لقد قلنا فيما تقدم : إن متابعة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام هي أوضح من أن تنكر ، وأشهر من أن تذكر ، إلا أنا لما ابتلينا بقوم ينكرون البديهيات ، ويجادلون في الواضحات ، رأينا أن نذكر بعضا من الأدلة الدالة على متابعة الشيعة الإمامية لأهل البيت وتمسكهم بهم ، دفعا لتشويش المشوشين ، ودحضا لشغب المشاغبين . ويمكن بيان ذلك بعدة أدلة :
الدليل الأول : أن الشيعة الإمامية حصروا الإمامة في أهل البيت عليهم السلام ، ونفوها عن غيرهم ، واعتقدوا أن ما قال أئمة أهل البيت عليهم السلام هو الحق ، وما لم يقولوه هو الباطل .
ولهذا حرص الشيعة على تدوين علومهم ، وكتابة أحاديثهم في أصول الدين وفروعه حتى جمعوا الشئ الكثير . فإذا كان الداعي لمتابعتهم والتمسك بهم - وهو اعتقاد إمامتهم دون غيرهم - موجود ، والمانع من متابعتهم مفقود ، فلا بد من حصول المتابعة لهم والتمسك بهم .
الدليل الثاني : اعتراف جمع من علماء أهل السنة بمتابعة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام و مشايعتهم لهم :
1 - قال الشهرستاني : الشيعة هم الذين شايعوا عليا رضي الله عنه على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية ، إما جليا وإما خفيا ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده ( 1 ) .
وقال في ترجمة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : وهو ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات . . . وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ( 2 ) .
2 - قال ابن منظور في لسان العرب ، والفيروزآبادي في القاموس المحيط ، والزبيدي في تاج العروس : وقد غلب هذا الاسم [ أي الشيعة ] على من يتوالى عليا وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين ، حتى صار لهم اسما خاصا ، فإذا قيل : فلان من الشيعة عرف أنه منهم ( 3 ) .
3 - وقال الزهري : والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه وسلم ويوالونهم ( 4 ) .
4 - وقال ابن خلدون : اعلم أن الشيعة لغة : الصحب والأتباع ، ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على أتباع علي وبنيه رضي الله عنهم ( 5 ) .
الدليل الثالث : أن الشيعة دأبوا على تدوين معارف أهل البيت عليهم السلام وعلومهم ،
|
و رواية أحاديثهم ، والأخذ بأقوالهم ، والتسليم لهم ، ونشر فضائلهم ، وكتابة سيرهم ، والحزن على مصائبهم وما جرى عليهم ، وإقامة مآتمهم ، والفرح بمواليدهم وأعيادهم ، ومحبة أوليائهم ، والبراءة من أعدائهم ، حتى حكموا بضعف كل من انحرف عنهم ، وبنجاسة كل من نصب العداء لهم .
وهذا كله كاشف عن موالاة الشيعة لأئمة أهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم لهم، ولو أنكرنا الموالاة والاتباع مع كل ذلك لحق لنا إنكار متابعة كل فرقة لمن تنتسب إليه، ولأمكننا بالأولوية أن ننكر متابعة أهل السنة لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي الحسن الأشعري وغيرهم ، لأن أهل السنة لا يصنعون مع أئمتهم جل تلك الأمور التي ذكرناها عن الشيعة ، وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان .
الدليل الرابع : أنا لو أنكرنا متابعة الشيعة الإمامية لأهل البيت عليهم السلام للزم تخطئة كل الأمة، والحكم على جميع الطوائف بالوقوع في الضلال ، ولما كانت فرقة منها على الحق ، لما أوضحناه في الفصل الثالث من أن العاصم عن الوقوع في الضلال هو التمسك بالكتاب والعترة دون غيرهما ، فإذا كان الشيعة الإمامية وغيرهم قد أعرضوا عن أهل البيت عليهم السلام ولم يتمسكوا بهم ، فلا مناص من الحكم عليهم كلهم بالضلال ، وهذا باطل بالاتفاق .
الدليل الخامس : أن ما نقلوه من الفتاوى وغيرها عن بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام عامة وأمير المؤمنين عليه السلام خاصة موافق لما عليه الشيعة الإمامية ، مما يدل على أن الإمامية عنهم عليهم السلام يأخذون ، ولهم متبعون ، ونحن نكتفي بذكر عدة موارد تدل على أن ما عليه الإمامية هو بعينه ما نقله أهل السنة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام :
1 - اختلف أئمة المذاهب في الجهر في الصلاة بالبسملة ، ونقل علماؤهم
أن عليا عليه السلام كان يجهر بها مطلقا : في الجهرية والإخفاتية ( 1 ) . وهذا هو قول الإمامية ، والأئمة الأربعة كلهم على خلافه .
2 - واتفقوا على أنه لا يجوز قول : حي على خير العمل في الأذان ، ورووا عن علي بن الحسين عليه السلام أنه كان يقول هذه الفقرة في أذانه ( 2 ) ، وعلى هذا علماء الإمامية .
3 - واختلفوا في جواز رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق ، ونقلوا جوازه عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام ( 3 ) ، وبه أفتى علماء الإمامية ، خلافا للأئمة الأربعة .
4 - واختلفوا في أن المسافر هل تجب عليه صلاة الجمعة والعيدين ، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ، فلا تجب إلا على الحاضر دون المسافر ( 4 ) ، وبه قال الإمامية ، واختلف في ذلك الأئمة الأربعة .
5 - واختلفوا في المشي مع الجنائز ، هل الأفضل أمام الجنازة كما يفعله أبو بكر وعمر وذهب إليه الشافعي ومالك ، أو أن الأفضل المشي خلفها كما هو مروي عن علي عليه السلام ( 5 ) ، والإمامية على الثاني تبعا لأمير المؤمنين عليه السلام .
6 - واختلفوا في طلاق المكره ، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام عدم
|
وقوعه ( 1 ) ، وعلى ذلك فقهاء الإمامية ، خلافا لأبي حنيفة ، والشافعي على تفصيل عنده .
7 - واختلفوا في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها ، فذهب الجمهور وفقهاء الأمصار إلى أن عدتها تنتهي بوضع الحمل ، ورووا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنها تعتد بأبعد الأجلين ( 2 ) ، وعليه فقهاء الإمامية .
8 - واختلفوا في مال المرتد إذا قتل أو مات ، فقال جمهور فقهاء الحجاز : هو للمسلمين ، ولا يرثه قرابته ، وبه قال مالك والشافعي ، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه يرثه ورثته من المسلمين ( 3 ) . وهو قول الإمامية .
9 - واختلفوا في المرأة إذا قتلت رجلا ، فقتلت به ، فالجمهور لم يوجبوا على أولياء المرأة شيئا ، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام أن عليهم أن يدفعو نصف الدية لولي المقتول ( 4 ) ، وبه قال الإمامية .
|
المصدر : ( كتاب ) {مسائل خلافيه حار فيها أهل السنه}
تعليق