إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشهيد الفاتح

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشهيد الفاتح


    ● الخبر : روى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن مروان ابن إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين عليه السلام وتخلف ابن الحنفية فقال أبو عبد الله عليه السلام : يا حمزة إني سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا ، إن الحسين لما فصل متوجهاً ، دعا بقرطاس وكتب فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى بني هاشم أما بعد : فإنه من لحق بي منكم أستشهد ، ومن تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح والسلام " .
    ( المجلسي / بحار الأنوار / ج٤٤ ، ص ٣٣٠ )

    ● أهمّية الكلمة : هذه الكلمة من غرر كلمات ورسائل الإمام الحسين ع ومن أعلاها أهمية بين مستندات ونصوص كربلاء ، ولأسباب :

    ١. انها من الرسائل الخاصة والموجهة الى بني هاشم ، ولهذا فإن محددات التقية السياسية او التقية الفكرية مرتفعة هنا بقدرٍ كبير نسبة الى غيرها من الكلمات التي أطلقها الإمام الحسين ع والتي راعى فيها حال المُخاطب واعتبارات أخرى ، وبحسب تعبير السيد المقرّم ( وإنما لم يصارح بما عنده من العلم لكل من رغب في إعراضه عن السفر الى الكوفة لعلمه بأن الحقائق لا تفاض لأي متطلب بعد اختلاف الأوعية سعة وضيقاً وتباين المرامي قرباً وبُعدا ، فلذلك عليه السلام يجيب كل احد بما يسعه ظرفه وتتحمله معرفته وعقليته .. } مقتل الحسين للمقرم ٦٥_٦٦ ، علاوةً على حرص الإمام عليه السلام على كتابتها ولم يكتف بالتحدث بها سلام الله عليه ، فهي من هذه الناحية كلمة مهمة عند الإمام ع قبل ان تكون مهمة عند غيره .

    ٢. مضمونها المُلفت للنظر والتفكر ، فمن جهة فيها إخبار صريح بشهادة من لحق به عليه السلام ، ومن جهة أخرى الإخبار بحصول نتيجة عاليه ونصر سامي للذي لحق به .. وهو مما يبدو غريباً للوهلة الأولى ..!

    ٣. كما ترى أنها رواية مروية عن الإمام الصادق عليه السلام ولم تكن من النصوص التاريخية التي في العادة لا يُهتم بناقلها او بضبط كلماتها وتفّهم معانيها بمثل ما هو معمول به في علم الرواية والدراية .. فأهميتها تأتي من رصانة متنها ووثاقة رواتها وعلى رأسهم الامام الصادق ع .

    ٤. انها فصلت الجدال في مسألة مهمة من تاريخ الطف ، وهي مسألة التخلّف عن ركب الحسين عليه السلام والإلتحاق به لأي سبب كان .. فمن تخلّف عن ركب كربلاء ولم يستشهد بين يدي ابي عبد الله قد فاته الفتح الخاص بكربلاء ..

    ه. الحديث مهمّ عند الإمام الصادق ع ايضاً ، وهذا ما نستشفه من قولته عليه السلام لحمزة بن حمران : يا حمزة إني سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا ، إن الحسين .. ، وتشعر بأن هذا الحديث يجيب على كثير من الاسئلة ويحل الكثير من الإشكالات ..

    ● منطق جديد في كربلاء : ثم أننا نفهم من رسالة الإمام الحسين عليه السلام هذه لبني هاشم أنه عليه السلام في طور رسم منطق جديد لمعارك الإسلام وتأسيس جديد لنتائجها ، وهو منطق الشهيد الفاتح ، والمقتول الغالب .. وقلنا منطق جديد لأن المنطق المعروف في الإسلام هو منطق ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء ٧٤ ، ومنطق إحدى الحسنيين ( قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ) التوبة ٥٢ . أما كلتا الحسنيين ( الشهادة والفتح ) فهذا من فتوحات كربلاء ..!! فتأمل .

    ● صحبة كربلاء شرط منطقها الجديد هذا : وبحسب الظاهر أن هذا المنطق الكربلائي الخاصّ يعتمد بشكل رئيس على نوع خاص من الصحبة ايضاً ، وخير ما وصف هذه الصحبة هو ابو عبد الله الحسين ع بقوله : ( فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا .. ) الإرشاد / الشيخ المفيد / ج٢ ص٩١

    بل شهد لهذه الصحبة اعدائها ، فوصف رجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد عن مواقف أصحاب الحسين (ع) في ذلك اليوم فقال : ( ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كأسود ضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً وتلقي أنفسها على الموت لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ج 3 ص 267

    وقول كعب بن جابر قاتل الشهيد برير بن خضير الهمداني ، فإنه لما رجع إلى بيته عتبت عليه امرأته بقولها : أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيد القراء لقد أتيت عظيماً من الأمر والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً ، فقال لها من ضمن أبيات يصف الصولات البطولية لأصحاب الحسين :

    ولمْ ترَ عيني مثلهمْ في زمـــــــــانِهمْ *** ولا قبلهم في النــــاسِ إذ أنا يافعُ

    أشدَّ قراعاً بالسيــــــوفِ لدى الوغى *** ألا كلُّ من يـحمي الذمارَ مقارعُ

    وقد صبروا للضربِ والطعنِ حُسَّراً *** وقد نـــــــــازلوا لو أن ذلكَ نافعُ

    مقتل الحسين / عبد الرزاق المقرم ص 286

    ● مفهوم جديد للشهادة : فإذن نحن في ظلّ هذا المنطق الجديد نكون أمام مفهوم جديد للشهادة ايضا ..! فطالما قرأنا الشهادة من جانبها الفردي الأخروي ، وطالما حصرناها في هذا الجانب وضيّقنا عليها أيّما تضييق - رغم أهميته - ، فنهتم بدرجة الشهادة عند الله ، وفضلها في الإسلام ، والمنازل التي سيرقى لها الشهيد في الجنّة .. أمّا أن نتحدث عن الانعكاسات الاجتماعية والرسالية للشهادة والإنتصارات التي حققها الشهيد بشهادته فهذا ما لم نؤكد عليه في العادة ، وإن ذكرناه فعلى نحو الشعار أوالندبة أو المبالغة في الإفتخار ، لا على نحو الحقيقة والواقع ..

    ولهذا نجد ان القرآن الكريم ينهى عن التفكير بالشهادة ضمن عالم الأموات ، ويأمرنا بالتعامل معها تعاملنا مع الحياة ( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ) البقرة ١٥٤ ، وقال تعالى ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ال عمران ١٦٩ .

    نعم .. تختلف شهادة عن شهادة بمستوى ما تتركه خلفها من نتائج وثمرات ، فبعضها لا يكاد يُرى لها نصراً - وإن لم تخلو ما دامت شهادة - وبعضها الآخر تترك بعدها فتحاً وأي فتح ..!!

    وبحسب ما نفهمه من ظاهر مجموع عدد من النصوص ان شهادة كربلاء خاصة ، وأصبحت درجة يُقاس بها غيرها ، كدرجة شهداء بدر مثلا ..

    ● معنى مغاير للفتح : ولكن للشيخ المجلسي ( طاب ثراه ) معنى مغاير للفظ الفتح الوارد في رسالة الإمام الحسين عليه السلام ، فهو يفهم هنا من هذا اللفظ الفتح المذموم في الدنيا والذي يتأمله المتخلف عن ركب الإمام الحسين ع ، فجاء البيان والتنبؤ الحسيني بأن من يتخلف سوف لا يحصل على ما تخلف من أجله .. فبعد ان ذكر العلامة المجلسي الخبر الذي فيه كلمة الامام ع ، علّق بدوره على الخبر بقوله : { بيان : قوله عليه السلام : " لم يبلغ الفتح " أي لم يبلغ ما يتمناه من فتوح الدنيا والتمتع بها ، وظاهر هذا الجواب ذمه .. } البحار ج٤٢ ص٨١

    ونعتقد أن هذا المعنى يهبط في معنى ومستوى الوصية كثيراً ، ونستبعده شخصياً من خلال :

    ١. لم يذكر لنا التاريخ ان هنالك جوائز وعوائد كانت تنتظر من لم يلتحق بكربلاء الى الدرجة التي يمكن ان نصفها بالفتح ..!! جل ما يمكن ان يحصل عليه المتخلف هو البقاء على قيد الحياة لبضعة ايام او سنوات تحت حكم وطغيان ال أمية ..

    ٢. تتبع استعمالات لفظ الفتح ، في القرآن الكريم خاصة ، لا يساعد على تقريب معنى مذموم وواطىء له ، فعادة ما تستعمل هذه الكلمة في الانجازات والثمرات العظيمة والحقيقية .. كما سنشير الى ذلك في نهاية المقال ..

    ٣. المعنى الذي اخترناه هو مطابق للنتيجتين اللتين أشارت لهما الآية المباركة ( قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ) التوبة ٥٢ ، اي اما النصر واما القتل في سبيل الله ، كل ما هنالك ان كربلاء تقدمت خطوة على المعارك الإسلامية المعتادة واستثناها الله بخصوصية جمع الحسنيين ..

    ٤. هنالك معنى جامع للعبارة بين الرأي الذي نرجّحه ورأي الشيخ المجلسي رضوان الله عليه ، فيمكن ان نفهم عبارة ( لم يبلغ مبلغ الفتح ) هو أن المتخلف سوف لن ينال شيئاً من الفتوحات الوهمية يرقى الى مستوى الفتح الذي سيناله الملتحق به والمستشهد معه في كربلاء .. فيبقى الفتح هنا خاصّاً بنتائج كربلاء ..

    ٥. هنالك معنى آخر يمكن ان نقبله تنزلاً ، نحفظ به المعنى الإيجابي والحقيقي للفتح مع امكان نسبته الى كل من الملتحقين والمتخلفين ، وهنا نحتاج الى ان نفهم عبارة الإمام بأنها : من لم يلتحق لا يتوقع انه ستأتي اليه فرصة اخرى بعمل او جهاد يحصل من خلالها على الفتح الذي سيناله الملتحق بكربلاء .. كما فعل التوابون مثلا بقيادة سليمان بن صرد ..

    ● ختامها في معنى الفتح : يبقى لنا أن نختم بتوضيح لمعنى الفتح - بمعناه الإيجابي - ، وهو بحسب ما نرجّحه هنا أن المقصود بالفتح : الذي هو أعلى وأكبر وأوسع من النصر ، يقول العلامة مصطفوي : وقد يكون النصر من مقدمات الفتح في مرتبة الإيجاد لا البقاء كما في ( اذا جاء نصر الله والفتح ) ١١٠ / ١ ، ( نصر من الله وفتح قريب ) ٦١ / ١٣ - التحقيق في كلمات القرآن الكريم ( مادة فتح ) -

    فالنصر مؤقت وقد لا يكون دائميا ، وقد يكون في جولة من جولات المعركة ولا يحسم كامل النتيجة ، والنصر قد يكون في جانب معين من المواجهة ولا يشمل جوانب أخرى ، والنصر قد لا يؤدي الى فتح وإنما يكتفي بالغلبة على العدو ، والنصر قد لا تتحقق منه الأهداف كلها او بعضها .. بينما الفتح يشمل اكثر جوانب وجهات المواجهة ويختطف النتيجة النهائية للمقابَلة ، ويحقق أغراضها وأهدافها ( الدنيوية والاخروية ) التي قامت من أجلها ، قال تعالى ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ) من سورة الفتح ..

    وأهم ما الفتح الحقيقي وعلى رأسه فتح كربلاء هو الديمومة ، الفتح الذي لا إغلاق فيه .. هذا بعض معاني الفتح في كربلاء ، فهو فتح عزيز وفريد ، مفتاحه كان هو الشهادة ببن يدي الحسين ع في كربلاء ..

    ولنعلم اذن أن مظلومية كربلاء معركة مستمرة بذاتها على الظالمين ، والدم الذي ازكى رمال الطف يغلي ويفور على مدى الأيام والدهور ، فكربلاء فتحت باب الحرب على كل ظالم ، انتصاراتها غير متوقفة ، وفتوحاتها ليست منتهية ..ما عليك سوى إحياءها احياءاً واعياً وسترى عندها كأنك أحد أبطالها ..

    يقول الباحث التوراتي والمستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن : " لقد افتتح استشهاد الحسين عصراً جديداً لدى المسلمين " .

    #آجركم_الله
    #كربلاء_ثورة_وعي_وإصلاح
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X