✨يذكّر النبي (صلى اللّٰه عليه وآله) أبا ذر بشأن فناء الدنيا وذمّها: "يا أبا ذر والذي نفس محمد بيده لو أنّ الدنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضة أو ذبابٍ ما سقى الكافر منها شربةً من ماء".
🖤إنّ حبّ الدنيا بلاءٌ يكاد يشملنا جميعًا. ولو لم نكن اليوم مبتلين به، فمن المحتمل أن يحصل هذا الابتلاء في المستقبل. لهذا يجدر بنا أن نُعطي المزيد من التوجّه إلى كلام النبي (صلى اللّٰه عليه وآله) ونسعى للاستفادة منه على طريق تربية أنفسنا.
💝قد يكون معيار القيمة عندنا هو اللذات الحيوانيّة، وبتبع ذلك فإنّ كل ما يُعجبنا أكثر يزداد قيمة عندنا، ويصبح مطلوبًا أكثر. ولكنّ الإسلام يُعرّفنا على معيار آخر للقيمة، وهو تطابق الشيء مع إرادة الله. فإنّ الشيء يكتسب القيمة الحقيقية إذا كان ذا قيمة عند الله.
⚠️ويُقسم النبيّ بأنّ هذه الدنيا مع كل ما فيها من زخارف وبهارج والتي تهلك النفوس من أجل الوصول إليها وتُهدر الأعمار من أجل نيلها، لو كانت تساوي عند اللّٰه جَناح بعوضةٍ لما سقى اللّٰه الكافر منها شربةً من ماء. لو كانت هذه المحيطات والبحار ذات قيمة عند اللّٰه لما جعل الكافر يسيطر عليها ويتنعّم بها بل كانت حكرًا على أوليائه. (ولا شك بأنّ المقصود من الكافر هنا هو المعاند وعدوّ الدّين والذي لا يرضخ للحقّ، وليس ذلك الكافر المستضعف). فحين ترون الكافر والمسلم يتنعّمان معًا في الدنيا، فهذا دليل على أنّ الدنيا ليس لها قيمة ذاتية بل هي وسيلة اختبار.
✨يقول اللّٰه تعالى في كتابه: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}. وفي موضعٍ آخر يقول تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}. وفيما يتعلق بفناء الدنيا وبقاء ما عند اللّٰه يقول تعالى في آية أخرى: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ}.
🔺يتصوّر الإنسان أنّ لنعم الدنيا قيمة وكلّما ازداد تنعّمه بها ازدادت قيمتها. ولهذا، فإنّ اللّٰه تعالى يبيّن لنا خطأ هذا التصّور بقوله: {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}.
👈والحقيقة أنّ الدنيا وسيلة اختبار وامتحان، فسواء تنعّم الإنسان بمالها أو حُرم منه يكون داخل الامتحان الإلهيّ. فلا التنعّم بالدنيا علامة العلوّ والكرامة، ولا الفقر والحرمان دليل المذلّة.
🔻وحيث إنّ الدنيا عند اللّٰه فاقدةٌ للقيمة فإنّ الله لا يحرم الكافر منها؛ وفي المقابل، فإنّ الجنة ونعمها هي القيمة الواقعية، ولهذا يُحرم الكافر منها: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}.
🔻فالقيمة كلّها للجنّة ونعمها ولا يليق بالكافرين أن يتنعّموا بها. فهذه القيمة الأصيلة في الواقع أُعدّت لأولياء اللّٰه خاصّة. وفي المقابل، لا قيمة للدّنيا. فليتنعّم الكفّار بها وليكونوا بذلك أكثر من غيرهم وأشدّ سيطرةً على ثرواتها، فكلّما ازداد تنعّمهم بها زيد من عذابهم. وسوف يكون كل ما يستخدمونه مزيدًا في طغيانهم وانحرافهم عن مسير الحقّ.
❗️والملفت هنا أنّ النبي (صلى اللّٰه عليه وآله) يستخدم القسَم عند بيان حقارة وضعة الدنيا في عين اللّٰه. فمن المعروف أنّ التصديق بهذا الأمر يُعدّ مطلبًا صعبًا بالنسبة للناس العاديّين: فكيف تكون هذه الدنيا مع كل ما فيها وبكلّ ثرواتها وإمكاناتها ولذائذها بدرجة قيمة جناح البعوضة بل أقل!
⚠️وهذا التّساؤل لا يحكي إلّا عن قلّة اطّلاعنا على الحقائق وضعف بصيرتنا. لقد جعلنا الاهتمام بالمادّيات أساس الحياة وأعطينا الأصالة للدنيا، غافلين عن أنّ الدنيا لا قيمة لها عند اللّٰه وليست إلا وسيلة.
👈فالقيمة الحقيقية إنّما هي لتلك الحسنات التي تؤدّي إلى سعادة الإنسان ونيل الرضوان. إنّ القيمة الواقعية تكمن في ذلك الشيء الذي يحقّق قرب الإنسان من اللّٰه، وهو الهدف الذي خُلق هذا الإنسان من أجله، وأُمر أن يستفيد من كلّ الوسائل المتاحة للوصول إليه.