يــومُ الـدِّمَـاء
لاحَ الـصَّــبَـاحُ بـِطَـلْـعَــةٍ سَــوْدَاءِ
وتَوَشَّحَتْ شَمْسُ الضُحَى بِدِمَاءِ
نَشَرَتْ على الدُنْيا خُيُوطَ ضِيائِها
حَمراءَ في خَجَلٍ وفي اسْتِحْياءِ
دأبَـتْ تُـوَزِّعُ لِـلْـخَـليقَـةِ ضَـوءَها
بِـخُـيُـوطِـها الذهَـبِـيَّـةِ الصَّـفـراءِ
لمْ تَدْرِ ما سِـرُّ احْـمِـرارِ شُـعاعِـها
أَلِـعِـلَّـةٍ فـــي الـكَـوْنِ أم لـِـبَـــلاءِ
أمْ أنَّـهـا تَـجْـري لِـتَـكْـويــرٍ لـهـــا
وضِـياؤهــا يَـمـضـي بها لِفَـنَــاءِ
أَمْ أنَّ يَــوْمَ الـفَـصْــلِ آنَ أوانُــهُ
والـحَـشْــرُ آتٍ دونَ ايِّ مِـــــرَاءِ
حتى إذا حـانَ الزَّوالُ وأدرَكَـتْ
سِبْـطَ الرسولِ بأرضِ كَـرْبِ بَـلاءِ
وبِسَيْفِهِ شِمْرُ اللَّعـينُ قـدِ ارتَقَى
صَـدْرَ الـقَـداسَـةِ سَـيّدِ الـشُّـهَـداءِ
واهْـتَزَّ عَرشُ اللهِ فـي مَلَكُـوتِـهِ
لِمُصَابِ بِنْتِ المُصطفَى الـزَّهــراءِ
كَسَفَتْ وأعْلَنَتِ الحِدَادَ فأَظلَمَتْ
كُـلُّ الدُنَـى فـي يَــوْمِ عــاشــوراءِ
يَوْمٌ بهِ فُجِـعَ الزمـانُ وأوشَكَتْ
أَنْ تُـطْبِـقَ الخَضْـرا على الـغَـبْـراءِ
واخْـتَلَّـتِ الأفلاكُ في دَوَرَانِها
وتَـداخَـلَ الإِصْـبـاحُ بـالإِمْـســــاءِ
يَوْمٌ بـهِ قـد فـارَ تَـنُّـورُ الـدِمَـا
والـطَّـفُّ أَضْحَى فيهِ بَحْـرُ دِمَــاءِ
يَوْمٌ بـهِ طُعِنَ الرسولُ ودِينُـهُ
فـي كـربـلاءَ بـطَـعْــنَـةٍ نَـجْـــلاءِ
يَوْمٌ بِهِ ناحَتْ ملائِكةُ السَمَــا
والأنــبــيـــاءُ بِِـلَـوْعَــةٍ وعَـنــــاءِ
يَوْمٌ بِِهِ الثَّقَلانِ أَجْرَى دَمْعَهـا
خَـطْـبٌ تَـخَـلَّــدَ بالـبُـكَـا ونُـعَــاءِ
يَوْمٌ بهِ اسْتَوْفَتْ أُمَيَّةُ دَيْنَـها
مـن حَـيْدرٍ والـبـضـعَـةِ الـزَّهــراءِ
لو تَدري هِنْدٌ وابْنُ حَرْبٍ ما جَرَى
لَـتَـعَـانَـقَـا في الـقَـبْـرِ كالـنُـدَمَــاءِ
يَوْمٌ بهِ جِسْـمُ الحُسَيْـنِ مُـرَمَّــلٌ
بِـدِمـائِـهِ مُـلْـقَىً على الرَّمـضَــاءِ
تَسْفِي عليهِ الذارِياتُ وقد غَدَا
لـِلْـبَــاتِــراتِ مُـوَزَّعَ الأَشْـــــلاءِ
والأَعْوَجِيَّةُ عَشْرةٌ جالَتْ عـلـى
صَدْرِ الحُسَيْنِ بِساحَةِ الهَـيْجَـاءِ
طَحَنَتْ ضُلوعَ السِبطِ وهْيَ مُغِيرَةٌ
فُـرسـانُـها مــن شَـرِّ وُلْــدِ زِنَـــاءِ
ولُيُوثُ هاشِمَ والصِحَابُ وقد غَفَوْا
فوقَ الصَّـعـيـدِ وغُـسِّلُـوْا بِدِمَاءِ
حتى الرَّضيعُ سَقَوْهُ سَهْماً قاتِلاً
بُـغْـضاً ولم يَسْقُـوهُ قَطْــرَةَ مَــاءِ
لمْ أنْسَ زَيْنَبَ وهْيَ عندَ حُسَيْنِها
