إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شهر رمضان فرصة مناسبة لبناء الذات

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شهر رمضان فرصة مناسبة لبناء الذات

    - شهر رمضان فرصة مناسبة لبناء الذات

    إن شهر رمضان المبارك هو شهر بناء الذات وتغيير النفس، وهذا الأمر مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك أهل العلم وغيرهم، ومهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال للرقي أيضاً.
    يقول النبي صلّى الله عليه وآله: «فإن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم». وهذا معناه لو أن أحداً أهمل بناء نفسه في هذا الشهر المبارك وقصّر حتى مرّ عليه ولم ينل المغفرة الإلهية التي هي في هذا الشهر أوسع وأسرع وأعظم منها في سائر الشهور، فإنه هو الشقي حقاً. هذا هو المستفاد من الروايات، لأن بناء الذات واجب عيني في حد أداء الواجبات وترك المحرمات. فعلى الإنسان أن يحاول في هذا الشهر المبارك أن يعمل حتى يبلغ مرحلة يعتقد فيها أنه تغيّر فعلاً وأنه أصبح أحسن وأفضل وأن فرقاً حصل عنده.
    لاشك أن كل إنسان يتمنى لنفسه التغيير نحو الأفضل، ولكن المسألة ليست بالأماني، فبالأماني وحدها لا يتحقق التغيير، بل هو بحاجة إلى عزم وتصميم ومتابعة ومثابرة وجدّ واجتهاد. فمن لم يقصّر في المقدمات يوفَّق لا شك في ذلك ولا شبهة؛ لأن هذا هو الهدف الأصلي لخلق الإنسان، وهو صريح القرآن الكريم؛ يقول الله تعالى: «وما يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم»[3] أي ليرحمهم. فهل يعقل أن يضع الإنسان نفسه موضع الرحمة بأن ينبري لطاعة الله والتقرب إليه، ثم لا يرحمه الله؟! حاشا لله، فهذا محال في منطق الحكمة والعقل، ولا إمكان له، فضلاً عن الوقوع، ولكن على الإنسان أن يصدق مع نفسه ويسعى في هذا المجال. يقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: «من طلب شيئاً ناله أو بعضه»[4].
    إن الصلوات والأدعية والزيارات والأعمال الواردة في شهر رمضان المبارك بنفسها معدات لتحقق بناء الذات، بيد أن المرء قد لا يسعه الوقت للقيام بها كلها، بسبب تزاحم مشاغل قد تكون هي الأخرى مطلوبة كالتبليغ مثلاً، فليس هناك طريق للتوفيق أسهل من طريق محاسبة النفس، لأنّها مطلوبة جداً ولها تأثير كبير على الإنسان، ففي كتب الروايات كالكافي والبحار وغيرهما باب مستقل في محاسبة النفس، وهناك روايات معتبرة وصحيحة سنداً عن الأئمة المعصومين سلام الله عليهم مضمونها أنه ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم إن عمل خيراً استزاد وإن عمل شراً استغفر.
    فليخصص المرء كل يوم من شهر رمضان بعض وقته يخلو فيه، ويراجع ما مضى منه خلال الساعات الماضية، فينظر ما عمل وما قال وما سمع وما رأى وما أخذ وما أعطى، وكيف تصرف مع زوجته وأطفاله وأصدقائه وزملائه؟ وباختصار فيم صرف وقته؟ فيصمم على أن يزيد من حسناته ويقلل من سيئاته.
    وهذا الطريق بنفسه يمكن أن يصل بالمرء في هذا الشهر إلى موقع بحيث يستوى عنده الدينار والمليار دينار بما هو دينار ومال، فلا يركض خلف الثاني كما لا يركض خلف الأول بالدرجة نفسها، وفي المقابل يهتم بفقدان الثواب مهما كان ضئيلاً، فلا يتهاون عن الإتيان بالفضائل التي يمكنه الإتيان بها، لا تختلف عنده إن كانت الفضيلة قول (استغفر الله) مرة واحدة أو الاستمرار على تكرارها طيلة الشهر الكريم كله!!
    يمكن للإنسان أن يصل عن هذا الطريق لمراتب عالية، وقد وصل كثيرون درجة لم يعد يزيد الترغيب من اندفاعهم ولا يقلل منه التثبيط، مع أنهم بشر لهم شهوات ورغبات ويدركون معنى الترغيب والتثبيط ولكن الإدراك شيء والقبول والتأثر بهما شيء آخر.
    قد يكون الترغيب مفيداً في حالات التزاحم والتفاضل، ومثاله: أن تكون مواظباً على قراءة دعاء ما في كل ليالي شهر رمضان، ولكن صوّر لك شخص أن ذكراً آخر أكثر ثواباً في ليلة ما من ليالي الشهر، ولم يكن عندك وقت لأداء الاثنين، فههنا يمكن أن يدفعك الترغيب للتخلي عن الدعاء الأول لصالح الثاني، فالتأثر بالترغيب هنا يختلف عما لو كنت متكاسلاً عن التوجه للدعاء أصلاً فيرغبك شخص بالقول إن ثوابه عظيم فلا تدعه، أو العكس بأن يثبطك آخر فيدعوك للسمر وترك الدعاء قائلاً إنك قد قرأته في أغلب الليالي فدعه الليلة. مثل هذا الترغيب والتثبيط يكونان سواء عند بعض الأشخاص في عدم التأثير في ترك العمل أو الإتيان به، فلا الترغيب يدفعهم أكثر ولا التثبيط يُضعفهم ويقلل من اندفاعهم.
    ولا شك أن بلوغ هذه المرحلة يحتاج إلى عمل كثير ومواظبة؛ فللشهوات أثرها السلبي كما للشياطين آثارها السلبية، وكذا أصدقاء السوء والمشكلات، ولكن إذا اقتنع الإنسان بإمكانية الوصول وتوكل على الله تعالى، فإن هذا الاعتقاد بنفسه سيوصله، ومن مفاتيحه السهلة محاسبة النفس؛ بأن يكون الشخص ملتزماً بتحديد أوقات طيلة اليوم يراجع فيها نفسه وما عمله، وأن يكون الوقت مناسباً، فلا يكون عند الجوع ولا الامتلاء ولا انشغال الذهن بأمر آخر يحول دون التأمل والتفكير جيداً بل يكون في وقت يمكنه الاختلاء بنفسه ومراجعة ما صدر منها.
    يقال: إن بعض الأفاضل طلب من أستاذه العالم أن ينصحه نصيحة تنفعه طيلة عمره، وكان على وشك الفراق منه، فقال له العالم: خصص لنفسك كل يوم وقتاً تحاسب فيه نفسك وإن قلّ. يقول ذلك الفاضل: عملت بنصيحة أستاذي العالم حتى أصبحت محاسبة النفس حاضرة في ذهني ما دمت مستيقظاً. وهذا يدل على ارتكاز الحالة في ذهنه حتى لكأنها صارت ملكة عنده.
    أرأيت نفسك إذا كنت تترقب وقوع أمر محبوب لك، كتعيينك في منصب مثلاً، فإن هذا الأمر لا يغيب عن ارتكازك حتى تنام، يشير إلى هذا الارتكاز عمله وفاعليته، فإنك تحاول أن لا تعمل خلال هذه المدة كل ما من شأنه أن يحول دون تحقق ذلك الأمر المحبوب، وتنجح في ذلك لأن القضية حاضرة في ذهنك مادمت مستيقظاً، ويعود الارتكاز بمجرد استيقاظك من النوم مرة أخرى، والدليل على ذلك عودته إلى التأثير في تصرفاتك وعدم القيام بما يتعارض معه.
    هكذا هو حال من كان الله تعالى حاضراً عنده دائماً، فإن محاسبة النفس لا تغيب عنه ما دام مستيقظاً، وهذا ممكن بترويض النفس بأن يخصص المرء وقتاً من يومه يزيده قليلاً كل يوم، يراجع فيها نفسه وينظر إلى أعماله ونواياه، فكلما رأى خيراً استزاد أي طلب من الله الزيادة وسعى هو أيضاً في الإكثار منه، وكلما رأى شراً استغفر الله منه وحاول الإقلاع عنه.
    وشهر رمضان خير فرصة لهذه التجربة، ولو أضيف إليه عشرة أيام من شوال لتصبح أربعين يوماً فذلك خير؛ إذ إن الحالة قد تقترب من الملكة، ويصبح التخلي عنها بعد ذلك مستبعداً، لأن الشخص يحس عندها بلذة لا تضاهيها اللذة التي يحصل عليها من تناوله ألف طعام لذيذ أو أية لذة مادية أخرى. فلو وضعت كل اللذات المادية الدنيوية في جانب، ووضعت إحدى اللذات المعنوية في جانب آخر لرجحت الأخيرة، لا بل اللذة المعنوية واقعية والماديات كلها خيال ووهم.
    روي عن بعض من وُفِّق لزيارة ولقاء الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف أنه كان يقول: «لقد بلغتُ مرحلةً المرض أحب إلي من الصحة، والفقر خير لي من الغنى». ولقد كان صادقاً في قوله لأنه كان يلتذ باللذات المعنوية بدل اللذات المادية.
    ولكن القول الأصح هو حديث أئمة آل البيت سلام الله عليهم، وهو: «الرضا بما قدّر الله» فإنهم سلام الله عليهم لا يريدون المرض ولا الصحة، ولا الفقر ولا الغنى بل ما قدّر الله، فهو مرادهم أيضاً.
    فليصمم كل واحد منا منذ أول شهر رمضان المبارك على تخصيص وقت لمحاسبة نفسه كل يوم، وليدعوا الذين وفقوا لذلك، لمن لم يوفقوا أو قلّ توفيقهم، عسى الله أن يوفقنا جميعاً.
    ..من نصائح وتوجيهات المرجع الديني ايه الله العظمى السيد صادق الشيرازي حفظه الله تعالى
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X