طَـوْدٌ هَـوَى *
طَأْطِيءْ جَبينَكَ في ذُرَى العَـلْيـاءِ
واخْشَعْ وصَلِّ قُبَالَ حَرْفِ الزاءِ
والْْـثـِمْ تُراباً مَسَّ شـِسْـعَ نِـعَـالـِها
وارْوِ الفؤادَ بفَيْـضِ حَرْفِ الياءِ
والْبَسْ لها ثَـوْبَ الحِدادِ مُـعَـزِّيـاً
ومـُواسِــيـاً لـلنــونِ ثـمَّ البـــاءِ
وَدَعِ العُـيونَ الجـارياتِ سُـيولُـها
تَسْقِ الخُدودَ بـفـَيْضِ نَـبْـعِ دِماءِ
لا تُـطْـفِيءِ النيرانَ عند اشْتِعالِها
ودَعِ اللَّهيبَ يَشُبَّ في الأحشاءِ
والْطُمْ على الصَدْرِ الحَزينِ بحُرقَةٍ
صُبْحـاً وظُـهْراً ثم في الإمْساءِ
وانْعَ الشَجاعةَ والفَـصاحَةَ والإِبَـا
والصـبْـرَ يومَ الزعْـزَعِ النَكبــاءِ
وانْـعَ الطَـهارةَ والنَـجابةَ والنـَدَى
والخـِدْرَ فـي السَـرّاءِ والضَـرّاءِ
وانْـعَ الكرامةَ والسَماحَةَ والتُقَى
وانْعَ العَفافَ بدَوْحَةِ الشُـرَفـاءِ
وانْعَ الفَقاهَةَ والخِطابةَ والنُهَى
وانْـعَ الوَفـاءَ ومَنـْبَـعَ الإيْفـــاءِ
وانْعَ الأُخُوَّةَ حيثُ لم يَكُ مِثلَها
في الخافِـقَـيـْنِ نَموذجٌ لِإِخَـاءِ
وانْعَ الإصَالةَ والعدالةَ والرُؤى
والإحْتشــامَ بِـذَرْوَةِ البـُرَحــاءِ
نَعْـياً لهُ تَـبكي الخَـلائـقُ كـلُّـها
ويَنوحُ قَـلْبُ الصَخْرةِ الصَـمَّـاءِ
نَعْياً لِمَنْ سَحَقَتْ بشِسْعِ نِعالِها
هامَ الطُغاةِ بأرضِ كَرْبِ بَلاءِ
نَعْياً لِمَنْ في الشامِ بالوَحْلِ مَرَّغَتْ
أنْفَ الطَليـقِ وقومِهِ اللُّعَنــَاءِ
وارْثِ التي شَهِدَ الزمانُ لخِدْرِها
يومَ الطُفوفِ وجَحْفَلُ الأعداءِ
وَدَعِ القوافي الثاكِلاتِ تَصُغْ لها
منْ أبْـلـغِ الكـلـمـاتِ خَيْرَ رِثــاءِ
فاليومَ أظْلَـمَتِ الدُنَى وتَكدَّرَتْ
للطـارِقـاتِ لـها مـنَ الأنـبــــاءِ
طَوْدٌ لِآلِ المُصطفى الطُهْرِ هَوَى
فاغْبَرَّ وجْهُ الارضِ والخَضراءِ
فَـلْيـَنْـتَـصِبْ في كلِّ قَلْبٍ مأتَمٌ
حُــزْنـاً لـها وسُـــرادِقٌ لِـعَـزاءِ
ولْـتَرْتَدِ الحُوْرُ الحِسانُ سَوادَها
وتَـضُـجَّ في نَـوْحٍ لها وبُـكــاءِ
خَبَرٌ لأهْلِ الارضِ يُدمِي قلوبَهُم
وصَداهُ يُدمي هامَةَ الجـَوْزاءِ
حَكَمَ القَضاءُ وأَوجَعَتْ كفُّ الرَدَى
قَلْبَ البتولِ البضعةِ الزهراءِ
فاليَوْم يَوْمُ النِصفِ منْ رَجَبٍ وقد
فُجِعَ الرسولُ بزَيْنَبِ الحَوْراءِ
يا شَمْسُ لا.. لا تُشرِقي وتَلَفَّعِي
طُـولَ الزمــانِ بحُلّـةٍ سَـوداءِ
