بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
نص الشبهة:
لماذا نصب الرسول صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين خليفةً بعده ، وهو يعلم أنّ الناس ـ في ذلك الوقت ـ لا يحبّونه ، وسوف يقتلونه ، ويذهب الإسلام؟ ألم يكن من الأفضل أن ينصب صلى الله عليه وآله مَن هو أقلّ علماً أو منزلة من عليّ عليه السلام ، ومَن كان مرغوباً فيه عند الناس ومقبولاً من الاُمّة للحكومة ، ويبقى الإمام علي عليه السلام وزيراً للدولة ومرشداً روحيّاً ترجع إليه الاُمّة في مسائل الدين ، مع إعطائه الصلاحية في تنصيب وعزل الرئيس .
الجواب:
الجواب عن السؤال الأوّل حول الإمامة :
وهو سؤال عن أمرين :
الأمر الأوّل : عن السبب في تعيين الإمامة في علي عليه السلام .
المفروض في هذا الأمر :
أوّلاً : أنّ الرسول صلى الله عليه وآله هو الذي عيّن عليّاً عليه السلام للإمامة والخلافة من بعده .
وثانياً : أنّ الرسول صلى الله عليه وآله إنّما فعل ذلك مراعاةً لمصلحة الأعلميّة والأفضليّة التي كانت محرزةً في عليّ عليه السلام .
وثالثاً : أنّ المتراءى من الأحداث ، والمتوقّع ممّا كان معلوماً للنبيّ صلى الله عليه وآله أنّ الناس لم يرغبوا في عليّ عليه السلام بل كانوا يرغبون في غيره فلهذا الواقع ، لم يكن من المصلحة بل لم يكن صحيحاً أن يُنصب عليّ عليه السلام لهذا المنصب ، بل الواجب أن يكون وليّاً مرشداً .
والإجابة على هذا السؤال ، يبتني على المناقشة في هذه الفروض ، فنقول :
أما المفروض الأوّل : إنّ الإمامة ـ في المنظار الإمامي ـ ليس إلّا مسؤولية إلهية يضعها اللَّه تعالى حيث يشاء ، تماماً كما هي النبوّة ، واختلافهما إنّما هو في أمر الوحي ، فالنبي هو الذي يوحى إليه والإمام لم يوح إليه مباشرةً . وهذه الدعوى مشروحة في بحث الإمامة من علم الكلام ، وليس للرسول في أمر الإمامة ـ أصلها ولا تحديد الإمام ـ إلّا وظيفة التبليغ والإعلام والإشارة والإشادة ، وإذا كانت الإمامة أصلاً ، ولم تكن حكماً فرعيّاً ، فالمصلحة التي تلحظ فيها لابدّ أن تكون عامّة وكلّية ، ولا ينظر فيها إلى المناسبات والأحداث الخاصّة زمانياً أو مكانياً ، أو لاُناسٍ محدّدين ، ذوي أهداف خاصّة ومزايا معيّنة ، وإنّما تلاحظ فيها المصالح السارية في كلّ عصر ومصر وفي كلّ مجتمع واُمّة . ومن الواضح عقليّاً أنّ الأصلح للإمامة هو الأعلم بالدين ، والأتقى للَّه ، والأخشى في اللَّه ، والأفضل من جميع الجهات الخيّرة ، وإذا لم يخضع الناس لأحكام العقل هذه ، واختاروا من ليس فيه هذه الصفات كلّها أو بعضها ، فليس النقص في جهة الإمام ولا في جهة اللَّه المشرّع والمقرّر .
وبهذا ظهر أنّ المصلحة التي نسبت إلى النبيّ صلى الله عليه وآله في المفروض الثاني ، إنّما هي مصلحة مفروضة في أصل الإمامة حيث أنّ تولّي المفضول على الفاضل قبيح عقلاً ، وعرفاً وظلمٌ ، ونقضٌ للغرض الذي من أجله شرّعت الإمامة . وليس مجرّد رغبة من الرسول ، حتّى يكون بيده تبديله وتغييره مراعاةً للمصلحة الوقتيّة ورغبة عامّة الناس .
وأمّا المفروض الثالث : ففيه أمران :
الأوّل : أنّ فرض كون الناس ـ في ذلك العهد ـ لم يرغبوا في عليّ عليه السلام ورغبوا في غيره . ليس صحيحاً ، إطلاقاً . بل الأحداث دلّت على أنّ « شرذمة » قد تآمرت وأظهرت أمراً عمّموه بالإرهاب والتظليل ، وعميت على الناس الاُمور ، ولم يتبيّنوا إلّا بعد سيطرة المتآمرين ، وتهديدهم . وإلّا ، فأكثر الناس لم يكونوا يتوقّعون للخلافة غير عليّ عليه السلام وخاصّة من الفضلاء وأصحاب السوابق من الصحابة والأعيان من المسلمين ، سواء أهل المدينة أو خارجها ، لكن السلطة المتآمرة إستخدمت القوّة في مواجهتهم ، كما فعلوا بمالك بن نويرة . فلم يجد الإمام عليّ عليه السلام إلّا المحافظة على الكيان والسكوت عن الحقّ ، فلم يحاولوا الإثارة ، سوى بالكلام لتثبيت الحقّ والمحافظة على أعيان رجاله . ويدلّ على بطلان الفرض المذكور : أنّ عليّاً عليه السلام كان موضع تجليل الناس عامّة ، وباباً لمراجعاتهم إلى الرسول صلى الله عليه وآله كما هو مسجّل في السيرة ، وكما أنّ الرسول قد بيّن للناس في كلّ موضع ومطلع ومرجع ، ومن خلال الأحاديث والخطب ، مؤكّداً على مرجعية عليّ عليه السلام إلى جانب القرآن الذي لا بديل له ، فكذلك دلّت على أنّ عليّاً عليه السلام لا بديل عنه في الخلافة ، كحديث الثقلين وحديث « عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ » و « عليّ مع القرآن » و « حديث الثقلين » وغير ذلك .
الثاني : أنّ الفصل بين الحكم ومنصب المرجعية الدينية ، أمر غير وارد في الإسلام ، والدليل على ذلك هو إدارة الرسولّ صلى الله عليه وآله للحكم في عصره ، حيث كان هو الحاكم الولي للأمر ، وكان الآخرون يصدرون من رأيه وحكمه في الولاية والقضاء وسائر المناصب . فلم يعرف الناس حاكماً إلّا وهو الولي للأمر والقائم بما يلزم لإدارة البلد ، ولم يتصوّروا حاكماً غير ذلك ، ولذلك كان الخلفاء يدّعون لأنفسهم العلم ، ويسعون في إبداء أنفسهم عالمين بكلّ شيء ، ويقومون بالتشريع والتدخّل حتّى في ما لا يعرفون ، ويمنعون غيرهم من الإفتاء بما يخالفهم ، كما فعلوا ـ كلّهم ـ في مسألة ( تدوين السنّة الشريفة ) 1 وكما فعل عمر وعثمان ومعاوية في موارد كثيرة في الفقه 2 . ولو جرى الأمر على هذا لم يبق للإسلام رسم ولا اسم ، ولأنقلبت إلى الجاهلية الاُولى ، لأنّ بني اُميّة سعوا في التدخّل في العقائد أيضاً ، فهم أشاعوا فكرة الجبر ، والتجسيم ، وغير ذلك ممّا هو مخالف للإسلام لكنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي تمكّن بحنكته السياسية ، وبقدرته الإيمانية ، أن يقف أمام ذلك المدّ ، ويخفّف من سرعته ، ويقلب ظهر المجنّ على اُولئك المعتدين الغاصبين المتغلّبين ، فيمنعهم من الوصول إلى أهدافهم التي هي إبادة الإسلام وتحريفه بشكل عميق ، فكان أن فرض نفسه على الخلفاء الاُول حتّى أصبحوا لا يستغنون عن الرجوع إليه ، إلى أن أصدروا تصريحات كبيرة ينّوهون به مثل قول عمر : « لولا علي لهلك عمر » و « لا أبقاني اللَّه لمعضلة ليس لها أبو حسن » وأمثال ذلك . وكذلك إستخدم الإمام اُسلوب الوجود في الساحة ولو على الهوامش ، والتبعية ، لنفسه أو لأقربائه مثل ابن عبّاس ، كي لا تخلو الساحة للأعداء بكلّها ، ومن خلال المراقبة للتصرّفات والمعارضة لها أو تصحيحها أو إظهار بطلانها ، وبيان الحقّ الإسلامي فيها ، ؟؟؟ يؤدّي واجبهم الرسالي والإمامي بالشكل الممكن . حتّى أدّى بالناس إلى معرفة الإمام ووجوب نصبه بالتعيين ولو بعد حين ، كما حصل بعد عثمان . وهكذا قام الأئمّة المعصومون من بعده في مواجهة الخلافة والخلفاء المتتالين ، وفي مقابل الحكّام والأحكام وكذلك أصحابهم وأتباعهم على طول الزمان إلى يومنا هذا . فاستمرار الحقّ وظهوره والإعلان عنه ، إنّما هو كان على أثر الحنكة السياسية التي إستعملها الإمام عليّعليه السلام ونفّذها أولاده وشيعته على طول التاريخ ، وكذلك تضحياتهم وشيعتهم . فلم يكن الناس ليصلوا إلى معرفة الحقّ لولا تلك السياسة الحكيمة ولا تلك التضحيات الكبيرة . ولأنقلبوا كلّهم إلى اُمّة بعيدة عن الحقّ ، كما هو الحال في العامّة اليوم ، ولكان حكّامهم وأئمّتهم وعلماؤهم ، كما هم اليوم ، من دون أن يكون للحقّ ممثّل ينطق عنه ، ولا تراث سجّل فيه ، ولا من يتبعه ، ولا تقوم على اُولئك العامّة ولا على جميع الخلق « حجّة للَّه » قائمة .
فالأمر الثاني من المفروض الثالث باطلٌ ؛ لأنّ منصب الإرشاد لم ينفصل عن الولاية المطلقة التي هي الإمامة ، ولو كان المقصود أن يُعطى عليّ عليه السلام ولاية الدين ، وتترك ولاية الدنيا للخلفاء . وفي هذا :
1 ـ مخالفة لإجماع المسلمين الذين عرّفوا الإمامة : بالولاية العامّة على اُمور الدين والدنيا . ولم يفصل أحد من المسلمين بين اُمور الدين ، واُمور الدنيا ، في كونها بيد الإمام الوالي على الناس ، وهكذا كانت السيرة للخلفاء والحكّام والأئمّة . فطرح هكذا فرض خروج عن مصطلح الإسلام وقوانينه .
2 ـ إنّ هذه المقولة هي من محدثات العلمانية الغربية التي تسرّبت إلى أفكار المنتمين إليهم ، وهدفهم فصل الدين عن السياسة ، وعزل العلماء عن الحياة العملية لتكون الساحة مفسوحة لأصحاب السلطات والحكّام يمرحون ويسرحون بلا معارضة قويّه كالتي يقودها رجال الدين الذين لهم نفوذٌ في الناس . ولذلك نجدهم لا يعطون لرجل الدين حقّاً في أن يكون مثل أي شخص آخر من الاُمّة في تولّي أي منصب سياسي أو يتصدّى لعمل حكومي ، إلّا ويكيلون عليه التّهم والإفتراءات لإخراجه من الساحة . وليس هذا لكونه غير لائق ، بل خوفاً من التزامه الديني الذي يضيّق عليهم خناق التفلّت والإباحية . إنّ الحكّام على الخلافة في فترة ما بعد النبي ، كانوا يعلمون بعدم إمكان الحكم على الاُمّة مع الفصل بين الدين والدنيا ولا يرون لأحد حقّاً عليهم حتّى بعنوان المرشد الديني ، وإذا كان لا يقبلون عليّاً عليه السلام حاكماً فهم لا يقبلونه مرشداً أيضاً .
وإذا كان يقبلونه مرشداً ، فلماذا لا يكون إماماً وحاكماً مطلقاً . إنّ هذا الفرض ، لا يمكن الإلتزام به في المنطق الإسلامي للحكم والدولة حتّى في عصرنا الحاضر
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
نص الشبهة:
لماذا نصب الرسول صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين خليفةً بعده ، وهو يعلم أنّ الناس ـ في ذلك الوقت ـ لا يحبّونه ، وسوف يقتلونه ، ويذهب الإسلام؟ ألم يكن من الأفضل أن ينصب صلى الله عليه وآله مَن هو أقلّ علماً أو منزلة من عليّ عليه السلام ، ومَن كان مرغوباً فيه عند الناس ومقبولاً من الاُمّة للحكومة ، ويبقى الإمام علي عليه السلام وزيراً للدولة ومرشداً روحيّاً ترجع إليه الاُمّة في مسائل الدين ، مع إعطائه الصلاحية في تنصيب وعزل الرئيس .
الجواب:
الجواب عن السؤال الأوّل حول الإمامة :
وهو سؤال عن أمرين :
الأمر الأوّل : عن السبب في تعيين الإمامة في علي عليه السلام .
المفروض في هذا الأمر :
أوّلاً : أنّ الرسول صلى الله عليه وآله هو الذي عيّن عليّاً عليه السلام للإمامة والخلافة من بعده .
وثانياً : أنّ الرسول صلى الله عليه وآله إنّما فعل ذلك مراعاةً لمصلحة الأعلميّة والأفضليّة التي كانت محرزةً في عليّ عليه السلام .
وثالثاً : أنّ المتراءى من الأحداث ، والمتوقّع ممّا كان معلوماً للنبيّ صلى الله عليه وآله أنّ الناس لم يرغبوا في عليّ عليه السلام بل كانوا يرغبون في غيره فلهذا الواقع ، لم يكن من المصلحة بل لم يكن صحيحاً أن يُنصب عليّ عليه السلام لهذا المنصب ، بل الواجب أن يكون وليّاً مرشداً .
والإجابة على هذا السؤال ، يبتني على المناقشة في هذه الفروض ، فنقول :
أما المفروض الأوّل : إنّ الإمامة ـ في المنظار الإمامي ـ ليس إلّا مسؤولية إلهية يضعها اللَّه تعالى حيث يشاء ، تماماً كما هي النبوّة ، واختلافهما إنّما هو في أمر الوحي ، فالنبي هو الذي يوحى إليه والإمام لم يوح إليه مباشرةً . وهذه الدعوى مشروحة في بحث الإمامة من علم الكلام ، وليس للرسول في أمر الإمامة ـ أصلها ولا تحديد الإمام ـ إلّا وظيفة التبليغ والإعلام والإشارة والإشادة ، وإذا كانت الإمامة أصلاً ، ولم تكن حكماً فرعيّاً ، فالمصلحة التي تلحظ فيها لابدّ أن تكون عامّة وكلّية ، ولا ينظر فيها إلى المناسبات والأحداث الخاصّة زمانياً أو مكانياً ، أو لاُناسٍ محدّدين ، ذوي أهداف خاصّة ومزايا معيّنة ، وإنّما تلاحظ فيها المصالح السارية في كلّ عصر ومصر وفي كلّ مجتمع واُمّة . ومن الواضح عقليّاً أنّ الأصلح للإمامة هو الأعلم بالدين ، والأتقى للَّه ، والأخشى في اللَّه ، والأفضل من جميع الجهات الخيّرة ، وإذا لم يخضع الناس لأحكام العقل هذه ، واختاروا من ليس فيه هذه الصفات كلّها أو بعضها ، فليس النقص في جهة الإمام ولا في جهة اللَّه المشرّع والمقرّر .
وبهذا ظهر أنّ المصلحة التي نسبت إلى النبيّ صلى الله عليه وآله في المفروض الثاني ، إنّما هي مصلحة مفروضة في أصل الإمامة حيث أنّ تولّي المفضول على الفاضل قبيح عقلاً ، وعرفاً وظلمٌ ، ونقضٌ للغرض الذي من أجله شرّعت الإمامة . وليس مجرّد رغبة من الرسول ، حتّى يكون بيده تبديله وتغييره مراعاةً للمصلحة الوقتيّة ورغبة عامّة الناس .
وأمّا المفروض الثالث : ففيه أمران :
الأوّل : أنّ فرض كون الناس ـ في ذلك العهد ـ لم يرغبوا في عليّ عليه السلام ورغبوا في غيره . ليس صحيحاً ، إطلاقاً . بل الأحداث دلّت على أنّ « شرذمة » قد تآمرت وأظهرت أمراً عمّموه بالإرهاب والتظليل ، وعميت على الناس الاُمور ، ولم يتبيّنوا إلّا بعد سيطرة المتآمرين ، وتهديدهم . وإلّا ، فأكثر الناس لم يكونوا يتوقّعون للخلافة غير عليّ عليه السلام وخاصّة من الفضلاء وأصحاب السوابق من الصحابة والأعيان من المسلمين ، سواء أهل المدينة أو خارجها ، لكن السلطة المتآمرة إستخدمت القوّة في مواجهتهم ، كما فعلوا بمالك بن نويرة . فلم يجد الإمام عليّ عليه السلام إلّا المحافظة على الكيان والسكوت عن الحقّ ، فلم يحاولوا الإثارة ، سوى بالكلام لتثبيت الحقّ والمحافظة على أعيان رجاله . ويدلّ على بطلان الفرض المذكور : أنّ عليّاً عليه السلام كان موضع تجليل الناس عامّة ، وباباً لمراجعاتهم إلى الرسول صلى الله عليه وآله كما هو مسجّل في السيرة ، وكما أنّ الرسول قد بيّن للناس في كلّ موضع ومطلع ومرجع ، ومن خلال الأحاديث والخطب ، مؤكّداً على مرجعية عليّ عليه السلام إلى جانب القرآن الذي لا بديل له ، فكذلك دلّت على أنّ عليّاً عليه السلام لا بديل عنه في الخلافة ، كحديث الثقلين وحديث « عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ » و « عليّ مع القرآن » و « حديث الثقلين » وغير ذلك .
الثاني : أنّ الفصل بين الحكم ومنصب المرجعية الدينية ، أمر غير وارد في الإسلام ، والدليل على ذلك هو إدارة الرسولّ صلى الله عليه وآله للحكم في عصره ، حيث كان هو الحاكم الولي للأمر ، وكان الآخرون يصدرون من رأيه وحكمه في الولاية والقضاء وسائر المناصب . فلم يعرف الناس حاكماً إلّا وهو الولي للأمر والقائم بما يلزم لإدارة البلد ، ولم يتصوّروا حاكماً غير ذلك ، ولذلك كان الخلفاء يدّعون لأنفسهم العلم ، ويسعون في إبداء أنفسهم عالمين بكلّ شيء ، ويقومون بالتشريع والتدخّل حتّى في ما لا يعرفون ، ويمنعون غيرهم من الإفتاء بما يخالفهم ، كما فعلوا ـ كلّهم ـ في مسألة ( تدوين السنّة الشريفة ) 1 وكما فعل عمر وعثمان ومعاوية في موارد كثيرة في الفقه 2 . ولو جرى الأمر على هذا لم يبق للإسلام رسم ولا اسم ، ولأنقلبت إلى الجاهلية الاُولى ، لأنّ بني اُميّة سعوا في التدخّل في العقائد أيضاً ، فهم أشاعوا فكرة الجبر ، والتجسيم ، وغير ذلك ممّا هو مخالف للإسلام لكنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي تمكّن بحنكته السياسية ، وبقدرته الإيمانية ، أن يقف أمام ذلك المدّ ، ويخفّف من سرعته ، ويقلب ظهر المجنّ على اُولئك المعتدين الغاصبين المتغلّبين ، فيمنعهم من الوصول إلى أهدافهم التي هي إبادة الإسلام وتحريفه بشكل عميق ، فكان أن فرض نفسه على الخلفاء الاُول حتّى أصبحوا لا يستغنون عن الرجوع إليه ، إلى أن أصدروا تصريحات كبيرة ينّوهون به مثل قول عمر : « لولا علي لهلك عمر » و « لا أبقاني اللَّه لمعضلة ليس لها أبو حسن » وأمثال ذلك . وكذلك إستخدم الإمام اُسلوب الوجود في الساحة ولو على الهوامش ، والتبعية ، لنفسه أو لأقربائه مثل ابن عبّاس ، كي لا تخلو الساحة للأعداء بكلّها ، ومن خلال المراقبة للتصرّفات والمعارضة لها أو تصحيحها أو إظهار بطلانها ، وبيان الحقّ الإسلامي فيها ، ؟؟؟ يؤدّي واجبهم الرسالي والإمامي بالشكل الممكن . حتّى أدّى بالناس إلى معرفة الإمام ووجوب نصبه بالتعيين ولو بعد حين ، كما حصل بعد عثمان . وهكذا قام الأئمّة المعصومون من بعده في مواجهة الخلافة والخلفاء المتتالين ، وفي مقابل الحكّام والأحكام وكذلك أصحابهم وأتباعهم على طول الزمان إلى يومنا هذا . فاستمرار الحقّ وظهوره والإعلان عنه ، إنّما هو كان على أثر الحنكة السياسية التي إستعملها الإمام عليّعليه السلام ونفّذها أولاده وشيعته على طول التاريخ ، وكذلك تضحياتهم وشيعتهم . فلم يكن الناس ليصلوا إلى معرفة الحقّ لولا تلك السياسة الحكيمة ولا تلك التضحيات الكبيرة . ولأنقلبوا كلّهم إلى اُمّة بعيدة عن الحقّ ، كما هو الحال في العامّة اليوم ، ولكان حكّامهم وأئمّتهم وعلماؤهم ، كما هم اليوم ، من دون أن يكون للحقّ ممثّل ينطق عنه ، ولا تراث سجّل فيه ، ولا من يتبعه ، ولا تقوم على اُولئك العامّة ولا على جميع الخلق « حجّة للَّه » قائمة .
فالأمر الثاني من المفروض الثالث باطلٌ ؛ لأنّ منصب الإرشاد لم ينفصل عن الولاية المطلقة التي هي الإمامة ، ولو كان المقصود أن يُعطى عليّ عليه السلام ولاية الدين ، وتترك ولاية الدنيا للخلفاء . وفي هذا :
1 ـ مخالفة لإجماع المسلمين الذين عرّفوا الإمامة : بالولاية العامّة على اُمور الدين والدنيا . ولم يفصل أحد من المسلمين بين اُمور الدين ، واُمور الدنيا ، في كونها بيد الإمام الوالي على الناس ، وهكذا كانت السيرة للخلفاء والحكّام والأئمّة . فطرح هكذا فرض خروج عن مصطلح الإسلام وقوانينه .
2 ـ إنّ هذه المقولة هي من محدثات العلمانية الغربية التي تسرّبت إلى أفكار المنتمين إليهم ، وهدفهم فصل الدين عن السياسة ، وعزل العلماء عن الحياة العملية لتكون الساحة مفسوحة لأصحاب السلطات والحكّام يمرحون ويسرحون بلا معارضة قويّه كالتي يقودها رجال الدين الذين لهم نفوذٌ في الناس . ولذلك نجدهم لا يعطون لرجل الدين حقّاً في أن يكون مثل أي شخص آخر من الاُمّة في تولّي أي منصب سياسي أو يتصدّى لعمل حكومي ، إلّا ويكيلون عليه التّهم والإفتراءات لإخراجه من الساحة . وليس هذا لكونه غير لائق ، بل خوفاً من التزامه الديني الذي يضيّق عليهم خناق التفلّت والإباحية . إنّ الحكّام على الخلافة في فترة ما بعد النبي ، كانوا يعلمون بعدم إمكان الحكم على الاُمّة مع الفصل بين الدين والدنيا ولا يرون لأحد حقّاً عليهم حتّى بعنوان المرشد الديني ، وإذا كان لا يقبلون عليّاً عليه السلام حاكماً فهم لا يقبلونه مرشداً أيضاً .
وإذا كان يقبلونه مرشداً ، فلماذا لا يكون إماماً وحاكماً مطلقاً . إنّ هذا الفرض ، لا يمكن الإلتزام به في المنطق الإسلامي للحكم والدولة حتّى في عصرنا الحاضر
تعليق