إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محور المنتدى (ابحار في عمق الصحيفة السجادية )460

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محور المنتدى (ابحار في عمق الصحيفة السجادية )460


    فداء الكوثر
    عضو ماسي











    • تاريخ التسجيل: 05-03-2016
    • المشاركات: 7204



    #1
    🕌🕌المضامين التربوية في الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام " 🚩🏴🚩

    اليوم, 10:30 AM



    المضامين التربوية في الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) .....


    🔹️اشتملت الصحيفة السجادية
    للإمام السجاد (عليه السلام)
    وهو يصور مكارم الأخلاق
    و يدعو إلى الإيمان الكامل،
    واليقين الفاضل،
    والنية الحسنة،









    نجد الإمام السجاد(ع)سعى إلى عملية إنماء التيار الرسالي في الأمة،وتوسيع الوعي والإدراك لديها،فبدء(ع)ثورة روحية،وثقافية،في دنيا المسلمين.

    استفادته من عنصر الدعاء:

    كان المجتمع الإسلامي في عصر الإمام زين العابدين(ع)قد غلب عليه حب الرفاه والميل إلى الدنيا،وطغت عليه مظاهر الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي،فهو مجتمع قد أصيب بالانحراف،كما أنه استولت عليه حالة من الكبت وسرت في أوصاله سريان السرطان،فلم يبق للمجتمع متنفس.

    في مثل هذه الظروف عمد الإمام إلى عنصر الدعاء لطرح بعض المعتقدات والمباني الثقافية،مما أوجد عند الناس اندفاعاً وحركة نحو العباد والتوجه إلى الله.

    وبعبارة أخرى،لقد شخص(ع)أن الطريق الأمثل الذي يمكن من خلاله قيادة حركة الإصلاح في الأمة عبارة عن إيجاد ثورة فكرية متكاملة في جميع نواحيها،فعمد إلى ذلك،وكان أفضل أسلوب لمثل هذا العمل في تلك الظروف،هو أسلوب الدعاء.

    ومع أن الهدف الرئيس من تلك الأدعية بالنظر الأولي قد يحصر في خصوص الناحية العبادية،إلا أن التمعن في العبارات التي وردت بين طياتها،يرشدنا إلى عدة مفاهيم كان يقصدها(ع)


    لقد احتوت الصحيفة السجادية على كمال الخضوع والتذلل لله سبحانه وتعالى،بحيث امتازت بذلك على بقية أدعية الأئمة المعصومين(ع).

    فإن الله عز وجل قد خص كل معصوم من المعصومين(ع)بمزية وخصوصية لا توجد عند غيره،كالشجاعة في أمير المؤمنين(ع)وابنه الحسين(ع).

    والميزة التي أعطيها زين العابدين(ع)هي الرقة والتفجع في أدعيته


    ولهذا حق أن يقال،بأن الصحيفة تمثل التجرد التام من عالم المادة،وكمال الانقطاع إلى الباري عز وجل،والاعتصام به.





    **********************************
    *****************
    *************


    اللهّم صل على محمد وال محمد


    فلأسترحْ أو ها هُنــا قُضي القضــا
    أأحُطُّ رحلي بعــــدَ عُمـرٍ في شَجَنْ
    أينَ ابنُ أحمدَ عــن مضاجِـعِ طيبَةٍ
    فبها النبيّ وذي البقيعِ بها الحسنْ
    فأنـــا ورزءُ الطـفّ عانقنــــا الثرى
    وأبي يُقانِــقُ طفلـــــهُ بيــــن الكفنْ
    جورٌ وسجـنٌ وانقضى عمري بِسَمْ
    أو كيفَ يُسجَـنُ مَـنْ بدُنيــــاهُ سُجِنْ

    عظم الله لكم الأجر
    بإستشهاد الإمام زين العابدين (عليه السلام)



    وهانحن ذا نعود لمحور جديد والدخول لزبور آل محمد

    الصحيفة السجادية ونبحر في مضامينها العالية


    ونتلمس طرق الاصلاح التي اتبعها الامام السجاد عليه السلام لهداية الناس وتوضيح الطريق لهم للخير والبركة


    فكونوا معنا ...














    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	12193399_1679130988968265_8672143110529341081_n.jpg 
مشاهدات:	1288 
الحجم:	126.4 كيلوبايت 
الهوية:	923111














    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	12193401_1520334668283568_7264988407141466794_n.jpg 
مشاهدات:	1574 
الحجم:	38.7 كيلوبايت 
الهوية:	923112

  • #2

    فداء الكوثر



    🔹️ومن الواضح أن هذه الصفات القلبية هي جوهر الاستقامة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها.

    وجاء في الدعاء نفسه

    (اللهُم ّ صَلّ على مُحمدٍ وآلهِ وحَلّني بحِلية الصالحين وألبِسني زينة َ المتقين في بَسطِ العدل وكظم الغيظ وإطفاء النائرة وضمّ أهل الفُرقة وإصلاح ذات البين ...)

    🔷️🔷️🔷️🔷️🔷️🔷️

    ومما لا شك فيه أن الصالحين والمتقين هم الأقدر على إصلاح ذات البين وبسط العدل والقضاء على الفحشاء والمنكر.


    التربية الربانية: وصف الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية بأنها خير أمة أخرجت للناس، قال سبحانه وتعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)


    وجاء بيان هذه الآية في تفسير الميزان، إن معنى الإخراج هو الظهور والتكون وإن معنى خير أمة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن لفظ (الأمة)
    يطلق على الفرد والجماعة لكونهم ذوي هدف ومقصد يقصدونه


    ويتضح لنا من هذه الآية المباركة أن التربية الإسلامية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتربية الربانية التي مصدرها القرآن الكريم،
    وقد تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)

    ومن أول مظاهر التربية الربانية هي العبودية لله تعالى.

    وقد اشتملت الصحيفة السجادية على طائفة من الأدعية التي تدعو إلى عبادة الله تعالى، والنظر في صفاته وعظمته، جاء في دعائه عليه السلام، وهو دعاء في اللجأ إلى الله تعالى (اللّهُم ّ إنْ تشأ تعفُ عنّا فبفضلك وإنْ تشأ تعذبْنا فبعدلكَ فسهّلْ لنا عفوَكَ بمَنكَ وأجِرْنا مِن عذابِك بتجاوزك فإنه لا طاقة َ لنا بعدلك َولا نجاة َ لأحدٍ منّا دون عفوكَ يا غنيّ الأغنياءْ ها نحنُ عبادُك بين يديك وأنا أفقرُ الفقراء إليك فاجبرْ فاقتنا بوسعك ...)


    ويظهر الإمام السجاد (عليه السلام) لنا في هذا الدعاء قبول الإنسان بعدالة المعبود حتى وإن عذبنا، وإن عفا عنا فبفضله سبحانه وتعالى، ويبدو الإنسان لنا في هذا الدعاء إنه ضعيف إزاء عدالة الله سبحانه وتعالى، وذلك لكثرة ذنوبه وتجاوزه.

    ومن مظاهر التربية الربانية هي معرفة الله سبحانه وتعالى حق معرفته،


    لذلك جاء أول دعاء في الصحيفة السجادية وهو في بيان صفات الله سبحانه وتعالى وتنزيهه (الحمدُ للهِ الأولِ بلا أول ٍ كانَ قبلَهُ والآخر ِ بلا آخر ٍ يكونُ بعدَه ُالذي قصُرتْ عن رؤيته أبصارُ الناظرين وعجزت عن نعته أوهام ُ الواصفين ابتدع بقدرته الخلقَ ابتداعاً واخترَعهُم على مشيته اختراعاً ثمّ سلكَ بهم طريقَ إرادته وبَعَثَهُم في سبيل محبتهِ لا يملكون تأخيراً عما قدّمهم إليهِ ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخّرَهُم عنهُ وجعلَ لكلّ رُح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه لا ينقُصُ من زادَهُ ناقصٌ ولا يزيدُ من نَقَصَ منهم زائد ٌ ...)
    (الصحيفة السجادية: 33)

    الصحيفة السجادية: 99)

    تعليق


    • #3
      تعد الصحيفة السجادية أو (زبور آل محمد) إحدى المأثورات الخالدات لأهل البيت (عليهم السلام) وهي مجموعة من الأدعية المباركة وصلتنا عن طريق الإمام السجاد (عليه السلام) بسند صحيح وموثق. والدعاء أسلوب جميل من أساليب النثر الفني في الأدب العربي، يتميز بوضوح العبارة، ودقة التركيب، ورقة التقفية، وبمسحة إلهية على المجاز، ويمتح صوره ومضامينه من القرآن الكريم، وهو كما يقول أستاذنا الدكتور حسين علي محفوظ " من بدائع بلاغات النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام التي لم يرق إليها غير طيرهم، ولم تسم إليها سوى أقلامهم" (محفوظ،1967،ص 45)

      وفضلاً عن القيم الجمالية والأدبية في الصحيفة السجادية، فإنها احتوت على الكثير من النصوص التي عالجت موضوعات العقيدة الإسلامية وحقوق الانسان والأسرة والمعاملة مع الآخر، كل ذلك بأسلوب أدبي راقٍ ومميز بنفحته الإلهية وبروحه النبوية الشريفة.

      ويرمي هذا البحث إلى تحليل بعض المضامين التربوية التي حفلت بها الصحيفة السجادية وبيان أهميتها المعرفية وقيمتها العلمية المعاصرة.



      \
      أدب الدعاء وجمالياته الأدبية وتأثيره الروحي وبعض جوانبه المعرفية.

      يمثل الدعاء في حقيقته المعاني القيمة التي تتبلور في نفس الداعي، فيتوجه عميقاً نحو الذات الإلهية، ثم الفناء في وجوده الواجب ثم الرجوع إلى عالم المادة لأداء مهمة الروح العليا، من عدالة وحق وصدق، فيتخلص الإنسان من ربق العبوديات سوى عبادة الله الواحد الصمد (الجلالي، ) وفي رواية زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام) (إن أفضل الدعاء ما جرى على لسانك) (الحر العاملي ، ج4 ، ص1171) ويتضح لنا من هذا الحديث القيمة الروحية للدعاء، وإنه بالأساس مناجاة داخلية بين الإنسان وربه.

      والدعاء جانب مهم من الأدب العربي، لم يشر له المؤرخون في تأريخ الأدب؛ فتجاهله الأدباء، وأغفله النقاد، وكادوا يطمسون الإشارة إلى بلاغته، إلاّ أن بعض النحاة والأدباء والنقاد تنبهوا إلى هذا الأمر؛ فاحتج النحاة وأصحاب المعجمات في تصانيفهم بحديث الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) وروى النويري في كتابه نهاية الأرب طائفة من الأدعية المروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). جاء في خزانة الأدب " الصواب جواز الاحتجاج بالحديث النبوي في ضبط ألفاظه، ويلحق به ما روي عن الصحابة وأهل البيت عليهم السلام، كما صنع الشارح المحقق الرضي" (البغدادي، ج1، ص704)

      ويأتي الدعاء في القرآن الكريم بمعنى النداء، قال الله سبحانه وتعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186) يتبين من هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قريب من العبد مع أن النداء يستعمل في اللغة لمحادثة البعيد. ويأتي الدعاء بمعنى العبادة أيضاً، قال سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ) (الفرقان: 68) والدعاء مما يوصي به الأدب في القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخل الجنة رجلان، كانا يعملان عملا واحداً، فيرى أحدهما صاحبه فوقه، فيقول: يا ربّ بما أعطيته وكان عملنا واحداً، فيقول الله تبارك وتعالى، سألني ولم تسألني. ثم قال صلى الله عليه وآله، اسألوا الله وأجزلوا، فإنه لا يتعاظمه شيء. (بن فهد الحلي،42)

      وقد مارس الأنبياء (عليهم السلام) جميعاً هذه الرياضة الروحية، فمنها ما جاء على لسان نوح (عليه السلام) (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) (نوح : 28) ومنها ما جاء على لسان ابراهيم الخليل (عليه السلام) (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا) (ابراهيم 35) ومنها ما جاء على لسان موسى (عليه السلام) (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) (طه: 25) ويوصي الله سبحانه وتعالى بالدعاء، فقد جاء في سورة الاسراء (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) (الإسراء: 80) ومن الواضح أن الدعاء تذكير للمؤمنين بمعنى العبودية والإيمان بأن الأمر كله لله سبحانه وتعالى، ومن الورع والتقوى أن يدعو الانسان ربه ويسأله العون والغفران.

      ولأهمية الدعاء وقيمته الروحية وضع أهل العرفان مجموعة من الآداب لممارسة الدعاء منها؛ في أوقات معلومة مثل شهر رمضان، ويوم عرفة، والعيدين، وليلة الجمعة ويومها، وساعة السحر من الليل. وأن يستقبل الداعي القبلة، وأن يرفع يديه وأن يكون صوته بين المخافتة والجهر، وهي آداب مستلة من ممارسات الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار عليهم السلام (مبارك، ص40) ويمكن للباحث أن يشير إلى أهمية الدعاء وقيمته المعرفية من خلال الآتي:

      فمن جهة الأدب يزود الدعاء القارئ بثروة نفيسة من الألفاظ الجديدة والتعابير الإبداعية تساعده في زيادة قدرته الكتابية وتزداد مهاراته في التعبير الوظيفي أو الابداعي.

      أما من جهة المهارات اللغوية فإن الدعاء ينمي قدرة الفرد على حسن الإصغاء وتفهم المعنى (مهارة الإستماع) ومما لا شك فيه أن في الاستماع تتركز فنون القراءة والكتابة والمحادثة.

      أما من الجانب النحوي، فإن الدعاء يساعد القارئ والمستمع على تجنب اللحن بالكلام، واتقان مخارج الحروف، وتعرف القواعد النحوية، فقد روي عن الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) : ما استوى رجلان في حسب ودين قط، إلا كان أفضلهما عند الله آدبهما، فسئل: فما فضله عند الله عز وجل، فقال : بقراءة القرآن كما نزل، وبدعائه الله عز وجل من حيث لا يلحن، وذلك لأن الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله عز وجل. (الحر العاملي، ج 4، ص 1107)

      أما من جانب التربية؛ فإن الدعاء يمثل رياضة روحية على حسن الأدب مع الله، وكيفية الطلب منه، وتمثل قدرته وجبروته ورحمته في كل لحظة يهم فيها المرء بعمل ما، ثم شعور الفرد بعظمة الخالق والرغبة في التقرب إليه بالعمل الصالح.




      \

      تعليق


      • #4
        المضامين التربوية في الصحيفة السجادية

        تعد التربية الإسلامية ثمرة من ثمرات القرآن الكريم، فهي الترجمة العملية لتشريعاته وخططه في جعل الإنسان خليفة الله في الأرض، ويقوم الإسلام على عدد من الأصول العقائدية والطقوس التعبدية، ويدعو إلى الأخلاق الفاضلة والمساواة بين الأجناس والأعراق، ويحث على التفكير العلمي والنظر في الكون، ويحترم العمل والمعاملة الشريفة، وهذا ما جعل التربية الإسلامية تتصف بعدد من الخصائص التي ميزتها عن الأنظمة التربوية الأخرى؛ لأنها تستمد خصوصيتها من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية الشريفة، ومن العترة الطاهرة، وهي حلقات تكمل بعضها البعض.

        وقد اختار الباحث بعض المضامين التربوية التي وردت في الصحيفة السجادية المباركة، لتكون مصداقاً على حيوية التربية الإسلامية.

        التربية الوقائية : الإسلام دين الوقاية، وقد وردت في القرآن الكريم طائفة من الآيات والتشريعات التي تحث على الوقاية، فقد حرم الإسلام الزنا واللواط والخمر والميسر، ولا يخفى ضرر هذه السلوكيات المنحرفة على المجتمع.

        لذلك فقد ورد في دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) في الاستعاذة من المكاره وسيئ الأخلاق ومذام الأفعال ( اللهُم ّ إني أعوذُ بكِ من هَيَجَان الحرصِ وسَوْرَة الغَضَبِ وغَلَبَة الحَسد وضَعف الصّبر وقلة القناعة وشَكاسَة الخُلُق وإلحاحِ الشّهوة ِ ومَلَكَة ِ الحَمَيةِ ومُتابَعة الهوى ومُخالفةِ الهدى وسِنة الغَفلة وتَعاطي الكلفة وإيثار الباطلِ على الحقّ والإصرار ِ على المَأثَم واسْتصغار المَعصية ...) (الصحيفة السجادية : 61)

        ولو تأملنا هذا الدعاء قليلاً لوجدنا أن الإمام (عليه السلام) يستعيذ من عدد من السلوكيات غير المرغوب بها؛ فإن الحرص يؤدي إلى العزوف عن مساعدة المحتاج، ويؤدي الغضبُ إلى التسرع في اتخاذ القرارات دون دراسة لعواقبها، أما الحسد فإنه يقلل من المودة بين الناس، وأما قلة الصبر فيدع الفرد في صراع داخلي، وتؤدي قلة القناعة إلى جعل الفرد يلهث دون أن يصل إلى الراحة أو الاستقرار، وتؤدي شكاسة الخلق إلى تدني المستوى الأخلاقي للمجتمع، أما الحمية فتستبدل علاقات الأخوة الإسلامية بعلاقات الجاهلية، ولعل إيثار الباطل على الحق يعد من أخطر المواقف التي استعاذ منها الإمام؛ لأنها تؤدي إلى ضياع الحقوق، وشيوع قيم الفساد والعنف.

        واستطاع الإمام (عليه السلام) في هذا الدعاء أن يركب بين المضاف والمضاف إليه في صورة شعرية جميلة، مما زاد في تأثير الدعاء على المتلقي، فإنه يجعل للحرص هيجاناً كهيجان البحر، فيعصف بما يلاقيه من اشياء، وجعل للغضب سورة تدور بالفرد، فتصدعه فلا يستطيع الخروج منها.

        ودعا القرآن الكريم إلى الوقاية في المجال النفسي، قال سبحانه تعالى (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28) ويعادل الإطمئنان في القرآن الكريم مصطلح الأمن النفسي الذي وضعه عالم النفس (ابراهام ماسلو) في المستوى الثاني في هرم الحاجات الانسانية بعد الحاجات الفسيولوجية (عبد الخالق، 2000، ص 362) وقد أشارت الدراسات النفسية إلى أن فقدان الشعور بالأمن النفسي يجعل الفرد قلقاً وأقل قدرة على المبادأة وأكثر قابلية للإيحاء والتردد(عوض، 1989، ص 8)

        فقد ورد في دعاء الإمام (عليه السلام) وهو من دعائه لنفسه وأهل بيته (اللهُم ّ صَلّ على مُحمدٍ وآله ِ واجعلْ سلامة َ قُلوبنا في ذكر عَظمتك وفَراغ َأبداننا في شُكر نعمتك وانْطلاق ألسِنَتنا في وصف منّتك اللهُم ّ صَلّ على مُحمدٍ وآلهِ واجعلنا من دُعاتك الداعين إليكَ وهُداتك الدّالين عليك ومن خاصَتك الخاصّين لديك يا أرحَم الراحمين) (الصحيفة السجادية : 53)

        ويتضح من هذا الدعاء، إن الإمام السجاد (عليه السلام) يجعل سلامة القلب مقرونة بذكر عظمة الله، ويريد أن يكون لسان الإنسان يلهج بوصف منن الله عليه، ويود أن يكون من دعاة الله وخاصته. ومما لا شك فيه أن الإمام (عليه السلام) كان داعياً إلى الله سبحانه وتعالى من خلال الدعاء الذي هو سلاحه الذي اختص به.

        والإسلام وقائي في المجال العبادي، قال سبحانه وتعالى (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) (الشورى: 15) لأن الاستقامة والبعد عن الفواحش هي ثمرة من ثمرات الصلاة والصوم، وقال الله سبحانه تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت: 45) لذلك ورد في دعائه (عليه السلام) وهو في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال (اللهُم ّ صَلّ على مُحمدٍ وآلهِ وبَلغْ بإيماني أكملَ الإيمان واجعلْ يقيني أفضلَ اليقين وانتهِ بنيتي إلى أحسنِ النّيات وبعملي إلى أحسن الأعمال ...) (الصحيفة السجادية: 96)

        ففي هذا الدعاء نرى الإمام (عليه السلام) وهو يصور مكارم الأخلاق يدعو إلى الإيمان الكامل، واليقين الفاضل، والنية الحسنة، ومن الواضح أن هذه الصفات القلبية هي جوهر الاستقامة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها. وجاء في الدعاء نفسه (اللهُم ّ صَلّ على مُحمدٍ وآلهِ وحَلّني بحِلية الصالحين وألبِسني زينة َ المتقين في بَسطِ العدل وكظم الغيظ وإطفاء النائرة وضمّ أهل الفُرقة وإصلاح ذات البين ...) (الصحيفة السجادية: 99)










        ومما لا شك فيه أن الصالحين والمتقين هم الأقدر على إصلاح ذات البين وبسط العدل والقضاء على الفحشاء والمنكر.

        التربية الربانية: وصف الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية بأنها خير أمة أخرجت للناس، قال سبحانه وتعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران، 110) وجاء بيان هذه الآية في تفسير الميزان، إن معنى الإخراج هو الظهور والتكون وإن معنى خير أمة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن لفظ (الأمة) يطلق على الفرد والجماعة لكونهم ذوي هدف ومقصد يقصدونه (الطباطبائي، 1997، ج3 ، ص431) ويتضح لنا من هذه الآية المباركة أن التربية الإسلامية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتربية الربانية التي مصدرها القرآن الكريم، وقد تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر، 9) ومن أول مظاهر التربية الربانية هي العبودية لله تعالى.

        وقد اشتملت الصحيفة السجادية على طائفة من الأدعية التي تدعو إلى عبادة الله تعالى، والنظر في صفاته وعظمته، جاء في دعائه عليه السلام، وهو دعاء في اللجأ إلى الله تعالى (اللّهُم ّ إنْ تشأ تعفُ عنّا فبفضلك وإنْ تشأ تعذبْنا فبعدلكَ فسهّلْ لنا عفوَكَ بمَنكَ وأجِرْنا مِن عذابِك بتجاوزك فإنه لا طاقة َ لنا بعدلك َولا نجاة َ لأحدٍ منّا دون عفوكَ يا غنيّ الأغنياءْ ها نحنُ عبادُك بين يديك وأنا أفقرُ الفقراء إليك فاجبرْ فاقتنا بوسعك ...) (الصحيفة السجادية: 65)

        ويظهر الإمام السجاد (عليه السلام) لنا في هذا الدعاء قبول الإنسان بعدالة المعبود حتى وإن عذبنا، وإن عفا عنا فبفضله سبحانه وتعالى، ويبدو الإنسان لنا في هذا الدعاء إنه ضعيف إزاء عدالة الله سبحانه وتعالى، وذلك لكثرة ذنوبه وتجاوزه.

        ومن مظاهر التربية الربانية هي معرفة الله سبحانه وتعالى حق معرفته، لذلك جاء أول دعاء في الصحيفة السجادية وهو في بيان صفات الله سبحانه وتعالى وتنزيهه (الحمدُ للهِ الأولِ بلا أول ٍ كانَ قبلَهُ والآخر ِ بلا آخر ٍ يكونُ بعدَه ُالذي قصُرتْ عن رؤيته أبصارُ الناظرين وعجزت عن نعته أوهام ُ الواصفين ابتدع بقدرته الخلقَ ابتداعاً واخترَعهُم على مشيته اختراعاً ثمّ سلكَ بهم طريقَ إرادته وبَعَثَهُم في سبيل محبتهِ لا يملكون تأخيراً عما قدّمهم إليهِ ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخّرَهُم عنهُ وجعلَ لكلّ رُح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه لا ينقُصُ من زادَهُ ناقصٌ ولا يزيدُ من نَقَصَ منهم زائد ٌ ...) (الصحيفة السجادية: 33)

        ويلحظ في هذا الدعاء فكرة العقيدة الإسلامية في (الأول والآخر) كصفتين تفرد بهما الله تعالى، وهي صفات لا نهائية ومطلقة، على الضد من صفات المخلوق الذي له أولٌ يبتدئ به وآخرٌ ينتهي إليه، ومما لا شك فيه أن للدعاء وظيفة في معرفة الله تعالى، والتذلل له بالخضوع والخشوع والاستغراق الروحي في التعبير عن الحاجة المطلقة لله الغني عن العباد (فضل الله، 2000، ص23)

        أما في هذا الدعاء القصير فقد أشار الإمام إلى محمد وآل محمد (عليهم السلام) بوصفهم امتدادا للرسالة الإسلامية، قال (اللّهُم يا من خصّ محمداً وآلَه ُ بالكرامة وخصّصَهم بالوسيلة ِ وجَعَلَهُم ورثة َ الأنبياء وختم َ بِهِم الأوصياءَ والأئمة َ وعلّمَهم علم ما كانَ وما بقيَ وجعل َ أفئدة ً من الناس تهوى إليهم فصلّ على محمد ٍ وآله الطاهرين وافعل بنا ما أنت أهله في الدين والدنيا والآخرة إنّك على كلّ شيء قدير) (الصحيفة السجادية: 46)

        ويلحظ في هذا الدعاء إنه وصف محمداً وآلَه بالكرامة، هي التفرد بين الخلق بالمنزلة الرفيعة، وخصصهم بالوسيلة، إي إنهم باب التربية الربانية، بما وهبهم من علم، وبما أورثهم من منزلة جعلت أفئدة الناس تهوى إليهم. ويلحظ في هذا الدعاء أيضاً تفرد محمدٍ وآلِ محمدٍ (عليهم السلام) بين الخلق، كما تفرد الله تعالى عن الخلق بصفاته المطلقة.






        أما في الجانب الأدبي من الدعاء فقد استخدم الإمام في هذا الدعاء أسلوب التناص مع القرآن الكريم وذلك مع الآية المباركة (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (ابراهيم : 37) ويعني التناص في مفهومه العام هو حصيلة تفاعل نصوص سابقة تحاورت وتداخلت في نص جديد، ويختلف التناص في الصحيفة السجادية عن التناص في الأدب في إنه يتناص مع القرآن الكرين بوصفه نصاً أعلى، ويشير معنى التناص أيضاً إلى تشرب الإمام بآيات القرآن الكريم واستعادتها في دعائه سواء بالتضمين المباشر أم في المعنى.





        التوازن : في القرآن الكريم إشارات كثيرة إلى طبيعة النفس الانسانية المتناقضة، قال سبحانه وتعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) (الشمس: 7) لذلك جاء الإسلام بمبدأ التوازن والوسطية، قال سبحانه وتعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة : 143) ومن خصائص التربية الإسلامية إنها تسعى إلى تنمية الجوانب العقلية والجسمية والخلقية أو الروحية عند الإنسان، فتحقق التوازن والتوسط بين مطالب الانسان الروحية والجسدية وتقلل، من الصراع الداخلي عند الفرد. وتسعى التربية الحديثة أيضاً إلى تنمية الجوانب المعرفية والنفسحركية والوجدانية وهو ما يكافئ الجوانب العقلية والجسمية والخلقية في التربية الإسلامية.

        وفي الصحيفة السجادية نجد أن الإمام السجاد (عليه السلام) قد أشار إلى طبيعة النفس الإنسانية الأمارة بالسوء، فقد جاء في دعائه عليه السلام (اللّهُم َ صلّ على محمد ٍ وآلِه ِ وأفرِشْني مِهادَ كرامتك وأوردني مشارع رحمتك وأحْلِلني بُحبُوحة جنتك ولا تَسُمْني بالردّ عنك ولا تحرِمْني بالخيبة منك ولا تقاصني بما اجترحتُ ولا تناقشني بما اكتسبتُ ولا تُبرزْ مكتومي ولا تكشف مستوري ولا تحملْ على ميزان الإنصاف عملي ولا تُعلن على عيون الملأِ خبري أخف ِ عنهم ما يكون نشرُهُ عليّ عَاراً ...) (الصحيفة السجادية: 174)

        أما في أول دعاء من الصحيفة السجادية فسنرى الإمام (عليه السلام) يحمد الله تعالى لمننه في العقل والجسد والروح، لنستمع إليه وهو يحمد الله على نعمة المعرفة (والحمدُ لله على ما عرّفنا من نفسهِ وألهمنا من شُكره ِ وفتَح َلنا أبوابِ العلم بربُوبيتهِ ودلنا عليه من الإخلاص له في توحيده ...) (الصحيفة السجادية: 34) ولنستمع إليه وهو يحمد الله على نعمة آلات البسط والقبض في الجسد (والحمدُ للهِ الذي ركّبَ فِينا آلاتِ البسطِ وجعلَ فينا أدواتِ القبضِ ومتّعنا بأرواحِ الحياة وأثبتَ فينا جوارحَ الأعمال وغذّانا بطيّباتِ الرزق ..) (الصحيفة السجادية : 36)

        ومن الواضح أن هذا المقطع يشير أيضاً وعلى نحو متصل بنعم الله سبحانه وتعالى في الروح وجوارح الأعمال، وكأنه يشير إلى الجانب النفسحركي الذي دعت إليه التربية الحديثة. ويتجلى لنا في هذه المقاطع من الدعاء صلة المعرفة بالله سبحانه وتعالى مع آلات الجسد مع متعة أرواح الحياة، لنصل إلى الأهداف التربوية المتوازنة التي تسعى التربية الإسلامية لتحقيقها.







        وفي الصحيفة السجادية توازن جميل بين الصباح والمساء، يعقبه توازن بين الدنيا والآخرة، أو بين العمل والراحة، فقد جاء في دعائه (عليه السلام) في الصباح والمساء (الحمدُ لله الذي خلقَ الليل والنهار بقوته وميّز َ بينهما بقُدرَته ِ وجعل لكل واحد منهما حداً محدوداً ... فخلقَ لهم الليلَ ليسكنوا فيه من حركات التعب ونَهَضَات النّصب وجعله لباساً ليلبسوا من راحتهِ ومنامهِ ... وخلق لهم النهار مبصراً ليبتغوا فيه من فضله وليَتَسَبّبوا إلى رزقه ويَسْرحوا في أرضهِ طلباً لما فيه من نيل العاجل من دنياهم ودَرَكُ الآجلِ في أخراهم ... ليجزيَ الذين أسَآؤا بما عَمِلوا وليجزيَ الذين أحسنوا بالحسنى ... ) (الصحيفة السجادية: 54)

        ويلحظ في هذا الدعاء كيف طابق الإمام عليه السلام بين العمل والكد في الصباح طلباً للرزق، ثم الراحة والنوم في الليل، وبين العمل الصالح في الدنيا وما يعقبه من حسنى في الآخرة، ليثبت لنا وسطية الإسلام وتوازنه بين العمل والراحة وبين الروح والجسد وبين الدنيا والآخرة.





        ترسيخ الإيمان وتدبر آيات الله في الكون والانسان: تحفل الصحيفة السجادية بأدعيتها جميعاً بترسيخ الإيمان بالله سبحانه وتعالى بوصفه سلوكاً واقعياً، جاء في دعائه (عليه السلام) متفرغاً إلى الله عز وجل (اللّهمَ إني أخلصتُ بانقطاعي إليك وأقبلت بكلي عليك وصرفتُ وجهي عمن يحتاج إلى رفدك وقلبت مسألتي عمن لم يستغن عن فضلك ...) (الصحيفة السجادية: 134) إن الإمام السجاد (عليه السلام) في هذا الدعاء لا يطلب مسألته من أحد آخر، وهو تطبيق عملي للإيمان بالله سبحانه وتعالى. والإمام (عليه السلام) راض وقانع بتقسيم الرزق بين الناس، فلا ينظر إلى الآخرين إن كانوا أكثر مالاً منه، وهو تطبيق عملي أيضاً لترسيخ الإيمان بوصفه سلوكاً واقعياً. لنستمع له من دعاء في الرضا إذا نظر إلى اصحاب الدنيا (الحمدُ لله رضىً بحكم الله شَهِدتُ أن الله قَسَم معايش عباده بالعدل، وأخذ على جميع خلقه بالفضل، اللّهم صلّ على محمدٍ وآلِه ولا تفتنّي بما أعطيتَهم ولا تفتنْهم بما منعتني فأحسُدَ خَلقَكَ ...) (الصحيفة السجادية: 158) ومن الواضح خطر الحسد على الفرد والمجتمع.

        ومن دعائه (عليه السلام) في التدبر بآيات الله سبحانه وتعالى دعاؤه إذا نظر إلى السحاب والبرق وسمع صوت الرعد (اللّهُم إن هذين آيتان من آياتك، وهذين عونان من أعوانك يبتدران طاعتك برحمةٍ نافعة أو نقمة ضارة ٍفلا تمطرنا بهما مطرَ السّوْء ولا تلبسنا بهما لباس البلاء ...) (الصحيفة السجادية: 160) ويلحظ في هذا الدعاء المبارك تأثره البلاغي في القرآن الكريم، فقد جاءت فيه كلمة المطر دلالة على النقمة والشر، على العكس من كلمة الغيث التي جاءت دلالة على الخير والنماء. ومن دعائه عليه السلام إذا نظر إلى الهلال (أيها الخلقُ المطيعُ الدائبُ السريعُ المترددُ في منازل التقدير المتصرف في فلك التدبير آمنتُ بمن نوّر بك الظلم وأوضح بك البُهم وجعلك آية ً من آيات ملكه وعلامة من علامات سلطانه وامْتَهَنك بالزيادة والنقصان والطُلُوع والأفول والإنارة والكُسُوف ...) (الصحيفة السجادية: 183) وفي هذا الدعاء يخاطبُ الإمامُ القمر بوصفه منقاداً لجملة من القوانين الفلكية التي وضعها الله سبحانه وتعالى.

        الخاتمة:

        يتضح لنا من خلال هذا البحث أن الصحيفة السجادية حافلة بالمضامين التربوية، فضلاً عن كونها صحيفة للعبادة،







        تعليق


        • #5
          قيل عنها






          صفحة من مخطوطة تاريخية للصحيفة السجادية
          الصحيفة السجّادية تتضمّن أدعية بليغة تستمدّ مضامينها من القرآن الكريم وفيها تعليم لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من توجّهات وهواجس ورؤى وطموح، وبيان لكيفيّة محاسبته لنفسه ونقده لها ومكاشفتها بخباياها وأسرارها، ولا سيّما دعاء مكارم الأخلاق منها.
          قيمة أدعية الصحيفة السجاديّة ـ الّتي نُريد لجامعاتنا أن تدرسها دراسة جيّدة وعميقة، لتعرف قيمة الدعاء في الإسلام ـ أنَّ الإمام (ع) يحشد كلّ القضايا الّتي يعيشها الإنسان في لغته مع نفسه ومع ربِّه ومع النَّاس من حوله.
          أن الصحيفة السجادية تعبر عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الامام إضافة إلى كونها تراثاً ربانياً فرايداً يظل على مر الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب وتظل الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمدي العلوي وتزداد حاجة كلما ازداد الشيطان إغراء والدنيا فتنة.

          تعليق


          • #6
            لاتشتمل الصحيفة السجادية على المناجاة وطلب الحاجات من الله تعالى وحسب، بل هي عبارة عن مجموعة من الأدعية التي تحوي الكثير من العلوم والمعارف الإسلامية والتي تجلّت في قالب الدعاء التي تشتمل على المسائل العقائدية، الثقافية، الإجتماعية، السياسية، وبعض القوانين الطبيعية والأحكام الشرعية.

            لقد خلّف لنا الإمام السجاد (ع) أدعية تسوعب - بنحو ما- جميع الأوقات والأزمان والأحوال المختلفة، فبعضها يقرأ مرّة سنوياً كـدعاء عرفة ووداع شهر رمضان، وبعضها في الشهر مرة كـدعاء رؤية الهلال، والبعض الآخر منها اسبوعياً وبعضها يومياً.

            وقد ركز الإمام (ع) على «الصلاة على محمد وآل محمد» إذ ما من دعاء الا وورد فيه تلك الصلاة المباركة.

            ففي الوقت الذي كان الوضع الحاكم يستقبح حتى تسمية الأبناء باسم علي (ع) ويهدد من يقوم بذلك ويتوعدهم بأشد العذاب، وفي الوقت الذي يرى الامويون أن دعامة حكمهم لا تقوم إلا بسبّ علي عليه السلام والنيل منه،[14] تظهر لنا في تلك الأجواء القاتمة قيمة وعظمة التأكيد على تلك الصلاة ونشر مفهوم «محمد وآله الطيبين الطاهرين الأخيار الأنجبين» في المجتمع الاسلامي.[15]

            إن تأكيد الامام (ع) على الآصرة القوية والرابطة القويمة بين النبي محمد (ص) وآله نابعة من أمر الله تعالى بالصلوات على رسوله (صلّوا عليه وسلموا تسليما) وقد أولت الشيعة الإمامية هذه المسألة أهمية قصوى في عقائدها وثقافتها الفكرية لما لها من أهمية كبرى على جميع المستويات، ومن هنا نرى الإمام علي بن الحسين يروي عن أبيه عن جده، أنه قال: «إن الله فرض على العالم الصلاة على رسول الله (ص) وقرننا به فمن صلى على رسول الله (ص) ولم يصل علينا لقي الله تعالى وقد بتر الصلاة عليه وترك أوامره».[16]

            إن مسألة الإمامة من المضامين السياسية- الدينية المهمة للصحيفة، حيث إن مفهوم الإمامة يتضمن شيعيا بالاضافة الى أحقيّة الأئمة (ع) بالخلافة بعداً إلهياً للعصمة والتمتع بعلوم الأنبياء وخصوصاً النبي الأكرم (ص)، وقد ركز الإمام السجاد (ع) على مفهوم العصمة و الخلافة و... في أحد أدعيته عندما قال: «رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد الْمُنْتَجَبِ، الْمُصْطَفَى، الْمُكَرَّمِ، الْمُقَرَّبِ، أَفْضَلَ صَلَوَاتِكَ، وَبارِكْ عَلَيْهِ بَرَكاتِكَ أَتَمَّ.... رَبِّ صَلِّ عَلَى أَطَائِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لاَِمْرِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةَ دِيْنِكَ، وَخُلَفَآءَكَ فِي أَرْضِكَ، وَحُجَجَكَ عَلَى عِبَادِكَ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإرَادَتِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ الْوَسِيْلَةَ إلَيْكَ وَالْمَسْلَكَ إلَى جَنَّتِكَ.[17]

            ويقول (ع) في موضع آخر من الصحيفة: «أللَّهُمَّ إنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَآئِكَ وَمَوَاضِعَ أُمَنائِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا، قَدِ ابْتَزُّوهَا وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذَلِكَ، لاَ يُغَالَبُ أَمْرُكَ، وَلاَ يُجَاوَزُ الْمَحْتُومُ مِنْ تَدْبِيرِكَ.... حَتَّى عَادَ صَفْوَتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّيْنَ، يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلاً، وَكِتابَكَ مَنْبُوذاً، وَفَرَائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهَاتِ أشْرَاعِكَ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً. أللَّهُمَّ الْعَنْ أَعْدَآءَهُمْ مِنَ الاَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ، وَمَنْ رَضِيَ بِفِعَالِهِمْ وَأَشْيَاعَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ.[18]

            ولم تنحصر الأدعية بذلك بل هناك أهداف عبادية وفكرية وسياسية تجدر الإشارة إلى مورد فكري واحد منها كما روى ذلك الإربلي حيث قال: «جاءت الرواية أن علي بن الحسين كان في مسجد رسول الله (ص) ذات يوم إذ سمع قوما يشبهون الله بخلقه ففزع لذلك وارتاع له ونهض حتى أتى قبر رسول الله (ص) فوقف عنده فرفع صوته يناجي ربه فقال في مناجاته له: إلهي بدت قدرتك و لم تبد هيئة فجهلوك و قدروك بالتقدير على غير ما أنت به‏.... الى آخر الدعاء».[19]

            تعليق


            • #7
              عاش الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في عصر طغى فيه الظلم والفساد والجهل والانحراف، حيث أطبقت السلطة الأموية الطاغية قبضتها على أمور المسلمين وتولى حكمهم أقسى وأبشع من عرفهم التأريخ من الحكام والولاة الذين بلغوا الغاية القصوى من الظلم والجور والتدني والإنحطاط الخلقي، فانعكست هذه السيرة على الكثير من الناس مما أدى إلى ابتعادهم عن مفاهيم الإسلام وآدابه وأخلاقه وتشريعاته.

              في ذلك الجو الذي يسوده الظلم والظلام والقتل والرعب والإرهاب كانت إشراقات الإمام زين العابدين تتدفق في نفوس المظلومين والمحرومين وتفعم قلوبهم بالعطف والرحمة، حيث قام (عليه السلام) بدوره الإصلاحي في المجتمع وبثّ علومه ومعارفه لهدي الناس، ومدّ الأمة بتعاليمه التربوية والروحية، ــ وهذا هو دأب الائمة الطاهرين في كل زمان ومكان ــ فراح (عليه السلام) ينشر رسالة الإسلام ويدعو الناس إلى الرجوع إلى دينهم وكتاب ربهم وسيرة نبيهم (صلى الله عليه وآله) وإحقاق الحق وإقامة العدل وإنصاف المحرومين والمعذبين والمستضعفين.

              واجه الإمام زين العابدين تلك الانحرافات بنشر المبادئ الإسلامية وبيان المفاهيم والأحكام الدينية، فواجه الجهل بالوعي، والإنحراف بالإرشاد والتوجيه، ولفت الأنظار إلى ما يجب أن يتوفر في الحكام ومالهم وما عليهم من حقوق وواجبات وبما يضمن للدولة حقها وللناس كرامتهم وحقهم في الحياة وذلك بأسلوب الحوار مع الله ومناجاته وتمجيده في ستين دعاء جمعت في كتاب سمي بـ (الصحيفة السجادية) وهي قمة في التضرع الى الله واستعطافه، ومن أفضل ما يناجي بها الإنسان ربه ويدعوه، وقد سميت هذه الصحيفة لعظمتها وبلاغتها وروحيتها بـ (أخت القرآن) و(زبور آل محمد) و(إنجيل أهل البيت). كما احتوت على علوم مهمة في شتى المجالات، ولأهمية هذا السفر الخالد والأثر العظيم في تراثنا الديني والإنساني فقد وضعت له شروح كثيرة وترجم إلى عدة لغات وحاز على اهتمام العلماء منذ أن أشرق نوره إلى الآن.

              تعليق


              • #8
                السند الوضيء


                مما لا شك فيه أن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) قد توارثوا علومهم الربانية التي لم يختص بها أحد سواهم فهم (الراسخون في العلم)، وهم هداة الأمة ونجوم الهداية وسفن النجاة كما جاء في كثير من الأحاديث الشريفة، وقد تناقل هذا الأثر الخالد والسفر العظيم ــ الصحيفة السجادية ــ الأئمة الطاهرون ورووه إلى أصحابهم وشيعتهم حيث ينتهي سند الصحيفة السجادية إلى الإمام محمد الباقر وأخيه زيد بن علي الشهيد (عليهما السلام) وهذا السند هو متواتر تناقله العلماء جيلا بعد جيل، وإضافة إلى هذا السند المتواتر فإن بلاغتها وفصاحتها تشير إلى أنها من التراث النبوي والإرث السماوي وهي كما وصفها طنطاوي بأنها (فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق) وما هي إلا من كنوز أمراء الكلام كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَإِنَّا لاَ مَرَاءُ الْكَلاَمِ، وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ، وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصوُنُهُ).

                يقول السيد محسن الأمين العاملي في كتابه (الصحيفة الخامسة السجادية): (وبلاغة ألفاظها ــ أي الصحيفة السجادية ــ وفصاحتها التي لا تُبارى وعلوّ مضامينها وما فيها من أنواع التذلل لله تعالى والثناء عليه والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسّل إليه أقوى شاهد على صحة نسبتها، وإن هذا الدر من ذلك البحر، وهذا الجوهر من ذلك المعدن، وهذا الثمر من ذلك الشجر، مضافاً إلى اشتهارها شهرة لا تقبل الريب، وتعدد أسانيدها المتاصلة إلى منشئها صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعددة المتصلة إلى زين العابدين (عليه السلام) وقد كانت منها نسخة عند زيد الشهيد ثم انتقلت إلى أولاده، وإلى أولاد عبد الله بن الحسن المثنى، كما هو مذكور في أولها، مضافا إلى ما كان عند الإمام الباقر (عليه السلام) من نسختها، وقد اعتنى بها عامة الناس فضلاً عن العلماء اعتناء بروايتها وضبط ألفاظها ونسخها، وواظبوا على الدعاء بأدعيتها في الليل والنهار والعشي والإبكار).