هـي زَيْـنَـبٌ واللهُ يَـعـلـمُ أنَّـها
أسْـنَى سَـناءً منْ سَناءِ ذُكـاءِ
لمْ أنْسَ زَيْنَبَ والمصائبُ جَمَّةٌ
اذْ تَسـتغيثُ بسَيِّدِ الشـهـداءِ
والشِمْرُ يَدفَعُها ويَقْطَـعُ نَحْـرَهُ
بُـغـضـاً لـهُ ولِآلـهِ النـُجَـبـــاءِ
وأمَامَ عَيْنَيْها الحُسينُ مُضَرَّجاً
بِدمائـِه مُلـقىً على الرَمْضاءِ
لمْ أَنْسَها والخَيْلُ تَسحَقُ صَدْرَه
وتَجُولُ في المَيْدانِ دونَ حَياءِ
لو تَدري مَنْ تَحْتَ السَنابُكِ لانْبَرَتْ
ثَكلى تَنوحُ عليهِ مَعَ الحَوْراءِ
ولَأَعْوَلَتْ حُزناً عليهِ وقَبَّلَتْ
قَـدَمـَيـْهِ قبلَ جَبينهِ الوَضَّـاءِ
وتُديرُ زيـنـبُ عَـيـْنـَها لِكَفيلَـهـا
والعـَلْـقَـمـيُّ يـُجيبُـها بجَـلاءِ
قُطِعَتْ يَداهُ وعَيْنُهُ قد أُطْفِئَتْ
والجِسْمُ منهُ مُقَطَّعُ الأعضاءِ
ضَمَّ اللِّواءَ لصَدْرِهِ وتَعانَقا
فوقَ التُرابِ بعِزَّةٍ قَعساءِ
وتَرى شَبيهَ المُصطفى فوقَ الثَرَى
قد قَطَّعَتْهُ صـَوارمُ الاعـــداءِ
وهناكَ عِرِّيسُ الطُفوفِ مُخَضَّباً
بِـدمـائِـه بـَدلاً مـنَ الـحِـنَّــــاءِ
وتَصُدُّ للطفـلِ الرضـيعِ ونَحـْرُهُ
قُطِعَتْ ولم يَسقُوهُ قَطْرةَ ماءِ
وأَمَـامـَها آســادُ هاشــمَ صُـرَّعٌ
والصَحْبُ كُلّهُمو على الغَبراءِ
لم يَبْقَ من آلِ الرسولِ وصَحْبِهم
غيرُ العَليلِ وقد ابْتَلى بالدّاءِ
والقَوْمُ قد هَجَمُوا لنَهْبِ خِيامِها
وبها نِـسـاءُ العـترةِ النُـجَـبـاءِ
وعلى مُتونِ نساءِ آلِ المُصطفى
لَعِـبَـتْ سـِياطُ أمَيَّةَ النـُذَلاءِ
فَهُناكَ رَمـْلةُ والـرَبـابُ وخـَولـةٌ
وسـُكَيْـنَةٌ مَعْ فاطِمِ الغـرّاء
وهـناكَ لَـيْـلـى واُمُّ كـلـثـومٍ بلا
سـَقْـفٍ ولا بَيْتٍ وايِّ خِبـاء
وهناكَ عاتِكةٌ وثَــمَّ صَـفـِيَّـةٌ
ونساءُ أَبطالِ الصَفا البـُسَـلاءِ
وهـنـاكَ أَطفـالٌ صِغـارٌ ورُضَّـعٌ
وقلوبُهُم حَرَّى لِـقَـطْرَةِ ماءِ
والنارُ شَبَّتْ في بُيوتِ مُحَمَّدٍ
وسَرَى لهيبُ النارِ في الأنحاءِ
فتَوَجَّهَتْ نَحْوَ الغَرِيِّ بلَهْفَـةٍ
تَدعو عليّاً فارسَ الـهـَيْجـاءِ
تَبكي وذو الفَقّارِ لاحَ لعَيْنِها
بَرْقاً يَشُقُّ غَياهِبَ الظلماءِ
أبَتَاهُ لم يَـبـْقَ لنا من كافِـلٍ
وغداً يَسيرُ الظَعْنُ للطُلَقاءِ
وتُساقُ ربّاتُ الخُدورِ بلا حِمىً
وتُقادُ للطاغي بِذُلِّ سِباءِ
فكأَنَّ حيدرَ قد أَجابَ نِداءَها
عِبْرَ الاثيرِ ورَهْبةِ البيداءِ
