لم يذكر التأريخ ان الإمام الجواد عليه السلام قام بثورة ضد النظام القائم انذاك ، ولم يذكر أن هناك ثمة تخطيط من قبله عليه السلام لذلك ، ولا حتى من أصحابه الخاصّين ، فلم يشكّل لهم معارضة ولم يكن مصدر ازعاج للدولة ..!! كان من أسرة قريبة بحسب الظاهر من النظام الحاكم ، فأبوه كان ولي عهد رسمي ، وهو عليه السلام كان صهر الخليفة المأمون .. !!
وهنا يبرز السؤال : لماذا تَقْدم السلطة على قتل الإمام الجواد ..!!
قد ذكرنا في منشور سابق من هذه السلسلة ان الامام الجواد ع قد قتلته غيرتان : غيرة النساء وغيرة العلماء ، فبطلة الأولى هي زوجته أم الفضل - ولا فضل لها - ، وهي بنت المأمون .. وبطل الثانية هو ابو داوود وقاضي بغداد - البعيد عن اسمه ومنصبه بعد المشرق عن المغرب - .. ! الا أننا قلنا أن هاتين الغيرتين استغلهما الجاني الحقيقي في قتل الامام وباتتا سبباً ثانوياً بعد السبب الرئيس لهذه الجريمة .. ! فما السبب الرئيسي اذن ..؟!
والسبب الرئيسي كما نعتقد هو العلم والشعور والإحساس الداخلي الراسخ لدى السلطة بأحقية الإمام - وآبائه - بالخلافة وقيادة الأمّة ، مع تعزيز هذه الأحقية بمرور الزمن بما يصدر عن إلإمام من براهين وإثباتات عن طريق علم يظهر في سؤال او مناظرة ، او تقوى وورع تطفحان في اختبار معين ، او كرامة تتجلى في موقف ما .. الخ
هذا العلم وهذا الإحساس والذي يتعزز ويقوى في النفس يوماً بعد يوم يشكّل عامل ضغط رهيب على صاحبه ونزاع قاتل من الداخل ، يُترجم الى الخارج بإرادة - من أجل التخفيف - أو بدون ارادة - عند طغيانه وثورانه - على شكل تصرفات مختلفة ، تارة تكون ايجابية - نوعا ما - على الائمة ، كالتقرب منهم ومحاولة اعطائهم منصب في الدولة أو التقارب الأسري او اظهار بعض الاحترامات والاعترافات بحقهم وكما فعل المأمون في بعض تصرفاته مع الامام الرضا ع والامام الجواد ع ، أو يتحوّل الى اجرام بشع وحقد صارخ وضغينة معلنة ينتهي بتعذيب الائمة أو قتلهم ..!!
هذا المارد الشيطاني المستقر في نفس وباطن هذه الأسر - بني أمية وبني العباس - افقدهم صوابهم وكان وراء كل الافعال المضطربة والمتناقضة اتجاه أهل البيت عليهم السلام ..
فالعقل الباطن المتكون من العلم بعلوّ كعب أهل البيت شرفاً وعلماً وورعاً وأحقيةً بقيادة الأمة ، والمتكون من الشعور بالذنب والتقصير اتجاه هذا العلم ، والمتكون من تأريخ حافل بالجرائم والاثام اتجاه أهل البيت ، وعدم الاطمئنان من المستقبل القريب والبعيد .. كل هذا كان هو العقل المدبر وراء جريمة قتل الجواد عليه السلام وبقية الائمة من ابائه وابناءه ..
آجركم الله
تعليق