بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
قال الله تعالى في كتابه الكريم في قصّة المسيح مع الحواريّين : (رَبَّنَا أنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدآ لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا) .
وقال رسول الله (ص) : «أعياد المسلمين أربع : الفطر والأضحى والغدير والجمعة ».
والعيد لغةً : مأخوذ من عاد يعود، فيسمّى اليوم الخاصّ عيد، لأنّه يعود كلّ سنة ، أو مأخوذ من العوائد، جمع العائدة ، أي الفائدة الموهوبة ، لأنّ الأعياد تشتمل على عوائد من الذكريات الطيّبة ، كما تنزل فيها البركات الإلهيّة والرحمة الخاصّة والعطايا الربّانية والفيوضات القدسيّة .
ولكلّ اُمّة وشعب أعياد وطنيّة أو غيرها من ذكرياتهم الخاصّة ، يمجّدونها
ويحتلفون بها ويعيدون ذكرياتها، وقد عيّن رسول الإسلام والإنسانيّة محمّد (ص)
لاُمّته في الشريعة الإسلاميّة أعيادآ أربعة ، كما ورد في نصوص كثيرة عن أئمة أهلالبيت :، ومنها: عيد الغدير الأغرّ.
ثمّ من الكلمات المتداولة على ألسن العلماء والفضلاء كلمتا (الثبوت ) و(الإثبات )، ويقصد بالأوّل الواقع والمعنى ونفس الأمر، كما يقصد من الثاني عالم الدلائل والألفاظ والظهور وإبراز ما هو في الواقع ، وإنّ الظاهر ينبئ عن الواقع كما يخبر عن الباطن والحقيقة ، فقوله سبحانه في كتابه الكريم : (أقِيمُوا الصَّلاةَ ) إنّما هو في عالم الإثبات الذي يخبر عن الإرادة الإلهيّة المتعلّقة
بالصلاة في عالم الثبوت والواقع ، والذي يسمّى بعالم المصالح والمفاسد، ونظير الإثبات والثبوت عالمي الملک والملكوت ، أو الظاهر والباطن ، فكلّ شيء له ملک ظاهري كما له ملكوت باطني ، والناس يختلفون ويتفاوتون في الدرجات باعتبار ما يحملون من العلوم والفنون والمعارف ، (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ) فيتفاضلون في الدنيا والآخرة بتفاضل المعرفة ، وقيمة كلّامرئ ما يحسنه من العلم والمعرفة والآداب والفنون .
وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، فالآيات والروايات باعتبار المفاهيم والمعاني ليست بمستوى واحد في فهمها ودركها ومعرفتها، بل كما ورد في الخبر السجّادي (ع): «سيأتي في آخر الزمان أقوام يتعمّقون ، فأنزل الله إليهم سورة التوحيد وآيات من سورة الحديد»، والقلوب أوعية خيرها أوعاها، كما أنّ
الزمان وأهله في تطوّر وإزدهار في جانب العلوم المعاشيّة ، وكذلک في العلوم
المادّية وفي المعارف الإلهيّة المتبلورة بالقرآن الكريم والأخبار النبويّة الشريفة والأحاديث المرويّة عن أهل البيت :.
ومن هذا المنطلق تطرح واقعة الغدير ـالتي هي من أهمّ الوقائع الإسلامية ـ تارة باعتبار عالم الإثبات والدلائل ، وما جاء في القرآن الكريم من آيات التبليغ والإكمال وغيرهما، وما ورد في الأحاديث الشريفة من حجّة الوداع وخطبة النبيّ الأعظم (ص) ونصب أمير المؤمنين علي (ع) للوصاية والخلافة ، واحتجاج أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وأهل البيت بغدير خم ، وما جرى فيه من الأحداث التاريخية ، وتهنئة الأصحاب والشيخين أبي بكر وعمر بإمرة المؤمنين ، واُخرى باعتبار عالم الثبوت ، وما في واقع الأمر وفي علم الله سبحانه وفي العوالم السابقة على عالم الناسوت ، وهي هذه الدنيا التي نعيش فيها، فإنّه كما ثبت في محلّه هناک عوالم سابقة على هذا العالم ، كعالم الأنوار وعالم الأرواح وعالم الذرّ وعالم الطينة ، أو عالم الجبروت واللاهوت والملكوت ، ثمّ من العوالم السابقة ما كان فيها التكليف في الجملة ، فإنّ في عالم الذرّ والذي يسمّى بعالم الميثاق وعالم (ألست ) أيضآ، قد أخذ الله الميثاق على الخلق وخاطبهم بقوله : (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ )
قالوا: (بَلَى )، إلّا أنّ الإنسان كأنّه خلق من النسيان ، فإنّ من الناس من أنكر تلک الدعوة والتلبيّة ، فكفر وأشرک بالله، كما قد أخذ الله الميثاق على الناس جميعهم بنبوّة خاتم النبيّين ، والتي تعني النبوّة كلّها من آدم إلى الخاتم ، فقال : «أليس محمّد نبيّكم » فقالوا: «بلى »، إلّا أنّ منهم من أنكر ختم النبوّة في هذه الدنيا، فكفر بالنبيّ الخاتم محمّد (ص)، وقد أخذ الله الميثاق أيضآ بالإمامة فقال :«أليس عليّ إمامكم » قالوا: «بلى »، إلّا أنّ منهم من جحد نعمة الله سبحانه ، فكفر بولاية أمير المؤمنين عليّ (ع) والأئمة المعصومين من بعده .
والغدير هو العيد الأكبر للخلائق أجمع بصورة عامّة ، كما هو عيد المسلمين بصورة خاصّة ، وللمؤمنين الموالين لأهل البيت : بنحو أخصّ ، فإنّ الله يعود على الخلق بالفضل والعوائد والرحمة الخاصّة ، في مثل هذا اليوم المبارک .
ثمّ لنا نصوص كثيرة تدلّ على عظمة وشموخ يوم الغدير، وفي بعضها ما يشير إلى حقيقته في عالم الثبوت .
ففي (المصباح ) لشيخ الطائفة شيخنا الطوسي ، عن داود الرقّي ، عنأبي هارون عمّار بن حريز العبدي ، قال : دخلت على أبي عبد الله (ع) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، فوجدته صائمآ، فقال لي : هذا يوم عظيم ، عظّم الله حرمته على المؤمنين ، وأكمل لهم فيه الدين ، وتمّم عليهم النعمة ، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق . فقيل له : ما ثواب صوم هذا اليوم ؟ قال : إنّه يوم عيد وفرح وسرور، ويوم صوم شكرآ لله، وإنّ صومه يعدل ستّين شهرآ من أشهر الحرم .
قوله (ع): «وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق »، يدلّ على أنّ عالم الإثبات يخبر عن عالم الثبوت ، وأنّه تجديد لأمر كان قديمآ على الناس وعهدآ معهودآ وميثاقآ أخذه الله منهم . كما ورد في أحاديث عالم الذرّ. وفي تفسير الآية الشريفة .
منها: عن الإمام الصادق (ع)، قال : «كان الميثاق مأخوذآ عليهم للهبالربوبيّة ولرسوله بالنبوّة ولأمير المؤمنين والأئمة بالإمامة ، فقال : (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ )ومحمّد نبيّكم وعليّ إمامكم والأئمة الهادون أئمّتكم (قَالُوا بَلَى )»... الحديث.
والإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي يرى أنّ القول الإلهي في الآية الشريفة (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) من باب المجاز والتمثيل ، وهو من أوسع أبواب البلاغة في لسان العرب ، والقرآن الكريم إنّما نزل على لغتهم وفي أساليبهم ، وما تحدّى العرب إلّا على طرائقهم وفي مجازاتهم وحقائقهم ، فعجزوا عن أن يأتوا بسورة من مثله ، فآية الميثاق والإشهاد على أنفسهم إنّما جاءت من هذا الباب كما جاء غيرها من آيات الفرقان وصحاح السنّة وسائر كلام العرب .
ويذكر في هذا الباب شواهد من التنزيل والسنّة وأشعار العرب ، كعرض الأمانة على السماوات والأرض ، وقوله : (آئْـتِيَا طَوْعآ أوْ كَرْهآ) ، وقوله :
(إذَا أرَدْنَاهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ، و(لَوْ أنْزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَىجَبَلٍ ) ، وبكاء السماء والأرض لسيّد الشهداء (ع*، وغير ذلک .
فظاهر آية (الذرّ) أنّها إنّما جاءت على سبيل التمثيل والتصوير، فمعناها والله تعالى أعلم : (و) اذكر يا محمّد (ص) للناس ما قد واثقوا الله عليه بلسان حالهم التكويني من الإيمان والشهادة له بالربوبيّة ، وذلک (إذ أخذ ربّک ) أي حيث أخذ ربّک جلّ سلطانه (من بني آدم ) أي (من ظهورهم ذرّيتهم ) فأخرجها من أصلابآبائهم نطفآ فجعلها في قرار مكين من أرحام اُمّهاتهم ، ثمّ جعل النطف علقآ، ثمّ مضغآ، ثمّ عظامآ، ثمّ كسا العظام لحمآ، ثمّ أنشأ كلا منهم خلقآ سويّآ قويّآ في أحسن تقويم ، سميعآ بصيرآ ناطقآ عاقلا مفكّرآ مدبّرآ عالمآ عاملا كاملا ذا حواسّ ومشاعر وأعضاء أدهشت الحكماء، وذا مواهب عظيمة وبصائر نيّرة تميّز بين الصحيح والفاسد والحسن والقبيح ، وتفرّق بين الحقّ والباطل ، فيدرک بها آلاء الله في ملكوته ، وآيات صنعه ... فكأنّه تبارک وتعالى إذا خلقهم على هذه الكيفيّة قرّرهم (وَأشْهَدَهُمْ عَلَى أنفُسِهِمْ ) فقال لهم : (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) وكأنّهم (قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) على أنفسنا لک بالربوبيّة ، ونجعنا لعزّتک وجلاک بالعبوديّة نزولا على ما قد حكمت به عقولنا، وجزمت به بصائرنا، حيث ظهر لديها أمرک ، وغلب عليها قهرک ـإلى آخر ما يقوله 1ـ ثمّ قال : وأمّا أخذ الميثاق هنا لرسوله بالنبوّة ولأوصيائه الاثنى عشر بالإمامة ، فإنّما هو على حدّ ما ذكرناه من أخذ الميثاق لله عزّ وجلّ بالربوبيّة ، فإنّه وله الحمد والمجد أقام على نبوّة نبيّنا وإمامة أئمّتنا من الأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة والآيات البيّنات والحجج البالغة المتظاهرة ما لا يتسنّى جحوده ، ولا تتأتّى المكابرة فيه ، ولات حين مناص ، ولو فرض أنّ الله عزّ سلطانه سأل بني آدم (بعد تناصر تلک الأدلّة ) وأشهدهم على نبوّة نبيّنا وإمامة أوصيائه ، لما وسعهم إلّا الإقرار لهم والشهادة بالحقّ طوعآ وكرهآ. ألا ترى البرّ والفاجر والمسلم والكافر والمؤمن والمنافق والناصب والمارق قد نجعوا لفضلهم ، وطأطأوا لشرفهم ، فسطّروا الأساطير في مناقبهم ، وملأوا الطوامير من خصائصهم ، وتلک صحاح أعدائهم تشهد لهم بالحقّ الذي هم أهله ومعدنه ومأواه ومنتهاه ...
