لم تكن التقيّة فقط بسبب خوف القتل والتعذيب، بل لها أسباب عديدة نذكر بعضها:
- أنّ الحكومات الأمويّة والعبّاسيّة كانت تخاف من أيّ نوع من أنواع التفاف الشيعة حول الإمام المعصوم (عليه السلام)، ولا تقبل بذلك مهما كان الثمن، ففي أيّام حكومة معاوية تمّ القضاء على كلّ الجماعات الشيعيّة الموالية لأهل البيت (عليهم السلام)، وقتل الكثير من الشخصيّات البارزة بعد التنكيل بهم والتفنّن في تعذيبهم، من أمثال الصحابي الجليل حجر بن عدي والعبد الصالح ميثم التمّار، ولهذا السبب كان الأئمّة (عليهم السلام) يعملون بالتقيّة حفاظاً على ما تبقّى من شيعتهم ومواليهم.
- لو لم يعمل الأئمّة (عليهم السلام) بالتقيّة لما تسنّى لهم القيام بوظائفهم الإلهيّة، فقد كانوا كثيراً ما يبيّنون للناس الحقائق والمعارف عن طريق ملاطفتهم واستعمال المجاز والكناية لإيصال الحقّ لمن كان له استعداد من الناس، ولولا التقيّة والعمل بها لما تمكّنوا من ذلك.
- القيام بوجه الحكومات الجائرة والأنظمة الفاسدة عن طريق العمل بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو أمرٌ لازم ومفيد في إقامة الحقّ والعدل، ولكن هذا أمرٌ قد لا يكون مناسباً وصالحاً دائماً، بل إنّه في بعض الحالات والظروف الخاصّة لا يمكن إقامة الحقّ ودفع الظلم إلاّ بطرق وأساليب هادئة تتناسب مع تلك الظروف. ومثال ذلك، الظروف والشرائط التي كان يعيشها بعض الأئمّة (عليهم السلام).
إنّ مثير هذا السؤال ليس له أدنى اطّلاع على تاريخ الأئمّة وتاريخ الشيعة، لذلك توهم أنّ تقيّة الإمام كانت لأجل حفظ نفسه وسلامة حياته، والحال أنّها لحفظ أتباعه من الشيعة والموالين.
يقول سلمة بن محرز: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ رجلاً مات وأوصى إليّ بتركته وترك ابنةً، فقال لي: «أعطها النصف»، قال: فأخبرت زرارة بذلك، فقال لي: اتّقاك إنّما المال لها، قال: فدخلت عليه بعد، فقلت: أصلحك الله إنّ أصحابنا زعموا أنّك اتّقيتني؟ فقال: «لا والله ما اتّقيتك ولكنّي اتّقيتُ عليك أن تضمن، فهل علم بذلك أحد؟» قلت: لا، قال: «فأعطها ما بقي» 12.