الإمامة في عقيدة الشيعة القائلين بها تختلف عنها في منطق الاخرين كثيراً . فإن الكلمة تعني عند الشيعة الخلافة المطلقة لشخص الرسول ولعلومه ومعارفه ومؤهلاته وصلاحياته ومسؤولياته ، وبتعبير آخر " صورة كاملة للنبوة " ، بفارق واحد فقط هو أن الإمام لا يوحى إليه ، بينما النبي يوحى إليه ، فلا نبي بغير وحي ، ولكن الإمام بدونه .
والنبوة ـ في منطق الإسلام ـ صلاحية فريدة في نوعها ومتميزة عن صلاحيات سائر البشر ، يهبها اللـه تعالى إلى فرد يختاره ويجعله وسيطاً يتلقى الوحي منه وينشره بين قومه ، وإذا تمت هذه الفكرة عن النبي تتم عن الإمام بنفس الملاك ونفس الحجة ، وكما أنه إذا صح القول بأنه من الممكن ان يغتدي الصبي نبياً وهو في المهد رضيع ، صح ذلك في الإمام (ع) .
والعمر وإن كان مقياساً للناس في الأغلب ولكنه ليس بمقياس عند الله ، فليس الأكبر سناً أعظم عند اللـه دائماً ، وربَّ شيخ يغيض عند ربه ولربَّ شاب أو طفل محبوب عند بارئه . العمل الصالح والنية الطيبة والإمكانيات الموهوبة وما إلى ذلك مما يهب الفرد قيمة وتقديراً هو المقياس الأول عند الإسلام وفي منطق القرآن ، أضف إلى ذلك أن القول بالنبوة والإمامة لا يمكن إلاّ بعد الإيمان الكامل بقدرة اللـه تعالى على أن يجعل من فرد واحد مجمعاً للفضائل ، ومرجعاً للمعارف ، وقدوة للناس وأسوة للخلق ، فالإعتقاد بالنبوة يفرض على الإنسان الإيمان بالمعجزة ( والتي هي ما يتعدى طاقة الإنسان ) وله ميزة على سائر البشر حتى يمكنه أن يقودهم ويقول لهم إنني نذير من الله .
وإذا كانت المعجزة تعني شيئاً خارجاً عن الطبيعة الجارية في سائر الخلق ، فلا فرق بين أن يكون الفرد الذي تتجلى فيه المعجزة كبيراً أو صغيراً ، غنياً أو فقيراً .
وطالما زعمت الأمم السالفة : أن النبي يجب أن يكون له مال وثراء عريض ، ويكون سيداً في قومه ورئيساً مهيباً ، فأفهمهم أنبياؤهم (ع) بأن اللـه إذا أراد أن ينزَّل رحمته في فرد لا تتوفر فيه هذه الشروط ويجعله نبياً ، فهل في ذلك من بأس ؟ قال تعالى : ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ 5
ولطالما أعجبت الأمم ودهشت حينما رأت أن الله قد بعث إليها صبياً نبياً ، ولكن ربنا أبرز لهم أن فعله ذلك إنما كان تعمداً ليعرفهم معنى النبوة ، وأنها ليست موهبة عادية تبرز في فرد دون فرد ، تبعاً للبيئة والتربية ، وإنما هو نبوءٌ عن عادة الخلق ، وخرق لسنة الكون ، ونداء جديد ليس يشابهه نداء المخلوقات ، بأن الله هو القادر وأنه إليه المصير ، يقول علي بن أسباط في حديث له عن الإمامة : رأيت أبا جعفر الجواد (ع) قد خرج إليّ فأحددت النظر إليه ، وإلى رأسه وإلى رجله لأصف قامته لأصحابنا بمصر فخر ساجداً وقال : إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة ، قال تعالى : ﴿ ... وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ 6 .
وقال الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ... ﴾ 7 .
وقال : ﴿ ... وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ... ﴾ 8 .
فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتى وهو ابن أربعين سنة 9 .
أجل إذا كانت النبوة معجزة الله تعالى ، أو كانت آية الابتداع فسواء ـ إذاً ـ أن تظهر في كبير أو صغير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- 5.القران الكريم : سورة الزخرف ( 43 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 491 .
- 6.القران الكريم : سورة مريم ( 19 ) ، الآية : 12 ، الصفحة : 306 .
- 7.القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 22 ، الصفحة : 237 .
- 8.القران الكريم : سورة الاحقاف ( 46 ) ، الآية : 15 ، الصفحة : 504 .
- 9. بحار الأنوار : ( ج 50 ، ص 24 ـ 37 ) .
- السيد محمد تقي المدرسي حفظه الله تعالى...... التاريخ الإسلامي
تعليق