- الهدف:
- الإطلالة على بعض فضائل أصحاب الإمام الحسين عليه السلام, وما اختصّوا به من حالات جعلتهم أفضل الشهداء في تاريخ البشريّة.
- تصدير الموضوع:
- في زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: "أللهمّ اجعلني عندك وجيهاً بالحسين عليه السلام في الدنيا والآخرة... أللهمّ ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود, وثبّت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام".
- المقدّمة:
- امتاز أصحاب الإمام الحسين عليه السلام بخصائص فريدة جعلتهم أفضل الشهداء الذين لم يجتمع لنبيّ أو وصيّ مثلهم. وقد كان لهؤلاء الأصحاب علاقتهم الخاصّة بسيّد الشهداء عليه السلام حيث برزت منهم مجموعة من المواقف التي تدلّل على عمق هذه العلاقة التي تخطّت مستوى التكليف الشرعيّ, لتصل إلى حالة العشق والمحبّة التي نبعت من معرفتهم بإمام زمانهم عليه السلام.
- محاور الموضوع
- 1- فضل أصحاب الحسين عليه السلام:
- وقد ورد هذا المعنى في العديد من الروايات, فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في زيارتهم: "أنتم سادة الشهداء في الدنيا والآخرة"1.
- وعن أمير المؤمنين عليه السلام لمّا مرّ بكربلاء وطاف بها: قال: "قتل فيها مائتا نبيّ ومائتا سبط كلّهم شهداء، ومناخ ركاب ومصارع عشاق شهداء، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من بعدهم"2.
- وحسبنا في هذا المجال ما رُوي عن سيّد الشهداء عليه السلام في حقّهم: "فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي"3.
- ولم يكن يخفى فضل هؤلاء ومناقبهم حتّى على أعدائهم- وكما قيل: الفضل ما شهدت به الأعداء - ففي يوم العاشر من المحرّم جاء وصف أصحاب الحسين عليه السلام على لسان عمرو بن الحجّاج عندما صاح بالناس: يا حمقى أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين لا يبرز منكم إليهم أحد إلّا قتلوه على قلّتهم..4.
- 2- بين منطق التكليف ومنطق العشق:
- جمع الإمام الحسين عليه السلام أصحابه ليلة العاشر من محرّم, وقام خطيباً فيهم فقال بعد الحمد والثناء: "أمّا بعد: فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عنّي خيراً، ألا وإنّي لأظنّ أنّه آخر يوم لنا من هؤلاء، ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا"5.
- "وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله
- جميعاً خيراً ثمّ تفرقوا في البلاد في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرج الله فإنّ القوم يطلبوني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري"6.
- وبذلك أسقط عنهم التكليف الشرعيّ وأحلّهم من بيعته, فماذا كان موقفهم؟ وكيف اجتازوا هذا الامتحان الخطير؟ يقول الشيخ المفيد رحمه الله:
- • قال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العبّاس بن عليّ رضوان الله عليه واتبعته الجماعة عليه فتكلّموا بمثله ونحوه.
- • فقال الحسين عليه السلام: "يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم". قالوا: سبحان الله، فما يقول الناس؟! يقولون: إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا- خير الأعمام- ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا؟! لا والله ما نفعل ذلك، ولكن (تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا)، ونقاتل معك حتّى نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك7.
- • وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنحن نخلّي عنك ولمّا
- نعذر إلى الله سبحانه في أداء حقّك؟! أما والله حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أن قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفيك، والله لو علمت أنّي أقتل ثمّ أحيا ثمّ أحرق ثمّ أحيا ثمّ أذرى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا8.
- • وقام زهير بن القين البجليّ - رحمة الله عليه - فقال: والله لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت حتّى أقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك9.
- عند ذلك أخبرهم بمقتلهم جميعاً, فقد روي أنّه قال لهم: "يا قوم إنّي في غد أقتل وتقتلون كلّكم معي، ولا يبقى منكم واحد". فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرّفنا بالقتل معك، أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يا بن رسول الله؟ فقال: "جزاكم الله خيراً"، ودعا لهم بخير فأصبح وقتل وقتلوا معه أجمعين.
- وهنا انبرى القاسم بن الحسن ليسأل الإمام عليه السلام: وأنا فيمن يقتل؟ فأشفق عليه. فقال له: "يا بني, كيف الموت عندك؟!" قال: يا عمّ أحلى من العسل. فقال: "إي والله, فداك عمّك, إنّك لأحد من يقتل من الرجال معي، بعد أن تبلو ببلاء عظيم"10.
- وهذه الكلمة تفتح لنا الأفق للتعرّف على منطق شهداء كربلاء في التعامل مع الإمام الحسين عليه السلام, وهو منطق العشق والمحبّة للإمام الحسين عليه السلام, كما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصفهم: "ومصارع عشّاق شهداء"، هذه المحبّة وهذا العشق الذي به نالوا به مقام المحبّة الإلهيّة كما جاء عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينا.."11. فجاء في زيارتهم: "السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه, السلام عليكم يا أصفياء الله وأودّاءه"12.
- عطيّة الحسين عليه السلام لأصحابه:
- وبعد ذلك الابتلاء والاختبار أعطاهم الإمام عليه السلام أمرين:
- الأوّل: أراهم منازلهم في الجنّة, ففي الرواية عن جعفر بن محمّد بن عمارة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت
- له: أخبرني عن أصحاب الحسين عليهم السلام وإقدامهم على الموت, فقال: "إنّهم كشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنّة, فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها, وإلى مكانه من الجنّة"13.
- الثاني: لم يجدوا ألم مسّ الحديد, فعن أبي جعفر عليه السلام قال: "قال الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: يا بنيّ, إنّك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين، وهي أرض تدعى عمورا، وإنّك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ يكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم. فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا"14.
- وليس ذلك بغريب على من يعرف أسرار النفس وقواها, فإنّ من المجرّب عند أهله أنّ النفس إذا توجّهت إلى شيء معيّن توجّهاً تامّاً انشغلت بذلك عن غيره فلم تعد تشعر به, ولك أن تعتبر بما جاء في كتاب الله تعالى في حقّ نسوة المدينة لمّا رأين جمال يوسف عليه السلام الظاهريّ, فقطّعن أيديهنّ, ولم يشعرن بالألم: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا
- إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾15.
- وأصحاب الإمام الحسين عليه السلام أدركوا من الجمال المعنويّ لأبي عبد الله الحسين عليه السلام ما صار به الموت أحلى من العسل, فكانوا لا يبالون بالموت وأهواله, بل إنّ بعض من معه من خصائصه كانت تشرق ألوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم كلّما اشتدّ بهم الأمر16, وقد نصروا الحسين عليه السلام ولقوا جبال الحديد، واستقبلوا الرماح بصدورهم، والسيوف بوجوههم، وهم يعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون، ويقولون: لا عذر لنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمإن قتل الحسين ومنّا عين تطرف حتّى قتلوا حوله17.
- 3- نماذج من العشق الحسينيّ:
- هناك صور كثيرة يمكن الإضاءة عليها كنماذج لعشق الحسين عليه السلام في قلوب هؤلاء الأصحاب, نشير إلى بعضها:
- أ- تقدم عابس بن أبي شبيب الشاكريّ, يوم العاشر من المحرّم إلى الحسين عليه السلام فسلّم عليه وقال: يا أبا عبد الله, أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته، السلام
- عليك يا أبا عبد الله، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك، ثمّ مشى بالسيف مصلتاً نحو القوم، وبه ضربة على جبينه، فطلب البراز. عن الربيع بن تميم الهمداني أنه قال: لما رأيت عابساً مقبلاً عرفته وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب، وكان أشجع الناس، فصحت: أيّها الناس, هذا أسد الأسود، هذا ابن أبي شبيب، لا يخرجنّ إليه أحد منكم، فأخذ عابس ينادي: ألا رجل؟! ألا رجل؟! فلم يتقدّم إليه أحد، فنادى عمر بن سعد: ويلكم ارضخوه بالحجارة. فرمي بالحجارة من كلّ جانب، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره خلفه، ثمّ شدّ على الناس، فوالله رأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس، ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من حواليه، فقتلوه واحتزّوا رأسه، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة، هذا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول: أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتله إنسان واحد، كلّكم قتله، ففرّقهم بهذا القول18.
- وقد قيل عن لسان حاله: حبّ الحسين أجنّنـي.
- 2- وقيل لمحمّد بن بشير الحضرميّ- وهو مع الحسين في كربلاء- قد أسر ابنك بثغر الريّ، فقال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحبّ أن يؤسر وأنا أبقى بعده! فسمع
- قوله الحسين عليه السلام ، فقال له: "رحمك الله أنت في حلٍّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك". قال: أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك, قال: "فأعط ابنك هذه الأثواب والبرود تستعين بها في فداء أخيه"، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار19.
- 3- ثمّ تقدّم جون مولى أبي ذرٍّ الغفاريّ فقال له الحسين: "أنت في إذن منّي فإنّما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتل بطريقنا"، فقال: يا بن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدّة أخذلكم.. لا والله لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم20.
- 4- خرج عمرو بن قرظة الأنصاريّ فاستأذن الحسين عليه السلام فأذن له فقاتل قتال الأبطال, حتّى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد, وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهم إلّا اتّقاه بيده ولا سيف إلّا تلقّاه بمهجته, فلم يكن يصل إلى الحسين سوء حتّى أثخن بالجراح, فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوفيت؟ فقال: "نعم, أنت أمامي في الجنّة, فاقرأ رسول الله عنّي السلام, وأعلمه أنّي في الأثر", فقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه21.
- 5- ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسديّ، فقال له يزيد بن خضير الهمدانيّ وكان يقال له سيّد القرّاء: يا أخي ليس هذه بساعة ضحك، قال: فأيّ موضع أحقّ من هذا بالسرور؟! والله ما هو إلّا أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين22.
- 1- فروع الكافي ج 4 ص 574.
- 2- بحار الأنوار ج 45 ص 41 ص 295.
- 3- الإرشاد ج 2 ص 91.
- 4- بحار الأنوار ج 45 ص 19.
- 5- الإرشاد ج 2 ص 91.
- 6- الكامل في التاريخ ج 4 ص 57- 58.
- 7- الإرشاد ج 2 ص 91- 92.
- 8- الإرشاد ج 2 ص 92.
- 9- الإرشاد ج 2 ص 92.
- 10- مدينة المعاجز ج 4 ص 215.
- 11- كامل الزيارات ص 116.
- 12- مصباح المتهجد ص 722.
- 13- علل الشرائع ص 229 باب 163 حديث 1.
- 14- بحار الأنوار ج 45 ص 80.
- 15- سورة يوسف الآية 31.
- 16- معاني الأخبار ص 288.
- 17- رجال الكشّي ج 1 ص 293.
- 18- إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام ص 128.
- 19- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ص 488.
- 20- بحار الأنوار ج 45 ص 22.
- 21- اللهوف في قتلى الطفوف ص 64.
- 22- رجال الكشّي ج 1 ص 293.
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
وقفة مع أنصار الإمام الحسين عليه السلام
تقليص
X
-
وقفة مع أنصار الإمام الحسين عليه السلام
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس