عَلِيٌّ الأَكبَرُ عليه السلام مِرآةُ الجَمَالِ المُحَمَّدِيّ
أبت المعالي أن تجتمع في شخصية واحدة إلّا أنها أذعنت تحت فضائل أهل البيت عليهم السلام
فكانوا شمساً مضيئة تدور حولها الأفلاك؛ لتستضيء من انعكاساتها بقية الأنام، وفي معركة الطف
تجلّت هذه المعالي، وظهرت بصور متعددة، كالخلود عبر بوابة الشهادة، وعبيط الدم؛ لتبقى راية الإسلام خفّاقة.
وكان للإيثار صولات وجولات في هذه الواقعة، وهي متعددة منها:
موقف الإمام الحسين عليه السلام مع أولاده وبخاصة مع عليّ الأكبر عليه السلام,
وموقف عليّ الأكبر عليه السلام من الواقعة، وإيثاره بنفسه لإعلاء كلمة الحق.
وظهرت هذه الصورة جلياً عندما استرجع الإمام الحسين عليه السلام
وسأله الأكبر عن سبب استرجاعه لثلاث مرات، فقال الحسين عليه السلام:
"خفقت برأسي خفقة، فعنّ لي فارس يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم, فعلمت أنها أنفسنا نُعيتْ إلينا".
قال الأكبر عليه السلام: يا أبتِ ألسنا على الحق؟!
فقال الحسين عليه السلام: "بلى والذي إليه مرجع العباد".
قال علي الأكبر عليه السلام: إذن لا نبالي أن نموت محقّين.
فقال الحسين عليه السلام: "جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده".(1)
في هذا الموقف تظهر صورة الإمام الحسين عليه السلام وهو يقدّم نفسه وأهل بيته إلى الموت على
أيدي أكثر الناس حقداً لأهل البيت عليهم السلام ؛ ليستقيم دين جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله،
ومن المؤكد أنّ للولد الأكبر في نفسية الأب معزة خاصة تفوق عن بقية الأولاد، فكيف لو كان هذا
الولد كعليّ الأكبر عليه السلام الذي هو أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً برسول الله صلى الله عليه وآله
ويحمل كلّ الشمائل التي يتصف بها رسول الله صلى الله عليه وآله ،
وقد ذكر الإمام الحسين عليه السلام ذلك بقوله في واقعة الطف: "اللهم اشهد على هؤلاء القوم،
فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك محمد صلى الله عليه وآله، كنا إذا
اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه"(2)،
وهذا يدلّ على أنّ التضحية والإيثار بهذا الولد السيّد
وهو البقية الفذة من آل الرسول صلى الله عليه وآله
وهو في ريعان شبابه تضحية عظيمة، لكنها تهون من أجل إعلاء كلمة (الله أكبر).
وفي المقابل نلاحظ صورة عليّ الأكبر عليه السلام، وهو ذلك الفتى الشجاع الصنديد الذي يقابل
كلام أبيه بهذه المقولة: (ألسنا على الحق فلا نبالي)، إذ تُبيّن مدى استعداده للتضحية والإيثار
بنفسه، وهو لا يبالي إن وقع عليه الموت أم وقع الموت عليه، فالطريق الوحيد الذي يشاهده عليّ
الأكبر عليه السلام هو عدم المداهنة في الحق؛ لأنه بحقّ شبل حيدر الكرار عليه السلام ، وقد أبلى
بلاءً عظيماً، قدّم فيه أروع صور البطولة في واقعة الطف، فلقد قتل بسيفه مائة وعشرين من أقوياء
القوم، ثم قُتل شهيداً بضربات القوم، فأفرغوا حقدهم الدفين فيه.
ولقد عمد الإمام زين العابدين عليه السلام إلى دفن عليّ الأكبر عليه السلام بالقرب من جسد الإمام
الحسين عليه السلام ؛ تمييزاً له عن غيره، وللفت الأنظار إلى فضله، فهو عليّ الأكبر عليه السلام،
مرآة الجمال المحمديّ، ووارث خِصال النبيّ صلى الله عليه وآله.
..................................
(1) علي الأكبر: ص94-95.
(2) كلمات الإمام الحسين: ج1، ص456.
وفاء عمر عاشور
تم نشره في المجلة العدد 88
أبت المعالي أن تجتمع في شخصية واحدة إلّا أنها أذعنت تحت فضائل أهل البيت عليهم السلام
فكانوا شمساً مضيئة تدور حولها الأفلاك؛ لتستضيء من انعكاساتها بقية الأنام، وفي معركة الطف
تجلّت هذه المعالي، وظهرت بصور متعددة، كالخلود عبر بوابة الشهادة، وعبيط الدم؛ لتبقى راية الإسلام خفّاقة.
وكان للإيثار صولات وجولات في هذه الواقعة، وهي متعددة منها:
موقف الإمام الحسين عليه السلام مع أولاده وبخاصة مع عليّ الأكبر عليه السلام,
وموقف عليّ الأكبر عليه السلام من الواقعة، وإيثاره بنفسه لإعلاء كلمة الحق.
وظهرت هذه الصورة جلياً عندما استرجع الإمام الحسين عليه السلام
وسأله الأكبر عن سبب استرجاعه لثلاث مرات، فقال الحسين عليه السلام:
"خفقت برأسي خفقة، فعنّ لي فارس يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم, فعلمت أنها أنفسنا نُعيتْ إلينا".
قال الأكبر عليه السلام: يا أبتِ ألسنا على الحق؟!
فقال الحسين عليه السلام: "بلى والذي إليه مرجع العباد".
قال علي الأكبر عليه السلام: إذن لا نبالي أن نموت محقّين.
فقال الحسين عليه السلام: "جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده".(1)
في هذا الموقف تظهر صورة الإمام الحسين عليه السلام وهو يقدّم نفسه وأهل بيته إلى الموت على
أيدي أكثر الناس حقداً لأهل البيت عليهم السلام ؛ ليستقيم دين جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله،
ومن المؤكد أنّ للولد الأكبر في نفسية الأب معزة خاصة تفوق عن بقية الأولاد، فكيف لو كان هذا
الولد كعليّ الأكبر عليه السلام الذي هو أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً برسول الله صلى الله عليه وآله
ويحمل كلّ الشمائل التي يتصف بها رسول الله صلى الله عليه وآله ،
وقد ذكر الإمام الحسين عليه السلام ذلك بقوله في واقعة الطف: "اللهم اشهد على هؤلاء القوم،
فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك محمد صلى الله عليه وآله، كنا إذا
اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه"(2)،
وهذا يدلّ على أنّ التضحية والإيثار بهذا الولد السيّد
وهو البقية الفذة من آل الرسول صلى الله عليه وآله
وهو في ريعان شبابه تضحية عظيمة، لكنها تهون من أجل إعلاء كلمة (الله أكبر).
وفي المقابل نلاحظ صورة عليّ الأكبر عليه السلام، وهو ذلك الفتى الشجاع الصنديد الذي يقابل
كلام أبيه بهذه المقولة: (ألسنا على الحق فلا نبالي)، إذ تُبيّن مدى استعداده للتضحية والإيثار
بنفسه، وهو لا يبالي إن وقع عليه الموت أم وقع الموت عليه، فالطريق الوحيد الذي يشاهده عليّ
الأكبر عليه السلام هو عدم المداهنة في الحق؛ لأنه بحقّ شبل حيدر الكرار عليه السلام ، وقد أبلى
بلاءً عظيماً، قدّم فيه أروع صور البطولة في واقعة الطف، فلقد قتل بسيفه مائة وعشرين من أقوياء
القوم، ثم قُتل شهيداً بضربات القوم، فأفرغوا حقدهم الدفين فيه.
ولقد عمد الإمام زين العابدين عليه السلام إلى دفن عليّ الأكبر عليه السلام بالقرب من جسد الإمام
الحسين عليه السلام ؛ تمييزاً له عن غيره، وللفت الأنظار إلى فضله، فهو عليّ الأكبر عليه السلام،
مرآة الجمال المحمديّ، ووارث خِصال النبيّ صلى الله عليه وآله.
..................................
(1) علي الأكبر: ص94-95.
(2) كلمات الإمام الحسين: ج1، ص456.
وفاء عمر عاشور
تم نشره في المجلة العدد 88
تعليق