والشِمْـرُ يَـرْفُـسُــهُ بِـدونِ حَـيَـاءِ
وأَمَامَها بالسَيْفِ يَـقـطَـعُ نَحْـرَِهُ
والـعَـيْنُ شـاخِصَةٌ الى الحَـوْرَاءِ
يُوصِي بِزَيْنِ العـابـديـنَ إمَـامِها
حامي شَـريعَـةِ جَدِّهِ السَّـمْحَاءِ
يُوصِي بأَطْـفـالٍ لـهُ وعَـقَـائِــلٍ
ويُـصَبِّـرُ الـحَـوْراءَ بــالإيْــمَــاءِ
يُوصِي بِلَيْلَى والرَّبَـابِ وخَوْلَةٍ
وسُـكَـيْـنَـةٍ وبِـفـاطِـم الـغَـــرَّاءِ
يُوصِي بـِرَمْـلـةَ والأرامِـلِ كُلِّها
كي لا يُِـضِعْـنَ برَهْبةِ الصَّحرَاءِ
يُوصِي بأطـفـالٍ صِغَـارٍ قُـصَّـرٍ
وعِـيَـالِ فرسان الصفا الشُـــرَفَـــاءِ
ويُدِيرُ عنها العَيْنَ صَوْبَ خِيامِها
فـيَرَى اللَّظَى تَسْري بِكلِّ خِبـَاءِ
تَبكي وسَوْطُ الشِمْرِ وَرَّمَ مَـتْنَـها
وحُماتُها صَرْعَى على الـغَـبْـرَاءِ
وَقَفَتْ تُظَـلِّـلُ لـِلحُسينِ بِـكُـمِّـها
وتَشدُّ جَرْحَ جَـبـيـنِـهُ الوَضَّـاءِ
وَهَـوَتْ تُـقَـبِّـلُ نَـحْـرَهُ وتَـشُـمُّهُ
لِـوَصِــيَّـةٍ مـن أُمِّـهـا الـزَّهــراءِ
والشِمْـرُ يَضرِبُها ويَشْتُمُ جَدَّهـا
خَـيْـرَ الـبَـرِيَّـةِ سَيّدَ العُـظَـمَـاءِ
ويَسُّبُّ والدَها السَمَيْدَعَ حَيْدَراً
حامي الشريعةِ سَيّدَ الخُلَـفـاءِ
نادَتْ علـى قَمَرِ العشيرةِ يا أخـي
قُمْ وانْتَقِمْ من زُمْرةِ اللُّـقَـطَـاءِ
ذَبَحُوا الحُسَيْنَ وأَنتَ عندَ العَلْقَمي
تَـغْـفُـو بلا كَـفٍّ على الحَصْبَاءِ
أتَنـامُ عَيْـنُكَ والحُـسيـنُ مُجَـدَّلٌ
فوقَ الصعيدِ مُـقَـطَّعَ الأعضَاءِ
وغداً تُـساقُ نِـساؤكُم وبَـناتُكُـم
لِلـشـامِ فـي أسْـرٍ وَذُلِّ سِـــبـَـاءِ
ماذا يَـقـولُ الشَـامِتونَ اذا رَأَوْا
أُخْتَ الحُسَيْنِ بِـمَجْلِسِ الطُلَقَاءِ
وكَفيلُها العباسُ حارِسُ خِدْرِها
فـي الـنَّـائِـبـاتِ وساعـةِ اللَّأوَاءِ
أَيَهُونُ عندكَ في الطُفوفِ وقُوفُها
بينَ الـطُـغـاةِ عَـساكِـرِ الأعــداءِ
هذي نساءُ المُصطفَى خَيْرِ الوَرَى
تُسْبَى بأرضِ الطفِّ سَبْـيَ إِمَاءِ
ويُـقَـادُ زَيْـنُ العابديــنَ مُـكَـبَّـلاً
بِـسَـلاسِـلِ الأَرْجــاسِ واللُّعَنَـاءِ
وتُـسـاقُ رَبّـاتُ الخُدُورِ ثَـوَاكِلاً
فوقَ العِجَافِ بِدونِ أيِّ وِطَــاءِ
نادَتْ وظَنَّتْ أَنْ يُجَابَ دُعَاؤها
من لَدْن كافِـلِ خِـدْرِهِـا الأَبَّـاءِ
وهْيَ العَليمَـةُ أنَّ كافِـلَ خِدْرِها
أَدَّى كَـفـــالَــتَـهُ بِكُـــلِّ وَفَــــاءِ
مَلَكَ الرِّقَابَ بِسَيْفهِ يَوْمَ الوَغَى
فاسْـتَقْبَلَتْهُ مَـنـاحِـرُ الأَكْـفَـــاءِ
تَجري المَنايا طَوْعَ أَمْرِ حُسامِهِ
فَـيَـقـودُها بـعَـزيـمَـةٍ ومَـضَـــاءِ
نَثَرَ الرؤوسَ بِكربلاءَ وقد بَدَتْ
مَـفْـروشَـةً بِجَـماجِـمِ الأَعداءِ
وأَحـالَ يَوْمَ الطَّـفِّ لَـيْـلاً أَلْـيَلاً
كــي لا يَرَى ظِـلَّاً لِــزَينَبَ رائِي
أَهْـدَى لـها الكـفَّـيْـنِ ثُـمَّ جَبينَـهُ
والـنَّـحْـرَ ثُمَّ عُـيـونَـهُ بِـسَـخَـاءِ
لولا قَـضَاءُ اللهِ جَـلَّ جَـلالُــــهُ
لَسَقَى الرَّدَى في كربلا بِــرَدَاءِ
لَهْفِي لِزَيْنبَ والخُطُوبُ جَسيمةٌ
نَـزَلَـتْ بــها وعَـظـائِـــمُ الأَرزَاءِ
قُـتِـلَ الأُبَـاةُ حُـمـاتُها فَـتَحَمَّلَتْ
ما لا يُـطَـاقُ لـها من الأَعْـبَـــاءِ
لَـهْفِـي لها من ثاكِـلٍ مَـنـكـوبَـةٍ
بِـحُـمـاتِـها الإِخْـوانِ والأَبـْنَــاءِ
والشِمْرُ بعدَ كَفيلِـها يَحْدُو بِــها
تَـبَّـاً لِـهـذا الـوَغْـدِ مـــن حَـدَّاءِِ
طالَ العِتابُ ولا مُجيبَ يُجيبُها
من آلِ هاشِمَ سادَةِ الـبَـطْـحَاءِ
فَـتَـوَجَّـهَتْ نَحْوَ الغَـرِيِّ لِحَيْدَرٍ
تَشْكُو الـهُـمُومَ بِـعَـبْرَةٍ حَمْـرَاءِ
وكـأَنَّ ذي الفَـقّـارِ لاحَ لِـعَـيْـنِـها
لأَلاؤهُ كالـبَـدْرِ فـي الـظَّـلْـمَــاءِ
وَشَبَاهُ يَحْصِدُ بالرقابِ ويَنَتقي
منها الكُماةَ بِجَحْفَلِ الأعداءِ
فَـتَـذَكَّرَتْ بَدْراً وأُحْدَ وخيبـراً
وهَزيمةَ الأَحزابِ في الأرجَـاءِ
والناكِثينَ وقد سَرَى جَمَلٌ بهم
نَحْوَ الـعِـراقِ لِـفِـتْنَةٍ عَـمْـيَــاءِ
وتَذَكَّرَتْ صِفّينَ حيثُ طَليقُهُم
قد ذاقَ شَرَّ فَضيحَةٍ شََـنْعَاءِ
والنَـهْـرَوانَ وقد أَذاقَ جُمُوعَها
كـأسَ الرَّدَى بِهزيمةٍ نَـكْـرَاءِ
نادَت أَبَاها بَعْدَ فَقْدِ ضَياغِمٍ
كانوا لها حِصْناً من الغُرَبَاءِ
أَدرِكْ بـَنـاتِكَ يا عـلـيُّ فإنَّـها
تُـسْبَى بأَيْدِي شَراذِمٍ جُهَلاءِ
أَبَتَاهُ قد قُتِلَ الحُسينُ بـِكـربـلا
قَتَلـوهُ أهْــلُ المَكْرِ والـخُـيَــلاءِ
غَدَرَتْ بهِ زُمَرُ الضَلالِ وقَـبْلَـهُ
غَدَرُوا بِـمُسلمَ أشْرفِ السُّـفَراءِ
وعلى الشَريعةِ قد هَوَى قَمَرُ الدُّجَى
وصِـغَـارُنا تَـرنُو لـِجُـودِ الـمـــاءِ
وبِـجَنْبِ والدِهِ شَبيهُ المُصطفَى
قـد قَـطَّـعَـتْـهُ صَوَارِمُ الأَعــداءِ
ويُخَضِّبُ العِرِّيسُ كَـفَّ سُكَيْنةٍ
بِـدِمَـائِـــهِ بَـدَلاً مــنَ الـحِـنـَّـاءِ
وبِحُضْنِ والِدِهِ الرضيعُ وقد قضى
ظَـمِـئَـاً بِسَهْمِ الموتِ في الهَيْجـاءِ
وَسَقَتْ دِماءُ الطيّبينَ صِحَابِهِم
عَطَشَ الرَّدَى لِـمَصارِعِ الأُصَلاءِ
عَـتَـبَـتْ ولكنْ ما أجابَ عِـتابَها
غَيْرُ الصَّدَى في وَحْشَةِ الصَّحراءِ
أَلقَتْ على جَسَدِ الحُسينِ بِنَظْرةٍ
أَجْـرَتْ دُمُــوعَ الصَّخْرَةِ الـصَّـمَّـاءِ
ثُمَّ اسْتَعَدَّتْ كي تَخُوضَ مَعارِكاً
ضِـدَّ ابْـنِ ذاتِ الـرايَــةِ الحَـمْـــراءِ
بَدَأَتْ بِـكوفَـةِ حَيْدَرٍ إِذْ لَـقَّـنَــتْ
دَرْسَـاً سَـلـيلَ سُـمَـيَّـةَ اللَّخْـنَـاءِ ِوَتَوَجَّـهَـتْ نَحَوَ الشِئَامِ أسِـيـرَةً
لـكِـنَّــهـا كـالـقِــمَّــةِ الــشَّـــمَّــــاءِ
وسِـلاحُـهـا الـقـرآنُ فـي آيـاتـِهِ
وَبَـلاغَـةٌ مــن سَـيِّـدِ الـفُـصَـحَـــاءِ
جَبَـلٌ من الصَبْرِ العظيمِ رَصِيدُها
وشَـجـاعَــةٌ فــــي عِـزَّةٍ قَـعْـســاءِ
وإِمَامُها السجّادُ يَحْرِسُ خِدْرَها
وَيُـعـيـنُـهــا لِـتَـحَـمُّـلِ الأَعْــبـَــــاءِ
حتى اذا وَصَلُوا الشِئآمَ وأُدخِلُوا
ديـــوانَ آلِ أُمَـيَّــةَ الـطُّــلَــقَـــــاءِ
هَتَفَ ابْنُ آكِلَةِ الكُبُودِ مُفاخِراً
بِـشُـيُـوخِـهِ الـكُـفّــارِ والـلُّـعَــنَــــاءِ
ودَعَـا بِـعِـتْبَةَ والوليدِ وشَيْبَـةٍ
وعُـــتَــاةِ أجـدادٍ لـــــهُ لُــؤَمَــــاءِ
ثَمِلاً يُناديهِمْ تَعالَوا واشْـهَدُوْا
رأسَ ابْنِ بِنْتِ المُصطفَى الزهـراءِ
وأَمَامَ مَجْلِسِهِ المُهانِ يَقولُـهــا
من غَيْرِ إِحْسـاسٍ ولا اسْـتِـحْـيـاءِ
( لَعِبَتْ بهذا الملكِ هاشِمُ) مُنكِراً
وَحْـيَ السَّـمَـا لِـمُـحَـمَّـدٍ بِـجَــلاءِ
وَتَـجَـرَّأَ المَلْعُونُ يَضْرِبُ بالعَصَا
ثَـغْـرَ ابْـنِ أحمدَ سَـيِّـدِ الـشُـهَـداءِ
فَتَصَدَّتِ الحَوْراءُ زَيْنَبُ وانْبَرَتْ
تَـقْـتَـصُّ مـنـهُ بِـخُـطْـبـةٍ عَصْماءِ
ثُـمَّ انْبَرَى السَّجّادُ يَفضَحُ زَيْفَـهُ
وخِداعَــهُ لِـمَـسامِـعِ الـجُـلَــسَــــاءِ
والصَّمْتُ رانَ على الجميعِ كأَنَّما
حَـضَـرُوا لِـمَـأْتَـــمِ مَـيِّـتٍ وعَــزاءِ
هذا يُطَأْطِيءُ رأسَهُ خَجَلاً وذا
في السِّـرِّ يَـجْـهَـشُ خائِـفاً بِـبُكَـاءِ
وبَـدَا ذَلـيلاً صاغِـراً مُتَخاذِلاً
راعـي الـقُـرودِ مُـعَـاقِــرُ الصَّهْـبَـاءِ
وتَسامَقَتْ قامـاتُ آلِ محمـدٍ
فـــي كـربـلا لـِكَـواكِـبِ الـجَـوْزاءِ
تَبقَى لِيَوْمِ الحَشْرِ تَزهُو قِبابُهُم
وَيَـحُـجُّ فـيـها أَشْـرَفُ الـشُّــرَفَــاءِ
فَـلْـيُحْرِمِ البيتُ الحَرامُ بكربلا
لِـيَـطُـوفَ مَـرقَـدَ سَـيِّـدِ الشُّــهَداءِ
لَمْ تَــبْـقَ لَـوْلا نَـحْـرُهُ وَدِمـاؤهُ
قُـدْسِــيَّـةٌ لِـلْـكــعْـبَــةِ الــغَــــــرَّاءِ
***
لاحَ الـصَّــبَـاحُ بـِطَـلْـعَــةٍ سَــوْدَاءِ
وتَوَشَّحَتْ شَمْسُ الضُحَى بِدِمَاءِ
نَشَرَتْ على الدُنْيا خُيُوطَ ضِيائِها
حَمراءَ في خَجَلٍ وفي اسْتِحْياءِ
دأبَـتْ تُـوَزِّعُ لِـلْـخَـليقَـةِ ضَـوءَها
بِـخُـيُـوطِـها الذهَـبِـيَّـةِ الصَّـفـراءِ
لمْ تَدْرِ ما سِـرُّ احْـمِـرارِ شُـعاعِـها
أَلِـعِـلَّـةٍ فـــي الـكَـوْنِ أم لـِـبَـــلاءِ
أمْ أنَّـهـا تَـجْـري لِـتَـكْـويــرٍ لـهـــا
وضِـياؤهــا يَـمـضـي بها لِفَـنَــاءِ
أَمْ أنَّ يَــوْمَ الـفَـصْــلِ آنَ أوانُــهُ
والـحَـشْــرُ آتٍ دونَ ايِّ مِـــــرَاءِ
حتى إذا حـانَ الزَّوالُ وأدرَكَـتْ
سِبْـطَ الرسولِ بأرضِ كَـرْبِ بَـلاءِ
وبِسَيْفِهِ شِمْرُ اللَّعـينُ قـدِ ارتَقَى
صَـدْرَ الـقَـداسَـةِ سَـيّدِ الـشُّـهَـداءِ
واهْـتَزَّ عَرشُ اللهِ فـي مَلَكُـوتِـهِ
لِمُصَابِ بِنْتِ المُصطفَى الـزَّهــراءِ
كَسَفَتْ وأعْلَنَتِ الحِدَادَ فأَظلَمَتْ
كُـلُّ الدُنَـى فـي يَــوْمِ عــاشــوراءِ
يَوْمٌ بهِ فُجِـعَ الزمـانُ وأوشَكَتْ
أَنْ تُـطْبِـقَ الخَضْـرا على الـغَـبْـراءِ
واخْـتَلَّـتِ الأفلاكُ في دَوَرَانِها
وتَـداخَـلَ الإِصْـبـاحُ بـالإِمْـســــاءِ
يَوْمٌ بـهِ قـد فـارَ تَـنُّـورُ الـدِمَـا
والـطَّـفُّ أَضْحَى فيهِ بَحْـرُ دِمَــاءِ
يَوْمٌ بـهِ طُعِنَ الرسولُ ودِينُـهُ
فـي كـربـلاءَ بـطَـعْــنَـةٍ نَـجْـــلاءِ
يَوْمٌ بِهِ ناحَتْ ملائِكةُ السَمَــا
والأنــبــيـــاءُ بِِـلَـوْعَــةٍ وعَـنــــاءِ
يَوْمٌ بِِهِ الثَّقَلانِ أَجْرَى دَمْعَهـا
خَـطْـبٌ تَـخَـلَّــدَ بالـبُـكَـا ونُـعَــاءِ
يَوْمٌ بهِ اسْتَوْفَتْ أُمَيَّةُ دَيْنَـها
مـن حَـيْدرٍ والـبـضـعَـةِ الـزَّهــراءِ
لو تَدري هِنْدٌ وابْنُ حَرْبٍ ما جَرَى
لَـتَـعَـانَـقَـا في الـقَـبْـرِ كالـنُـدَمَــاءِ
يَوْمٌ بهِ جِسْـمُ الحُسَيْـنِ مُـرَمَّــلٌ
بِـدِمـائِـهِ مُـلْـقَىً على الرَّمـضَــاءِ
تَسْفِي عليهِ الذارِياتُ وقد غَدَا
لـِلْـبَــاتِــراتِ مُـوَزَّعَ الأَشْـــــلاءِ
والأَعْوَجِيَّةُ عَشْرةٌ جالَتْ عـلـى
صَدْرِ الحُسَيْنِ بِساحَةِ الهَـيْجَـاءِ
طَحَنَتْ ضُلوعَ السِبطِ وهْيَ مُغِيرَةٌ
فُـرسـانُـها مــن شَـرِّ وُلْــدِ زِنَـــاءِ
ولُيُوثُ هاشِمَ والصِحَابُ وقد غَفَوْا
فوقَ الصَّـعـيـدِ وغُـسِّلُـوْا بِدِمَاءِ
حتى الرَّضيعُ سَقَوْهُ سَهْماً قاتِلاً
بُـغْـضاً ولم يَسْقُـوهُ قَطْــرَةَ مَــاءِ
لمْ أنْسَ زَيْنَبَ وهْيَ عندَ حُسَيْنِها
والشِمْـرُ يَـرْفُـسُــهُ بِـدونِ حَـيَـاءِ
وأَمَامَها بالسَيْفِ يَـقـطَـعُ نَحْـرَِهُ
والـعَـيْنُ شـاخِصَةٌ الى الحَـوْرَاءِ
يُوصِي بِزَيْنِ العـابـديـنَ إمَـامِها
حامي شَـريعَـةِ جَدِّهِ السَّـمْحَاءِ
يُوصِي بأَطْـفـالٍ لـهُ وعَـقَـائِــلٍ
ويُـصَبِّـرُ الـحَـوْراءَ بــالإيْــمَــاءِ
يُوصِي بِلَيْلَى والرَّبَـابِ وخَوْلَةٍ
وسُـكَـيْـنَـةٍ وبِـفـاطِـم الـغَـــرَّاءِ
يُوصِي بـِرَمْـلـةَ والأرامِـلِ كُلِّها
كي لا يُِـضِعْـنَ برَهْبةِ الصَّحرَاءِ
يُوصِي بأطـفـالٍ صِغَـارٍ قُـصَّـرٍ
وعِـيَـالِ فرسان الصفا الشُـــرَفَـــاءِ
ويُدِيرُ عنها العَيْنَ صَوْبَ خِيامِها
فـيَرَى اللَّظَى تَسْري بِكلِّ خِبـَاءِ
تَبكي وسَوْطُ الشِمْرِ وَرَّمَ مَـتْنَـها
وحُماتُها صَرْعَى على الـغَـبْـرَاءِ
وَقَفَتْ تُظَـلِّـلُ لـِلحُسينِ بِـكُـمِّـها
وتَشدُّ جَرْحَ جَـبـيـنِـهُ الوَضَّـاءِ
وَهَـوَتْ تُـقَـبِّـلُ نَـحْـرَهُ وتَـشُـمُّهُ
لِـوَصِــيَّـةٍ مـن أُمِّـهـا الـزَّهــراءِ
والشِمْـرُ يَضرِبُها ويَشْتُمُ جَدَّهـا
خَـيْـرَ الـبَـرِيَّـةِ سَيّدَ العُـظَـمَـاءِ
ويَسُّبُّ والدَها السَمَيْدَعَ حَيْدَراً
حامي الشريعةِ سَيّدَ الخُلَـفـاءِ
نادَتْ علـى قَمَرِ العشيرةِ يا أخـي
قُمْ وانْتَقِمْ من زُمْرةِ اللُّـقَـطَـاءِ
ذَبَحُوا الحُسَيْنَ وأَنتَ عندَ العَلْقَمي
تَـغْـفُـو بلا كَـفٍّ على الحَصْبَاءِ
أتَنـامُ عَيْـنُكَ والحُـسيـنُ مُجَـدَّلٌ
فوقَ الصعيدِ مُـقَـطَّعَ الأعضَاءِ
وغداً تُـساقُ نِـساؤكُم وبَـناتُكُـم
لِلـشـامِ فـي أسْـرٍ وَذُلِّ سِـــبـَـاءِ
ماذا يَـقـولُ الشَـامِتونَ اذا رَأَوْا
أُخْتَ الحُسَيْنِ بِـمَجْلِسِ الطُلَقَاءِ
وكَفيلُها العباسُ حارِسُ خِدْرِها
فـي الـنَّـائِـبـاتِ وساعـةِ اللَّأوَاءِ
أَيَهُونُ عندكَ في الطُفوفِ وقُوفُها
بينَ الـطُـغـاةِ عَـساكِـرِ الأعــداءِ
هذي نساءُ المُصطفَى خَيْرِ الوَرَى
تُسْبَى بأرضِ الطفِّ سَبْـيَ إِمَاءِ
ويُـقَـادُ زَيْـنُ العابديــنَ مُـكَـبَّـلاً
بِـسَـلاسِـلِ الأَرْجــاسِ واللُّعَنَـاءِ
وتُـسـاقُ رَبّـاتُ الخُدُورِ ثَـوَاكِلاً
فوقَ العِجَافِ بِدونِ أيِّ وِطَــاءِ
نادَتْ وظَنَّتْ أَنْ يُجَابَ دُعَاؤها
من لَدْن كافِـلِ خِـدْرِهِـا الأَبَّـاءِ
وهْيَ العَليمَـةُ أنَّ كافِـلَ خِدْرِها
أَدَّى كَـفـــالَــتَـهُ بِكُـــلِّ وَفَــــاءِ
مَلَكَ الرِّقَابَ بِسَيْفهِ يَوْمَ الوَغَى
فاسْـتَقْبَلَتْهُ مَـنـاحِـرُ الأَكْـفَـــاءِ
تَجري المَنايا طَوْعَ أَمْرِ حُسامِهِ
فَـيَـقـودُها بـعَـزيـمَـةٍ ومَـضَـــاءِ
نَثَرَ الرؤوسَ بِكربلاءَ وقد بَدَتْ
مَـفْـروشَـةً بِجَـماجِـمِ الأَعداءِ
وأَحـالَ يَوْمَ الطَّـفِّ لَـيْـلاً أَلْـيَلاً
كــي لا يَرَى ظِـلَّاً لِــزَينَبَ رائِي
أَهْـدَى لـها الكـفَّـيْـنِ ثُـمَّ جَبينَـهُ
والـنَّـحْـرَ ثُمَّ عُـيـونَـهُ بِـسَـخَـاءِ
لولا قَـضَاءُ اللهِ جَـلَّ جَـلالُــــهُ
لَسَقَى الرَّدَى في كربلا بِــرَدَاءِ
لَهْفِي لِزَيْنبَ والخُطُوبُ جَسيمةٌ
نَـزَلَـتْ بــها وعَـظـائِـــمُ الأَرزَاءِ
قُـتِـلَ الأُبَـاةُ حُـمـاتُها فَـتَحَمَّلَتْ
ما لا يُـطَـاقُ لـها من الأَعْـبَـــاءِ
لَـهْفِـي لها من ثاكِـلٍ مَـنـكـوبَـةٍ
بِـحُـمـاتِـها الإِخْـوانِ والأَبـْنَــاءِ
والشِمْرُ بعدَ كَفيلِـها يَحْدُو بِــها
تَـبَّـاً لِـهـذا الـوَغْـدِ مـــن حَـدَّاءِِ
طالَ العِتابُ ولا مُجيبَ يُجيبُها
من آلِ هاشِمَ سادَةِ الـبَـطْـحَاءِ
فَـتَـوَجَّـهَتْ نَحْوَ الغَـرِيِّ لِحَيْدَرٍ
تَشْكُو الـهُـمُومَ بِـعَـبْرَةٍ حَمْـرَاءِ
وكـأَنَّ ذي الفَـقّـارِ لاحَ لِـعَـيْـنِـها
لأَلاؤهُ كالـبَـدْرِ فـي الـظَّـلْـمَــاءِ
وَشَبَاهُ يَحْصِدُ بالرقابِ ويَنَتقي
منها الكُماةَ بِجَحْفَلِ الأعداءِ
فَـتَـذَكَّرَتْ بَدْراً وأُحْدَ وخيبـراً
وهَزيمةَ الأَحزابِ في الأرجَـاءِ
والناكِثينَ وقد سَرَى جَمَلٌ بهم
نَحْوَ الـعِـراقِ لِـفِـتْنَةٍ عَـمْـيَــاءِ
وتَذَكَّرَتْ صِفّينَ حيثُ طَليقُهُم
قد ذاقَ شَرَّ فَضيحَةٍ شََـنْعَاءِ
والنَـهْـرَوانَ وقد أَذاقَ جُمُوعَها
كـأسَ الرَّدَى بِهزيمةٍ نَـكْـرَاءِ
نادَت أَبَاها بَعْدَ فَقْدِ ضَياغِمٍ
كانوا لها حِصْناً من الغُرَبَاءِ
أَدرِكْ بـَنـاتِكَ يا عـلـيُّ فإنَّـها
تُـسْبَى بأَيْدِي شَراذِمٍ جُهَلاءِ
أَبَتَاهُ قد قُتِلَ الحُسينُ بـِكـربـلا
قَتَلـوهُ أهْــلُ المَكْرِ والـخُـيَــلاءِ
غَدَرَتْ بهِ زُمَرُ الضَلالِ وقَـبْلَـهُ
غَدَرُوا بِـمُسلمَ أشْرفِ السُّـفَراءِ
وعلى الشَريعةِ قد هَوَى قَمَرُ الدُّجَى
وصِـغَـارُنا تَـرنُو لـِجُـودِ الـمـــاءِ
وبِـجَنْبِ والدِهِ شَبيهُ المُصطفَى
قـد قَـطَّـعَـتْـهُ صَوَارِمُ الأَعــداءِ
ويُخَضِّبُ العِرِّيسُ كَـفَّ سُكَيْنةٍ
بِـدِمَـائِـــهِ بَـدَلاً مــنَ الـحِـنـَّـاءِ
وبِحُضْنِ والِدِهِ الرضيعُ وقد قضى
ظَـمِـئَـاً بِسَهْمِ الموتِ في الهَيْجـاءِ
وَسَقَتْ دِماءُ الطيّبينَ صِحَابِهِم
عَطَشَ الرَّدَى لِـمَصارِعِ الأُصَلاءِ
عَـتَـبَـتْ ولكنْ ما أجابَ عِـتابَها
غَيْرُ الصَّدَى في وَحْشَةِ الصَّحراءِ
أَلقَتْ على جَسَدِ الحُسينِ بِنَظْرةٍ
أَجْـرَتْ دُمُــوعَ الصَّخْرَةِ الـصَّـمَّـاءِ
ثُمَّ اسْتَعَدَّتْ كي تَخُوضَ مَعارِكاً
ضِـدَّ ابْـنِ ذاتِ الـرايَــةِ الحَـمْـــراءِ
بَدَأَتْ بِـكوفَـةِ حَيْدَرٍ إِذْ لَـقَّـنَــتْ
دَرْسَـاً سَـلـيلَ سُـمَـيَّـةَ اللَّخْـنَـاءِ ِوَتَوَجَّـهَـتْ نَحَوَ الشِئَامِ أسِـيـرَةً
لـكِـنَّــهـا كـالـقِــمَّــةِ الــشَّـــمَّــــاءِ
وسِـلاحُـهـا الـقـرآنُ فـي آيـاتـِهِ
وَبَـلاغَـةٌ مــن سَـيِّـدِ الـفُـصَـحَـــاءِ
جَبَـلٌ من الصَبْرِ العظيمِ رَصِيدُها
وشَـجـاعَــةٌ فــــي عِـزَّةٍ قَـعْـســاءِ
وإِمَامُها السجّادُ يَحْرِسُ خِدْرَها
وَيُـعـيـنُـهــا لِـتَـحَـمُّـلِ الأَعْــبـَــــاءِ
حتى اذا وَصَلُوا الشِئآمَ وأُدخِلُوا
ديـــوانَ آلِ أُمَـيَّــةَ الـطُّــلَــقَـــــاءِ
هَتَفَ ابْنُ آكِلَةِ الكُبُودِ مُفاخِراً
بِـشُـيُـوخِـهِ الـكُـفّــارِ والـلُّـعَــنَــــاءِ
ودَعَـا بِـعِـتْبَةَ والوليدِ وشَيْبَـةٍ
وعُـــتَــاةِ أجـدادٍ لـــــهُ لُــؤَمَــــاءِ
ثَمِلاً يُناديهِمْ تَعالَوا واشْـهَدُوْا
رأسَ ابْنِ بِنْتِ المُصطفَى الزهـراءِ
وأَمَامَ مَجْلِسِهِ المُهانِ يَقولُـهــا
من غَيْرِ إِحْسـاسٍ ولا اسْـتِـحْـيـاءِ
( لَعِبَتْ بهذا الملكِ هاشِمُ) مُنكِراً
وَحْـيَ السَّـمَـا لِـمُـحَـمَّـدٍ بِـجَــلاءِ
وَتَـجَـرَّأَ المَلْعُونُ يَضْرِبُ بالعَصَا
ثَـغْـرَ ابْـنِ أحمدَ سَـيِّـدِ الـشُـهَـداءِ
فَتَصَدَّتِ الحَوْراءُ زَيْنَبُ وانْبَرَتْ
تَـقْـتَـصُّ مـنـهُ بِـخُـطْـبـةٍ عَصْماءِ
ثُـمَّ انْبَرَى السَّجّادُ يَفضَحُ زَيْفَـهُ
وخِداعَــهُ لِـمَـسامِـعِ الـجُـلَــسَــــاءِ
والصَّمْتُ رانَ على الجميعِ كأَنَّما
حَـضَـرُوا لِـمَـأْتَـــمِ مَـيِّـتٍ وعَــزاءِ
هذا يُطَأْطِيءُ رأسَهُ خَجَلاً وذا
في السِّـرِّ يَـجْـهَـشُ خائِـفاً بِـبُكَـاءِ
وبَـدَا ذَلـيلاً صاغِـراً مُتَخاذِلاً
راعـي الـقُـرودِ مُـعَـاقِــرُ الصَّهْـبَـاءِ
وتَسامَقَتْ قامـاتُ آلِ محمـدٍ
فـــي كـربـلا لـِكَـواكِـبِ الـجَـوْزاءِ
تَبقَى لِيَوْمِ الحَشْرِ تَزهُو قِبابُهُم
وَيَـحُـجُّ فـيـها أَشْـرَفُ الـشُّــرَفَــاءِ
فَـلْـيُحْرِمِ البيتُ الحَرامُ بكربلا
لِـيَـطُـوفَ مَـرقَـدَ سَـيِّـدِ الشُّــهَداءِ
لَمْ تَــبْـقَ لَـوْلا نَـحْـرُهُ وَدِمـاؤهُ
قُـدْسِــيَّـةٌ لِـلْـكــعْـبَــةِ الــغَــــــرَّاءِ
***
تعليق