أَنتِ الكفيلُ مَعَ العليلِ وقد قَضَى
ربُّ العُلى لَكُمو بخَيْرِ جَزاءِ
وأشَدُّ ما لاقَتْ عقيلةُ حيدرٍ
أسْرُ النِسا وشَماتَةُ الأَعداءِ
ووُقُوفُها ونِساءُ الِ مُحَمَّدٍ
عندَ الدَعِيِّ وعُصْبةِ اللُّقَطَاءِ
لكنّها وقَفَتْ كحيدرَ في الوَغَى
رَغْمَ الأسَى والأسْرِ والّلأْواءِ
طَعَنَتْ برُمْحِ الحَقِّ صَدْرَ خُصُومِها
وبصوتِ حيدرَ سيِّدِ البُلَغاءِ
صَفَعَتْ عُبَيْدَاللهِ وَغْدَ سُمَيَّةٍ
فاهْتاجَ مِثْلَ بَهيمةٍ عَجْماءِ
وبِمَجلسِ الوَغْدِ ابْنِ هِنْدٍ زَلْزَلَتْ
عَرْشَ الطُغاةِ بخُطبةٍ عَصماءِ
نادَتهُ يا ابْنَ مَنْ لَفَظَتْ بكلِّ صَلافَةٍ
كَبِداً لحَمْزَةَ سيّدِ الشهداءِ
كَشَفَتْ لهُ تاريخَ جَدَّتِهِ التي
قد أَنسَلَتْ جيلاً منَ السُفَلاءِ
يومَ اعْتَلَتْ صَدْرَ الشهيدِ وكَشَّرَتْ
أَنـيـابـَها لـتَلـوكَ بالأحشــاءِ
بُهِتَ الطَليقُ وقد تَلَقّى ضَربَة ً
عَلَوِيّةَ التَسـديـدِ والإرمـاءِ
طَعَنَتْهُ زينبُ طَعنةً لما تَزَلْ
للآنَ أعظمَ طـَعنَةٍ نَجـلاءِ
هي ذي الشجاعةُ إرثُها ونَصيبُها
من أشرفِ الاجدادِ والآباءِ
قم دُلَّنِي عنْ مِثْلِ زينبَ في الوَرَى
طُرّاً من الأمْواتِ والأحياءِ
عَقِمَتْ نِساءُ الارضِ بَعْدَكِ لَمْ تَلِدْ
جَبَلاً كزَيْنَبَ شامِخاً بإِبَاءِ
سَـجَّـلْـتِ للتاريـخِ أعظمَ قـصـّةٍ
تبقى ليومِ الحَشْرِ ذاتَ عَطاءِ
تَخشَى الدُهورُ ورَيْبُها وصُروفُها
من أن تَنالَ فُصولَها بفَناءِ
يا مَنْ وَهَبْتِ الصَبْرَ أروعَ حُلةٍ
عَـلَويّةٍ في يومِ عاشـوراءِ فَصَّلْتِ للعِـيْنِ الحجابَ بكربلا
ولِقاصِراتِ الطَرْفِ خَيْرَ رِدَاءِ
وحَمَلْتِ من بعدِ الحُسَيْنِ لِواءَهُ
في الأسْرِ كالعباسِ في الهَيْجَاءِ
ورَفَعْتِهِ فوقَ الرؤوسِ مُرَفْرِفاً
يَتْلو خِطابَ الحقِّ في الأَرجاءِ
فَرَدَدْتِ كَيْدَ أُمَيَّةٍ لِنِحُورِها
وفَضَحْتِ أَهلَ الغَدْرِ والخُيَلاءِ
وكَتَبْتِ دستورَ الشجاعةِ والفِدا
وفقاً لِشِرعَةِ جَدِّكِ السَمحاءِ
ونَشَرْتِ مَلْحَمَةَ الخُلودِ على الدُنَى
خُطَباً تَفوقُ بَلاغةَ الخُطَباءِ
تَبقى القَوافي في رِثائِكِ قُصَّراً
وتَحارُ فيكِ قَرائِحُ الشعَراءِ
قُمْ أيُّها التاريخُ وارْكَعْ عندَها
واسْجُدْ على أَقْدامِها بِسَخَاءِ
-------------------------------------------------
* تشرفتُ بكتابة هذه القصيدة المتواضعة في ١٥ رجب ١٤٤٢هـ لمناسبة ذكرى وفاة الحوراء زينب عليها السلام
