حقاً كما قال ثامن الحجج الإمام الرضا (ع) : (إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا ، وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا ، وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ[1]) .
واذا كانت هذه الفاجعة قد أقضت مضاجع سادة العترة النبوية والسلالة المحمدية فمن قبلهم كان هذا حال الأنبياء، فقد وردَت عدّةُ رواياتٍ تُبيّنُ أنّ الأنبياءَ (عليهم السّلام) قد بكوا على الإمامِ الحُسينِ (عليه السّلام) نوردُها إليكَ بحسبِ ما ذكرَه العلّامةُ المجلسيّ في كتابِه البحار في (ج44/ص242 – 247)، وهيَ كما يلي:
1-آدمُ (عليهِ السّلام) يبكي الحُسينَ (عليه السّلام)
فقد روى صاحبُ الدّرِّ الثّمينِ في تفسيرِ قولِه تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ أنّه رأى ساقَ العرشِ وأسماءَ النّبيّ والأئمّةِ (عليهم السّلام) فلقّنَه جبرئيلُ: يا حميدُ بحقِّ محمّد، يا عالي بحقِّ عليّ، يا فاطرُ بحقِّ فاطمة، يا مُحسنُ بحقِّ الحسنِ والحُسينِ ومنكَ الإحسانُ. فلمّا ذكرَ الحسينَ سالت دموعُه وإنخشعَ قلبُه، وقالَ: يا أخي جبرئيلُ في ذكرِ الخامسِ ينكسرُ قلبي وتسيلُ عبرَتي!! قالَ جبرئيلُ: ولدُك هذا يُصابُ بمصيبةٍ تصغرُ عندَها المصائبُ، فقالَ: يا أخي وما هيَ؟ قالَ: يُقتلُ عطشاناً غريباً وحيداً فريداً، ليسَ لهُ ناصرٌ ولا معينٌ، ولو تراهُ يا آدمُ، وهوَ يقولُ: واعطشاهُ، واقلَّةَ ناصراه، حتّى يحولَ العطشُ بينَه وبينَ السّماءِ كالدّخانِ، فلم يجبهُ أحدٌ إلاَّ بالسّيوفِ، وشربِ الحتوفِ، فيُذبحُ ذبحَ الشّاةِ مِن قفاه، ويَنهبُ رحلَه أعداؤه، وتُشهرُ رؤوسُهم هوَ وأنصارُه في البلدانِ، ومعهُم النّسوانُ، كذلكَ سبقَ في علمِ الواحدِ المنّانِ، فبكى آدمُ وجبرئيلُ بكاءَ الثّكلى».
ويتكرّرُ لقاءُ آدمَ (عليهِ السّلام) بالحُسينِ حينَما يهبطُ إلى الأرضِ طائِفاً فيها، فيمرُّ بكربلاءَ، فيغتمّ ويضيقُ صدرُه مِن غيرِ سببٍ، فيرفعُ رأسَه إلى السّماءِ ويقولُ: إلهي هل حدثَ منّي ذنبٌ آخرُ فعاقبتَني به؟ فإنّي طفتُ جميعَ الأرضِ، وما أصابني سوءٌ مثلَ ما أصابني في هذهِ الأرضِ. فأوحى اللهُ إليه: يا آدمُ ما حدثَ منكَ ذنبٌ، ولكِن يُقتلُ في هذهِ الأرضِ ولدُك الحُسينُ ظُلماً فسالَ دمُك موافقةً لدمِه..».
2-نوحٌ (عليه السّلام) يذكرُ الحسينَ (عليه السّلام).
ورُوِيَ أنّ نوحاً (عليه السّلام) لمّا ركبَ في السّفينةِ طافَت بهِ جميعُ الدّنيا، فلمّا مرَّت بكربلاء أخذَتهُ الأرضُ، وخافَ نوحٌ الغرقَ فدعا ربّه وقالَ: إلهي طفتُ جميعَ الدّنيا، وما أصابني فزعٌ مثلَ ما أصابني في هذهِ الأرض. فنزلَ جبرائيلُ وقالَ: يا نوحُ، في هذا الموضعِ يُقتلُ الحُسينُ (عليه السّلام) سبطُ محمّدٍ خاتم الأنبياءِ، وإبنُ خاتمِ الأنبياءِ، فقالَ: ومنِ القاتلُ لهُ يا جبرئيل؟ قالَ: قاتله لعينُ أهلِ سبعِ سماواتٍ وسبعِ أرضينَ، فلعنَه نوحٌ أربعَ مرّاتٍ فسارَت السّفينةُ حتّى بلغَت الجوديّ، وإستقرَّت عليه» .
3-إبراهيمُ (عليه السّلام) يبكي الحُسينَ (عليه السّلام).
فعنِ الإمامِ الرّضا (عليه السّلام): «لمّا أمرَ اللهُ عزّ وجلّ إبراهيمَ (عليهِ السّلام) أن يذبحَ مكانَ إبنِه إسماعيلَ الكبشَ... أوحى اللهُ إليه: يا إبراهيمُ مَن أحبُّ خلقي إليكَ؟ فقالَ: يا ربِّ ما خلقتُ خلقاً هوَ أحبُّ إليّ مِن حبيبِك محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فأوحى اللهُ إليه: أفهوَ أحبُّ إليكَ أم نفسُك؟ قالَ: بل هوَ أحبُّ إليَّ مِن نفسِي. قالَ تعالى: فولدُه أحبُّ إليكَ أم ولدُك؟ قالَ: بل ولدُه... قالَ تعالى: يا إبراهيمُ فإنّ طائفةً تزعمُ أنّها مِن أمّةِ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ستقتلُ الحُسينَ إبنَه مِن بعدِه ظُلماً وعدواناً كما يذبحُ الكبشُ، ويستحقّونَ بذلكَ سَخَطي، فجزعَ إبراهيمُ (عليه السّلام) لذلكَ وتوجّعَ قلبُه وأقبلَ يبكي....
4-موسى (عليهِ السّلام) يلعنُ قاتلَ الحسينِ (عليهِ السّلام).
ورُويَ أنّ موسى كانَ ذاتَ يومٍ سائراً ومعهُ يوشعُ بنُ نون، فلمّا جاءَ إلى أرضِ كربلاءَ إنخرقَ نعله، وإنقطعَ شِراكه، ودخلَ الحسكُ في رجليه، وسالَ دمُه، فقالَ: إلهي أيُّ شيءٍ حدثَ منّي؟ فأُوحي إليهِ: «أن هُنا يُقتلُ الحُسينُ، وهُنا يُسفكُ دمُه، فسالَ دمُك موافقةً لدمِه... فرفعَ موسى يديهِ ولعنَ يزيد ودعا عليهِ، وأمَّنَ يوشعُ بنُ نون على دعائه...».
5-عيسى (عليه السّلام) يدعو على قاتلِ الحسينِ (عليهِ السّلام).
ورُوي أنّ عيسى (عليه السّلام) كانَ سائِحاً في البراري، ومعهُ الحواريّونَ، فمرّوا بكربلاءَ فرأوا أسداً كاسراً قد أخذَ الطّريقَ، فتقدّمَ عيسى إلى الأسدِ فقالَ له: لِمَ جلستَ في هذا الطّريق؟.. فقالَ الأسدُ بلسانٍ فصيحٍ: إنّي لم أدَع لكُم الطّريقَ حتّى تلعنوا يزيد قاتلَ الحُسينِ (عليهِ السّلام)... فرفعَ عيسى (عليه السّلام) يديهِ ولعنَ يزيد ودعا عليهِ وأمَّنَ الحواريّونَ على دعائِه فتنحَّى الأسدُ عَن طريقِهم ومضَوا لشأنِهم.
6-محمّدٌ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يبكي الحسينَ (عليهِ السّلام).
وتدخلُ أمُّ الفضلِ على خاتمِ الأنبياءِ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بعدَ ولادةِ الحُسينِ (عليه السّلام) فتجدُه فتقولُ له: ممَّ بكاؤك يا رسولَ اللهِ؟! فقالَ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): «إنّ جبرئيلَ أتاني وأخبرَني أنّ أمّتي تقتلُ ولدي هذا». وبكاءُ النّبيّ الأكرمِ محمّدٍ على حفيدِه مـمّا لا يختلفُ عليهِ إثنانِ فقد روَتهُ كتبُ السّيرِ والتاريخِ مِن أمثالِ إبنِ سعدٍ في الطّبقاتِ وإبنِ عساكرَ وإبنِ كثيرٍ
[1] بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام )
من الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة