تصرّح نهاية الآية ٧٦ من سورة يوسف على حقيقة ديناميكية العلم وعدم توقف سلسلة تقدّمه وتطوره ، قال تعالى { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } . والآية تحمل للعلماء رسالتين مهمّتين ، الأولى : تُعالج عندهم مرض الغرور والعُجب - لا سامح الله - وتزرع فيهم روح التواضع ، باعتبار أن هناك فوق كل عالِم من هو أعلم منه .. والثانية : تأكيد الظمأ العلمي المستمر والحثّ على عدم الاكتفاء بمستوى معين من مستويات العلم باعتبار أن هناك دائماً ما هو جديد ..
والسؤال هو : هل تقرر الآية هنا أن الحقيقة تبقى دائماً مجهولة ، باعتبار انه كل نتيجة علمية توصَّلَ اليها عالِم ما في حقل ما .. توجد نتيجة أعلى وأصحّ منها وأدّق عند عالِم آخر فوقه وأعلم منه .. وفي النهاية فإنه لا توجد نتيجة او حقيقة يُركن إليها أبدا .. ! وهذا نحو انسداد للعلوم جميعها ..
وسنحاول الإجابة هنا ضمن نقاط :
١. جواب نقضي ، بمعنى أن الآية لا يُفهم منها التسلسل المفتوح بقدر ما توضح حقيقة مفادها أن هناك صنفين من أصحاب العلوم ، صنف يكون علمهم علماً طارئاً - على حد تعبير السيد الطباطبائي - عبّر عنه القرآن بذي علم ، وصنف آخر يكون علمه علماً أصيلاً وراسخاً ، وهذا الصنف عبّر عنه القرآن بالعليم ( فعيل : صيغة مبالغة ) .
٢. يمكن أن نفهم الأمر حسب نظرية التوالد الذاتي للمعرفة التي نحتها وحقق بها السيد محمد باقر الصدر قدس سره ، ولنفهمها هنا بأن الحقائق نفسها متسلسلة بحيث كل حقيقة تؤدي الى حقيقة أخرى وتفتح الطريق نحوها .. وهذا هو واقع أكثر العلوم العقلية والطبيعية ..
٣. الحقيقة - المعلومة - واحدة ولكن الداركين لها متفاوتون في مستوى إدراكها وفهمها ، فبعضهم يعلمها على مستوى الوهم وآخر يشك بها وثالث يظنّها ورابع متيقن بها بحسب التقسيم المنطقي للعلم ..
٤. قد يكون التوسع بتعدد العلوم لا في التعمّق في العلم الواحد ، ( أَعْلَمُ النَّاسِ مَنْ جَمَعَ عِلْمَ النَّاسِ إِلَى عِلْمِهِ ) كما ورد ..
٥. تجدد مواضيع العلوم وحاجاتها يؤدي الى تطورها نوعاً وكمّاً وعدم توقفها عند حدّ ، وبالتالي فهي سنّة تاريخية للعلوم وتعتبر قسرية لعلماء كل جيل بأنه سيأتي بعدهم من هو أوسع وأكثر علماً بفعل هذا القانون التاريخي الحاكم للعلوم ..
وقد تكون هنالك تفسيرات أخرى .. نلتمسها من تأملاتكم