طَأْطِيءْ جَبينَكَ في ذُرَى العَـلْيـاءِ
واخْشَعْ وصَلِّ قُبَالَ حَرْفِ الزاءِ
والْْـثـِمْ تُراباً مَسَّ شـِسْـعَ نِـعَـالـِها
وارْوِ الفؤادَ بفَيْـضِ حَرْفِ الياءِ
والْبَسْ لها ثَـوْبَ الحِدادِ مُـعَـزِّيـاً
ومـُواسِــيـاً لـلنــونِ ثـمَّ البـــاءِ
وَدَعِ العُـيونَ الجـارياتِ سُـيولُـها
تَسْقِ الخُدودَ بـفـَيْضِ نَـبْـعِ دِماءِ
لا تُـطْـفِيءِ النيرانَ عند اشْتِعالِها
ودَعِ اللَّهيبَ يَشُبَّ في الأحشاءِ
والْطُمْ على الصَدْرِ الحَزينِ بحُرقَةٍ
صُبْحـاً وظُـهْراً ثم في الإمْساءِ
وانْعَ الشَجاعةَ والفَـصاحَةَ والإِبَـا
والصـبْـرَ يومَ الزعْـزَعِ النَكبــاءِ
وانْـعَ الطَـهارةَ والنَـجابةَ والنـَدَى
والخـِدْرَ فـي السَـرّاءِ والضَـرّاءِ
وانْـعَ الكرامةَ والسَماحَةَ والتُقَى
وانْعَ العَفافَ بدَوْحَةِ الشُـرَفـاءِ
وانْعَ الفَقاهَةَ والخِطابةَ والنُهَى
وانْـعَ الوَفـاءَ ومَنـْبَـعَ الإيْفـــاءِ
وانْعَ الأُخُوَّةَ حيثُ لم يَكُ مِثلَها
في الخافِـقَـيـْنِ نَموذجٌ لِإِخَـاءِ
وانْعَ الإصَالةَ والعدالةَ والرُؤى
والإحْتشــامَ بِـذَرْوَةِ البـُرَحــاءِ
نَعْـياً لهُ تَـبكي الخَـلائـقُ كـلُّـها
ويَنوحُ قَـلْبُ الصَخْرةِ الصَـمَّـاءِ
نَعْياً لِمَنْ سَحَقَتْ بشِسْعِ نِعالِها
هامَ الطُغاةِ بأرضِ كَرْبِ بَلاءِ
نَعْياً لِمَنْ في الشامِ بالوَحْلِ مَرَّغَتْ
أنْفَ الطَليـقِ وقومِهِ اللُّعَنــَاءِ
وارْثِ التي شَهِدَ الزمانُ لخِدْرِها
يومَ الطُفوفِ وجَحْفَلُ الأعداءِ
وَدَعِ القوافي الثاكِلاتِ تَصُغْ لها
منْ أبْـلـغِ الكـلـمـاتِ خَيْرَ رِثــاءِ
فاليومَ أظْلَـمَتِ الدُنَى وتَكدَّرَتْ
للطـارِقـاتِ لـها مـنَ الأنـبــــاءِ
طَوْدٌ لِآلِ المُصطفى الطُهْرِ هَوَى
فاغْبَرَّ وجْهُ الارضِ والخَضراءِ
فَـلْيـَنْـتَـصِبْ في كلِّ قَلْبٍ مأتَمٌ
حُــزْنـاً لـها وسُـــرادِقٌ لِـعَـزاءِ
ولْـتَرْتَدِ الحُوْرُ الحِسانُ سَوادَها
وتَـضُـجَّ في نَـوْحٍ لها وبُـكــاءِ
خَبَرٌ لأهْلِ الارضِ يُدمِي قلوبَهُم
وصَداهُ يُدمي هامَةَ الجـَوْزاءِ
حَكَمَ القَضاءُ وأَوجَعَتْ كفُّ الرَدَى
قَلْبَ البتولِ البضعةِ الزهراءِ
فاليَوْم يَوْمُ النِصفِ منْ رَجَبٍ وقد
فُجِعَ الرسولُ بزَيْنَبِ الحَوْراءِ
يا شَمْسُ لا.. لا تُشرِقي وتَلَفَّعِي
طُـولَ الزمــانِ بحُلّـةٍ سَـوداءِ
هـي زَيْـنَـبٌ واللهُ يَـعـلـمُ أنَّـها
أسْـنَى سَـناءً منْ سَناءِ ذُكـاءِ
لمْ أنْسَ زَيْنَبَ والمصائبُ جَمَّةٌ
اذْ تَسـتغيثُ بسَيِّدِ الشـهـداءِ
والشِمْرُ يَدفَعُها ويَقْطَـعُ نَحْـرَهُ
بُـغـضـاً لـهُ ولِآلـهِ النـُجَـبـــاءِ
وأمَامَ عَيْنَيْها الحُسينُ مُضَرَّجاً
بِدمائـِه مُلـقىً على الرَمْضاءِ
لمْ أَنْسَها والخَيْلُ تَسحَقُ صَدْرَه
وتَجُولُ في المَيْدانِ دونَ حَياءِ
لو تَدري مَنْ تَحْتَ السَنابُكِ لانْبَرَتْ
ثَكلى تَنوحُ عليهِ مَعَ الحَوْراءِ
ولَأَعْوَلَتْ حُزناً عليهِ وقَبَّلَتْ
قَـدَمـَيـْهِ قبلَ جَبينهِ الوَضَّـاءِ
وتُديرُ زيـنـبُ عَـيـْنـَها لِكَفيلَـهـا
والعـَلْـقَـمـيُّ يـُجيبُـها بجَـلاءِ
قُطِعَتْ يَداهُ وعَيْنُهُ قد أُطْفِئَتْ
والجِسْمُ منهُ مُقَطَّعُ الأعضاءِ
ضَمَّ اللِّواءَ لصَدْرِهِ وتَعانَقا
فوقَ التُرابِ بعِزَّةٍ قَعساءِ
وتَرى شَبيهَ المُصطفى فوقَ الثَرَى
قد قَطَّعَتْهُ صـَوارمُ الاعـــداءِ
وهناكَ عِرِّيسُ الطُفوفِ مُخَضَّباً
بِـدمـائِـه بـَدلاً مـنَ الـحِـنَّــــاءِ
وتَصُدُّ للطفـلِ الرضـيعِ ونَحـْرُهُ
قُطِعَتْ ولم يَسقُوهُ قَطْرةَ ماءِ
وأَمَـامـَها آســادُ هاشــمَ صُـرَّعٌ
والصَحْبُ كُلّهُمو على الغَبراءِ
لم يَبْقَ من آلِ الرسولِ وصَحْبِهم
غيرُ العَليلِ وقد ابْتَلى بالدّاءِ
والقَوْمُ قد هَجَمُوا لنَهْبِ خِيامِها
وبها نِـسـاءُ العـترةِ النُـجَـبـاءِ
وعلى مُتونِ نساءِ آلِ المُصطفى
لَعِـبَـتْ سـِياطُ أمَيَّةَ النـُذَلاءِ
فَهُناكَ رَمـْلةُ والـرَبـابُ وخـَولـةٌ
وسـُكَيْـنَةٌ مَعْ فاطِمِ الغـرّاء
وهـناكَ لَـيْـلـى واُمُّ كـلـثـومٍ بلا
سـَقْـفٍ ولا بَيْتٍ وايِّ خِبـاء
وهناكَ عاتِكةٌ وثَــمَّ صَـفـِيَّـةٌ
ونساءُ أَبطالِ الصَفا البـُسَـلاءِ
وهـنـاكَ أَطفـالٌ صِغـارٌ ورُضَّـعٌ
وقلوبُهُم حَرَّى لِـقَـطْرَةِ ماءِ
والنارُ شَبَّتْ في بُيوتِ مُحَمَّدٍ
وسَرَى لهيبُ النارِ في الأنحاءِ
فتَوَجَّهَتْ نَحْوَ الغَرِيِّ بلَهْفَـةٍ
تَدعو عليّاً فارسَ الـهـَيْجـاءِ
تَبكي وذو الفَقّارِ لاحَ لعَيْنِها
بَرْقاً يَشُقُّ غَياهِبَ الظلماءِ
أبَتَاهُ لم يَـبـْقَ لنا من كافِـلٍ
وغداً يَسيرُ الظَعْنُ للطُلَقاءِ
وتُساقُ ربّاتُ الخُدورِ بلا حِمىً
وتُقادُ للطاغي بِذُلِّ سِباءِ
فكأَنَّ حيدرَ قد أَجابَ نِداءَها
عِبْرَ الاثيرِ ورَهْبةِ البيداءِ
أَنتِ الكفيلُ مَعَ العليلِ وقد قَضَى
ربُّ العُلى لَكُمو بخَيْرِ جَزاءِ
وأشَدُّ ما لاقَتْ عقيلةُ حيدرٍ
أسْرُ النِسا وشَماتَةُ الأَعداءِ
ووُقُوفُها ونِساءُ الِ مُحَمَّدٍ
عندَ الدَعِيِّ وعُصْبةِ اللُّقَطَاءِ
لكنّها وقَفَتْ كحيدرَ في الوَغَى
رَغْمَ الأسَى والأسْرِ والّلأْواءِ
طَعَنَتْ برُمْحِ الحَقِّ صَدْرَ خُصُومِها
وبصوتِ حيدرَ سيِّدِ البُلَغاءِ
صَفَعَتْ عُبَيْدَاللهِ وَغْدَ سُمَيَّةٍ
فاهْتاجَ مِثْلَ بَهيمةٍ عَجْماءِ
وبِمَجلسِ الوَغْدِ ابْنِ هِنْدٍ زَلْزَلَتْ
عَرْشَ الطُغاةِ بخُطبةٍ عَصماءِ
نادَتهُ يا ابْنَ مَنْ لَفَظَتْ بكلِّ صَلافَةٍ
كَبِداً لحَمْزَةَ سيّدِ الشهداءِ
كَشَفَتْ لهُ تاريخَ جَدَّتِهِ التي
قد أَنسَلَتْ جيلاً منَ السُفَلاءِ
يومَ اعْتَلَتْ صَدْرَ الشهيدِ وكَشَّرَتْ
أَنـيـابـَها لـتَلـوكَ بالأحشــاءِ
بُهِتَ الطَليقُ وقد تَلَقّى ضَربَة ً
عَلَوِيّةَ التَسـديـدِ والإرمـاءِ
طَعَنَتْهُ زينبُ طَعنةً لما تَزَلْ
للآنَ أعظمَ طـَعنَةٍ نَجـلاءِ
هي ذي الشجاعةُ إرثُها ونَصيبُها
من أشرفِ الاجدادِ والآباءِ
قم دُلَّنِي عنْ مِثْلِ زينبَ في الوَرَى
طُرّاً من الأمْواتِ والأحياءِ
عَقِمَتْ نِساءُ الارضِ بَعْدَكِ لَمْ تَلِدْ
جَبَلاً كزَيْنَبَ شامِخاً بإِبَاءِ
سَـجَّـلْـتِ للتاريـخِ أعظمَ قـصـّةٍ
تبقى ليومِ الحَشْرِ ذاتَ عَطاءِ
تَخشَى الدُهورُ ورَيْبُها وصُروفُها
من أن تَنالَ فُصولَها بفَناءِ
يا مَنْ وَهَبْتِ الصَبْرَ أروعَ حُلةٍ
عَـلَويّةٍ في يومِ عاشـوراءِ فَصَّلْتِ للعِـيْنِ الحجابَ بكربلا
ولِقاصِراتِ الطَرْفِ خَيْرَ رِدَاءِ
وحَمَلْتِ من بعدِ الحُسَيْنِ لِواءَهُ
في الأسْرِ كالعباسِ في الهَيْجَاءِ
ورَفَعْتِهِ فوقَ الرؤوسِ مُرَفْرِفاً
يَتْلو خِطابَ الحقِّ في الأَرجاءِ
فَرَدَدْتِ كَيْدَ أُمَيَّةٍ لِنِحُورِها
وفَضَحْتِ أَهلَ الغَدْرِ والخُيَلاءِ
وكَتَبْتِ دستورَ الشجاعةِ والفِدا
وفقاً لِشِرعَةِ جَدِّكِ السَمحاءِ
ونَشَرْتِ مَلْحَمَةَ الخُلودِ على الدُنَى
خُطَباً تَفوقُ بَلاغةَ الخُطَباءِ
تَبقى القَوافي في رِثائِكِ قُصَّراً
وتَحارُ فيكِ قَرائِحُ الشعَراءِ
قُمْ أيُّها التاريخُ وارْكَعْ عندَها
واسْجُدْ على أَقْدامِها بِسَخَاءِ
-------------------------------------------------
* تشرفتُ بكتابة هذه القصيدة المتواضعة في ١٥ رجب ١٤٤٢هـ لمناسبة ذكرى وفاة الحوراء زينب عليها السلام