اعوذ بالله العلي العظيم من الشيطان اللعين الرجيم،، بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ونبينا حبيب قلوبنا رسول الله محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا
وصلى الله على سيدنا ونبينا حبيب قلوبنا رسول الله محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا
في الفقرات التالية اطرح عليكم بعض الأفكار الخاصة وفق معايير اسلامية بسيطة قد تكون متدارجة لدى الجميع. الهدف من هذا الطرح الرقي بتفكير الشخص ونظرته للامور ومحاولة استعياب كيف ان ديننا الاسلامي يفوق مجرد واجبات وحقوق، بل هو منهج يحكم وينظم حياة الفرد ويسمو به الى اعلى درجات الصراط المستقيم حسب نيته وسعيه ومجهوده. هذه الأفكار ليست محكومة باسس جامدة بل مكونة من اسس مرنة ومتغيره وقابلة للتعدد لا للحصر كما هي قابلة للتاقلم حسب الموضوع بشتى الاماكن والازمنة. كما توضح هذه الأفكار برايي المتواضع ان الله سبحانه وتعالى هو المحور المطلق الذي نسعى حوله شئنا ام ابينا وان الانسان خلق ليسعى نحوه سبحانه دون توقف ويقترب او يبتعد حسب مدى صفاء نيته حيث انما الاعمال بالنيات.
الجزء الأول - الاسلام والتوحيد
ان الله عز وجل وعد البشر بانه لن يقبل غير الاسلام دينا، وكما ادخلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الدين العظيم بشهادة ان لا اله الا الله، او بمعنى اخر (التوحيد)، وانه صلى الله عليه واله وسلم رسوله ومبعوث لهداية البشرية اجمع وان الرسل والانبياء عليهم السلام من قبله مشوا على نفس النهج ونفس الرسالة بدرجات مختلفة تمهيدا لاتمامها بخاتم الانبياء والرسل عليه واله صلوات الله وسلامه، ابدا طرحي بمحاولة تعريف مختصرة للتوحيد وما المقصود منه باختصار.
ان من البديهي ان تعجز عقولنا عن معرفة ذات الله عز وجل حيث انه ليس كمثله شيء. لكننا نسعى ونتوق اليه بنفس الوقت حيث ان كل شيء من خزائنه سبحانه. فان كان المال والحياة الكريمة هما المغزى من حياة الانسان فالرزق من عند الله، وان كانت المكانة الاجتماعية هي الاخرى المغزى فالله يرفع الدرجات، وان كان العلم والتفقه هو المغزى فان الله علم بالقلم، وان كان العمل والبناء والإعمار هم ايضا المغزى فبحول الله وقوته... وهكذا تتوالى الافكار والمصدر يبقى هو الله سبحانه وتعالى. هنا قد يستدرك المرء امرا ويستوعب ان الخلق كله من الله تعالى، بما فيه من الامور المعنوية قبل المادية، وحاشى لله ان يخلق اي شيء عبثا. وان الهدف من الخلق معرفته سبحانه. ولكن كيف نعرف الله تعالى وهو اعظم من ان تفقهه عقولنا وقدراتنا؟
قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولانعت موجود، ولا وقت معدود، ولا اجل ممدود. فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان ارضه.
أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه.
لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار اليه، ومن أشار اليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه.
كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير اذ لا منظور اليه من خلقه، متوحد اذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده)
من كلام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام نجد ان اعلى مستويات الكمال تصل الى نفي الصفات عن الباري عز وجل. فعلى سبيل المثال ان قلنا بان الله كريم يجب ان نعي ان الكرم ليس صفة منسوبة له سبحانه (لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة) بل هو من خلق الكرم بذاته. فالصفة والموصوف مختلفان فالاولى (الكرم) مخلوق والثاني (الله عز وجل) خالق. بعكس ان نصف شخص ما بالكرم حيث انه لم يمتلك الصفة بل نسبت اليه ولمدى محدود، بينما الله تعالى كرمه ملك ولا حد له.
ان لله عز وجل جميع الصفات الحميدة والجليلة وهو منزه عن جميع الصفات الاخرى. مع الاخذ بالاعتبار الفصل بين الصفة والموصوف، يمكن للمرء القول بأن الله كامل في جميع صفاته فذاته سبحانه لا ينقصها شيء. لا يمكن وصف او تحليل هذا النوع من الكمال فهو خاص للباري عز وجل ولايوجد، باي لغة كانت، وسيلة للتعبير عنه. كل ما يستطيع المرء فعله هو المحاولة بطريقة ما ان يقول شيئا لا يمكن قوله. ولكن تبقى تلك الصفات الحميدة منارا لنا لنسأل الله تعالى ان يهدينا اياها من كرمه ما نصل منها الى غاية رضاه. هذا، برايي الشخصي المتواضع، هو المغزى من التوحيد، ان نسعى ونعمل بجد ونسال الله تعالى ان يهبنا من صفاته الحميدة حتى نصل درجة الكمال البشري التي وصلها رسول الله واهل بيته صلوات الله عليهم وسلامه.
الجزء الثاني - يس والكمال البشري
قدم لنا رسول الله واهل بيته صلوات الله عليهم وسلامه نموذجا يستحال الوصول اليه لكمال الانسان. حيث بعث الرسول عليه واله الصلاة والسلام ليتمم مكارم الاخلاق ولشهادة الباري عز وجل انه لعلى خلق عظيم، يقف كل عاقل حيرانا في محاولة استيعاب من هم اهل البيت. اقتبس هنا حديثا لامير المؤمنين كان ولازال لغزا عصيبا بالنسبة لي لكن ضمن امكاناتي المحدودة ساحاول توظيف هذا الحديث بالسياق التالي. قال عليه الصلاة والسلام: (انا النقطة انا الخط، انا الخط انا النقطة، انا النقطة والخط). ان اخذنا هذا الحديث كوسيلة تعريف الامام عليه الصلاة والسلام فقط كانسان وافترضنا ان المقصود بالنقطة هو القدرة المجردة، بمعنى ان يكون المرء قادر على شيء ما. والاخذ ان الخط، رياضيا على الاقل، يتكون من عدد من النقاط قد تكون محدودة اوغير منتهية. يمكن للمرء القول بان احد تفاسير هذا الحديث ان الامام عليه الصلاة والسلام له قدرة خاصة تسبق قدرات اخرى يكتسبها، ثم يعيد الكرة ويعكس المعادلة ويقول انه له قدرات متعددة قبل ان تكون له قدرة خاصة. وينتهي بجمعهم معا ويقول لدي جميع القدرات، الخاصة المنفردة (النقطة) والمتعددة منها (الخط). لتبسيط الامور اكثر لنقل ان فرضيات علم النفس في الانا والانا العليا صحيحة وان الانسان، كما شبهه احد علماء النفس، مكون من رجل ضعيف مبصر (الانا) يستند على رجل قوي اعمى (الانا العليا) وربطنا هذا المفهوم بحديث الامام عليه الصلاة والسلام. يمكن للمرء ان يستنتج او يستخلص ان النقطة هي الانا العليا، او كما احب ان اصفها انها القدرة المجردة البحتة على الوجود التي وهبنا اياها الباري عز وجل. بينما يرتبط الخط مع القدرات الاخرى، وساحصرها للتوضيح فقط بالحواس الخمس. اذن، ان الانسان يتكون من قدرة منحها اياه الخالق على ان يكون موجودا فقط واتبعها بانظمة بيولوجية وحواس مختلفة تجسد هذه القدرة. بالمقابل، لا يمكن الوجود، بهذا العالم المادي على الاقل، بدون تلك الحواس والانظمة قتسبق هذه تلك والعكس كذلك. نهاية، يتكون الانسان منهما الاثنين معا. هذا باختصار تحليلي الشخصي المتواضع لجزئية من كلام امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
تدعيما لهذا التحليل المبسط والمختزل، استعين باسم من اسامي الرسول صلى الله عليه واله وسلم الذي اختاره الله له الا وهو يس. وقد اختلف المفسرون في معنى هذا الاسم لكن هناك تفسيرا قد جذب اهتمامي بسبب دعمه للتحليل السابق. هذا التفسير اخذ الاسم نحويا باعتبار ان الياء حرف نداء بينما السين هي المغزى والقصد. واقتبس هنا:
(ان سبب اختيار حرف س من بين حروف التهجي لانه الحرف الوحيد الذي يكون عدد ظاهره وباطنه متساويين وان لكل حرف عند المتخصصين بعلم الحروف والاعداد زبرا وبينة. وحين مطابقة عدد زبر وبينة كل حرف يكون عددهما مختلفا الا حرف س فان زبره يساوي بينته.
الزبر هو رسم الحرف الذي يخط على الكراس وهو حرف واحد س ولكن عند التلفظ يكون ثلاثة حروف س ي ن. فكل مازاد على رسم الحرف وخطه في تلفظه يكون بينه. وعدد س عند العلماء يساوي ٦٠ وعدد ي ١٠ بينما عدد ن ٥٠ فيكون جمعهما ٦٠ ايضا
فيتساوى عدد س وعدد ين لذلك يتساوى زبره وبينته.
ولذلك خاطب الله تعالى نبيه قائلا: يس، الياء حرف نداء وس الى اعتدال ظاهره وباطنه).
للتوضيح اكثر ومحاولة لربط هذا التفسير بتحليل كلام امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، لو اعتبرنا ان س هي النقطة والخط معا. والبينة ي هي النفطة بينما ن تعتبر الخط، ستجد معادلة متساوية الطرفين اي ٦٠=١٠+٥٠، هذا التفسير يقودنا الى فكرة التوازن بالوجود وان الكمال، المادي على الاقل، لا يتحقق بدونه. انه هو المقياس الذي يجب علينا ان نسعى اليه حتى ان لن نصله.
الجزء الثالث - عالم تأمل للقدرات
ان التامل في خلق الله عز وجل، برايي الشخصي المتواضع، واجب على كل انسان. بغض النظر عن المدى والبعد والعمق لهذا التامل، تاتي النتيجة او الاستنتاج سليمان ان كانا تحت مظله التوحيد عامة ونبوة الرسول وامامة اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم خاصة. فكما قال سيد الخلق عليه واله صلوات الله وسلامه: (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث ما دار). ان عمق معنى هذا الحديث يفوق وصفي المتواضع، حيث من الاسهل نسبيا ان يدور الشخص مع الحق في حين انه شبه من المستحيل ان يدور الحق مع شخص ما دون احقية ورعاية الهية خاصة جدا. واختيار الرسول لكلمة الدوران بدل اي كلمة مرادفة يوحي بان هنالك محور ثابت يدور المعصومين حوله يجعل الحق ملزما باتباعهم. هذا المحور، برايي الشخصي، هو الصراط المستقيم.
عودة الى موضوع التامل، ان اخذنا فكرة النقطة والخط وارتفعنا بها قليلا لنطبقها على كل مخلوق، سنجد انه بالامكان ان نصف جميع المخلوقات على نفس المبدأ. فعلى سبيل المثال، للصخرة قدرة على الوجود شأنها شأن أي مخلوق اخر كالانسان (نقطة). ولها خط او مجموعة من القدرات الاخرى التي تمكنها من اكتساب الصفات التي تميزها عن بقية المخلوقات. فهي باختصار جامدة، صلبة، لها ملمس معين، وغير متحركة في حين انها خاضعة لقوانين الفيزياء بنفس الوقت وتتاثر باي قوى خارجية. لمن له معرفة بعلوم الكمبيوتر ربما سيجد تشابها كبيرا بين ما اود التعبير عنه ومفهوم الobject oriented في البرمجة الحديثة رغم اختلاف المسميات وطريقة التطبيق. فعلى سبيل المثال، صادفتني لعبة كمبيوتر قبل عدة سنين اسمهما مدير كرة القدم او football manager كانت ولازالت تتمحور حول ادارة المستخدم لنادي كرة قدم في بيئة محاكاة او simulation. في صميم هذه اللعبة هنالك قاعدة بيانات تخص جميع المعرفات في اللعبة وتحتوي على قيم برمجية تستخدم في تسيير عمل او سلوك هذا المعرف وفق برمجة معقدة. فلاعب كرة القدم مثلا له اسم وعمر ومهارات وصفات اخرى تحدد مثلا قيمته المالية بالسوق او الموقع الافضل ليمارس وظائفه بالملعب او حتى مدى رغبته باللعب وتوافقه مع المدرب او المستخدم. الخلاصة من هذا المثال ان صناع ومبرمجي هذه اللعبة نجحوا، لحد ما، في ترجمة قدرات جسدية ومعنوية الى قيم رياضية وبرمجية يحددون منها طبيعة المحاكاة للواقع في اطار عالم كرة القدم. السؤال الذي يطرح نفسه الآن مالذي يمنع ان نحول القدرات او النقط الى متغيرات رياضية نستطيع من خلال وضعها باطار محكم ان نستنتج معنى الشيء من خلال طبيعة عمله وسلوكه؟
الجزء الرابع - المحور الثالث
من دراستي لمادة فلسفة معنى حياة الانسان من وجهة نظر غربية سنحت لي الفرصة لدراسة عدة روايات كانت واحدة منها لميلان كنديرا باسم the unbearable lightness of being. تناقش هذه الرواية عدة مفاهيم فلسفية واخرى اخلاقية وانسانية. لكن ما جذبني منها عبارة (es muss sein او يجب ان يكون كذلك). بغض النظر عن المعنى الذي يقصده كنديرا ومن خلال مناقشتي لمعلم المادة وصلنا الى استنتاج مبدأي بان المعنى محصور بين الوجوب والفرض. بمعنى ان يكون القدر قد حدد المعنى مسبقا ولايمكن النظر اليه باي صورة اخرى، او انه يمكن ان نفترض وجود اتجاه مضاد باسم (muss es sein? او هل يجب ان يكون كذلك؟) وان المعنى قد يصادف اي شيء اخر. بعد تفكر واطلاع حاولت معالجة هذه النظرية والنقص الجلي بالطرح عن طريق وضعهما كمحورين متقاطعين بدلا عن اتجاهين متضادين. القصد من هذا التقاطع هو انشاء محور ثالث يمثل المعنى الحقيقي للشيء. فعندما يتقاطع محوري الوجوب والفرض تجمع جميع الاحتمالات للمعنى في مركز محور او معنى واحد. حيث يبدأ المعنى من هذا التقاطع ويرقى بارتفاعه في سلم المحور او ينحدر بانخفاضه. فعلى سبيل المثال، القتل المتعمد محرم بالاسلام، لكن ان كان دفاعا عن النفس او العرض او الدين ينقلب الى واجب. عندما نتدبر الامر سنجد المحور الثالث محصور بامر الباري عز وجل حيث يجوز القتل في سبيل الله عز وجل فقط وليس هناك اي معنى اخر يبرر او يرقى بمعنى القتل. حيث الامثلة الثلاث (النفس والعرض والدين) محصنين من قبل الباري تعالى لدرجة القتل للحفاظ عليهم. هذا هو المحور الذي يدور عليه امير المؤمنين، هذا برأيي الشخصي هو الصراط المستقيم، هذا المحور هو المعنى الحقيقي لحياة الانسان او اي مخلوق اخر. وهو ان يتبع اوامر الله بل ومستحباته وينأى عن المحرمات والمكروهات التي امرنا الابتعاد عنها سبحانه. واود لو نتخيل لو طبقت معادلات رياضية حول هذه المحاور الثلاث باستخدام فرضية النقطة والخط ماذا يمكن ان نستنتج من مفاهيم عصية ومعاني راقية ونبتعد عن رذائل الشيطان والنفس الامارة بالسوء واذكر انما الاعمال بالنيات اي انها معنوية واضيف ان الله سريع الحساب وقد تكون رياضية. ماذا لو عبر عن تكفير الله لسيآتنا باضافه اس من الصفر فتنقلب من اي رقم سالب الى واحد والله يضاعف لمن يشاء ويقدر.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم