بسم الله الرحمن الرحيم
حديث الأئمة الاثني عشر حيرة علماء أهل السنّة وتناقض أقوالهم في شرح الحديث
ذكرنا في الحلقات السّابقة حديث الاثني عشر خليفةً أو أميراً برواية عبد الله بن مسعود وجابر بن سمرة، وهما دالّان على إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، وسوف نذكر جملةً من القرائن لاحقاً، إلّا أننا سوف نعرضُ في هذه المقالة بعض كلمات علماء أهل السنةّ التي تبيّن تخبّطاً وتناقضاً في تحديد المراد بـ(الاثني عشر) المذكورين في حديث النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهذا لعدم وضوح أيّ ضابطةٍ يستندون إليها في تحديد هؤلاء سوى الأذواق والأوهام.
1. قال ابن بطّال في شرحه: (قال المُهَلَّبُ: لم ألقَ أحداً يقطع فى هذا الحديث بمعنىً، فقوم يقولون: يكونون اثني عشر أميراً بعد الخلافة العلويّة مرضيين. وقوم يقولون: يكونون متوالين إمارتهم. وقوم يقولون: يكونون فى زمن واحد كلهم من قريش يدعى الإمارة، فالذي يَغْلِبُ عليه الظن أنه إنما أراد (صلى الله عليه وسلم) يخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن حتى يفترق الناس فى وقتٍ واحدٍ على اثني عشر أميراً، وما زاد على الاثني عشر فهو زيادة فى العجب، كأنّه أنذر بشرطٍ من الشروط وبعضه يقع، ولو أراد غير هذا لقال: يكون اثنا عشر أميراً يفعلون كذا ويصنعون كذا، فلما أعراهم من الخبر علمنا أنه أراد يكونون فى زمن واحد، والله أعلم).
المصدر: شرح صحيح البخاري لابن بطّال، ج8، ص287.
2. قال أبو بكر بن العربي المالكيّ: (روى أبو عيسى عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي اثنا عشر أميراً أبداً كلُّهم من قريش) صحيحٌ. فعدّدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر أميراً فوجدنا: أبا بكر، عمر، عثمان، عليّ، الحسن، معاوية، يزيد، معاوية بن يزيد، مروان، عبد الملك بن مروان، الوليد، سليمان، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، مروان بن محمد بن مروان، السّفاح، المنصور، المهدي، الهادي، الرشيد، الأمين، المأمون، المعتصم، الواثق، المتوكّل، المنتصر، المستعين، المعتزّ، المُهتدي، المعتضد، المكتفي، المقتدر، القاهر، الرّاضي، المتّقي، المستكفي، المطيع، الطائع، القادر، القائم، المقتدي، أدركته سنة أربعٍ وثمانين وأربعمائة، وعهد إلى المستظهر أحمد ابنه وتُوفي في المحرّم سنة ست وثمانين، ثم بايع المستظهر لابنه أبي منصور الفضل، وخرجت عنهم سنة خمس وتسعين. وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان بن عبد الملك، وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز، ولم أعلم للحديث معنىً، ولعلّه بعضُ حديثٍ، وقد ثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: كُلّهم من قريش).
المصدر: عارضة الأحوذيّ بشرح صحيح الترمذيّ، المجلَّد الخامس (ج9)، ص49-50.
3. قال ابن الجوزيّ: (وفي الحديث الثاني: "يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلهم من قريش" وفي رواية: "لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً كلهم من قريش". وفي رواية: "لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش"، وفي رواية: "لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش".
هذا الحديث قد أطلتُ البحثَ عنه، وطلبتُه مظانَّه، وسألتُ عنه، فما رأيت أحداً وَقَعَ على المقصود به، وألفاظُه مختلفة لا أشك أن التخليط فيها من الرواة، وبقيت مدة لا يقع لي فيه شيء، ثم وقع لي فيه شيء فسطَّرته، ثم رأيتُ أبا سليمان الخطابي قد أشار إلى ما وقع لي، ثم وقع إليَّ كلامٌ لأبي الحسين بن المنادي على هذا الحديث على وجهٍ آخر، ثم وقع لي حديثٌ يدل على وجهٍ ثالثٍ، وهاهنا أذكر الوجوه الثلاثة..إلخ).
المصدر: كشف المشكل من حديث الصحيحين، ج1، ص449-450.
4. قال الشيخ محمّد صدّيق حسن خان القنوجيّ البخاريّ: (والذي يترجّح عندي أنّ معنى هذا الحديث ممّا استأثر النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلّم – بعلمه، ولا سبيل إلى تعيين الاثني عشر خليفة، وما أدّى إليه رأي أهل العلم ليس بحُجّةٍ شرعيّةٍ، ولا مُلجِئَ إلى الاعتقاد بفحواه).
المصدر: عون الباري بحلّ أدلّة البخاريّ، ج10، ص308.
5. قال الشيخ محمد الأمين الهرري الشافعيّ: (وقد تردد العلماء في المعنى المراد بهذا فقالوا: يحتمل أن يكون المراد بالاثني عشر خليفة مستحقي الخلافة من أئمة العدل، ويحتمل أن يكون المراد اجتماعهم في زمن واحد يفترق النَّاس عليهم فتتبع كل طائفة واحداً منهم، قالوا ويعضد هذا التأويل حديث مسلم الآتي: سيكون خلفاء فيكثرون. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأوَّل فالأول. ويُحْتَمَلُ أن يكون المراد بالاثني عشر الذين يكون معهم إعزاز الخلافة وسياسة إمارة الإسلام واجتماع النَّاس كلّهم على كل واحد منهم، ويؤيد هذا ما وقع في رواية أبي داود كلهم تجتمع عليه الأمةاهـ من النووي والأبي، وهذا الحديث حديثٌ عدَّهُ بعض العلماء من المشكلات؛ لعدم تعيُّن مصداقه، فاختلف في تفسيره أقوال الشراح).
المصدر: الكوكب الوهّاج والروض البهّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج، ج19، ص438-439.
تعليق