
قبل فترة ليست بالبعيدة وقع نظري على مقال خطه بعض الباحثين، موضوعه يدور حول كربلاء وقدسيتها، وهذا الباحث المحترم لا أشك في أنه يعتقد بقدسية هذه البقعة المباركة، غير أنه خلط في زمان حصول هذه القدسية والسبب الموجب لها، فتصور أنها إنما شرفت لأن أقدام سبط الرسول الأكرم الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) قد وطأتها، ومنذ ذلك الحين وصفت بأنها بقعة مقدسة، وهذا في الواقع لا خلاف فيه، لكنه ليس العلة التامة وإنما حصلت زيادة في الشرفية للسبب المتقدم.
وعلى كل حال لا بد لنا من استجلاء هذه الحقيقة لمعرفة ما هو الصواب، فنقول :
أ ـ إن كربلاء قطعة ملكوتية مخلوقة من الجنة قبل أن تكون دنيوية، وهذا الميزة غير خاصة بها بل تشترك مع بعض البقاع المقدسة وهذه البقاع المقدسة هي: (المسجد الحرام ، المسجد النبوي ، مسجد الكوفة، بيت المقدس) حيث دلت الروايات المتظافرة أنها كانت من الجنة قبل أن تكون من جنس عالم الملك (الدنيوي)، وهذه الروايات تؤكد هذا المعنى، إليك شطر منها :
1 ـ عن أمير المؤمنين

2 ـ محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبدالله





وعن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله


وقال أبو بصير: " سمعت أبا عبدالله

ومن طرق أهل السنة ما أخرجه الطبراني بسنده عن أبي هرثمة قال : كنت مع علي رضي الله عنه بنهر كربلاء ، فمرّ بشجرة تحتها بعر غزلان ، فأخذ منه قبضة فشمها ، ثمّ قال (=علي) : «يحشر من هذا الظهر سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب» . وقد علّق عليه قائلاً : رواه الطبراني ورجاله ثقات[5].
ولعل الملفت للنظر هنا كيفية تعرف أمير المؤمنين

والجواب : أنه


وفي هذا الحديث فائدة أخرى وهي : أن تربة كربلاء لا تنعدم قدسيتها حتى مع تحولها الى حقيقة أخرى ولذا قام أمير المؤمنين (عليه السلام) بشم تلك القبضة التي قبضها وهي بعر الغزال.
اذا إتضح كل ما تقدم وهو حقيقة كون تلك البقاع ملكوتية (جنتية) فيتضح أن هذه البقاع ستعود الى إصلها = (الجنة) عند فناء العالم الدنيوي، لكون قوانين عالم الملك (الدنيوية) لا تؤثر فيما كان حقيقته ملكوتية.
ب ـ يبقى أمر لا بد من بيانه وهو أن كربلاء على الرغم من أنها بقعة من بقاع الجنة إلا أن محط رحال الحسين

العتبة الحسينية المقدسة
[1] أمالي الشيخ الطوسي ص 369.
[2] الكافي ج : 4 ص : 555.
[3] الكافي ج : 3 ص :491.
[4] الكافي ج : 3 ص : 492.
[5] معجم الطبراني الكبير3 : 111 ، مجمع الزوائد 9 : 191.