أقول : تفسيره هذا إنّما هو من تفسير الظاهر وكشف القناع عن الآية
الشريفة في الظاهر وفي عالم الإثبات والدلائل ، وأمّا تأويلها وكشف القناع عن بواطنها وحقائقها فإنّه كما ورد في أحاديث أئمة أهل البيت :، فإنّهم الأعرف بعالم الثبوت والواقع ، بوحي نزل على جدّهم الرسول الأعظم (ص) ، فحديثهم حديث جدّهم ، أو بإلهام من الله سبحانه وقرع في الأسماع ونكت في القلوب .
وحسب الأخبار المرويّة في تأويل الآية الشريفة ، لنا (عالم الذرّ) والنشأة الإنسانية الاُولى كما عند العلّامة الطباطبائي في تفسيره (الميزان )، وإنّ صدق القضايا في عالمنا هذا إنّما هو باعتبار مطابقتها لنفس الأمر والواقع وما جاء في النشأة الاُولى ، وإنّ عالم الميثاق وعالم الذرّ يعدّ من عوالم التكليف في الجملة أيضآ، ودار الدنيا دار الامتحان والتكاليف بالجملة والتفصيل .
وقد أخذ الله سبحانه العهد والميثاق من بني آدم بالتوحيد والنبوّة والإمامة ، والجامع لهذه الحقائق هي الولاية العظمى الإلهيّة الجامعة للأسماء الحسنى والصفات العليا، والمتبلورة في النبوّة ، والمتجلّية في الوصاية والإمامة التكوينية والتشريعية ، وهي ولاية أمير المؤمنين (ع) والأئمة الأطهار من بعده ، فبهم تختم الوصاية كما بجدّهم ختمت النبوّة ، وقد ألقم الله الميثاق هذا للحجر الأسود كما ورد في الأخبار الشريفة .
فالله سبحانه توّج أمير المؤمنين بتاج الولاية والإمامة في عالم العهدوالميثاق من العوالم السالفة والقديمة ، وهذا ما نقصده من قولنا: (الغدير في عالم الثبوت )، ثمّ جدّد ذلک العهد في الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام في السنة العاشرة من الهجرة النبويّة الشريفة ، وكما ورد في التاريخ وفي الآيات والروايات .
وقصّة الغدير في عالم الإثبات والدلائل الظاهرات والبراهين الساطعات من المتواترات لا يمكن إنكارها إلّا المكابر، ومن استحوذ عليه الشيطان .
هذا ومن الروايات الدالّة على واقعة الغدير في العوالم السابقة :
ما جاء في البحار بسنده عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال : كنّا عند الرضا (ع) والمجلس غاصّ بأهله ، فتذاكروا يوم الغدير، فانكره بعض الناس ، فقال الرضا (ع) : حدّثني أبي عن أبيه ، قال : إنّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض ، إنّ لله في الفردوس الأعلى قصرآ لبنة من فضّة ولبنة من ذهب ، فيه مائة ألف قبّة من ياقوتة حمراء، ومائة ألف خيمة من ياقوت خضراء، ترابه مسک والعنبر، فيه أربعة أنهار: نهر من خمر، ونهر من ماء، ونهر من لبن ، ونهر من عسل ، حواليه أشجار جميع الفواكه ، عليه طيور أبدانها من لؤلؤ وأجنحتها من ياقوت ، وتصوّت بألوان الأصوات ، فإذا كان يوم الغدير ورد إلى ذلک القصر أهل السماوات يسبّحون الله ويقدّسونه ويهلّلونه ، تتطاير تلک الطيور فتقع في ذلک الماء، وتتمرّغ على ذلک المسک والعنبر، فإذا اجتمعت الملائكة طارت فتنفض ذلک عليهم ، وإنّهم في ذلک اليوم يتهادون نثار فاطمة (س) ، فإذا كان آخر ذلک اليوم نودوا: انصرفوا إلى مراتبكم فقد أمنتم الخطأ والزلل إلى قابل ـأي إلى السنة القابلة ـ في مثل هذا اليوم تكرمةً لمحمّد وعليّ علیهم السلام .
ثمّ قال : يا ابن أبي نصر، أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين
(ع) ، فإنّ الله يغفر لكلّ مؤمن ومؤمنة ، ومسلم ومسلمة ، من ذنوب ستّين سنة ، ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لإخوانک العارفين ، وأفضِل على إخوانک في هذا اليوم ، وسرّ فيه كلّ مؤمن ومؤمنة .
ثمّ قال : يا أهل الكوفة ، لقد اُوتيتم خيرآ كثيرآ، وأنتم ممّن امتحن الله قلبه للإيمان ، مستذلّون مقهورون ممتحنون ، ليصبّ البلاء عليكم صبّآ، ثمّ يكشفه كاشف الكرب العظيم ، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته ، لصافحتهم الملائكة في كلّ يوم عشر مرّات .
ولولا أنّي أكره التطويل لذكرت من فضل هذا اليوم وما أعطاه الله من عرفه ما لا يحصى بعدد . فقوله (ع) : «لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته » يشير إلى عالم الثبوت وهو عالم الحقيقة والواقع . كما أنّ الملائكة تحتفل بهذا اليوم المبارک من قبل ومن بعد.
وفي البحار بسنده عن الإمام الصادق (ع) ، يقول : صوم يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا، لو عاش إنسان عمر الدنيا، ثمّ لو صام ما عَمِرت الدنيا لكان له ثواب ذلک ، وصيامه يعدل عند الله عزّ وجلّ مائة حجّة ومائة عمرة ، وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله عزّ وجلّ نبيّآ إلّا وتعيّد في هذا اليوم ، وعرف حرمته
ـوهذا يعني أنّ الأنبياء كلّهم عرفوا عيد الغدير ويومه ، وهو عيد الله الأكبر، في
مكنون علمه وسرّه جلّ جلاله ، فكان الغدير قبل خلق الخلق ـ واسمه في السماء يوم العهد المعهود، وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، ومن صلّى فيه ركعتين من قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة شكرآ لله عزّ وجلّ ، ويقرأ في كلّ ركعة سورة الحمد عشرآ، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر عشرآ، وآية الكرسي عشرآ، عدلت عند الله عزّ وجلّ مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة ، وما سأل الله عزّ وجلّ حاجة من حوائج الدنيا والآخرة كائنة ما كانتا إلّا أتى الله عزّ وجلّ على قضائها في يسر وعافية ، ومن فطّر مؤمنآ كان له ثواب من أطعم فئامآ وفئامآ، فلم يزل يعدّ حتّى عدّ عشرة . ثمّ قال : أتدري ما الفئام ؟ قلت : لا، قال : مائة ألف ، وكان له ثواب من أطعم بعددهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين في حرم الله عزّ وجلّ ، وسقاهم في يومٍ ذي مسغبة ، والدرهم فيه بمائة ألف درهم ، ثمّ قال : لعلّک ترى أنّ الله عزّ وجلّ خلق يومآ أعظم حرمةً منه ؟ لا والله لا والله لا والله، ثمّ قال : وليكن من قولک إذا لقيت أخاک المؤمن : الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم وجعلنا من المؤمنين وجعلنا من المؤمنين بعهده الذي عهد إلينا،وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاةِ أمره ، والقوّام بقسطه ، ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذّبين بيوم الدين.
ثمّ ذكر الإمام (ع) الدعاء الذي بعد الصلاة ، ومثله مذكور في مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمّي ، فراجع .
وعن أبي الحسن الليثي ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (ع) أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته : أتعرفون يومآ شيّد الله به الإسلام ، وأظهر به منار الدين ، وجعله عيدآ لنا ولموالينا وشيعتنا؟ فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟ قال : لا، قالوا: أفيوم الأضحى هو؟ قال : لا، وهذان يومان جليلان شريفان ، ويوم منار الدين أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، وإنّ رسول الله (ص) لمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدير خُم ، أمر الله عزّ وجلّ جبرئيل (ع) أن يهبط على النبيّ (ص) وقت قيام الظهر من ذلک اليوم وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين (ع) وأن ينصبه علمآ للناس بعده ، وأن يستخلفه في اُمّته ، فهبط إليه وقال له : حبيبي محمّد إنّ الله يقرئک السلام ، ويقول لک : قم في هذا اليوم بولاية علي صلّى الله عليه ليكون علمآ لاُمّتک بعدک ، يرجعون إليه ، ويكون لهم كأنت ... .
فعيد الغدير هو عيد الله الأكبر جلّ جلاله ، كما هو عيد الرسول الأعظم 9، إنّه عيد الأنبياء والأوصياء، عيد الأئمة الأطهار : وعيد مواليهم وشيعتهم الأخيار، وهو عيد المسلمين ، إلّا أنّ القوم لمّا جحدوا حقّ أمير المؤمنين يوم السقيفة ، وأنكروا يوم الغدير ـالثابت عند الفريقين متواترآ كما ذكر العلّامة الأميني في كتابه القيّم (الغدير) في أحد عشر مجلّدآـ أنكروا عيد الغدير أيضآ، بل قالوا بهتانآ وافتراءً، إنّ هذا العيد السعيد من فعل الشيعة في القرن الثالث الهجري ونسبوه إلى معزّ الدولة البويهي .
وإليک ما يذكره العلّامة الأميني عليه الرحمة في كتابه العظيم الغدير حول عيد الغدير :«إنّ الذي يتجلّى للباحث حول تلک الصفة أمران :
الأوّل : أنّه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب ، وإن كانت لهم به علاقة خاصّة ، وإنّما اشترک معهم في التعيّد به غيرهم من فرق المسلمين ، فقد عدّه البيروني في الآثار الباقية في القرون الخالية (ص 334) ممّا استعمله أهل الإسلام من الأعياد، وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي (ص 53) يوم غدير خم ذكره (أمير المؤمنين ) في شعره وصار ذلک اليوم عيدآ وموسمآ لكونه كان وقتآ نصّه رسول الله (ص) بهذه المنزلة العليّة ، وشرّفه بها دون الناس كلّهم .
وقال (ص 56): وكلّ معنى أمكن إثباته ممّا يدلّ عليه لفظ المولى لرسول الله 9 فقد جعله لعليّ، وهي مرتبة سامية ومنزلة سامقة ودرجة عليّة ، ومكانة رفيعة ، خصصه بها دون غيره ، فلهذا صار ذلک اليوم عيد وموسم سرور لأوليائه . انتهى .
قال العلّامة الأميني : تفيدنا هذه الكلمة اشتراک المسلمين قاطبة في التعيّد بذلک اليوم سواء رجع الضمير في (أوليائه ) إلى النبيّ أو الوصيّ صلّى الله عليهما وآلهما، أمّا على الأوّل : فواضح ، وأمّا على الثاني : فكلّ المسلمون يوالون أمير المؤمنين عليّآ شرع سواء في ذلک في يواليه بما هو خليفة الرسول بلا فصل ، ومن يراه رابع الخلفاء، فلن تجد في المسلمين من ينصب له العداء إلّا شذّاذ من الخوارج مرقوا عن الدين الحنيف .
ثمّ يذكر ؛ شواهد اُخرى تدلّ على أنّ المسلمين في القديم كانوا يحتفلون بهذا اليوم المبارک ويعدّونه عيدآ عظيمآ من أعياد الإسلام ، ثمّ يقول :
الثاني : إنّ عهد هذا العيد يمتدّ إلى أمد قديم متواصل بالدور النبوي ، فكانت البدأة به يوم الغدير من حجّة الوداع ... فكان يومآ مشهودآ يسرّ موقعه كلّ معتنق للإسلام حيث وضح له فيه منتجع الشريعة ، ومنبثق أنوار أحكامها، فلا تلويه من بعده الأهواء يمينآ وشمالا ولا يسفّ به الجهل إلى هوّة السفاسف ، وأيّ يوم يكون أعظم منه ؟ وقد لاح فيه لاحب السنن ، وبان جدد الطريق ، وأكمل فيه الدين ، وتمّت فيه النعمة ، ونوّه بذلک القرآن الكريم ، ثمّ يذكر حديث التهنئة بالإمرة لأمير المؤمنين علي (ع) من طرق عديدة تبلغ الستّين .
ثمّ يقول : كلّ هذه لا محالة قد أكسب هذا اليوم منعةً وبذخآ ورفعةً وشموخآ، سرّ موقعها صاحب الرسالة الخاتمة وأئمة الهدى ومن اقتصّ أثرهم من المؤمنين ، وهذا هو الذي نعنيه من التعيّد به ، وقد نوّه به رسول الله في ما رواه فرات بن إبراهيم الكوفي في القرن الثالث عن محمّد بن ظهير عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه عن آبائه ، قال :
«قال رسول الله (ص) : يوم غدير خم أفضل أعياد اُمّتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علمآ لاُمّتي يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتمّ على اُمّتي فيه النعمة ، ورضي لهم الإسلام دينآ، كما يعرب عنه قوله (ص) في حديث آخر أخرجه الحافظ الخركوشي (كما في الغدير ص 274): هنّئوني هنّئوني ».
واقتفى أثر النبيّ الأعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) نفسه فاتّخذه عيدآ، وخطب فيه سنة اتّفق فيها الجمعة والغدير، ومن خطبته قوله : إنّ الله
عزّ وجلّ جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ولا يقوم أحدهما إلّا بصاحبه ليكمل عندكم جميل صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويسلككم منهاج قصده ، ويوفّر عليكم هنيء رفده ، فجعل الجمعة مجمعآ ندب إليه لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله ، وذكرى للمؤمنين ، وتبيان خشية المتّقين ، ووهب من ثواب الأعمال فيه أضعاف ما وهب لأهل طاعته في الأيّام قبله ، وجعله لا يتمّ إلّا بالائتمار لما أمر به ، والانتهاء عمّا نهى عنه ، والبخوع بطاعته في ما حثّ عليه وندب إليه ، فلا يقبل توحيده إلّا بالاعتراف لنبيّه (ص) بنبوّته ، ولا يقبل دينآ إلّا بولاية من أمر بولايته ، ولا تنتظم أسباب طاعته إلّا بالتمسّک بعصمه وعصم أهل ولايته ، فأنزل على نبيّه (ص) في يوم الدوح ما بيّن به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وترک الحفل بأهل الزيغ والنفاق وضمن له عصمته منهم ـإلى أن قال ـ :
عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، وبالبرّ بإخوانكم ، والشكر لله عزّ وجلّ على ما منحكم ، وأجمعوا يجمع الله شملكم ، وتبارّوا يصل الله اُلفتكم ، وتهادوا نعمة الله كما منّكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله أو بعده إلّا في مثله ، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه ، وهيّئوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من وجودكم ، وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البشر في ما بينكم والسرور في ملاقاتكم . الخطبة .
وعرفه أئمة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فسّموه عيدآ وأمروا بذلکعامّة المسلمين ، ونشروا فضل اليوم ومثوبة من عمل البرّ فيه ، ففي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي في سورة المائدة عن جعفر بن محمّد الأزدي ، عن محمّد بن الحسين الصائغ ، عن الحسن بن علي الصيرفي ، عن محمّد البزّاز، عن فرات بن أحنف ، عن أبي عبد الله (ع) ، قال : قلت : جعلت فداک للمسلمين عيد أفضل من الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة ؟ قال : فقال لي : نعم ، أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيّه محمّد : اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينآ، قال : قلت : وأيّ يوم هو؟ قال : فقال لي : إنّ أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصيّة والإمامة من بعده ففعل ذلک جعلوا ذلک اليوم عيدآ، وإنّه اليوم الذي نصب فيه رسول الله (ص) عليّآ للناس علمآ وأنزل فيه ما أنزل ، وكمل فيه الدين ، وتمّت فيه النعمة على المؤمنين ، قال : قلت : وأيّ يوم هو في السنّة ؟ قال : فقال لي : إنّ الأيام تتقدّم وتتأخّر وربما كان يوم السبت والأحد والاثنين إلى آخر الأيام السبعة . قال : قلت : فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلک اليوم ؟ قال : هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله وحمد له وسرور لِما منَّ الله به عليكم من ولايتنا. فإنّي اُحبّ لكم أن تصوموه .
وفي الكافي لثقة الإسلام الكليني (:1 303) عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت :
جعلت فداک للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال : نعم يا حسن ، أعظمهما
وأشرفهما، قلت : وأيّ يوم هو؟ قال : يوم نصب أمير المؤمنين (ع) علمآ للناس ، قلت : جعلت فداک وما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟ قال : تصوم يا حسن ، وتكثر الصلاة على محمّد وآله ، وتبرأ إلى الله ممّن ظلمهم ، فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصيّ أن يتّخذ عيدآ، قال : قلت : فما لمن صامه ؟ قال : صيام ستّين شهرآ .
وفي الكافي أيضآ (:1 204) عن سهل بن زياد عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله (ع) هل للمسلمين عيدٌ غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : نعم أعظمها حرمة ، قلت : وأيّ عيد هو جعلت فداک ؟ قال : اليوم الذي نصب فيه رسول الله 9 أمير المؤمنين وقال : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه . قلت : وأيّ يوم هو؟ قال : وما تصنع باليوم ، إنّ السنّة تدور، ولكنّه يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة ، فقلت : ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلک اليوم ؟ قال : تذكرون الله عزّ ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمّد وآل محمّد، فإنّ رسول الله (ص) أوصى أمير المؤمنين (ع) أن يتّخذوا ذلک اليوم عيدآ، وكذلک كانت الأنبياء تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلک فيتّخذونه عيدآ.
وبإسناده عن الحسين بن الحسن الحسيني ، عن محمّد بن موسى الهمداني ، عن عليّ بن حسان الواسطي ، عن عليّ بن الحسين العبدي ، قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : صيام يوم غدير خمّ يعدل عند الله في كلّ عام مائة حجّة ومائة عمرة مبرورات متقبّلات وهو عيد الله الأكبر. الحديث .
وفي (الخصال ) لشيخنا الصدوق بإسناده عن المفضل بن عمر قال : قلت
لأبي عبد الله (ع) : كم للمسلمين من عيد؟ فقال : أربعة أعياد، قال : قلت : قد عرفت العيدين والجمعة فقال لي : أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجّة وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله (ص) أمير المؤمنين (ع) ونصبه للناس علمآ، قال : قلت : وما يجب علينا في ذلک اليوم ؟ قال : يجب عليكم صيامه شكرآ لله وحمدآ له مع أنّه أهل أن يشكر كلّ ساعة ، كذلک أمرت الأنبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصيّ ويتّخذونه عيدآ. الحديث .
وفي (المصباح ) لشيخ الطائفة الطوسي (ص : 513) عن داود الرقّي عن أبي هارون عمّار بن حريز العبدي قال : دخلت على أبي عبد الله (ع) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة فوجدته صائمآ، فقال لي : هذا يوم عظيم ، عظّم الله حرمته على المؤمنين وأكمل لهم فيه الدين ، وتمّم عليهم النعمة ، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق فقيل له : وما ثواب صوم هذا اليوم ؟ قال : إنّه يوم عيد وفرح وسرور ويوم صوم شكرآ لله، وإنّ صومه يعدل ستّين شهرآ من أشهر الحرم . الحديث .
وروى عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عن أبي الحسن الليثي عن أبي عبد الله (ع) أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته : أتعرفون يومآ شيّد الله به الإسلام ، وأظهر به منار الدين ، وجعله عيدآ لنا ولموالينا وشيعتنا؟ فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟ قال : لا. قالوا :
أفيوم الأضحى هو؟ قال : لا، وهذان يومان جليلان شريفان ويوم منار الدين
أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، وإنّ رسول الله (ص) لمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدير خم . الحديث .
وفي حديث الحميري بعد ذكر صلاة الشكر يوم الغدير وتقول في سجودک : اللهمّ إنّا نفرِّج وجوهنا في يوم عيدنا الذي شرّفتنا فيه بولاية أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب صلّى الله عليه .
وقال الفيّاض بن محمّد بن عمر الطوسي سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ التسعين : إنّه شهد أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (ع) في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصّته قد احتبسهم للإفطار، وقد قدّم إلى منازلهم الطعام والبرّ والصلات والكسوة حتّى الخواتيم والنعال ، وقد غيّر من أحوالهم وأحوال حاشيته ، وجدّدت لهم آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه ، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه .
وفي مختصر بصائر الدرجات بالإسناد عن محمّد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي ، قالا في حديث : قصدنا جميعآ أحمد بن إسحاق القمّي صاحب الإمام أبي محمّد العسكري (المتوفّى 260) بمدينة قم وقرعنا عليه الباب فخرجت إلينا من داره صبيّة عراقيّة فسألناها عنه ، فقالت : هو مشغول بعيده ، فإنّه يوم عيد، فقلنا: سبحان الله أعياد الشيعة أربعة : الأضحى والفطر والغدير والجمعة . الحديث .
(ما عشت أراک الدهر عجبآ)
إلى هنا أوقفک البحث والتنقيب على حقيقة هذا العيد وصلته بالاُمّة جمعاء، وتقادم عهده المتّصل بالدور النبوي ، ثمّ جاء من بعده متواصلة العرى من وصيّ
إلى وصيّ يعلم به أئمة الدين ، ويشيد بذكره اُمناء الوحي كالإمامين أبي عبد الله الصادق وأبي الحسن الرضا بعد أبيهم أمير المؤمنين صلوات الله عليهم ، وقد توفّي هذان الإمامان ونطف البويهيّين لم تنعقد، وقد جاءت أخبارهما مرويّة في تفسير فرات والكافي المؤلَّفين في القرن الثالث ، وهذه الأخبار هي مصادر الشيعة ومداركها في اتّخاذ يوم الغدير عيدآ منذ عهد طائل في القدم ، ومنذ صدور تلكم الكلم الذهبيّة من معادن الحُكم والحِكَم .
إذا عرفت هذا فهلمّ معي نسائل النويري والمقريزي عن قولهما: إنّ هذا العيد ابتدعه معزّ الدولة عليّ بن بويه (سنة 352) قال الأوّل في (نهاية الإرب في فنون الأدب ) (:1 177) في ذكر الأعياد الإسلاميّة : وعيد ابتدعته الشيعة وسمّوه عيد الغدير، وسبب اتّخاذهم له مواخاة النبيّ « عليّ بن أبي طالب يوم غدير خم ، والغدير تصبّ فيه عين وحوله شجر كبير ملتفّ بعضها ببعض ، وبين الغدير والعين مسجد رسول الله « واليوم الذي ابتدعوا فيه هذا العيد هو الثامن عشر من ذي الحجّة ، لأنّ المواخاة كانت فيه في سنة عشر من الهجرة وهي حجّة الوداع ، وهم يحيون ليلتها بالصلاة ويصلّون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال ، وشعارهم فيه لبس الجديد وعتق الرقاب وبرّ الأجانب والذبائح .
وأوّل من أحدثه معزّ الدولة أبو الحسن عليّ بن بويه على ما نذكره إن شاء الله في أخباره في سنة 352، ولمّا ابتدع الشيعة هذا العيد واتّخذه من سننهم عمل عوام السنّة يوم سرور نظير عيد الشيعة في سنة 389 وجعلوه بعد عيد الشيعة بثمانية أيّام ، وقالوا: هذا يوم دخول رسول الله « لغار هو وأبو بكر الصدّيق ، وأظهروا في هذا اليوم الزينة ونصب القباب وإيقاد النيران . ا ه .
وقال المقريزي في الخطط :2 :222 عيد الغدير لم يكن عيدآ مشروعآ
ولا عمله أحد من سالف الاُمّة المقتدى بهم ، وأوّل ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معزّ الدولة عليّ بن بويه فإنّه أحدثه سنة 352 فاتّخذه الشيعة من حينئذٍ عيدآ. ا ه .
وما عساني أن أقول في بحّاثة يكتب عن تأريخ الشيعة قبل أن يقف على حقيقته ، أو أنّه عرف نفس الأمر فنسيها عند الكتابة ، أو أغضى عنها لأمر دُبِّر بليل ، أو أنّه يقول ولا يعلم ما يقول ، أو أنّه ما يبالي بما يقول ، أوَ ليس المسعودي المتوفّى 346 يقول في التنبيه والإشراف ص :221 وولد عليّ وشيعته يعظّمون هذا اليوم . أوَ ليس الكليني الراوي لحديث عيد الغدير في الكافي توفّي سنة 329؟ وقبله فرات بن إبراهيم الكوفي المفسّر الراوي لحديثه الآخر في تفسيره (الموجود عندنا) الذي هو في طبقة مشايخ ثقة الإسلام الكليني المذكور، فالكتب هذه اُلّفت قبل ما ذكراه (النويري والمقريزي ) من التاريخ (352). أوَ ليس الفيّاض بن محمّد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة 259؟ وذكر أنّه شاهد الإمام الرضا سلام الله عليه (المتوفّى سنة 203) يتعيّد في هذا اليوم ويذكر فضله وقدمه ، ويروي ذلک عن آبائه عن أمير المؤمنين :. والإمام الصادق المتوفّى سنة 148 قد علّم أصحابه بذلک كلّه وأخبرهم بما جرت عليه سنن الأنبياء من اتّخاذ يوم نصبوا فيه خلفاءهم عيدآ كما جرت به العادة عند الملوک والاُمراء من التعيّد في أيّام تسنّموا فيها عرش الملک ، وقد أمر أئمة الدين : في عصورهم القديمة شيعتهم بأعمال برِّية ودعوات مخصوصة بهذا اليوم وأعمال وطاعات خاصّة به . والحديث الذي مرّ عن مختصر بصائر الدرجات يعرب عن كونه من أعياد الشيعة الأربعة المشهورة في أوائل القرن الثالث الهجري .
هذه حقيقة عيد الغدير لكن الرجلين أرادا طعنآ بالشيعة فأنكرا ذلک السلف
الصالح وصوّراه بدعةً معزوّة إلى معزّ الدولة وهما يحسبان أنّه لا يقف على كلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب .
(فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِکَ وَآنقَلَبُوا صَاغِرِينَ ).
وختامآ: انطلاقآ من عقيدتنا الإسلاميّة الحقّة ، لا بدّ لنا ولكلّ مسلم ومسلمة أن يحتفل بهذا اليوم العظيم بالعبادة والتقرّب إلى الله سبحانه وبالصلاة والصوم والشكر لله، والصلاة على النبيّ وآله ، ولعن أعدائهم ومنكري فضائلهم ، كما نحتفل فيه بالسرور والأفراح وإقامة الحفلات والإطعام والسخاء والعطاء على الأهل والعيال والأصدقاء والأحبّاء، ونشاطر البهجة السماوية ونشارک الفرحة القدسيّة مع ملائكة السماء، واجتماعهم في القصر الفردوس الذي وصفه لنا مولانا وإمامنا الرضا (ع) ، ونتعايد بعضنا مع بعض بالمعانقة والمصافحة الولائية ، فرحين مستبشرين بما آتانا الله من إكمال الدين وإتمام النعمة التي لا يحصى فضائلها، ونقول : الحمد لله الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين .
ومن الطريف أن نذكر أنّ كثيرآ من الحوادث والوقائع الإسلامية ـكولادة النبيّ (ص) ـ يوجد اختلاف بين المسلمين في تحديده ووقوعه ، بل نجد الاختلاف في الأحكام والفروع الفقهيّة ، وحتّى الاختلاف في العقائد وحدودها، إلّا أنّه نجد الاتّفاق بين كلّ المذاهب الإسلاميّة على هذه الأيام الأربعة (أعياد المسلمين ) الفطر والأضحى والغدير والجمعة ، فإنّ الجمعة نهاية الاُسبوع يجتمع فيه المسلمون ويحتفلون بها بصلاة الجمعة ، كما يحتفلون بيوم الفطر الأوّل من شوّال ، ويوم الأضحى العاشر من ذي الحجّة ، ويوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجّة ، ولم يقع الخلاف بأنّ واقعة الغدير كانت في غير اليوم الثامن عشر، فتدبّر.
كما أنّ القاسم المشترک في هذه الأعياد هو مسألة الإمامة والالتفاف حول الإمام ، ففي كلّ اُسبوع يجتمع المسلمون في صلاة الجمعة حول أئمّتهم (أئمة الجماعة والجمعة ) ليسمعوا الخطب والمواعظ والبلاغ ، كما أنّ أصل البلاغ وتمامه كان في يوم الغدير، فلو لم يفعل النبيّ نصب الولي والوصي فما بلّغ رسالته ، فاجتمع الناس حول إمامهم في الغدير كما يحتفل به في كلّ عام إحياءً لتلک الواقعة العظمى ، وكذلک الناس يجتمعون حول أئمّتهم في عيد الفطر والأضحى ، فتدبّر.
واعلم أنّ ثقافة مذهب أتباع أهل البيت : تبتني على أركان وأساطين أربع :
1 ـ التوحيد الكامل .
2 ـ النبوّة الصادقة .
3 ـ والغدير الأغرّ.
4 ـ وعاشوراء الخالدة .
والثالث يتجلّى فيه الولاء والإمامة الحقّة ، كما أنّ الرابع يتبلور فيه البراءة من الأعداء والشهادة ، فالثالث يعني الولاية ، كما أنّ الرابع ينتهي إلى الشهادة .
ولمثل هذا نقول : (إنّما الحياة عقيدة وجهاد) شعار وشعور وفداء.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
قال الله تعالى في كتابه الكريم في قصّة المسيح مع الحواريّين : (رَبَّنَا أنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدآ لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا) .
وقال رسول الله (ص) : «أعياد المسلمين أربع : الفطر والأضحى والغدير والجمعة ».
والعيد لغةً : مأخوذ من عاد يعود، فيسمّى اليوم الخاصّ عيد، لأنّه يعود كلّ سنة ، أو مأخوذ من العوائد، جمع العائدة ، أي الفائدة الموهوبة ، لأنّ الأعياد تشتمل على عوائد من الذكريات الطيّبة ، كما تنزل فيها البركات الإلهيّة والرحمة الخاصّة والعطايا الربّانية والفيوضات القدسيّة .
ولكلّ اُمّة وشعب أعياد وطنيّة أو غيرها من ذكرياتهم الخاصّة ، يمجّدونها
ويحتلفون بها ويعيدون ذكرياتها، وقد عيّن رسول الإسلام والإنسانيّة محمّد (ص)
لاُمّته في الشريعة الإسلاميّة أعيادآ أربعة ، كما ورد في نصوص كثيرة عن أئمة أهلالبيت :، ومنها: عيد الغدير الأغرّ.
ثمّ من الكلمات المتداولة على ألسن العلماء والفضلاء كلمتا (الثبوت ) و(الإثبات )، ويقصد بالأوّل الواقع والمعنى ونفس الأمر، كما يقصد من الثاني عالم الدلائل والألفاظ والظهور وإبراز ما هو في الواقع ، وإنّ الظاهر ينبئ عن الواقع كما يخبر عن الباطن والحقيقة ، فقوله سبحانه في كتابه الكريم : (أقِيمُوا الصَّلاةَ ) إنّما هو في عالم الإثبات الذي يخبر عن الإرادة الإلهيّة المتعلّقة
بالصلاة في عالم الثبوت والواقع ، والذي يسمّى بعالم المصالح والمفاسد، ونظير الإثبات والثبوت عالمي الملک والملكوت ، أو الظاهر والباطن ، فكلّ شيء له ملک ظاهري كما له ملكوت باطني ، والناس يختلفون ويتفاوتون في الدرجات باعتبار ما يحملون من العلوم والفنون والمعارف ، (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ) فيتفاضلون في الدنيا والآخرة بتفاضل المعرفة ، وقيمة كلّامرئ ما يحسنه من العلم والمعرفة والآداب والفنون .
وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، فالآيات والروايات باعتبار المفاهيم والمعاني ليست بمستوى واحد في فهمها ودركها ومعرفتها، بل كما ورد في الخبر السجّادي (ع): «سيأتي في آخر الزمان أقوام يتعمّقون ، فأنزل الله إليهم سورة التوحيد وآيات من سورة الحديد»، والقلوب أوعية خيرها أوعاها، كما أنّ
الزمان وأهله في تطوّر وإزدهار في جانب العلوم المعاشيّة ، وكذلک في العلوم
المادّية وفي المعارف الإلهيّة المتبلورة بالقرآن الكريم والأخبار النبويّة الشريفة والأحاديث المرويّة عن أهل البيت :.
ومن هذا المنطلق تطرح واقعة الغدير ـالتي هي من أهمّ الوقائع الإسلامية ـ تارة باعتبار عالم الإثبات والدلائل ، وما جاء في القرآن الكريم من آيات التبليغ والإكمال وغيرهما، وما ورد في الأحاديث الشريفة من حجّة الوداع وخطبة النبيّ الأعظم (ص) ونصب أمير المؤمنين علي (ع) للوصاية والخلافة ، واحتجاج أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وأهل البيت بغدير خم ، وما جرى فيه من الأحداث التاريخية ، وتهنئة الأصحاب والشيخين أبي بكر وعمر بإمرة المؤمنين ، واُخرى باعتبار عالم الثبوت ، وما في واقع الأمر وفي علم الله سبحانه وفي العوالم السابقة على عالم الناسوت ، وهي هذه الدنيا التي نعيش فيها، فإنّه كما ثبت في محلّه هناک عوالم سابقة على هذا العالم ، كعالم الأنوار وعالم الأرواح وعالم الذرّ وعالم الطينة ، أو عالم الجبروت واللاهوت والملكوت ، ثمّ من العوالم السابقة ما كان فيها التكليف في الجملة ، فإنّ في عالم الذرّ والذي يسمّى بعالم الميثاق وعالم (ألست ) أيضآ، قد أخذ الله الميثاق على الخلق وخاطبهم بقوله : (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ )
قالوا: (بَلَى )، إلّا أنّ الإنسان كأنّه خلق من النسيان ، فإنّ من الناس من أنكر تلک الدعوة والتلبيّة ، فكفر وأشرک بالله، كما قد أخذ الله الميثاق على الناس جميعهم بنبوّة خاتم النبيّين ، والتي تعني النبوّة كلّها من آدم إلى الخاتم ، فقال : «أليس محمّد نبيّكم » فقالوا: «بلى »، إلّا أنّ منهم من أنكر ختم النبوّة في هذه الدنيا، فكفر بالنبيّ الخاتم محمّد (ص)، وقد أخذ الله الميثاق أيضآ بالإمامة فقال :«أليس عليّ إمامكم » قالوا: «بلى »، إلّا أنّ منهم من جحد نعمة الله سبحانه ، فكفر بولاية أمير المؤمنين عليّ (ع) والأئمة المعصومين من بعده .
والغدير هو العيد الأكبر للخلائق أجمع بصورة عامّة ، كما هو عيد المسلمين بصورة خاصّة ، وللمؤمنين الموالين لأهل البيت : بنحو أخصّ ، فإنّ الله يعود على الخلق بالفضل والعوائد والرحمة الخاصّة ، في مثل هذا اليوم المبارک .
ثمّ لنا نصوص كثيرة تدلّ على عظمة وشموخ يوم الغدير، وفي بعضها ما يشير إلى حقيقته في عالم الثبوت .
ففي (المصباح ) لشيخ الطائفة شيخنا الطوسي ، عن داود الرقّي ، عنأبي هارون عمّار بن حريز العبدي ، قال : دخلت على أبي عبد الله (ع) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، فوجدته صائمآ، فقال لي : هذا يوم عظيم ، عظّم الله حرمته على المؤمنين ، وأكمل لهم فيه الدين ، وتمّم عليهم النعمة ، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق . فقيل له : ما ثواب صوم هذا اليوم ؟ قال : إنّه يوم عيد وفرح وسرور، ويوم صوم شكرآ لله، وإنّ صومه يعدل ستّين شهرآ من أشهر الحرم .
قوله (ع): «وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق »، يدلّ على أنّ عالم الإثبات يخبر عن عالم الثبوت ، وأنّه تجديد لأمر كان قديمآ على الناس وعهدآ معهودآ وميثاقآ أخذه الله منهم . كما ورد في أحاديث عالم الذرّ. وفي تفسير الآية الشريفة .
منها: عن الإمام الصادق (ع)، قال : «كان الميثاق مأخوذآ عليهم للهبالربوبيّة ولرسوله بالنبوّة ولأمير المؤمنين والأئمة بالإمامة ، فقال : (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ )ومحمّد نبيّكم وعليّ إمامكم والأئمة الهادون أئمّتكم (قَالُوا بَلَى )»... الحديث.
والإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي يرى أنّ القول الإلهي في الآية الشريفة (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) من باب المجاز والتمثيل ، وهو من أوسع أبواب البلاغة في لسان العرب ، والقرآن الكريم إنّما نزل على لغتهم وفي أساليبهم ، وما تحدّى العرب إلّا على طرائقهم وفي مجازاتهم وحقائقهم ، فعجزوا عن أن يأتوا بسورة من مثله ، فآية الميثاق والإشهاد على أنفسهم إنّما جاءت من هذا الباب كما جاء غيرها من آيات الفرقان وصحاح السنّة وسائر كلام العرب .
ويذكر في هذا الباب شواهد من التنزيل والسنّة وأشعار العرب ، كعرض الأمانة على السماوات والأرض ، وقوله : (آئْـتِيَا طَوْعآ أوْ كَرْهآ) ، وقوله :
(إذَا أرَدْنَاهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ، و(لَوْ أنْزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَىجَبَلٍ ) ، وبكاء السماء والأرض لسيّد الشهداء (ع*، وغير ذلک .
فظاهر آية (الذرّ) أنّها إنّما جاءت على سبيل التمثيل والتصوير، فمعناها والله تعالى أعلم : (و) اذكر يا محمّد (ص) للناس ما قد واثقوا الله عليه بلسان حالهم التكويني من الإيمان والشهادة له بالربوبيّة ، وذلک (إذ أخذ ربّک ) أي حيث أخذ ربّک جلّ سلطانه (من بني آدم ) أي (من ظهورهم ذرّيتهم ) فأخرجها من أصلابآبائهم نطفآ فجعلها في قرار مكين من أرحام اُمّهاتهم ، ثمّ جعل النطف علقآ، ثمّ مضغآ، ثمّ عظامآ، ثمّ كسا العظام لحمآ، ثمّ أنشأ كلا منهم خلقآ سويّآ قويّآ في أحسن تقويم ، سميعآ بصيرآ ناطقآ عاقلا مفكّرآ مدبّرآ عالمآ عاملا كاملا ذا حواسّ ومشاعر وأعضاء أدهشت الحكماء، وذا مواهب عظيمة وبصائر نيّرة تميّز بين الصحيح والفاسد والحسن والقبيح ، وتفرّق بين الحقّ والباطل ، فيدرک بها آلاء الله في ملكوته ، وآيات صنعه ... فكأنّه تبارک وتعالى إذا خلقهم على هذه الكيفيّة قرّرهم (وَأشْهَدَهُمْ عَلَى أنفُسِهِمْ ) فقال لهم : (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) وكأنّهم (قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) على أنفسنا لک بالربوبيّة ، ونجعنا لعزّتک وجلاک بالعبوديّة نزولا على ما قد حكمت به عقولنا، وجزمت به بصائرنا، حيث ظهر لديها أمرک ، وغلب عليها قهرک ـإلى آخر ما يقوله 1ـ ثمّ قال : وأمّا أخذ الميثاق هنا لرسوله بالنبوّة ولأوصيائه الاثنى عشر بالإمامة ، فإنّما هو على حدّ ما ذكرناه من أخذ الميثاق لله عزّ وجلّ بالربوبيّة ، فإنّه وله الحمد والمجد أقام على نبوّة نبيّنا وإمامة أئمّتنا من الأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة والآيات البيّنات والحجج البالغة المتظاهرة ما لا يتسنّى جحوده ، ولا تتأتّى المكابرة فيه ، ولات حين مناص ، ولو فرض أنّ الله عزّ سلطانه سأل بني آدم (بعد تناصر تلک الأدلّة ) وأشهدهم على نبوّة نبيّنا وإمامة أوصيائه ، لما وسعهم إلّا الإقرار لهم والشهادة بالحقّ طوعآ وكرهآ. ألا ترى البرّ والفاجر والمسلم والكافر والمؤمن والمنافق والناصب والمارق قد نجعوا لفضلهم ، وطأطأوا لشرفهم ، فسطّروا الأساطير في مناقبهم ، وملأوا الطوامير من خصائصهم ، وتلک صحاح أعدائهم تشهد لهم بالحقّ الذي هم أهله ومعدنه ومأواه ومنتهاه ...
أقول : تفسيره هذا إنّما هو من تفسير الظاهر وكشف القناع عن الآية
الشريفة في الظاهر وفي عالم الإثبات والدلائل ، وأمّا تأويلها وكشف القناع عن بواطنها وحقائقها فإنّه كما ورد في أحاديث أئمة أهل البيت :، فإنّهم الأعرف بعالم الثبوت والواقع ، بوحي نزل على جدّهم الرسول الأعظم (ص) ، فحديثهم حديث جدّهم ، أو بإلهام من الله سبحانه وقرع في الأسماع ونكت في القلوب .
وحسب الأخبار المرويّة في تأويل الآية الشريفة ، لنا (عالم الذرّ) والنشأة الإنسانية الاُولى كما عند العلّامة الطباطبائي في تفسيره (الميزان )، وإنّ صدق القضايا في عالمنا هذا إنّما هو باعتبار مطابقتها لنفس الأمر والواقع وما جاء في النشأة الاُولى ، وإنّ عالم الميثاق وعالم الذرّ يعدّ من عوالم التكليف في الجملة أيضآ، ودار الدنيا دار الامتحان والتكاليف بالجملة والتفصيل .
وقد أخذ الله سبحانه العهد والميثاق من بني آدم بالتوحيد والنبوّة والإمامة ، والجامع لهذه الحقائق هي الولاية العظمى الإلهيّة الجامعة للأسماء الحسنى والصفات العليا، والمتبلورة في النبوّة ، والمتجلّية في الوصاية والإمامة التكوينية والتشريعية ، وهي ولاية أمير المؤمنين (ع) والأئمة الأطهار من بعده ، فبهم تختم الوصاية كما بجدّهم ختمت النبوّة ، وقد ألقم الله الميثاق هذا للحجر الأسود كما ورد في الأخبار الشريفة .
فالله سبحانه توّج أمير المؤمنين بتاج الولاية والإمامة في عالم العهدوالميثاق من العوالم السالفة والقديمة ، وهذا ما نقصده من قولنا: (الغدير في عالم الثبوت )، ثمّ جدّد ذلک العهد في الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام في السنة العاشرة من الهجرة النبويّة الشريفة ، وكما ورد في التاريخ وفي الآيات والروايات .
وقصّة الغدير في عالم الإثبات والدلائل الظاهرات والبراهين الساطعات من المتواترات لا يمكن إنكارها إلّا المكابر، ومن استحوذ عليه الشيطان .
هذا ومن الروايات الدالّة على واقعة الغدير في العوالم السابقة :
ما جاء في البحار بسنده عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال : كنّا عند الرضا (ع) والمجلس غاصّ بأهله ، فتذاكروا يوم الغدير، فانكره بعض الناس ، فقال الرضا (ع) : حدّثني أبي عن أبيه ، قال : إنّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض ، إنّ لله في الفردوس الأعلى قصرآ لبنة من فضّة ولبنة من ذهب ، فيه مائة ألف قبّة من ياقوتة حمراء، ومائة ألف خيمة من ياقوت خضراء، ترابه مسک والعنبر، فيه أربعة أنهار: نهر من خمر، ونهر من ماء، ونهر من لبن ، ونهر من عسل ، حواليه أشجار جميع الفواكه ، عليه طيور أبدانها من لؤلؤ وأجنحتها من ياقوت ، وتصوّت بألوان الأصوات ، فإذا كان يوم الغدير ورد إلى ذلک القصر أهل السماوات يسبّحون الله ويقدّسونه ويهلّلونه ، تتطاير تلک الطيور فتقع في ذلک الماء، وتتمرّغ على ذلک المسک والعنبر، فإذا اجتمعت الملائكة طارت فتنفض ذلک عليهم ، وإنّهم في ذلک اليوم يتهادون نثار فاطمة (س) ، فإذا كان آخر ذلک اليوم نودوا: انصرفوا إلى مراتبكم فقد أمنتم الخطأ والزلل إلى قابل ـأي إلى السنة القابلة ـ في مثل هذا اليوم تكرمةً لمحمّد وعليّ علیهم السلام .
ثمّ قال : يا ابن أبي نصر، أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين
(ع) ، فإنّ الله يغفر لكلّ مؤمن ومؤمنة ، ومسلم ومسلمة ، من ذنوب ستّين سنة ، ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لإخوانک العارفين ، وأفضِل على إخوانک في هذا اليوم ، وسرّ فيه كلّ مؤمن ومؤمنة .
ثمّ قال : يا أهل الكوفة ، لقد اُوتيتم خيرآ كثيرآ، وأنتم ممّن امتحن الله قلبه للإيمان ، مستذلّون مقهورون ممتحنون ، ليصبّ البلاء عليكم صبّآ، ثمّ يكشفه كاشف الكرب العظيم ، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته ، لصافحتهم الملائكة في كلّ يوم عشر مرّات .
ولولا أنّي أكره التطويل لذكرت من فضل هذا اليوم وما أعطاه الله من عرفه ما لا يحصى بعدد . فقوله (ع) : «لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته » يشير إلى عالم الثبوت وهو عالم الحقيقة والواقع . كما أنّ الملائكة تحتفل بهذا اليوم المبارک من قبل ومن بعد.
وفي البحار بسنده عن الإمام الصادق (ع) ، يقول : صوم يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا، لو عاش إنسان عمر الدنيا، ثمّ لو صام ما عَمِرت الدنيا لكان له ثواب ذلک ، وصيامه يعدل عند الله عزّ وجلّ مائة حجّة ومائة عمرة ، وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله عزّ وجلّ نبيّآ إلّا وتعيّد في هذا اليوم ، وعرف حرمته
ـوهذا يعني أنّ الأنبياء كلّهم عرفوا عيد الغدير ويومه ، وهو عيد الله الأكبر، في
مكنون علمه وسرّه جلّ جلاله ، فكان الغدير قبل خلق الخلق ـ واسمه في السماء يوم العهد المعهود، وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، ومن صلّى فيه ركعتين من قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة شكرآ لله عزّ وجلّ ، ويقرأ في كلّ ركعة سورة الحمد عشرآ، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر عشرآ، وآية الكرسي عشرآ، عدلت عند الله عزّ وجلّ مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة ، وما سأل الله عزّ وجلّ حاجة من حوائج الدنيا والآخرة كائنة ما كانتا إلّا أتى الله عزّ وجلّ على قضائها في يسر وعافية ، ومن فطّر مؤمنآ كان له ثواب من أطعم فئامآ وفئامآ، فلم يزل يعدّ حتّى عدّ عشرة . ثمّ قال : أتدري ما الفئام ؟ قلت : لا، قال : مائة ألف ، وكان له ثواب من أطعم بعددهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين في حرم الله عزّ وجلّ ، وسقاهم في يومٍ ذي مسغبة ، والدرهم فيه بمائة ألف درهم ، ثمّ قال : لعلّک ترى أنّ الله عزّ وجلّ خلق يومآ أعظم حرمةً منه ؟ لا والله لا والله لا والله، ثمّ قال : وليكن من قولک إذا لقيت أخاک المؤمن : الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم وجعلنا من المؤمنين وجعلنا من المؤمنين بعهده الذي عهد إلينا،وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاةِ أمره ، والقوّام بقسطه ، ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذّبين بيوم الدين.
ثمّ ذكر الإمام (ع) الدعاء الذي بعد الصلاة ، ومثله مذكور في مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمّي ، فراجع .
وعن أبي الحسن الليثي ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (ع) أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته : أتعرفون يومآ شيّد الله به الإسلام ، وأظهر به منار الدين ، وجعله عيدآ لنا ولموالينا وشيعتنا؟ فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟ قال : لا، قالوا: أفيوم الأضحى هو؟ قال : لا، وهذان يومان جليلان شريفان ، ويوم منار الدين أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، وإنّ رسول الله (ص) لمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدير خُم ، أمر الله عزّ وجلّ جبرئيل (ع) أن يهبط على النبيّ (ص) وقت قيام الظهر من ذلک اليوم وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين (ع) وأن ينصبه علمآ للناس بعده ، وأن يستخلفه في اُمّته ، فهبط إليه وقال له : حبيبي محمّد إنّ الله يقرئک السلام ، ويقول لک : قم في هذا اليوم بولاية علي صلّى الله عليه ليكون علمآ لاُمّتک بعدک ، يرجعون إليه ، ويكون لهم كأنت ... .
فعيد الغدير هو عيد الله الأكبر جلّ جلاله ، كما هو عيد الرسول الأعظم 9، إنّه عيد الأنبياء والأوصياء، عيد الأئمة الأطهار : وعيد مواليهم وشيعتهم الأخيار، وهو عيد المسلمين ، إلّا أنّ القوم لمّا جحدوا حقّ أمير المؤمنين يوم السقيفة ، وأنكروا يوم الغدير ـالثابت عند الفريقين متواترآ كما ذكر العلّامة الأميني في كتابه القيّم (الغدير) في أحد عشر مجلّدآـ أنكروا عيد الغدير أيضآ، بل قالوا بهتانآ وافتراءً، إنّ هذا العيد السعيد من فعل الشيعة في القرن الثالث الهجري ونسبوه إلى معزّ الدولة البويهي .
