إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

البعوضة مثلٌ قرآني

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البعوضة مثلٌ قرآني

    قال تعالى ((إنَّ اللهَ لا يَسْتَحي أنْ يَضْرِبَ مَثْلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فأَمَّا الذَّينَ آمنُوا فيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقّ منْ رَبِّهمْ وأمَّا الذين كَفَرُوا فيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِى بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلّا الفاسقين))
    تأمُّل في الآية الكريمة
    إنَّ التأمل في الآية يرشدنا إلى النتائج التالية:
    الأولى: إن الله تعالى اعتبر الهدف من الأمثال هو هداية البشر
    الثانية: إن موضوع المثل ومحتواه يحظى بأهمية تفوق أهمية المضمون الظاهري
    الثالثة: إن المخلوقات جميعاً ولو كانت بعوضة تكشف عن عظمة الخالق
    الشرح والتفسير
    قبل البدء بتفسير الآية ولأجل اعداد الأذهان للاستيعاب الأعمق نذكر هنا باقتضاب شأن نزولها:
    إن التحجج أو التذرع بالحجج هو من مواصفات المنافقين ,لأن المنافق يتحجج ويماطل ويتذرع بالتبريرات الباطلة في كل قضية ومسألة، إنه لا يهتم بتوجهات المخاطب ومواقفه؛ وذلك لأنه ينظر إلى القضية من موقف مخالف ويعمل على أساس هذه الرؤية. وكمثال على ذلك نفرض شخصاً أو اشخاصاً بنوا مركزاً إسلامياً يضم مسجداً و مكتبة ومصلى ومستشفى وداراً للعجزة
    ففي هذه الحالة سيعرب المنافق عن شعوره بالكلمات التالية
    هل من الصحيح بناء مركز بهذه الضخامة والكلفة في هذه المدينة رغم ما تضم من الفقراء والجياع؟ ألم يكن من الصحيح أن تصرف هذه المبالغ لأجل اشباع الفقراء وسد رمقهم؟ ألم يكن من الأفضل أن تصرف هذه المبالغ لأجل تزويج الشباب العزاب؟ ألم يكن من الأفضل أن يداوى بهذه المبالغ المرضى من المحتاجين والفقراء؟ ألم يكن من الأفضل أنْ تصرف هذه المبالغ في سبيل تعليم الشباب وتربيتهم؟!
    إنّ هذا الشخص أو الاشخاص الخيرين لو صرفوا هذه المبالغ لأجل اطعام المساكين وإعانة الشباب ومداواة المرضى و .. لاحتج هذا المنافق بحجج أخرى ولتمسك بذرائع من قبيل قوله: أي إسلام هذا وأي مسلمين هؤلاء، فإنا لا نجد في هذه المدينة مسجداً، وقد خصصتم هذه المبالغ الطائلة لأمور تافهة لا فائدة فيها، إنكم قد ضيّعتم الإسلام بأعمالكم هذه!
    تعلّموا من اليهود والنصارى؛ فإنهم يبنون معابد فخمة وجميلة تجذب الإنسان نحوها تعلموا من الهندوس فإنهم يبنون معابد عظيمة لأصنامهم الجامدة
    والخلاصة؛ إنّ غاية المنافق هي المشاكسة والمخالفة وزرع بذور الشك والإختلاف وإيذاء الآخرين
    ومع الإلتفات إلى هذه المقدمة نقوم بشرح الآية المذكورة.
    عندما نزلت بعض الأمثال القرآنية بدأ المنافقون بالترديد في المسألة والإشكال فيها والقول: (ما هذه الأمثال التي جاءت في القرآن)؟ إنّ شأن الله أرفع من أن يمثل بموجودات ضعيفة مثل الذباب «1» والعنكبوت، أو ان يمثل بموجودات جامدة مثل الرعد والبرق «2» وقد كانوا يهدفون من هذا الحديث القاء التشكيك في إلهية القرآن ومصدره الرباني، وأن القرآن ليس من الوحي الإلهي.
    بالطبع، لو لم تنزل هذه الآيات والأمثال أو نزلت بكلمات وصياغات معقدة لتمسك المنافقون- قطعاً- بذرائع أخرى ولقالوا: (كيف يمكن لهذا أن يكون كلام الله مع إنا لا نفهم منه شيئاً)؟ أو لقالوا: (لماذا لم ينزل الله هذه المفاهيم والحقائق بلغة بسيطة يفهمها الجميع)؟ كما ان هذا قد حصل لشعيب عليه السلام وقد حكته الآية الشريفة (91) من سورة هود:
    «قَالُوا يَا شُعَيْبُ ما نَفْقَه كَثِيراً مِمّا تَقُولُ وَإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاك وَمَا أنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ».
    يستفاد من الآية ان التمسك بالذرائع كان منطقهم، من جانب اخر كانوا يقولون: «لا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ» أي لا نفهم ما تقول، ومن جانب اخر يقولون: «لَوْلا رهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ» أي لولا قبيلتك لقتلناك فيجيبهم شعيب عليه السلام: «قَالَ يَا قَوْم أرَهْطِى أعزُّ عَليْكُمْ مِنَ الله؟!». «3»

    بما ان المنافقين اللجوجين كانوا يشككون ويحتجون على التمثيل بالجمادات او الموجودات الضعيفة جاءت الاية 26 من سورة البقرة لتجيب عليهم وتدحض حججهم: «إنّ اللهَ لا يَسْتَحِي أنْ يضرِبَ مَثلًا ما بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَها ...».
    إنّ بلاغة الكلام تقتضي تارة التمثيل بالموجودات الكبيرة وتارة بالموجودات الصغيرة؛ فكلما اريد من التمثيل بيان العظمة شبّه بشي‌ء كبير، واذا ما اريد بيان ضعف الشي‌ء وخواءه
    شبّه بشي‌ء ضعيف وصغير من الحيوانات والجمادات.
    وعلى هذا؛ فان التمثيل بالشي‌ء الكبير لا يدل على فصاحة الكلام وبلاغته دائماً. اذن، لا اشكال على القران عند تمثيله بشي‌ء يتناسب مع موضوع المثل والهدف منه مهما كان صغيراً او كبيراً.
    ان المؤمنين والصالحين، حيث يعلمون بحقيقة هذه الامثال ومحتواها، يعلمون بانها الحق وأنها من ربهم ولا ينكرونها، لكن المنافقين والكافرين لتعصبهم ولجاجتهم يقولون: «مَاذَا أرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً ويَهْدِى بِه كَثِيراً»؟!.
    خطأ المنافقين
    إنّ خطأ المنافقين الكبير هو عدم توجههم او عدم رغبتهم للتوجه إلى أنّ بلاغة القرآن وفصاحته أحد وجوه إعجاز القرآن المجيد والرسول الكريم. «1»
    إنّ الفصاحة والبلاغة- وهما من العلوم التي تدرس في الحوزة العلمية؟- بتعبير مقتضب هما عبارة عن ما يلي: إنّ ظاهر البيان إذا كان جميلًا قيل انه فصيح، واذا كان ذات معنى رفيع شاناً قيل انه بليغ.
    وعلى هذا؛ الفصاحة والبلاغة- وهما من وجوه اعجاز القرآن- يعنيان الجمال الظاهري والرفعة في محتوى الخطاب.
    حقاً ان القرآن فصيح وبليغ أي ان ظاهره جميل وجذاب يدعو إلى الإصغاء إليه، ومحتواه رفيع معنى وشأنا. ان بلاغة القرآن وفصاحته إلى درجة جعلت الاعداء تسميه السحر! وذلك لأنه يجعل الصاغي يسلّم اليه ويخضع له، وهذا بحد ذاته اقرار واعتراف بجاذبية القرآن
    الشديدة والخارجة عن المتعارف. إنّ كثيراً من الناس آمن اثر سماعه آيات من القرآن.
    جاذبية القرآن وانقاذ المسلمين
    هاجر الكثير من المسلمين في صدر الإسلام إلى الحبشة اثر الضغط المتزايد الذي لاقوه من المشركين في مكة. ولهذا بعث الكفار مبعوثين عنهم حاملين معهم هدايا وافرة إلى النجاشي ملك الحبشة لارجاع المسلمين إلى مكة. طمَّع المبعوثان في البداية حاشية ملك الحبشة ثم جاءوا للملك قائلين له: (أيها الملك، انه قد ضوى (أي لجأ) إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا اليك فيهم اشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم اليهم، فهم أعلى بهم عيناً، واعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه).
    كان المجلس لصالح الكفار من جميع النواحي وقد كان المشركون اعدوا من قبل المقدمات لكسب الموقف لصالحهم.
    لكن باعتبار كياسة النجاشي ورفعته، طلب من المسلمين بيان مواقفهم؛ فبدأ جعفر بن أبي طالب (رض) بالحديث وعرّف بالاسلام وبالرسول صلى الله عليه و آله والقران فطلب النجاشي منه قراءة بعض من الآيات.
