بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إنّ من هوان الدنيا على الله سبحانه أن نعقد الندوات في مثل هذه الندوة الميمونة لإثبات ولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف, وهو الإمام الذي بشّر به الأنبياء عليهم السلام السابقون والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام.
بل ووعد به ربّ العزة في كتابه الكريم على نحو الإيماء والإشارات: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ... ) (1) ومعلوم أن هذه النبوءة وهذا الوعد لم يتحقق لغاية هذا اليوم ولا بدّ من أن يتحقق لأنه قد أخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك، والروايات من الفريقين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه يأتي من ولدي أو من ولد الحسين عليه السلام من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
والذي احتمله أن الداعي لأعداء أهل البيت عليهم السلام وأعداء الإمام عجل الله فرجه الشريف من إثارة مثل هذه الإشكالات أمران, حيث أنهم يتصوّرون _ وهذا دليل على ضعف مخيلتهم _ أنهم يتمكنون من الوصول إلى أحد الأمرين أو كليهما على سبيل (مانعة الخلو) كما يقال في التعبير العلمي:
أحدهما: أن يتمكنوا من صرف شيعة أهل البيت عليهم السلام عن الإمام عجل الله فرجه الشريف ، ولكن الله تعالى يريد أن يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون أو المجرمون.
والأمر الثاني: حسب تخيّلهم, لجهلهم بمعنى الإمامة وعلم الإمام عليه السلام أو عن حقيقة الإمام أنهم يريدون بهذه الطريقة أن يتمكنوا من معرفة مقام الإمام عجل الله فرجه الشريف وموضع وجوده وشخصه الشريف, حتى يتمكّنوا من القضاء عليه.
وقفة على الشبهات:
أهل النسب:
وقد لهج ابن تيمية وإحسان الهي ظهير وأصرّا وأكّدا أنّ أهل النسب نفوا وجود عقب للإمام العسكري عليه السلام ، في كتاب الشيعة والتشيع لإحسان إلهي ظهير, ومنهاج السنة لابن تيمية، وحينما نطالع كلمات هذين الرجلين نريد أن نعرف من هو من النسّابة _ أي من علماء النسب _ الذين نفوا ولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ؟ فكل واحد منهم يقول:
أكّد علماء النسب ولم يذكر واحداً منهم.
إنّ عدم الوجود لا يدل على العدم, لو ثبت أنّ أحداً من علماء النسب نفى ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف, لم يكن في جعبته أكثر من أن يقول بأنّه لم يجد, وليس له أن يثبت العدم, وذلك لأنّ عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
بعدما تابعنا كلمات هذين الرجلين الناصبيين _ ابن تيمية وإحسان الهي ظهير _ نجدهم ذكروا اسم شخص واحد وهو (النوبختي) صاحب كتاب فرق الشيعة (أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي), وهو من أعلام القرن الرابع حسب ما يعترف إحسان إلهي ظهير في كتابه الشيعة والتشيع، يعني أنه بعد أكثر من مائة وأربعين سنة _ تقريباً _ من ولادة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ، يا لها من فضيحة, يا لها من خديعة, أنّ مثل هذا الشخص ابن تيمية وإحسان إلهي ظهير يلقبونه بتلك الألقاب وهؤلاء النسّابة معروفون بأنهم يذكرون النسب حسب اطّلاعهم, ويحذفون الإسناد، هذه كتب الأنساب بين أيديكم لا يذكرون الإسناد, لماذا؟ هم أعلم بذلك.
أوّلاً: حسب اعتراف إحسان الهي ظهير, أنّ هذا الرجل من أعلام القرن الرابع, وولادة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف سنة 256 هـ يعني أكثر من 140 سنة يوجد هذا الشخص ويذكر أنه لم يوجد للإمام العسكري عليه السلام عقب, وذلك حسب ادعاء إحسان إلهي ظهير.
علماً أنه هو لم يقل, وإنما إحسان الهي ظهير هو الكاذب في ادّعائه كما سنذكر عبارة هذا الرجل ولكن إن صحّ ما يقوله إحسان, إذ لعلّ عنده نسخة نحن لم نطلع عليها مثلاً.
يقول: إن هذا الشخص من أعلام القرن الرابع من علماء النسب وهو يؤكد أنه ليس له ولد.
إذن هنا ملاحظتان:
الأولى: أن الرجل حسب اعتراف إحسان ولد بعد أكثر من مائة سنة من ولادة الحجة عجل الله فرجه الشريف.
والثانية: لم يذكر سند دعواه, كيف يدّعي أنه لا عقب للإمام العسكري عليه السلام ؟ من أين يعرف هل نزل عليه الوحي, أم رأى في عالم الرؤيا؟
الظاهر أن إحسان الهي ظهير جاهل حتى بعلماء النسب, فإن هذا ليس من علماء القرن الرابع, بل هو من علماء القرن الثالث, فقفز به قفزة قرن كأنه أراد أن يضرب رأسه بفأسه مثلما يقال يريد أن يستند إلى من يقول بأنه من علماء القرن الرابع وهو من علماء القرن الثالث, غريب...! هكذا هم أعداء أهل البيت عليهم السلام دائماً يتخبّطون.
على أي حال، هذا الرجل ينسب إليه أنه يؤكد أن لا عقب للإمام العسكري عليه السلام. وهذه هي العبارة التي يريد أن يستفيد منها هذا الرجل الناصبي بأنه لا عقب للإمام العسكري عليه السلام.
فيقول عن طريق الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
(ولد الحسن بن عليّ عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة 232هـ وتوفي في سرّ من رأى (سامراء) يوم الجمعة لثمان ليالٍ خلون من شهر ربيع الأوّل سنة 260هـ ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه عليه السلام وهو _ أي الإمام الحسن العسكري _ ابن 28 سنة وصلى عليه أبو عيسى بن المتوكل، وكانت إمامته خمس سنوات وثمانية أشهر وخمسة أيام, وتوفي ولم ير له أثر ولم يعرف له ولد ظاهر).(2)
لم يقل لم يولد له ولد, بل قال: لم ير أثر.
يا إحسان إلهي ظهير افتح عينيك يقول (لم ير له أثر) ولم يقل: لم يلد ولم يولد له أثر، بل يقول: ولم ير له أثر ولم يعرف له ولد، ولم يقل لم يولد ولد له وإنما قال: لم يعرف له ولد ظاهر.
هذه عبارة هذا الرجل الذي لهج بذكر اسمه هذان الناصبيان _ ابن تيمية وإحسان الهي ظهير _ وقالا بأنّه نسّابة وانه يؤكد انه لا ولد للحسن العسكري عليه السلام, هذه عبارته فهو يقول لم يعرف له ولد ظاهر, ونحن أيضاً نقول: ليس ولد ظاهر الآن أنا وأنتم نقول ليس له ولد ظاهر معروف, هذا نعرفه.
تقسيم الميراث:
يقول إحسان إلهي ظهير: قُسّم ميراث الإمام العسكري عليه السلام بين أخيه وأمه.
ويرد على قوله أوّلاً: على خلاف قاعدة مذهب الجعفريّة إذ مع وجود الأم كيف يأخذ الأخ الحصّة من الميراث؟ يقول: (فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه) أي أنّ هناك كانت مواريث لم تكن ظاهرة ولم يعلم أين ذهبت.
وأمّه وهي أمّ ولد فإن كانت ما زالت على رقّيتها فليس لها ميراث وإن كانت قد تحرّرت _ هذا واقع الحال فهي قد أصبحت حرة بواسطة حرية ولدها وهو الحسن العسكري عليه السلام... فالميراث كله لها وليس لجعفر ميراث.
وفي رواية أخرى أنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام قد أوصى بالمال الظاهر إلى أمه لتعيش منه مدة حياتها,3) ولم تكن هناك مسألة ميراث.
يقول هذا الرجل: في هذه الحالة تحيّرت الشيعة, أي أنّ عامة الشيعة تحيرت وذهب كل قسم منهم إلى رأي, فيذكر هناك الآراء التي ظهرت بين الشيعة حين ذاك، ويذكر ثلاث عشر أو أربع عشر فرقة أصبحت حسب رأي إحسان إلهي ظهير.
أما هذا الرجل النسّابة _ أي النوبختي _ الذي قالوا بأنه ينفي وجود عقب للإمام العسكري عليه السلام فعبارته في حديثه عن الفرقة الثانية عشر كما يلي:
يقول: (قالت الفرقة الثانية عشرة وهم الإمامية ليس القول كما قالت هؤلاء كلّهم _ الفرق الأخرى _ بل لله عز وجل في الأرض حجّة من ولد الحسن بن عليّ عليه السلام, وأمر الله تعالى بالغ وهو وصي لأبيه، على المنهاج الأوّل والسنن الماضية ولا تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام ولا يجوز ذلك, ولا تكون إلاّ في عقب الحسن بن عليّ عليه السلام إلى أن ينقضي الخلق، متّصلاً ذلك ما اتّصلت أمور الله سبحانه وتعالى، ولو كان في الأرض رجلان لكان أحدهما الحجة، ولو مات أحدهما لكان الآخر الحجة ما دام أمر الله ونهيه قائمين في خلقه ولا يجوز أن تكون الإمامة في عقب من لم تثبت له إمامة (يقصد جعفر)، ولم تلتزم العباد به حجة ممن مات في حياة أبيه _ أيّ ممن قال بإمامة من توفي قبل الإمام الحسن عليه السلام _ ولا في ولده، ولو جاز ذلك صلح قول أصحاب إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام ومذهبهم، ولثبتت إمامة محمّد بن جعفر عليه السلام إذن، وكان من قال بها محقاً بعد مضي جعفر بن محمّد عليه السلام ).(4)
يقول هذا الرجل صاحب الكتاب الذي ينسب إليه إحسان ظهير ما نسب وكذلك ابن تيمية ما نسب، يقول:
(وهذا الذي ذكرناه هو المأثور عن الصادقين، الذي لا تدافع له بين هذه العصابة ولا شك فيه لصحة مخرجه وقوة أسبابه وجودة أسناده، ولا يجوز أن تخلو الأرض من حجة ولو خلت ساعة لساخت الأرض ومن عليها، ولا يجوز شيء من مقالات هذه الفرق كلها فنحن مستسلمون بالماضي، وإمامته، مقرّون بوفاته _ وهذا ثابت _ ومعترفون بأن له خلفاً قائماً من صلبه، وأنّ خلفه هو الإمام من بعده حتّى يظهر ويعلن أمره ما ظهر وعلن أمر من مضى من آبائه ويأذن الله بذلك، إذ الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويأمر بما يريد من ظهوره وخفائه، كما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (اللهم إنّك لا تخلي الأرض من حجة لك على الخلق ظاهراً معروفاً أو خائفاً مستوراً أو مغموراً كي لا تبطل حجتك وبيناتك) (5) وبذلك أمرنا جاءت الأخبار الصحيحة عن الأئمّة الماضين عليهم السلام الماضين، لأنه ليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله تعالى ويقضوا بلا علم لهم ويطلبوا آثار ما ستر عنهم، ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يأمر بذلك هو عليه السلام إذ هو عليه السلام خائف مغمور مستور بستر الله سبحانه وليس علينا البحث عن أمره، بل البحث عن ذلك وطلبه محرم ولا يحل ولا يجوز لأن في إظهار ما ستر عنا وكشفه إباحة دمه ودمائنا، وفي ستر ذلك والسكوت عنه حقنهما وصيانتهما ولا يجوز لنا ولا لأحد أن يختار إماماً برأي واختيار... إلى أخر كلامه الشريف).(6)
هذا هو مذهب النوبختي إخوتي الأجلاء، وهذا استدلال إحسان إلهي ظهير واستدلال ابن تيمية أن هذا الرجل النسّابة يذكر ويؤكد أن لا عقب للإمام العسكري عليه السلام ، وهو يقول بإمامة الحجة عجل الله فرجه الشريف... هكذا يفعل هؤلاء.
كيف ما كان، هذا أهم ما يستند إليه هؤلاء في قولهم بأن النسّابة أكدوا أن لا ولد للإمام العسكري عليه السلام ، في الوقت الذي نرى فيه أن ذلك النساب يؤكد أنّ للإمام العسكري ولد وهو المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
الاختلاف في المولد:
ومن جملة إشكالاتهم أنه اختلف في مولد الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ، وهذا دليل على عدمه.
وهذا غريب، حيث استدلوا على أن الاختلاف في ولادة دليل على عدمها، أليس المسلمون اختلفوا في ولادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
أليس القرآن الكريم قد شهد باختلاف الناس في عدد أصحاب الكهف؟! ليس في تاريخهم بل في أنفسهم يقول: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ...)(7) فهل يعني أن أصحاب الكهف غير موجودين.
إنكار جعفر:
ومن جملة أدلتهم _ بل نقول سخافاتهم _ يقولون: لو كان له ولد لعلم أخوه جعفر، لأنّه أقرب الناس إليه، لكنّه أنكر وادعى الإمامة.
ونحن نقول لإحسان إلهي ظهير: إنكار عمّ النبي لرسالته هل يصلح دليلاً على عدم نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
لماذا إنكار قحافة لخلافة ابنه لا يعدّ دليلاً على عدم خلافته؟ لقد أرسل أبو بكر إلى أبيه وقال له: لقد بايعني الناس وأنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: كلامك متناقض تقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تقول الناس اختاروني! اخرج من الأمر الذي أنت لست أهلاً له، لما اختارك الناس وفيهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ قال: أنا أكبر منه سناً، قال: أنا أبوك أكبر منك سناً، إذا كانت الخلافة بكبر السن فأنا أكبر منك وإذا كانت في العمر كان سلمان الفارسي أكبر منهم.(8)
إن كان إنكار جعفر لولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف دليلاً، كذلك إنكار قحافة يكون دليلاً على عدم خلافة أبي بكر.
الاختلاف في اسم الأم:
ومن جملة إشكالاتهم وسخافاتهم اختلافهم في اسم أمّ الإمام المنتظر. هذا من جملة الأدلة.
أوّلاً: اختلاف الأسماء أو تعدد الأسماء إن كان دليلاً على العدم فإنّ لله تعالى تسعة وتسعين اسماً، بناءً على أن الأسماء توقيفية، وإلاّ فهي غير محصورة كما ورد في دعاء الجوشن الكبير, هل يعني هذا أن الله تعالى غير موجود (العياذ بالله).
من هوان الدنيا أن يكون ويعبر عن هؤلاء الأشخاص بأنهم علماء ومحققون للمسلمين.
يقولون لا، ليس تعدد الأسماء بل اختلاف الأسماء، فقد قيل اسمه كذا وقيل: كذا وكذا.
وقد نسى إحسان الهي ظهير وابن تيمية أن هناك رواية صرحت بتعدد أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف باعتبارات متعددة, وليس هناك اختلاف في اسمها بل لها أسماء متعددة، كما للزهراء سلام الله عليها وكذلك لعائشة.(9)
وتعدد الأسماء لا يقتضي عدم وجودها على من كان له خبرة بالتاريخ ولو بسيطة جداً، إن الجواري كانت تتعدد أسماؤها غالباً، وأمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف أمّ ولد، كما أنّ أمّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام أمّ ولد.
وتعدّد الأسماء كان له أسباب وكانت الأسباب حسب الجارية، إما لعفتها أو لنزاهتها وغيرها، وربما تعددت الأيدي على ملكها، ويستحب تغيير اسم المملوك عندما يشتريه المشتري، ولذلك ربّما تعددت الأسماء لهذا السبب، وأمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف كانت في بلد النصارى وكان لها اسم بلغتها ثم هي أخفت اسمها وسميت باسم جديد لها في الطريق، ثم الإمام عليه السلام سماها باسم آخر.
وهناك وجوه أخرى وردت في الرواية لماذا تعددت أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.(10)
عدم الظهور:
ومن أدلتهم على عدم وجود الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف أنه لو كان موجوداً لظهر إلى العيان.
وهذا عين دليل الملاحدة الذين ينكرون وجود الله سبحانه قائلين بأنّه لو كان الله موجوداً لرأيناه. وهناك أحد الملعونين في الاتحاد السوفيتي السابق يقول: صواريخنا وصلت إلى القمر وما وراء القمر لم تر الله سبحانه وتعالى.
وما ورد في القرآن الكريم: (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَْسْبابَ) (11) أي سلماً عالياً أرى إله موسى عليه السلام.
اختفاء الإمام عليه السلام:
ومن جملة خرافاتهم أنه لو كان موجوداً ما كان هناك داعٍ للاختفاء.
ونحن نقول: لماذا أخفى الله سبحانه وتعالى آثار أهل الكهف؟ ولماذا أخفى ولادة موسى بن عمران عليه السلام ؟ أفهل كان سبحانه وتعالى عاجزاً عن حماية موسى عليه السلام من فرعون إلاّ بالإخفاء (العياذ بالله).
هذه أبرز الإشكالات، وعمدتها كان هذا الكتاب، وهو كتاب فرق الشيعة للنوبختي (رضوان الله تعالى عليه).
إثبات الولادة:
في الواقع أن هذا الرجل _ النوبختي _ هو من كبار علماء الشيعة، كما أكّد النجاشي(12) وغيره, وكان معروفاً بالتدين والورع والعفة والصلاح والخبرة وغير ذلك، ولكنهم أرادوا أن يتشبثوا بهذا.
انتساب إنسان ما إلى والده لا بدّ أن يكون بذكر اللازم فقط، وإلاّ نفس الانتساب وإقامة البينة عليه, وإقامة الشهادة عليه مستحيلة، لأنه كيف يعلم أن زيداً ولد من نطفة عمر, هذا لا يمكن مشاهدته، بل أكثر ما يمكن الشهادة عليه هو أن والده واقع زوجته وبعد تسعة أشهر خرج من بطن أمه, وخروجه من بطن أمه يثبت بنوته لأمه ولا يثبت بنوته لأبيه، إلاّ أن يثبت أنّ هذه النطفة خرجت من فلان ودخلت إلى رحم فلانة، ولا طريق لإثباته من طريق الحواس الخمس، وليس له طريق إلاّ بإثبات اللازم بالشهادة, الأم تقول: إنّ هذا ابن فلان، الأب يعترف أن فلان ابنه، الابن يعترف أنّ فلاناً أبوه ولم يكن له مانع.
والفراش يعتبر علامة شرعية بحكم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (الولد للفراش) (13) وذلك حينما يدعي غيره.
وأمّا أصل الإثبات فلا يكون إلاّ بالاعتراف من الوالد أو الولد أو الأم.
أما إثبات نسبته للأم فيمكن ذلك بشهادة القابلة، وبشهادة من حضر من النساء أو غير النساء عند خروج الطفل من بطن أمه.
فإنّ هناك روايات متعددة من رواة متعددين تحمل شهادة حكيمة عليها السلام أنّها كانت حاضرة في خدمة أم الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، ليلة ولادة الإمام المنتظر عليه السلام فولد عليه السلام.(14)
وطائفة أخرى من الروايات تذكر شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام حيث قدّم ولده الشريف إلى الخاصة من شيعته وقال: (هذا إمامكم بعدي وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً... ).(15)
هاتان طائفتان من الروايات، وهناك طائفة ثالثة تروي اعتراف الأئمّة السابقين، فمثلاً إمام يقول: كذا جيل بعدي يكون السابع أو التاسع من أولادي إمام، أي يحدد العدد.
وبعض الروايات: عن الإمام الرضا عليه السلام ،(16) أو عن الإمام الصادق عليه السلام ،(17) والبعض الآخر عن الإمام الكاظم عليه السلام (18) كلها تثبت ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف.
وقلنا: الولادة والنسب يثبت بإثبات اللازم فقط ولا يحتاج إلى تكوّن الولد من النطفة، وإلاّ فعلى إحسان إلهي ظهير أن يثبت إنه ابن والده أو ابن تيمية.
وعليه لا سبيل للإثبات إلاّ عن هذا الطريق.
فتكون عندنا ثلاث طوائف من الروايات:
طائفة عن الإمام العسكري عليه السلام قال فيها بأنّ هذا ابني وهو إمامكم بعدي.
وطائفة ثانية تنتهي إلى حكيمة عليها السلام وشهادتها بذلك، وشهادة النساء بخصوص الولادة مسموعة.
وطائفة ثالثة ترجع إلى الأئمّة عليهم السلام الذين أخبروا أنّه بعد العدد الفلاني من الأئمّة يكون الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، أو يكون منه الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
مما يثبت أن الروايات متواترة، لأنّها روايات من أشخاص متعدّدين مختلفين لا يعرف أحدهم الآخر، فكل منهم يدخل في سند مستقل عن الآخرين.
أما أخبار الأئمّة عليهم السلام ففي عقيدتنا أنّهم يخبرون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنهم أئمّة، وأنهم أولياء أمر, وأنهم معصومون، فعندما يذكر الإمام الرضا عليه السلام أنّ فلاناً بعد فلان وبعد فلان فلان من ولدي فالإمام الرضا عليه السلام _ حسب مسلكهم _ لا يعلم الغيب ولكن يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ التسلسل الفلاني من ولده يكون هو الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، وهذا أكبر شاهد ودليل على ولادته سلام الله عليه.
---------------------------اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إنّ من هوان الدنيا على الله سبحانه أن نعقد الندوات في مثل هذه الندوة الميمونة لإثبات ولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف, وهو الإمام الذي بشّر به الأنبياء عليهم السلام السابقون والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام.
بل ووعد به ربّ العزة في كتابه الكريم على نحو الإيماء والإشارات: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ... ) (1) ومعلوم أن هذه النبوءة وهذا الوعد لم يتحقق لغاية هذا اليوم ولا بدّ من أن يتحقق لأنه قد أخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك، والروايات من الفريقين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه يأتي من ولدي أو من ولد الحسين عليه السلام من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
والذي احتمله أن الداعي لأعداء أهل البيت عليهم السلام وأعداء الإمام عجل الله فرجه الشريف من إثارة مثل هذه الإشكالات أمران, حيث أنهم يتصوّرون _ وهذا دليل على ضعف مخيلتهم _ أنهم يتمكنون من الوصول إلى أحد الأمرين أو كليهما على سبيل (مانعة الخلو) كما يقال في التعبير العلمي:
أحدهما: أن يتمكنوا من صرف شيعة أهل البيت عليهم السلام عن الإمام عجل الله فرجه الشريف ، ولكن الله تعالى يريد أن يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون أو المجرمون.
والأمر الثاني: حسب تخيّلهم, لجهلهم بمعنى الإمامة وعلم الإمام عليه السلام أو عن حقيقة الإمام أنهم يريدون بهذه الطريقة أن يتمكنوا من معرفة مقام الإمام عجل الله فرجه الشريف وموضع وجوده وشخصه الشريف, حتى يتمكّنوا من القضاء عليه.
وقفة على الشبهات:
أهل النسب:
وقد لهج ابن تيمية وإحسان الهي ظهير وأصرّا وأكّدا أنّ أهل النسب نفوا وجود عقب للإمام العسكري عليه السلام ، في كتاب الشيعة والتشيع لإحسان إلهي ظهير, ومنهاج السنة لابن تيمية، وحينما نطالع كلمات هذين الرجلين نريد أن نعرف من هو من النسّابة _ أي من علماء النسب _ الذين نفوا ولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ؟ فكل واحد منهم يقول:
أكّد علماء النسب ولم يذكر واحداً منهم.
إنّ عدم الوجود لا يدل على العدم, لو ثبت أنّ أحداً من علماء النسب نفى ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف, لم يكن في جعبته أكثر من أن يقول بأنّه لم يجد, وليس له أن يثبت العدم, وذلك لأنّ عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
بعدما تابعنا كلمات هذين الرجلين الناصبيين _ ابن تيمية وإحسان الهي ظهير _ نجدهم ذكروا اسم شخص واحد وهو (النوبختي) صاحب كتاب فرق الشيعة (أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي), وهو من أعلام القرن الرابع حسب ما يعترف إحسان إلهي ظهير في كتابه الشيعة والتشيع، يعني أنه بعد أكثر من مائة وأربعين سنة _ تقريباً _ من ولادة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ، يا لها من فضيحة, يا لها من خديعة, أنّ مثل هذا الشخص ابن تيمية وإحسان إلهي ظهير يلقبونه بتلك الألقاب وهؤلاء النسّابة معروفون بأنهم يذكرون النسب حسب اطّلاعهم, ويحذفون الإسناد، هذه كتب الأنساب بين أيديكم لا يذكرون الإسناد, لماذا؟ هم أعلم بذلك.
أوّلاً: حسب اعتراف إحسان الهي ظهير, أنّ هذا الرجل من أعلام القرن الرابع, وولادة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف سنة 256 هـ يعني أكثر من 140 سنة يوجد هذا الشخص ويذكر أنه لم يوجد للإمام العسكري عليه السلام عقب, وذلك حسب ادعاء إحسان إلهي ظهير.
علماً أنه هو لم يقل, وإنما إحسان الهي ظهير هو الكاذب في ادّعائه كما سنذكر عبارة هذا الرجل ولكن إن صحّ ما يقوله إحسان, إذ لعلّ عنده نسخة نحن لم نطلع عليها مثلاً.
يقول: إن هذا الشخص من أعلام القرن الرابع من علماء النسب وهو يؤكد أنه ليس له ولد.
إذن هنا ملاحظتان:
الأولى: أن الرجل حسب اعتراف إحسان ولد بعد أكثر من مائة سنة من ولادة الحجة عجل الله فرجه الشريف.
والثانية: لم يذكر سند دعواه, كيف يدّعي أنه لا عقب للإمام العسكري عليه السلام ؟ من أين يعرف هل نزل عليه الوحي, أم رأى في عالم الرؤيا؟
الظاهر أن إحسان الهي ظهير جاهل حتى بعلماء النسب, فإن هذا ليس من علماء القرن الرابع, بل هو من علماء القرن الثالث, فقفز به قفزة قرن كأنه أراد أن يضرب رأسه بفأسه مثلما يقال يريد أن يستند إلى من يقول بأنه من علماء القرن الرابع وهو من علماء القرن الثالث, غريب...! هكذا هم أعداء أهل البيت عليهم السلام دائماً يتخبّطون.
على أي حال، هذا الرجل ينسب إليه أنه يؤكد أن لا عقب للإمام العسكري عليه السلام. وهذه هي العبارة التي يريد أن يستفيد منها هذا الرجل الناصبي بأنه لا عقب للإمام العسكري عليه السلام.
فيقول عن طريق الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
(ولد الحسن بن عليّ عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة 232هـ وتوفي في سرّ من رأى (سامراء) يوم الجمعة لثمان ليالٍ خلون من شهر ربيع الأوّل سنة 260هـ ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه عليه السلام وهو _ أي الإمام الحسن العسكري _ ابن 28 سنة وصلى عليه أبو عيسى بن المتوكل، وكانت إمامته خمس سنوات وثمانية أشهر وخمسة أيام, وتوفي ولم ير له أثر ولم يعرف له ولد ظاهر).(2)
لم يقل لم يولد له ولد, بل قال: لم ير أثر.
يا إحسان إلهي ظهير افتح عينيك يقول (لم ير له أثر) ولم يقل: لم يلد ولم يولد له أثر، بل يقول: ولم ير له أثر ولم يعرف له ولد، ولم يقل لم يولد ولد له وإنما قال: لم يعرف له ولد ظاهر.
هذه عبارة هذا الرجل الذي لهج بذكر اسمه هذان الناصبيان _ ابن تيمية وإحسان الهي ظهير _ وقالا بأنّه نسّابة وانه يؤكد انه لا ولد للحسن العسكري عليه السلام, هذه عبارته فهو يقول لم يعرف له ولد ظاهر, ونحن أيضاً نقول: ليس ولد ظاهر الآن أنا وأنتم نقول ليس له ولد ظاهر معروف, هذا نعرفه.
تقسيم الميراث:
يقول إحسان إلهي ظهير: قُسّم ميراث الإمام العسكري عليه السلام بين أخيه وأمه.
ويرد على قوله أوّلاً: على خلاف قاعدة مذهب الجعفريّة إذ مع وجود الأم كيف يأخذ الأخ الحصّة من الميراث؟ يقول: (فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه) أي أنّ هناك كانت مواريث لم تكن ظاهرة ولم يعلم أين ذهبت.
وأمّه وهي أمّ ولد فإن كانت ما زالت على رقّيتها فليس لها ميراث وإن كانت قد تحرّرت _ هذا واقع الحال فهي قد أصبحت حرة بواسطة حرية ولدها وهو الحسن العسكري عليه السلام... فالميراث كله لها وليس لجعفر ميراث.
وفي رواية أخرى أنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام قد أوصى بالمال الظاهر إلى أمه لتعيش منه مدة حياتها,3) ولم تكن هناك مسألة ميراث.
يقول هذا الرجل: في هذه الحالة تحيّرت الشيعة, أي أنّ عامة الشيعة تحيرت وذهب كل قسم منهم إلى رأي, فيذكر هناك الآراء التي ظهرت بين الشيعة حين ذاك، ويذكر ثلاث عشر أو أربع عشر فرقة أصبحت حسب رأي إحسان إلهي ظهير.
أما هذا الرجل النسّابة _ أي النوبختي _ الذي قالوا بأنه ينفي وجود عقب للإمام العسكري عليه السلام فعبارته في حديثه عن الفرقة الثانية عشر كما يلي:
يقول: (قالت الفرقة الثانية عشرة وهم الإمامية ليس القول كما قالت هؤلاء كلّهم _ الفرق الأخرى _ بل لله عز وجل في الأرض حجّة من ولد الحسن بن عليّ عليه السلام, وأمر الله تعالى بالغ وهو وصي لأبيه، على المنهاج الأوّل والسنن الماضية ولا تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام ولا يجوز ذلك, ولا تكون إلاّ في عقب الحسن بن عليّ عليه السلام إلى أن ينقضي الخلق، متّصلاً ذلك ما اتّصلت أمور الله سبحانه وتعالى، ولو كان في الأرض رجلان لكان أحدهما الحجة، ولو مات أحدهما لكان الآخر الحجة ما دام أمر الله ونهيه قائمين في خلقه ولا يجوز أن تكون الإمامة في عقب من لم تثبت له إمامة (يقصد جعفر)، ولم تلتزم العباد به حجة ممن مات في حياة أبيه _ أيّ ممن قال بإمامة من توفي قبل الإمام الحسن عليه السلام _ ولا في ولده، ولو جاز ذلك صلح قول أصحاب إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام ومذهبهم، ولثبتت إمامة محمّد بن جعفر عليه السلام إذن، وكان من قال بها محقاً بعد مضي جعفر بن محمّد عليه السلام ).(4)
يقول هذا الرجل صاحب الكتاب الذي ينسب إليه إحسان ظهير ما نسب وكذلك ابن تيمية ما نسب، يقول:
(وهذا الذي ذكرناه هو المأثور عن الصادقين، الذي لا تدافع له بين هذه العصابة ولا شك فيه لصحة مخرجه وقوة أسبابه وجودة أسناده، ولا يجوز أن تخلو الأرض من حجة ولو خلت ساعة لساخت الأرض ومن عليها، ولا يجوز شيء من مقالات هذه الفرق كلها فنحن مستسلمون بالماضي، وإمامته، مقرّون بوفاته _ وهذا ثابت _ ومعترفون بأن له خلفاً قائماً من صلبه، وأنّ خلفه هو الإمام من بعده حتّى يظهر ويعلن أمره ما ظهر وعلن أمر من مضى من آبائه ويأذن الله بذلك، إذ الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويأمر بما يريد من ظهوره وخفائه، كما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (اللهم إنّك لا تخلي الأرض من حجة لك على الخلق ظاهراً معروفاً أو خائفاً مستوراً أو مغموراً كي لا تبطل حجتك وبيناتك) (5) وبذلك أمرنا جاءت الأخبار الصحيحة عن الأئمّة الماضين عليهم السلام الماضين، لأنه ليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله تعالى ويقضوا بلا علم لهم ويطلبوا آثار ما ستر عنهم، ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يأمر بذلك هو عليه السلام إذ هو عليه السلام خائف مغمور مستور بستر الله سبحانه وليس علينا البحث عن أمره، بل البحث عن ذلك وطلبه محرم ولا يحل ولا يجوز لأن في إظهار ما ستر عنا وكشفه إباحة دمه ودمائنا، وفي ستر ذلك والسكوت عنه حقنهما وصيانتهما ولا يجوز لنا ولا لأحد أن يختار إماماً برأي واختيار... إلى أخر كلامه الشريف).(6)
هذا هو مذهب النوبختي إخوتي الأجلاء، وهذا استدلال إحسان إلهي ظهير واستدلال ابن تيمية أن هذا الرجل النسّابة يذكر ويؤكد أن لا عقب للإمام العسكري عليه السلام ، وهو يقول بإمامة الحجة عجل الله فرجه الشريف... هكذا يفعل هؤلاء.
كيف ما كان، هذا أهم ما يستند إليه هؤلاء في قولهم بأن النسّابة أكدوا أن لا ولد للإمام العسكري عليه السلام ، في الوقت الذي نرى فيه أن ذلك النساب يؤكد أنّ للإمام العسكري ولد وهو المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
الاختلاف في المولد:
ومن جملة إشكالاتهم أنه اختلف في مولد الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ، وهذا دليل على عدمه.
وهذا غريب، حيث استدلوا على أن الاختلاف في ولادة دليل على عدمها، أليس المسلمون اختلفوا في ولادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
أليس القرآن الكريم قد شهد باختلاف الناس في عدد أصحاب الكهف؟! ليس في تاريخهم بل في أنفسهم يقول: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ...)(7) فهل يعني أن أصحاب الكهف غير موجودين.
إنكار جعفر:
ومن جملة أدلتهم _ بل نقول سخافاتهم _ يقولون: لو كان له ولد لعلم أخوه جعفر، لأنّه أقرب الناس إليه، لكنّه أنكر وادعى الإمامة.
ونحن نقول لإحسان إلهي ظهير: إنكار عمّ النبي لرسالته هل يصلح دليلاً على عدم نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
لماذا إنكار قحافة لخلافة ابنه لا يعدّ دليلاً على عدم خلافته؟ لقد أرسل أبو بكر إلى أبيه وقال له: لقد بايعني الناس وأنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: كلامك متناقض تقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تقول الناس اختاروني! اخرج من الأمر الذي أنت لست أهلاً له، لما اختارك الناس وفيهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ قال: أنا أكبر منه سناً، قال: أنا أبوك أكبر منك سناً، إذا كانت الخلافة بكبر السن فأنا أكبر منك وإذا كانت في العمر كان سلمان الفارسي أكبر منهم.(8)
إن كان إنكار جعفر لولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف دليلاً، كذلك إنكار قحافة يكون دليلاً على عدم خلافة أبي بكر.
الاختلاف في اسم الأم:
ومن جملة إشكالاتهم وسخافاتهم اختلافهم في اسم أمّ الإمام المنتظر. هذا من جملة الأدلة.
أوّلاً: اختلاف الأسماء أو تعدد الأسماء إن كان دليلاً على العدم فإنّ لله تعالى تسعة وتسعين اسماً، بناءً على أن الأسماء توقيفية، وإلاّ فهي غير محصورة كما ورد في دعاء الجوشن الكبير, هل يعني هذا أن الله تعالى غير موجود (العياذ بالله).
من هوان الدنيا أن يكون ويعبر عن هؤلاء الأشخاص بأنهم علماء ومحققون للمسلمين.
يقولون لا، ليس تعدد الأسماء بل اختلاف الأسماء، فقد قيل اسمه كذا وقيل: كذا وكذا.
وقد نسى إحسان الهي ظهير وابن تيمية أن هناك رواية صرحت بتعدد أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف باعتبارات متعددة, وليس هناك اختلاف في اسمها بل لها أسماء متعددة، كما للزهراء سلام الله عليها وكذلك لعائشة.(9)
وتعدد الأسماء لا يقتضي عدم وجودها على من كان له خبرة بالتاريخ ولو بسيطة جداً، إن الجواري كانت تتعدد أسماؤها غالباً، وأمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف أمّ ولد، كما أنّ أمّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام أمّ ولد.
وتعدّد الأسماء كان له أسباب وكانت الأسباب حسب الجارية، إما لعفتها أو لنزاهتها وغيرها، وربما تعددت الأيدي على ملكها، ويستحب تغيير اسم المملوك عندما يشتريه المشتري، ولذلك ربّما تعددت الأسماء لهذا السبب، وأمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف كانت في بلد النصارى وكان لها اسم بلغتها ثم هي أخفت اسمها وسميت باسم جديد لها في الطريق، ثم الإمام عليه السلام سماها باسم آخر.
وهناك وجوه أخرى وردت في الرواية لماذا تعددت أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.(10)
عدم الظهور:
ومن أدلتهم على عدم وجود الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف أنه لو كان موجوداً لظهر إلى العيان.
وهذا عين دليل الملاحدة الذين ينكرون وجود الله سبحانه قائلين بأنّه لو كان الله موجوداً لرأيناه. وهناك أحد الملعونين في الاتحاد السوفيتي السابق يقول: صواريخنا وصلت إلى القمر وما وراء القمر لم تر الله سبحانه وتعالى.
وما ورد في القرآن الكريم: (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَْسْبابَ) (11) أي سلماً عالياً أرى إله موسى عليه السلام.
اختفاء الإمام عليه السلام:
ومن جملة خرافاتهم أنه لو كان موجوداً ما كان هناك داعٍ للاختفاء.
ونحن نقول: لماذا أخفى الله سبحانه وتعالى آثار أهل الكهف؟ ولماذا أخفى ولادة موسى بن عمران عليه السلام ؟ أفهل كان سبحانه وتعالى عاجزاً عن حماية موسى عليه السلام من فرعون إلاّ بالإخفاء (العياذ بالله).
هذه أبرز الإشكالات، وعمدتها كان هذا الكتاب، وهو كتاب فرق الشيعة للنوبختي (رضوان الله تعالى عليه).
إثبات الولادة:
في الواقع أن هذا الرجل _ النوبختي _ هو من كبار علماء الشيعة، كما أكّد النجاشي(12) وغيره, وكان معروفاً بالتدين والورع والعفة والصلاح والخبرة وغير ذلك، ولكنهم أرادوا أن يتشبثوا بهذا.
انتساب إنسان ما إلى والده لا بدّ أن يكون بذكر اللازم فقط، وإلاّ نفس الانتساب وإقامة البينة عليه, وإقامة الشهادة عليه مستحيلة، لأنه كيف يعلم أن زيداً ولد من نطفة عمر, هذا لا يمكن مشاهدته، بل أكثر ما يمكن الشهادة عليه هو أن والده واقع زوجته وبعد تسعة أشهر خرج من بطن أمه, وخروجه من بطن أمه يثبت بنوته لأمه ولا يثبت بنوته لأبيه، إلاّ أن يثبت أنّ هذه النطفة خرجت من فلان ودخلت إلى رحم فلانة، ولا طريق لإثباته من طريق الحواس الخمس، وليس له طريق إلاّ بإثبات اللازم بالشهادة, الأم تقول: إنّ هذا ابن فلان، الأب يعترف أن فلان ابنه، الابن يعترف أنّ فلاناً أبوه ولم يكن له مانع.
والفراش يعتبر علامة شرعية بحكم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (الولد للفراش) (13) وذلك حينما يدعي غيره.
وأمّا أصل الإثبات فلا يكون إلاّ بالاعتراف من الوالد أو الولد أو الأم.
أما إثبات نسبته للأم فيمكن ذلك بشهادة القابلة، وبشهادة من حضر من النساء أو غير النساء عند خروج الطفل من بطن أمه.
فإنّ هناك روايات متعددة من رواة متعددين تحمل شهادة حكيمة عليها السلام أنّها كانت حاضرة في خدمة أم الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، ليلة ولادة الإمام المنتظر عليه السلام فولد عليه السلام.(14)
وطائفة أخرى من الروايات تذكر شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام حيث قدّم ولده الشريف إلى الخاصة من شيعته وقال: (هذا إمامكم بعدي وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً... ).(15)
هاتان طائفتان من الروايات، وهناك طائفة ثالثة تروي اعتراف الأئمّة السابقين، فمثلاً إمام يقول: كذا جيل بعدي يكون السابع أو التاسع من أولادي إمام، أي يحدد العدد.
وبعض الروايات: عن الإمام الرضا عليه السلام ،(16) أو عن الإمام الصادق عليه السلام ،(17) والبعض الآخر عن الإمام الكاظم عليه السلام (18) كلها تثبت ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف.
وقلنا: الولادة والنسب يثبت بإثبات اللازم فقط ولا يحتاج إلى تكوّن الولد من النطفة، وإلاّ فعلى إحسان إلهي ظهير أن يثبت إنه ابن والده أو ابن تيمية.
وعليه لا سبيل للإثبات إلاّ عن هذا الطريق.
فتكون عندنا ثلاث طوائف من الروايات:
طائفة عن الإمام العسكري عليه السلام قال فيها بأنّ هذا ابني وهو إمامكم بعدي.
وطائفة ثانية تنتهي إلى حكيمة عليها السلام وشهادتها بذلك، وشهادة النساء بخصوص الولادة مسموعة.
وطائفة ثالثة ترجع إلى الأئمّة عليهم السلام الذين أخبروا أنّه بعد العدد الفلاني من الأئمّة يكون الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، أو يكون منه الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
مما يثبت أن الروايات متواترة، لأنّها روايات من أشخاص متعدّدين مختلفين لا يعرف أحدهم الآخر، فكل منهم يدخل في سند مستقل عن الآخرين.
أما أخبار الأئمّة عليهم السلام ففي عقيدتنا أنّهم يخبرون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنهم أئمّة، وأنهم أولياء أمر, وأنهم معصومون، فعندما يذكر الإمام الرضا عليه السلام أنّ فلاناً بعد فلان وبعد فلان فلان من ولدي فالإمام الرضا عليه السلام _ حسب مسلكهم _ لا يعلم الغيب ولكن يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ التسلسل الفلاني من ولده يكون هو الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، وهذا أكبر شاهد ودليل على ولادته سلام الله عليه.
(1) الفتح: 28.
( 2) فرق الشيعة: 105.
(3) فرق الشيعة : 116.
(4) فرق الشيعة: 116.
(5) كذا في المصدر، ولكن المذكور في نهج البلاغة كما يلي: (اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلاّ تبطل حجج الله وبيناته). نهج البلاغة 4: 37/ الخطبة 147.
(6) فرق الشيعة: 116 و117.
(7) الكهف: 22.
(8) راجع الاحتجاج للطبرسي: 1/ 115.
(9) لاحظ: ميزان الاعتدال للذهبي 2: 243؛ التأريخ الكبير للبخاري: 4/ 104.
(10) لاحظ: إكمال الدين وإتمام النعمة: 432.
(11) غافر: 36.
(12) رجال النجاشي: 63.
(13) الكافي 5: 491/ ح 2؛ من لا يحضره الفقيه 3: 451/ ح 4557؛ تهذيب لأحكام 8: 168/ ح 11؛ صحيح البخاري 3: 5 و5: 96؛ صحيح مسلم 4: 171؛ سنن ابن ماجة 1: 646...
(14) إكمال الدين وإتمام النعمة: 424؛ روضة الواعظين للفتال النيسابوري: 256؛ دلائل الإمامة للطبري: 499.
(15) الغيبة للشيخ الطوسي: 357؛ إكمال الدين وإتمام النعمة: 431 وفيه: (هذا صاحبكم بعدي...).
(16) إكمال الدين وإتمام النعمة: 376.
(17) إكمال الدين وإتمام النعمة: 21، 33، 342.
(18) إكمال الدين وإتمام النعمة: 368.
تعليق