بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
تمر على محبي آل البيت (عليهم السَّلَام) ومواليهم مناسبات كثيرة، يبتهجون فيها فرحًا وسرورًا، ومنها الولادات المباركة: وفي هذه الأيام تمر علينا ذكرى طيبة هي ولادة السَّيِّدة الجليلة القدر (فَاطِمَة المعصومة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)).
لمحة من حياتها (عليها السَّلَام) الاجتماعية:
أولًا: ولادتها (عليها السَّلَام) المباركة:
وُلِدت السَّيِّدة العلويَّة فَاطِمّة المعصومة (عليها السَّلَام) سليلة الطّهر والعفاف، بنت الإمام موسى بن جَعَفر الكاظم (عليهما السَّلَام)، في ذلك البيت الطَّاهر وكانت الظروف التي ألمت بأهل البيت (عليهم السَّلَام) آنذاك عصيبة جدًا لما كان يُمارس ضد آل البيت (عليهم السَّلَام) من ظلمٍ وتعسّفٍ من قِبل حُكَّام بني العبَّاس (لعنهم الله)، إلى حدٍ غاب فيها عن المؤرخين والرواة تسجيل أحداث الولادة للسيِّدة المعصومة (عليها السَّلَام) وتأريخها، أو ذكر شيء مما يتعلق بها[1].
فاختلفوا في تحديد سنة ولادتها (عليها السَّلَام)، وإنَّ مما جاء في المصادر التَّاريخية: أنَّ ولادتها (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) كانت في غرة شهر ذي القعدة سنة 173 ه، في مدينة جدّها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)[2].
وقيل: إنَّ ولادتها (عليها السَّلَام) بعد التأريخ المذكور أعلاه وقبل سنة 179 ه، وهي السنة التي قبض فيها على الإمام الكاظم (عليه السَّلَام) وأودع السجن، وهو الرأي الأرجح عند بعض العلماء الأجلاء، ووردت مدينة قم المقدَّسة في سنة 201هـ[3].
ثانيًا: أسمها (عليها السَّلَام) وألقابها:
كان اسمها (عليها السَّلَام) (فَاطِمَة)، تيمنا باسم جدّتها السَّيِّدة فاطمة الزَّهرَاء (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، ولهذا الاسم في نفوس آل البيت (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) آثار كبيرة وخصوصيّة عظيمة، فيروى: أنَّ الإمام الكاظم (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) كانت له أربع بنات بهذا الاسم[4].
أما ألقابها (عليها السَّلَام) فكان أشهرها (المعصومة)، اقترن هذا اللقب باسمها (عليه السَّلَام)، كما اقترن لقب (الزَّهراء) باسم جدّتها فَاطِمَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)، ولهذه التسمية من الدلالة ما لا يخفى، فإنها تدل على أن السيدة فاطمة (عليها السَّلَام) قد بلغت من الكمال والنَّزاهة والفضل مرتبة شامخة[5].
ومنها لقب (كريمة أهل البيت (عليهم السَّلَام))[6]: فإن أهل البيت (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) قد جمعوا غر الفضائل والمناقب وجميل الصفات، ومن أبرز تلك الخصال الكرم، وقد عرفوه بأنه إيثار الآخر بالخير ولا تستعمله العرب إلا في المحاسن الكثيرة، ولا يقال كريم حتى يظهر منه ذلك، والكريم هو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.
وعلى ضوء هذا المعنى الشامل للكرم يتجلى لنا المراد من وصف أهل البيت (عليهم السَّلَام) بأنهم أكرم النَّاس على الإطلاق لما اشتملوا عليه من أنواع الخير والشرف والفضائل[7].
ومن ألقابها الأخرى (عليه السَّلَام)، هي: الطاهرة، الحميدة، البرة، الرشيدة، التقية، النقية، الرضية، المرضية، السيدة، أخت الرضا (عليهما السَّلَام)، الصديقة وغيرها[8].
ثالثًا: نشأتها (عليها السَّلَام):
نشأت وعاشت (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) في كنف شقيقها الرِّضا (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، -فهي (عليها السَّلَام) أخته لأُمّه وأبيه (عليهم السَّلَام)- فأولاها العناية الخاصة في تربيتها ورعايتها، وغدت تتلقى من أخيها العلم والحكمة في بيت العصمة والطهارة، فأصبحت ذات علم ورواية ومقام حتى غدت أفضل بنات الإمام موسى بن جعفر (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام السَّلَام)[9].
رابعًا: صفاتها (عليها السَّلَام):
أ- علو مقامها ورفعة درجتها:
أخذت هذه السِّيِّدة الجليلة العلم والمعرفة والفضائل والمناقب عن بيت العصمة، لاسيما عن معلمها الأول ومربيها الإمام الرِّضا (عليه السَّلَام) حتى غدت ذات شأن عند الله تعالى كما جاء في زيارتها (عليها السَّلَام)، وأن شفاعتها كفيلة بإدخال الشِّيعة بأجمعهم إلى الجنّة، كما تحدث بذلك جدها الإمام الصادق (عليه السَّلَام)، فبالرغم من قلة المصادر التي تناولت حياة هذه السيِّدة الجليلة (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، إِلَّا أن لدينا ما يكفي للكشف عن بلوغها مرتبة عالية في المقام الرَّفيع في العلم والمعرفة، قد بلغت من الكمال والنَّزاهة والفضل مرتَّبة شامخة حيث سمَّاها الإمام (عليه السَّلَام) بـ(المَعْصُومَة)، - وسنذكر الحديث الذي تضمن هذا المعنى في الفقرات التالية- والعصمة: تعني الحفظ والوقاية، ولولا أن السَّيِّدة فَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) بلغت من المنزلة مكانة عظيمة لما كان الإمام المعصوم (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام السَّلَام) يقول ذلك.
فهل من المعقول أن يقال في حقّها (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): بأنَّها مَعْصُومَة ولا تكون قد بلغت من العلم مكانة يكشف لها الواقع على ما هو عليه، أليست العصمة تستلزم العلم والمعرفة؟![10].
ومما يؤيد ذلك ما روي من رواية مفادها: (أنَّ جمعًا من الشيعة قَصَدُوا بيت الإمام موسى بن جعفر (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) للتَّشرّف بلقائه والسَّلَام عليه، فأخبروا أن الإمام (عليه السَّلَام) خرج في سفر وكانت لديهم عدة مسائل فكتبوها، وأعطوها للسَّيِّدة فَاطِمَة المَعْصُومَة (عليها السَّلَام) ثم انصرفوا.
وفي اليوم التالي - وكانوا قد عزموا على الرَّحيل إلى وطنهم – مرُّوا ببيت الإمام (عليه السلام)، ورأوا أن الإمام (عليه السَّلَام) لم يعد من سفره بعد، ونظرا إلى أنه لا بد لهم أن يسافروا طلبوا مسائلهم على أن يقدموها للإمام (عليه السَّلَام) في سفر آخر لهم للمدينة، فسلمت السَّيِّدة فَاطِمَة المعصومة (عليها السَّلَام) المسائل إليهم بعد أن كتبت أجوبتها، ولما رأوا ذلك فرحوا وخرجوا من المدينة قاصدين ديارهم.
وفي أثناء الطريق التقوا بالإمام الكاظم (عليه السَّلَام) وهو في طريقه إلى المدينة، فحكوا له ما جرى لهم فطلب إليهم أن يروه تلك المسائل، فلما نظر في المسائل وأجوبتها، قال ثلاثا: ((فداها أبوها)))[11].
فهذه الرواية: تدلّ على أن السَّيِّدة فَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) عاصرت أباها مدة طويلة من الزمن، وثانيًا: تدلّ على المقام العلمي الرفيع الذي بلغته السَّيِّدة فَاطِمَة المَعْصُومَة (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)[12].