    وباعتبار الزمان والمكان وباعتبار ان الحضور ينتمون إلى الديانة المسيحية قرأ آيات من القرآن تناولت ولادة عيسى- على نبينا وآله وعليه السلام- وهنا انقلب المجلس الذي كان قد أعد ليكون لصالح الكفار وبضرر المسلمين في البداية، انقلب لصالحهم وبدأت عيون النجاشي و رجال دينه تغرورق بالدموع. ان فصاحة القرآن وبلاغته وجاذبيته كانت بدرجة من التأثير على النجاشي حيث جعلته يرد هدايا الكفار ويسمح لجعفر والمسلمين بالاقامة في الحبشة إلى أي وقت شاءوا. «
    نموذج آخر لتأثير القرآن
    ان النموذج الآخر لتأثير فصاحة القرآن وبلاغته هو قصة اسعد بن زرارة. ان قبيلة اسعد كانت لفترة طويلة في صراع محتدم بينها وبين قبيلة اخرى. فغادر اسعد يوماً ما المدينة إلى مكة قاصداً زيارة بيت الله والأصنام التي فيها، فواجه في الطريق احد المشركين حذره من السماع لساحر يجلس قرب حجر إسماعيل، فانشغل اسعد بالطواف الا انه عندما شاهد وجه الرسول النوراني فكر، ورجح السماع والاصغاء لما يقوله الرسول صلى الله عليه و آله وقرر ان يعرض عنه إذا كان كلامه غير منطقي «1» وعندما اقترب من الرسول وسمع منه بعض الايات انجذب له إلى مستوى طلب منه تلاوة آيات أُخرى، فتلى الرسول له .. ثم أسلم. وحكى للرسول قصة الاختلاف بين قبائل المدينة ودعى الرسول للمجي‌ء إلى المدينة لأجل حل هذه الاختلافات. «2»
    خطابات الآية
    1- البعوضة ليست حيواناً حقيراً!
    إنّ كثيراً من المفسرين المعروفين ومنهم المرحوم الطبرسي (ره) في تفسيره القيم (مجمع البيان) ينقل حديثاً عن الامام الصادق عليه السلام في ذيل الاية، حيث قال: «إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لأن البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين فأراد الله تعالى أن يُنبّه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعه». «3»
    ان الله في الحقيقة أراد بهذا المثال بيان ضرافة الخلق، وان التفكّر في هذا الحيوان الضعيف ظاهراً- الذي خلقه الله شبيهاً لأكبر حيوان في اليابسة- ليرشد الانسان إلى عظمة خالقه
    التوضيح: في جسد البعوضة ضعيفة الجسم نفس الاعضاء الموجودة في فيل ضخم. ففيه جهاز الهضم، وخرطوم دقيق ذات منفذ رفيع، وأعضاء للحركة واجهزة للتناسل و .. اضافة إلى هذا، فان للبعوضة قرنين تشبه الهوائيات وذلك للتواصل فيما بينها وبين البيئة المحيطة بها وهو أمر يفقده الفيل.
    2- حجابان عظيمان: كثرة النعم والتعود عليها
    إنّ سبب غفلة الإنسان عن نعم الله العظيمة وعدم تفكره في دقة الخلق وضرافته هو شيئان: الاول: حجاب كثرة النعم؛ فإن وفرة النعم تجعل الإنسان يستهين ولا يعتد ولا يفكر بها. وكمثال على ذلك: ان البعوضة لو كانت نادرة في العالم ووقعت بأيدي العلماء، لاعتبرها هؤلاء العلماء موجوداً ذات اهمية وأهلًا للدراسات والتحقيق العلمي.
    الثاني: حجاب التعود؛ فان العين مثلًا من آيات الخلق العظمى؛ الا انا لم نفكر بها ولا نتمعّن في خلقها. الاذن كذلك، فهو مستلم قوي ودقيق وعجيب الا انا بسبب تعودنا عليه لا نعرف قدره ولا نثمنه مع انا لو دققنا ليس في هذين فقط بل في كل اشياء العالم لوجدناها عجيبة ومدهشة وتكشف عن اسرار الخلق والعظمة والتوحيد.
    3- الهداية والضلالة في القرآن
    في نهاية الآية يجيب الله المنافقين الذين قالوا: «مَاذَا أرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِه كَثِيرَاً» حيث قال: «وما يُضِلُّ بِهِ إلَّا الفَاسِقِينَ» في هذه الاية وامثالها «1» نسبت الضلالة إلى الله كما نسبت الهداية في آيات اخرى «2» اليه كذلك.
    إذا كانت الهداية والضلالة من الله ونحن مجبورون عليهما ولا إرادة لنا في ذلك فلماذا يثيب
    الله المهتدين ويعاقب الضالين رغم انهم مجبورون على ذلك؟
    هناك آراء مختلفة في تفسير هذه الآية وأمثالها، فبعض قال: ان المراد من (يضل) هو (يمتحن) أي ان الله يريد امتحان الناس من خلال هذه الامثال. «1»
    ويقول البعض الاخر: ان الهداية والضلالة تعنيان إعداد المقدمات لهما لا نفسهما والقرار النهائي فيهما يرجع إلى ارادة الإنسان نفسه. وكأن الله يسلب الموفقية من الإنسان اللجوج، فيراد من الضلالة- على هذا- سلب الموفقية. «2»
    ان سبب الاختلاف بين المفسرين يرجع إلى صعوبة معنى المفردتين وتعقدهما، ولهذا علينا ايضاحهما اولًا ثم البتّ في حل مشكلة الاختلاف في تفسيرهما.
    معنى الهداية والضلالة
    انتبهوا إلى هذا المثال: ان قطرات الغيث الشفافة والسليمة والمانحة للحياة تنزل على الكرة الارضية اجمع، كما ان الشمس تسطع على هذه الكرة وتمنحها نوراً وطاقة. انّ الغيث والشمس كلاهما من رحمة الله الا ان المحاصيل الزراعية التي تنتجها الأراضي التي تتمتع بهذين النعمتين تختلف، ففي الاراضي المالحة تنبت الادغال، بينما في الاراضي الاخرى تنبت الازهار والنباتات المطلوبة. هل سبب هذا الاختلاف الغيث والشمس ام سببه ملوحة الارض؟
    لا شك في ان منشأ الاشكال هو الارض فلو نثرت بذور الازهار مكان بذور الادغال في هذه الارض لتبدلت الارض إلى حديقة أزهار. وعلى هذا فلو قيل: ان المطر جاء لنا بالادغال فان ذلك لا يعني ان المطر هو السبب في ذلك بل الارض كانت سقيمة. ان قضية الهداية والضلالة تجري هذا المجرى، فان وابل الرحمة الالهية نزل بواسطة الرسول صلى الله عليه و آله على قلوب جميع البشر، وقد اصغى الجميع لوحي القرآن، فالذين قد أعدوا أراضي قلوبهم من ذي قبل، اهتدوا، اما اولئك الذين لم يغسلوا ملوحة قلوبهم بزلال الايمان ولم يعدوا انفسهم فضلُّوا.

    المصدر: أمثال القرآن للشيخ ناصر مكارم الشيرازي


    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	photo_2021-07-12_13-43-27.jpg 
مشاهدات:	591 
الحجم:	42.6 كيلوبايت 
الهوية:	919738
    الملفات المرفقة

  • #2
    اللهم صل على محمد وال محمد
    احسنتم ويبارك الله بكم
    شكرا لكم


    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X