وإليک ما يذكره العلّامة الأميني عليه الرحمة في كتابه العظيم الغدير حول عيد الغدير :«إنّ الذي يتجلّى للباحث حول تلک الصفة أمران :
الأوّل : أنّه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب ، وإن كانت لهم به علاقة خاصّة ، وإنّما اشترک معهم في التعيّد به غيرهم من فرق المسلمين ، فقد عدّه البيروني في الآثار الباقية في القرون الخالية (ص 334) ممّا استعمله أهل الإسلام من الأعياد، وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي (ص 53) يوم غدير خم ذكره (أمير المؤمنين ) في شعره وصار ذلک اليوم عيدآ وموسمآ لكونه كان وقتآ نصّه رسول الله (ص) بهذه المنزلة العليّة ، وشرّفه بها دون الناس كلّهم .
وقال (ص 56): وكلّ معنى أمكن إثباته ممّا يدلّ عليه لفظ المولى لرسول الله 9 فقد جعله لعليّ، وهي مرتبة سامية ومنزلة سامقة ودرجة عليّة ، ومكانة رفيعة ، خصصه بها دون غيره ، فلهذا صار ذلک اليوم عيد وموسم سرور لأوليائه . انتهى .
قال العلّامة الأميني : تفيدنا هذه الكلمة اشتراک المسلمين قاطبة في التعيّد بذلک اليوم سواء رجع الضمير في (أوليائه ) إلى النبيّ أو الوصيّ صلّى الله عليهما وآلهما، أمّا على الأوّل : فواضح ، وأمّا على الثاني : فكلّ المسلمون يوالون أمير المؤمنين عليّآ شرع سواء في ذلک في يواليه بما هو خليفة الرسول بلا فصل ، ومن يراه رابع الخلفاء، فلن تجد في المسلمين من ينصب له العداء إلّا شذّاذ من الخوارج مرقوا عن الدين الحنيف .
ثمّ يذكر ؛ شواهد اُخرى تدلّ على أنّ المسلمين في القديم كانوا يحتفلون بهذا اليوم المبارک ويعدّونه عيدآ عظيمآ من أعياد الإسلام ، ثمّ يقول :
الثاني : إنّ عهد هذا العيد يمتدّ إلى أمد قديم متواصل بالدور النبوي ، فكانت البدأة به يوم الغدير من حجّة الوداع ... فكان يومآ مشهودآ يسرّ موقعه كلّ معتنق للإسلام حيث وضح له فيه منتجع الشريعة ، ومنبثق أنوار أحكامها، فلا تلويه من بعده الأهواء يمينآ وشمالا ولا يسفّ به الجهل إلى هوّة السفاسف ، وأيّ يوم يكون أعظم منه ؟ وقد لاح فيه لاحب السنن ، وبان جدد الطريق ، وأكمل فيه الدين ، وتمّت فيه النعمة ، ونوّه بذلک القرآن الكريم ، ثمّ يذكر حديث التهنئة بالإمرة لأمير المؤمنين علي (ع) من طرق عديدة تبلغ الستّين .
ثمّ يقول : كلّ هذه لا محالة قد أكسب هذا اليوم منعةً وبذخآ ورفعةً وشموخآ، سرّ موقعها صاحب الرسالة الخاتمة وأئمة الهدى ومن اقتصّ أثرهم من المؤمنين ، وهذا هو الذي نعنيه من التعيّد به ، وقد نوّه به رسول الله في ما رواه فرات بن إبراهيم الكوفي في القرن الثالث عن محمّد بن ظهير عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه عن آبائه ، قال :
«قال رسول الله (ص) : يوم غدير خم أفضل أعياد اُمّتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علمآ لاُمّتي يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتمّ على اُمّتي فيه النعمة ، ورضي لهم الإسلام دينآ، كما يعرب عنه قوله (ص) في حديث آخر أخرجه الحافظ الخركوشي (كما في الغدير ص 274): هنّئوني هنّئوني ».
واقتفى أثر النبيّ الأعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) نفسه فاتّخذه عيدآ، وخطب فيه سنة اتّفق فيها الجمعة والغدير، ومن خطبته قوله : إنّ الله
عزّ وجلّ جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ولا يقوم أحدهما إلّا بصاحبه ليكمل عندكم جميل صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويسلككم منهاج قصده ، ويوفّر عليكم هنيء رفده ، فجعل الجمعة مجمعآ ندب إليه لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله ، وذكرى للمؤمنين ، وتبيان خشية المتّقين ، ووهب من ثواب الأعمال فيه أضعاف ما وهب لأهل طاعته في الأيّام قبله ، وجعله لا يتمّ إلّا بالائتمار لما أمر به ، والانتهاء عمّا نهى عنه ، والبخوع بطاعته في ما حثّ عليه وندب إليه ، فلا يقبل توحيده إلّا بالاعتراف لنبيّه (ص) بنبوّته ، ولا يقبل دينآ إلّا بولاية من أمر بولايته ، ولا تنتظم أسباب طاعته إلّا بالتمسّک بعصمه وعصم أهل ولايته ، فأنزل على نبيّه (ص) في يوم الدوح ما بيّن به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وترک الحفل بأهل الزيغ والنفاق وضمن له عصمته منهم ـإلى أن قال ـ :
عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، وبالبرّ بإخوانكم ، والشكر لله عزّ وجلّ على ما منحكم ، وأجمعوا يجمع الله شملكم ، وتبارّوا يصل الله اُلفتكم ، وتهادوا نعمة الله كما منّكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله أو بعده إلّا في مثله ، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه ، وهيّئوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من وجودكم ، وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البشر في ما بينكم والسرور في ملاقاتكم . الخطبة .
وعرفه أئمة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فسّموه عيدآ وأمروا بذلکعامّة المسلمين ، ونشروا فضل اليوم ومثوبة من عمل البرّ فيه ، ففي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي في سورة المائدة عن جعفر بن محمّد الأزدي ، عن محمّد بن الحسين الصائغ ، عن الحسن بن علي الصيرفي ، عن محمّد البزّاز، عن فرات بن أحنف ، عن أبي عبد الله (ع) ، قال : قلت : جعلت فداک للمسلمين عيد أفضل من الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة ؟ قال : فقال لي : نعم ، أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيّه محمّد : اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينآ، قال : قلت : وأيّ يوم هو؟ قال : فقال لي : إنّ أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصيّة والإمامة من بعده ففعل ذلک جعلوا ذلک اليوم عيدآ، وإنّه اليوم الذي نصب فيه رسول الله (ص) عليّآ للناس علمآ وأنزل فيه ما أنزل ، وكمل فيه الدين ، وتمّت فيه النعمة على المؤمنين ، قال : قلت : وأيّ يوم هو في السنّة ؟ قال : فقال لي : إنّ الأيام تتقدّم وتتأخّر وربما كان يوم السبت والأحد والاثنين إلى آخر الأيام السبعة . قال : قلت : فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلک اليوم ؟ قال : هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله وحمد له وسرور لِما منَّ الله به عليكم من ولايتنا. فإنّي اُحبّ لكم أن تصوموه .
وفي الكافي لثقة الإسلام الكليني (:1 303) عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت :
جعلت فداک للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال : نعم يا حسن ، أعظمهما
وأشرفهما، قلت : وأيّ يوم هو؟ قال : يوم نصب أمير المؤمنين (ع) علمآ للناس ، قلت : جعلت فداک وما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟ قال : تصوم يا حسن ، وتكثر الصلاة على محمّد وآله ، وتبرأ إلى الله ممّن ظلمهم ، فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصيّ أن يتّخذ عيدآ، قال : قلت : فما لمن صامه ؟ قال : صيام ستّين شهرآ .
وفي الكافي أيضآ (:1 204) عن سهل بن زياد عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله (ع) هل للمسلمين عيدٌ غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : نعم أعظمها حرمة ، قلت : وأيّ عيد هو جعلت فداک ؟ قال : اليوم الذي نصب فيه رسول الله 9 أمير المؤمنين وقال : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه . قلت : وأيّ يوم هو؟ قال : وما تصنع باليوم ، إنّ السنّة تدور، ولكنّه يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة ، فقلت : ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلک اليوم ؟ قال : تذكرون الله عزّ ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمّد وآل محمّد، فإنّ رسول الله (ص) أوصى أمير المؤمنين (ع) أن يتّخذوا ذلک اليوم عيدآ، وكذلک كانت الأنبياء تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلک فيتّخذونه عيدآ.
وبإسناده عن الحسين بن الحسن الحسيني ، عن محمّد بن موسى الهمداني ، عن عليّ بن حسان الواسطي ، عن عليّ بن الحسين العبدي ، قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : صيام يوم غدير خمّ يعدل عند الله في كلّ عام مائة حجّة ومائة عمرة مبرورات متقبّلات وهو عيد الله الأكبر. الحديث .
وفي (الخصال ) لشيخنا الصدوق بإسناده عن المفضل بن عمر قال : قلت
لأبي عبد الله (ع) : كم للمسلمين من عيد؟ فقال : أربعة أعياد، قال : قلت : قد عرفت العيدين والجمعة فقال لي : أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجّة وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله (ص) أمير المؤمنين (ع) ونصبه للناس علمآ، قال : قلت : وما يجب علينا في ذلک اليوم ؟ قال : يجب عليكم صيامه شكرآ لله وحمدآ له مع أنّه أهل أن يشكر كلّ ساعة ، كذلک أمرت الأنبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصيّ ويتّخذونه عيدآ. الحديث .
وفي (المصباح ) لشيخ الطائفة الطوسي (ص : 513) عن داود الرقّي عن أبي هارون عمّار بن حريز العبدي قال : دخلت على أبي عبد الله (ع) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة فوجدته صائمآ، فقال لي : هذا يوم عظيم ، عظّم الله حرمته على المؤمنين وأكمل لهم فيه الدين ، وتمّم عليهم النعمة ، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق فقيل له : وما ثواب صوم هذا اليوم ؟ قال : إنّه يوم عيد وفرح وسرور ويوم صوم شكرآ لله، وإنّ صومه يعدل ستّين شهرآ من أشهر الحرم . الحديث .