ب-قول المعصوم في حقّها:
ورد في حق السَّيِّدة فاطمة المعصومة (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) العديد من الأحاديث والأقوال الصَّادرة من أئمة أهل البيت (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم)، ومنها قول أخيها الإمام الرّضا (عليه السَّلَام) إذ روي عنه أنه قال: (من زار المعصومة بقم كمن زارني)[13].
وكذلك قال (عليه السَّلَام): (من زارها فله الجنَّة)[14]، وعن ابن أخيها الإمام مُحَمَّد الجواد (عليهما السَّلَام) قال: (من زار قبر عمتي بقُم فله الجنَّة)[15].
وما هذا إلَّا الكلام المختصر عن وولادة هذه السَّيِّدة الجليلة فاطمة بنت الإمام موسى بن جَعْفَر الكاظم (عليهم السَّلَام) وحياتها، فمبارك لشيعة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) هذه الولادة الميمونة المباركة...
الهوامش:
[1] يُنظر: الفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)، محمَّد عليّ المُعلّم: 56.
[2] يُنظر: مستدرك سفينة البحار، الشيخ عليّ النمازي الشَّاهرودي: 8/261.
[3] مستدرك سفينة البحار: 8/594.
[4] يُنظر: الفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)، محمَّد عليّ المُعلّم: 62.
[5] يُنظر: مدارك العروة الوثقى، الشيخ علي بناه الاشتهاردي: 1/36، والفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها): 64-65.
[6] الدّر المنضود في أحكام الحدود، السيد الكلبايكاني: 2/421.
[7] يُنظر: الفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)، محمَّد عليّ المُعلّم: 62.
[8] يُنظر: اليقين، ابن طاووس: 36، والفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها): 62.
[9] الفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها): 59.
[10] يُنظر: المصدر نفسه: 64، 75-76.
[11] المصدر نفسه: 76-77.
[12] المصدر نفسه: 77.
[13] المصدر نفسه 64.
[14] مستدرك سفينة البحار: 8/594.
[15] المصدر نفسه: 8/594.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
تمر على محبي آل البيت (عليهم السَّلَام) ومواليهم مناسبات كثيرة، يبتهجون فيها فرحًا وسرورًا، ومنها الولادات المباركة: وفي هذه الأيام تمر علينا ذكرى طيبة هي ولادة السَّيِّدة الجليلة القدر (فَاطِمَة المعصومة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)).
لمحة من حياتها (عليها السَّلَام) الاجتماعية:
أولًا: ولادتها (عليها السَّلَام) المباركة:
وُلِدت السَّيِّدة العلويَّة فَاطِمّة المعصومة (عليها السَّلَام) سليلة الطّهر والعفاف، بنت الإمام موسى بن جَعَفر الكاظم (عليهما السَّلَام)، في ذلك البيت الطَّاهر وكانت الظروف التي ألمت بأهل البيت (عليهم السَّلَام) آنذاك عصيبة جدًا لما كان يُمارس ضد آل البيت (عليهم السَّلَام) من ظلمٍ وتعسّفٍ من قِبل حُكَّام بني العبَّاس (لعنهم الله)، إلى حدٍ غاب فيها عن المؤرخين والرواة تسجيل أحداث الولادة للسيِّدة المعصومة (عليها السَّلَام) وتأريخها، أو ذكر شيء مما يتعلق بها[1].
فاختلفوا في تحديد سنة ولادتها (عليها السَّلَام)، وإنَّ مما جاء في المصادر التَّاريخية: أنَّ ولادتها (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) كانت في غرة شهر ذي القعدة سنة 173 ه، في مدينة جدّها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)[2].
وقيل: إنَّ ولادتها (عليها السَّلَام) بعد التأريخ المذكور أعلاه وقبل سنة 179 ه، وهي السنة التي قبض فيها على الإمام الكاظم (عليه السَّلَام) وأودع السجن، وهو الرأي الأرجح عند بعض العلماء الأجلاء، ووردت مدينة قم المقدَّسة في سنة 201هـ[3].
ثانيًا: أسمها (عليها السَّلَام) وألقابها:
كان اسمها (عليها السَّلَام) (فَاطِمَة)، تيمنا باسم جدّتها السَّيِّدة فاطمة الزَّهرَاء (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، ولهذا الاسم في نفوس آل البيت (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) آثار كبيرة وخصوصيّة عظيمة، فيروى: أنَّ الإمام الكاظم (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) كانت له أربع بنات بهذا الاسم[4].
أما ألقابها (عليها السَّلَام) فكان أشهرها (المعصومة)، اقترن هذا اللقب باسمها (عليه السَّلَام)، كما اقترن لقب (الزَّهراء) باسم جدّتها فَاطِمَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)، ولهذه التسمية من الدلالة ما لا يخفى، فإنها تدل على أن السيدة فاطمة (عليها السَّلَام) قد بلغت من الكمال والنَّزاهة والفضل مرتبة شامخة[5].
ومنها لقب (كريمة أهل البيت (عليهم السَّلَام))[6]: فإن أهل البيت (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) قد جمعوا غر الفضائل والمناقب وجميل الصفات، ومن أبرز تلك الخصال الكرم، وقد عرفوه بأنه إيثار الآخر بالخير ولا تستعمله العرب إلا في المحاسن الكثيرة، ولا يقال كريم حتى يظهر منه ذلك، والكريم هو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.
وعلى ضوء هذا المعنى الشامل للكرم يتجلى لنا المراد من وصف أهل البيت (عليهم السَّلَام) بأنهم أكرم النَّاس على الإطلاق لما اشتملوا عليه من أنواع الخير والشرف والفضائل[7].
ومن ألقابها الأخرى (عليه السَّلَام)، هي: الطاهرة، الحميدة، البرة، الرشيدة، التقية، النقية، الرضية، المرضية، السيدة، أخت الرضا (عليهما السَّلَام)، الصديقة وغيرها[8].
ثالثًا: نشأتها (عليها السَّلَام):
نشأت وعاشت (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) في كنف شقيقها الرِّضا (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، -فهي (عليها السَّلَام) أخته لأُمّه وأبيه (عليهم السَّلَام)- فأولاها العناية الخاصة في تربيتها ورعايتها، وغدت تتلقى من أخيها العلم والحكمة في بيت العصمة والطهارة، فأصبحت ذات علم ورواية ومقام حتى غدت أفضل بنات الإمام موسى بن جعفر (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام السَّلَام)[9].
رابعًا: صفاتها (عليها السَّلَام):
أ- علو مقامها ورفعة درجتها:
أخذت هذه السِّيِّدة الجليلة العلم والمعرفة والفضائل والمناقب عن بيت العصمة، لاسيما عن معلمها الأول ومربيها الإمام الرِّضا (عليه السَّلَام) حتى غدت ذات شأن عند الله تعالى كما جاء في زيارتها (عليها السَّلَام)، وأن شفاعتها كفيلة بإدخال الشِّيعة بأجمعهم إلى الجنّة، كما تحدث بذلك جدها الإمام الصادق (عليه السَّلَام)، فبالرغم من قلة المصادر التي تناولت حياة هذه السيِّدة الجليلة (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، إِلَّا أن لدينا ما يكفي للكشف عن بلوغها مرتبة عالية في المقام الرَّفيع في العلم والمعرفة، قد بلغت من الكمال والنَّزاهة والفضل مرتَّبة شامخة حيث سمَّاها الإمام (عليه السَّلَام) بـ(المَعْصُومَة)، - وسنذكر الحديث الذي تضمن هذا المعنى في الفقرات التالية- والعصمة: تعني الحفظ والوقاية، ولولا أن السَّيِّدة فَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) بلغت من المنزلة مكانة عظيمة لما كان الإمام المعصوم (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام السَّلَام) يقول ذلك.
فهل من المعقول أن يقال في حقّها (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): بأنَّها مَعْصُومَة ولا تكون قد بلغت من العلم مكانة يكشف لها الواقع على ما هو عليه، أليست العصمة تستلزم العلم والمعرفة؟![10].
ومما يؤيد ذلك ما روي من رواية مفادها: (أنَّ جمعًا من الشيعة قَصَدُوا بيت الإمام موسى بن جعفر (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) للتَّشرّف بلقائه والسَّلَام عليه، فأخبروا أن الإمام (عليه السَّلَام) خرج في سفر وكانت لديهم عدة مسائل فكتبوها، وأعطوها للسَّيِّدة فَاطِمَة المَعْصُومَة (عليها السَّلَام) ثم انصرفوا.
وفي اليوم التالي - وكانوا قد عزموا على الرَّحيل إلى وطنهم – مرُّوا ببيت الإمام (عليه السلام)، ورأوا أن الإمام (عليه السَّلَام) لم يعد من سفره بعد، ونظرا إلى أنه لا بد لهم أن يسافروا طلبوا مسائلهم على أن يقدموها للإمام (عليه السَّلَام) في سفر آخر لهم للمدينة، فسلمت السَّيِّدة فَاطِمَة المعصومة (عليها السَّلَام) المسائل إليهم بعد أن كتبت أجوبتها، ولما رأوا ذلك فرحوا وخرجوا من المدينة قاصدين ديارهم.
وفي أثناء الطريق التقوا بالإمام الكاظم (عليه السَّلَام) وهو في طريقه إلى المدينة، فحكوا له ما جرى لهم فطلب إليهم أن يروه تلك المسائل، فلما نظر في المسائل وأجوبتها، قال ثلاثا: ((فداها أبوها)))[11].
فهذه الرواية: تدلّ على أن السَّيِّدة فَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) عاصرت أباها مدة طويلة من الزمن، وثانيًا: تدلّ على المقام العلمي الرفيع الذي بلغته السَّيِّدة فَاطِمَة المَعْصُومَة (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)[12].
ب-قول المعصوم في حقّها:
ورد في حق السَّيِّدة فاطمة المعصومة (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) العديد من الأحاديث والأقوال الصَّادرة من أئمة أهل البيت (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم)، ومنها قول أخيها الإمام الرّضا (عليه السَّلَام) إذ روي عنه أنه قال: (من زار المعصومة بقم كمن زارني)[13].
وكذلك قال (عليه السَّلَام): (من زارها فله الجنَّة)[14]، وعن ابن أخيها الإمام مُحَمَّد الجواد (عليهما السَّلَام) قال: (من زار قبر عمتي بقُم فله الجنَّة)[15].
وما هذا إلَّا الكلام المختصر عن وولادة هذه السَّيِّدة الجليلة فاطمة بنت الإمام موسى بن جَعْفَر الكاظم (عليهم السَّلَام) وحياتها، فمبارك لشيعة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) هذه الولادة الميمونة المباركة...
الهوامش:
[1] يُنظر: الفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)، محمَّد عليّ المُعلّم: 56.
[2] يُنظر: مستدرك سفينة البحار، الشيخ عليّ النمازي الشَّاهرودي: 8/261.
[3] مستدرك سفينة البحار: 8/594.
[4] يُنظر: الفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)، محمَّد عليّ المُعلّم: 62.
[5] يُنظر: مدارك العروة الوثقى، الشيخ علي بناه الاشتهاردي: 1/36، والفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها): 64-65.
[6] الدّر المنضود في أحكام الحدود، السيد الكلبايكاني: 2/421.
[7] يُنظر: الفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)، محمَّد عليّ المُعلّم: 62.
[8] يُنظر: اليقين، ابن طاووس: 36، والفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها): 62.
[9] الفَاطِمَة المَعْصُومَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليها): 59.
[10] يُنظر: المصدر نفسه: 64، 75-76.
[11] المصدر نفسه: 76-77.
[12] المصدر نفسه: 77.
[13] المصدر نفسه 64.
[14] مستدرك سفينة البحار: 8/594.
[15] المصدر نفسه: 8/594.
تعليق