اللهم صل على محمد وآل محمد
ذكر العلامة المجلسي رضوان الله عليه في بحار الأنوار قصة اعتبرها من أعجب القصص في الحسد وهي من أعاجيب الدنيا.


كان في أيام موسى العباسي ببغداد رجل من أهل النعمة، وكان له جار في دون حاله، وكان يحسده ويسعى بكل مكروه يمكنه ولا يقدر عليه. قال: فلما طال عليه أمره وجعلت الأيام لا تزده فيه إلّا غيظاً اشترى غلاماً صغيراً فرباه وأحسن إليه، فلما شبّ الغلام واشتد وقوي غضبه قال له مولاه: يا بني إني أريدك لأمر من الأمور جسيم فليت شعري كيف لي أنت عند ذلك؟

قال: كيف يكون العبد لمولاه، والمنعم عليه المحسن إليه، والله يا مولاي لو علمت أن رضاك في أن أقتحم النار لرميت بنفسي فيها، ولو علمت أن رضاك في أن أغرق نفسي في لجة البحر لفعلت ذاك وعدّد عليه أشياء.
فسر بذلك من قوله وضمّه إلى صدره، وأكب عليه يترشفه ويقبله، وقال: أرجو أن تكون ممن يصلح لما أريد، قال: يا مولاي إن رأيت أن تمنّ على عبدك فتخبره بعزمك هذا يعرفه ويضم عليه جوانحه، قال:
لم يأن لذلك بعد، وإذا كان ذلك فأنت موضع سري ومستودع أمانتي.
فتركه سنة فدعاه فقال: أي بني قد أردتك للأمر الذي كنت أرشحك له، قال له: يا مولاي مرني بما شئت فوالله لا تزيدني الأيام إلّا طاعة لك، قال: إن جاري فلاناً قد بلغ مني مبلغاً أحب قتله، قال: فأنا أفتك به الساعة، قال: لا أدريها هذا وأخاف أن لا يمكنك وإن مكنك أحالوا ذلك علي، ولكني دبرت أن تقتلني أنت وتطرحني على سطحه، فيؤخذ ويقتل بي.

فقال له الغلام: أتطيب نفسك بنفسك؟ وما في ذلك تشف من عدوك، وأيضاً فهل تطيب نفسي بقتلك وأنت أبر من الوالد الحُدبْ، والأم الرفيقة؟ قال: دع عنك هذا، فإنما كنت أربيك لهذا، فلا تنقض عليّ أمري فإنه لا راحة لي إلّا في هذا.
قال: الله الله من نفسك يا مولاي وأن تتلفها للأمر الذي لا يدري أيكون أم لا يكون، فإن كان لم ترَ منه ما أملت وأنت ميت. قال: أراك لي عاصياً وما أرضى حتى تفعل ما أهوى. قال: أما إذا صحّ عزمك على ذلك فشأنك وما هويت لأصير إليه بالكره لا بالرضا، فشكره على ذلك، وعمد إلى سكين فشحذها ودفعها إليه، أشهد على نفسه أنه دبره ودفع إليه من صلب ماله ثلاثة آلاف درهم وقال: إذا فعلت ذلك فخذ في أي بلاد الله شئت.
فعزم الغلام على طاعة المولى بعد التمنع والالتواء، فلما كان في آخر ليلة من عمره، قال له: تأهب لما أمرتك به فإني موقظك في آخر الليل، فلما كان في وجه السر قام وأيقظ الغلام فقام مذعوراً وأعطاه المدية فجاء حتى تسوّر حائط جاره برفق فاضطجع على سطحه،
فاستقبل القبلة ببدنه وقال للغلام: عجل، فترك السكين على حلقه، وفرى أوداجه ورجع إلى مضجعه وخلّاه يتشحط في دمه، فلما أصبح أهله خفي عليهم خبره، فلما كان في آخر النهار أصابوه على سطح جاره مقتولاً فأُخذ جاره وأحضروا وجوه المحلة لينظروا إلى الصورة ورفعوه وحبسوه وكتبوا بخبره إلى الهادي.
فأحضره فأنكر أن يكون له علم بذلك، وكان الرجل من أهل الصلاح، فأمر بحبسه ومضى الغلام إلى أصفهان. وكان هناك رجل من أولياء المحبوس وقرابته وكان يتولى العطاء للجند بأصفهان، فرأى الغلام وكان عارفاً به فسأله عن أمر مولاه وقد كان وقع الخبر إليه فأخبره الغلام حرفاً حرفاً، فأشهد على مقالته جماعة، وحمله إلى مدينة السلام وبلغ الخبر الهادي فأحضر الغلام فقصّ أمره كله عليه، فتعجب الهادي من ذلك وأمر بإطلاق المحبوس وإطلاق الغلام.

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
لله درّ الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله.
ويقول الشاعر:
اصبر على حسد الحسود
فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل نفسها
إن لم تجد ما تأكله.