وروى عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عن أبي الحسن الليثي عن أبي عبد الله (ع) أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته : أتعرفون يومآ شيّد الله به الإسلام ، وأظهر به منار الدين ، وجعله عيدآ لنا ولموالينا وشيعتنا؟ فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟ قال : لا. قالوا :
أفيوم الأضحى هو؟ قال : لا، وهذان يومان جليلان شريفان ويوم منار الدين
أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، وإنّ رسول الله (ص) لمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدير خم . الحديث .
وفي حديث الحميري بعد ذكر صلاة الشكر يوم الغدير وتقول في سجودک : اللهمّ إنّا نفرِّج وجوهنا في يوم عيدنا الذي شرّفتنا فيه بولاية أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب صلّى الله عليه .
وقال الفيّاض بن محمّد بن عمر الطوسي سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ التسعين : إنّه شهد أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (ع) في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصّته قد احتبسهم للإفطار، وقد قدّم إلى منازلهم الطعام والبرّ والصلات والكسوة حتّى الخواتيم والنعال ، وقد غيّر من أحوالهم وأحوال حاشيته ، وجدّدت لهم آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه ، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه .
وفي مختصر بصائر الدرجات بالإسناد عن محمّد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي ، قالا في حديث : قصدنا جميعآ أحمد بن إسحاق القمّي صاحب الإمام أبي محمّد العسكري (المتوفّى 260) بمدينة قم وقرعنا عليه الباب فخرجت إلينا من داره صبيّة عراقيّة فسألناها عنه ، فقالت : هو مشغول بعيده ، فإنّه يوم عيد، فقلنا: سبحان الله أعياد الشيعة أربعة : الأضحى والفطر والغدير والجمعة . الحديث .
(ما عشت أراک الدهر عجبآ)
إلى هنا أوقفک البحث والتنقيب على حقيقة هذا العيد وصلته بالاُمّة جمعاء، وتقادم عهده المتّصل بالدور النبوي ، ثمّ جاء من بعده متواصلة العرى من وصيّ
إلى وصيّ يعلم به أئمة الدين ، ويشيد بذكره اُمناء الوحي كالإمامين أبي عبد الله الصادق وأبي الحسن الرضا بعد أبيهم أمير المؤمنين صلوات الله عليهم ، وقد توفّي هذان الإمامان ونطف البويهيّين لم تنعقد، وقد جاءت أخبارهما مرويّة في تفسير فرات والكافي المؤلَّفين في القرن الثالث ، وهذه الأخبار هي مصادر الشيعة ومداركها في اتّخاذ يوم الغدير عيدآ منذ عهد طائل في القدم ، ومنذ صدور تلكم الكلم الذهبيّة من معادن الحُكم والحِكَم .
إذا عرفت هذا فهلمّ معي نسائل النويري والمقريزي عن قولهما: إنّ هذا العيد ابتدعه معزّ الدولة عليّ بن بويه (سنة 352) قال الأوّل في (نهاية الإرب في فنون الأدب ) (:1 177) في ذكر الأعياد الإسلاميّة : وعيد ابتدعته الشيعة وسمّوه عيد الغدير، وسبب اتّخاذهم له مواخاة النبيّ « عليّ بن أبي طالب يوم غدير خم ، والغدير تصبّ فيه عين وحوله شجر كبير ملتفّ بعضها ببعض ، وبين الغدير والعين مسجد رسول الله « واليوم الذي ابتدعوا فيه هذا العيد هو الثامن عشر من ذي الحجّة ، لأنّ المواخاة كانت فيه في سنة عشر من الهجرة وهي حجّة الوداع ، وهم يحيون ليلتها بالصلاة ويصلّون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال ، وشعارهم فيه لبس الجديد وعتق الرقاب وبرّ الأجانب والذبائح .
وأوّل من أحدثه معزّ الدولة أبو الحسن عليّ بن بويه على ما نذكره إن شاء الله في أخباره في سنة 352، ولمّا ابتدع الشيعة هذا العيد واتّخذه من سننهم عمل عوام السنّة يوم سرور نظير عيد الشيعة في سنة 389 وجعلوه بعد عيد الشيعة بثمانية أيّام ، وقالوا: هذا يوم دخول رسول الله « لغار هو وأبو بكر الصدّيق ، وأظهروا في هذا اليوم الزينة ونصب القباب وإيقاد النيران . ا ه .
وقال المقريزي في الخطط :2 :222 عيد الغدير لم يكن عيدآ مشروعآ
ولا عمله أحد من سالف الاُمّة المقتدى بهم ، وأوّل ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معزّ الدولة عليّ بن بويه فإنّه أحدثه سنة 352 فاتّخذه الشيعة من حينئذٍ عيدآ. ا ه .
وما عساني أن أقول في بحّاثة يكتب عن تأريخ الشيعة قبل أن يقف على حقيقته ، أو أنّه عرف نفس الأمر فنسيها عند الكتابة ، أو أغضى عنها لأمر دُبِّر بليل ، أو أنّه يقول ولا يعلم ما يقول ، أو أنّه ما يبالي بما يقول ، أوَ ليس المسعودي المتوفّى 346 يقول في التنبيه والإشراف ص :221 وولد عليّ وشيعته يعظّمون هذا اليوم . أوَ ليس الكليني الراوي لحديث عيد الغدير في الكافي توفّي سنة 329؟ وقبله فرات بن إبراهيم الكوفي المفسّر الراوي لحديثه الآخر في تفسيره (الموجود عندنا) الذي هو في طبقة مشايخ ثقة الإسلام الكليني المذكور، فالكتب هذه اُلّفت قبل ما ذكراه (النويري والمقريزي ) من التاريخ (352). أوَ ليس الفيّاض بن محمّد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة 259؟ وذكر أنّه شاهد الإمام الرضا سلام الله عليه (المتوفّى سنة 203) يتعيّد في هذا اليوم ويذكر فضله وقدمه ، ويروي ذلک عن آبائه عن أمير المؤمنين :. والإمام الصادق المتوفّى سنة 148 قد علّم أصحابه بذلک كلّه وأخبرهم بما جرت عليه سنن الأنبياء من اتّخاذ يوم نصبوا فيه خلفاءهم عيدآ كما جرت به العادة عند الملوک والاُمراء من التعيّد في أيّام تسنّموا فيها عرش الملک ، وقد أمر أئمة الدين : في عصورهم القديمة شيعتهم بأعمال برِّية ودعوات مخصوصة بهذا اليوم وأعمال وطاعات خاصّة به . والحديث الذي مرّ عن مختصر بصائر الدرجات يعرب عن كونه من أعياد الشيعة الأربعة المشهورة في أوائل القرن الثالث الهجري .
هذه حقيقة عيد الغدير لكن الرجلين أرادا طعنآ بالشيعة فأنكرا ذلک السلف
الصالح وصوّراه بدعةً معزوّة إلى معزّ الدولة وهما يحسبان أنّه لا يقف على كلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب .
(فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِکَ وَآنقَلَبُوا صَاغِرِينَ ).
وختامآ: انطلاقآ من عقيدتنا الإسلاميّة الحقّة ، لا بدّ لنا ولكلّ مسلم ومسلمة أن يحتفل بهذا اليوم العظيم بالعبادة والتقرّب إلى الله سبحانه وبالصلاة والصوم والشكر لله، والصلاة على النبيّ وآله ، ولعن أعدائهم ومنكري فضائلهم ، كما نحتفل فيه بالسرور والأفراح وإقامة الحفلات والإطعام والسخاء والعطاء على الأهل والعيال والأصدقاء والأحبّاء، ونشاطر البهجة السماوية ونشارک الفرحة القدسيّة مع ملائكة السماء، واجتماعهم في القصر الفردوس الذي وصفه لنا مولانا وإمامنا الرضا (ع) ، ونتعايد بعضنا مع بعض بالمعانقة والمصافحة الولائية ، فرحين مستبشرين بما آتانا الله من إكمال الدين وإتمام النعمة التي لا يحصى فضائلها، ونقول : الحمد لله الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين .
ومن الطريف أن نذكر أنّ كثيرآ من الحوادث والوقائع الإسلامية ـكولادة النبيّ (ص) ـ يوجد اختلاف بين المسلمين في تحديده ووقوعه ، بل نجد الاختلاف في الأحكام والفروع الفقهيّة ، وحتّى الاختلاف في العقائد وحدودها، إلّا أنّه نجد الاتّفاق بين كلّ المذاهب الإسلاميّة على هذه الأيام الأربعة (أعياد المسلمين ) الفطر والأضحى والغدير والجمعة ، فإنّ الجمعة نهاية الاُسبوع يجتمع فيه المسلمون ويحتفلون بها بصلاة الجمعة ، كما يحتفلون بيوم الفطر الأوّل من شوّال ، ويوم الأضحى العاشر من ذي الحجّة ، ويوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجّة ، ولم يقع الخلاف بأنّ واقعة الغدير كانت في غير اليوم الثامن عشر، فتدبّر.
كما أنّ القاسم المشترک في هذه الأعياد هو مسألة الإمامة والالتفاف حول الإمام ، ففي كلّ اُسبوع يجتمع المسلمون في صلاة الجمعة حول أئمّتهم (أئمة الجماعة والجمعة ) ليسمعوا الخطب والمواعظ والبلاغ ، كما أنّ أصل البلاغ وتمامه كان في يوم الغدير، فلو لم يفعل النبيّ نصب الولي والوصي فما بلّغ رسالته ، فاجتمع الناس حول إمامهم في الغدير كما يحتفل به في كلّ عام إحياءً لتلک الواقعة العظمى ، وكذلک الناس يجتمعون حول أئمّتهم في عيد الفطر والأضحى ، فتدبّر.
واعلم أنّ ثقافة مذهب أتباع أهل البيت : تبتني على أركان وأساطين أربع :
1 ـ التوحيد الكامل .
2 ـ النبوّة الصادقة .
3 ـ والغدير الأغرّ.
4 ـ وعاشوراء الخالدة .
والثالث يتجلّى فيه الولاء والإمامة الحقّة ، كما أنّ الرابع يتبلور فيه البراءة من الأعداء والشهادة ، فالثالث يعني الولاية ، كما أنّ الرابع ينتهي إلى الشهادة .
ولمثل هذا نقول : (إنّما الحياة عقيدة وجهاد) شعار وشعور وفداء.
تعليق