْ هُوَ .
ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! أَلَمْ تَحْتَجّ الْعَرَبُ عَلَى الْعَجَمِ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ وَاحْتَجَّتْ قُرَيْشٌ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ سَائِرِ قُرَيْشٍ .
فَقَالَ عُمَرُ : هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! أَبَتْ قُلُوبُكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا غِشّاً فِي أَمْرِ قُرَيْشٍ لَا يَزُولُ ، وَحِقْداً عَلَيْهَا لَا يُحَوَّلُ .
فَقُلْتُ : مَهْلًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَا تَصِفْ قُلُوبَ قَوْمٍ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا بِالْحَسَدِ وَالْغِشِّ ! فَإِنَّ قُلُوبَهُمْ مِنْ قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الَّذِي طَهَّرَهُ اللَّهُ وَزَكَّاهُ ، وَهُمْ أَهْلُ الْبَيْتِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ : ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ . وَأَمَّا قَوْلُكَ : حِقْداً .. فَكَيْفَ لَا يَحْقِدُ مَنْ غُصِبَ شَيْئَهُ وَيَرَاهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ ؟!
فَقَالَ عُمَرُ : إِلَيْكَ عَنِّي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ! قُمِ الْآنَ فَارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ .
فَقُلْتُ : أَفْعَلُ .
فَلَمَّا ذَهَبْتُ لِأَقُومَ اسْتَحْيَا مِنِّي فَقَالَ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، مَكَانَكَ ! فَوَاللَّهِ إِنِّي لَرَاعٍ لِحَقِّكَ مُحِبٌّ لِمَا سَرَّكَ .
فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ لِي عَلَيْكَ حَقًّا وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، فَمَنْ حَفِظَهُ فَحَظَّهُ أَصَابَ ، وَمَنْ أَضَاعَهُ فَحَظَّهُ أَخْطَأَ .
ثُمَّ قَامَ فَمَضَى ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى مَنْزِلِهِ . وَقَالَ عُمَرُ لِجُلَسَائِهِ : وَاهاً لِابْنِ عَبَّاسٍ ! مَا رَأَيْتُهُ يُحَاجُ (لاحى) أَحَداً قَطُّ إِلَّا خَصَمَهُ .
المصادر :-
{ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد : الجزء (12) ، الصفحة (52) . والكامل في التاريخ لابن الأثير : الجزء (2) - الصفحة (439) . وتاريخ الطبري : الجزء (4) ، الصفحة (223) . والإيضاح لابن شاذان : الصفحة (87) . وقصص العرب : الجزء (2) - الصفحة (363) . والبحار للمجلسي : الجزء (31) - الصفحة (71) } .
لقد اعترف عُمَر بن الخطاب بأنّ ابن عباس قد لاحاه وخصمه وجبهه بأنّه غاصب لحق أهل البيت (عليهم السلام) ظالمٌ لهم ، وأنّه ما رضى باختيار اللّه عزّ وجلّ حيث اختار بني عبد المطلب على غيرهم ، ثمّ اختار منهم عليّاً (عليه السلام) علماً هادياً . بل ردّ اختيار اللّه واختار لقريش من اختار . بل جبهه بالكفر حيث استشهد بقوله عزّ وجلّ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ ومعلوم أنّ ذلك اشارة الى ما في الآية قبلها : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ . ولعلّ ابن عبّاس ذكر الآيتين كملاً وأسقطها الرواة .
قال النبي محمد (ص) لعلي (ع) : (أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلّا أنك لست بنبي ، وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي) . ولقد نزلت آية التبليغ الكريمة على النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة المصادف يوم الخميس ، لدى رجوع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع في مكان يسمى بـ"غدير خم" وكان عدد الحضور آنذاك هائلاً جداً من الناس . حيث أمر الله تعالى أن يخبر الناس بولاية ابن عمّه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فتخوّف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه .
فأوحى الله تعالى إليه :
قَالَ تَعَالَى : ﴿۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ - [سُّورَةُ الْمَائِدَةِ : 67.]
فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال :
أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟
قالوا : بلى يا رسول الله !
فأخذ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد الإمام علي (عليه السلام) وقال :
« مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ،
اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ » .
وتكملة في بعض النُسخ :
« وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ » .
ولقد بلغت المصادر (450) مصدر سني قد بيّن ذلك الحدث العظيم .
للدخول إليها :
https://justpaste.it/3uiir