                تعليق


                • #9
                  لدعاء في عهد زين العابدين(ع):

                  لا ريب في أن أدعية أهل البيت(ع)قد بلغت القمة في قوة البيان،وسمو المعنى،وجزالة الألفاظ،كأدعية أمير المؤمنين علي(ع) مثلاً.

                  ولقد حفظت لنا سيرة الإمام زين العابدين(ع)مجموعة من الأدعية تبلغ الذروة في الكمال والنضج والشموخ،بشكل يمكننا أن نقول أن الدعاء قد بلغ عصره الذهبي في عهده(ع).

                  هذا وتتميز أدعية الإمام أبي محمد السجاد(ع)،مضافاً لما هو موجود في أدعية آبائه(ع)بأنها قد بلغت من الشمول والاستيعاب الغايات،فهي ذات وجهين غاية في الارتباط والتكامل،حتى كأنهما يؤلفان وجهين لعملة واحدة.

                  وجهاً عبادياً وآخر اجتماعياً يتفق مع الحركة الإصلاحية التي يقودها(ع).

                  صحيح أن الدعاء يتضمن مضامين تعبدية،وهو وسيلة يتوسل بها العبد إلى بلوغ مرضاة الله تعالى،إلا أن الإمام(ع)كإنسان رسالي،استطاع بقدرته الفائقة أن يمنح أدعيته إلى جانب روحها التعبدية المعطاءة محتوى اجتماعياً متعدد الجوانب،بما تحمل من مفاهيم خصبة،وأفكار حية نابضة.

                  من هنا كانت أدعية زين العابدين(ع)ذات أهداف تغيـيرية واضحة كل الوضوح،حيث نجده يعلم المسلمين كيف يمجدون الله سبحانه ويقدسونه،وكيف يلجون باب التوبة من ذنوبهم،وكيف يناجونه،وينقطعون إليه،وكيف يتعاملون مع رسول الله(ص)وأولياء الله(ع)بالصلاة والثناء عليهم.

                  ونراه أيضاً كيف يسلك بالمؤمنين درب التعامل السليم مع مجتمعهم،فيعلمهم أسلوب البـر بالوالدين،ويشرح لهم حقوق الوالد على ولده،وحقوق الولد على والده أو حقوق الجيران والمسلمين بشكل عام.

                  ومما تعرض له(ع)بيان فاضل الأعمال وما يجب أن يلتـزم به المسلم من سلوك،ثم كيفية التعامل في الشؤون الاقتصادية كالديون وسواها.

                  وقد عرض(ع)كل هذه الأمور بأسلوب تعليمي رائع وبليغ،وقد جمع ذلك التـراث السجادي الخالد،فحمل عنوان الصحيفة السجادية.

                  وهناك بعض الأدعية الأخرى له(ع)تحت عنوان المناجاة الخمسة عشر،كما أن هناك دعاء أبي حمزة الثمالي،وهو من الأدعية ذات العمق والمضامين العالية.

                  الصحيفة السجادية:

                  فتحت الصحيفة السجادية آفاقاً جديدة للوعي الديني،لم يكن المسلمون يعرفونه من ذي قبل،خصوصاً في ذلك العصر الذي عرفت حاله،وعرفت المضامين التي عالجتها الصحيفة السجادية وتعرضت لها.

                  وعلى أي حال،فعادة يعرض للبحث في مثل هذه الأمور الصادرة عن المعصومين إلى الحديث عن السند،وسند الصحيفة قد ورد بنحوين ينتهيان إلى:

                  1-الإمام أبي جعفر الباقر(ع).

                  2-الشهيد زيد بن الإمام زين العابدين(ع).

                  على أنها قد حظيت بالتواتر،حتى زاد على ستة وخمسين ألفاً.

                  هذا ويمكن تصحيح الصدور لو قيل بعدم تمامية السند من خلال قوة المتن وعظمة المحتوى والمضمون،إذ أنها تشمل من أنواع التـذلل لله تعالى،والثناء عليه،فضلاً عن الأساليب العجيـبة في طلب العفو منه تعالى وكرمه والتوسل إليه أقوى شاهد على صحة نسبتها إليه(ع).

                  تعليق


                  • #10

                    وقد ذكرنا أيضاً أنه(ع)أراد إيجاد ثورة فكرية عامة،تتضمن جميع النواحي والموارد العلمية التي تحتاجها الأمة،سواء في النواحي الأخلاقية،أم النواحي العقائدية،أم النواحي الروحية،وغير ذلك.
                    وعلى هذا فلابد أن تكون الصحيفة السجادية متضمنة لكل هذه الأمور ومشتملة عليها.
                    وهذا ما نود التعرض له في هذا المورد،حيث سنشير إلى ما تضمنه زبور آل محمد،من مضامين متعددة النواحي،ولن نتعرض لجميع ما جاء فيها حيث أن ذلك يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين،وإنما سنشير إلى بعض تلك النماذج،ونحيل الباقي على القارئ العزيز،فإن بإمكانه الوصول إلى ذلك إذا قام بقراءة إنجيل أهل البيت(ع)قراءة فكرية معمقة،تشتمل على التدبر في المعاني،ومحاولة استنطاقها.
                    وعلى أي حال هذه بعض تلك المضامين:






                    1-تقوية الجانب العقدي عند الأمة،من خلال ذكر صفات الله سبحانه وتعالى الثبوتية،أو السلبية،وبيان سعة قدرته سبحانه وتعالى.
                    وهذا المعنى نراه يتكرر منه(ع)في كل دعاء تقريباً،وبأساليب مختلفة،فنقرأ مثلاً قوله(ع):
                    الحمد لله الأول بلا أول كان قبله،والآخر بلا آخر يكون بعده،الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين،وعجزت عن نعته أوهام الواصفين،ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً وأختـرعهم على مشيئته اختراعاً[2].
                    فنلاحظ دقته(ع)في التعبير عن الله سبحانه بالأول والآخر،وهما صفتان من صفات الله سبحانه،فيتحدث عنهما بطريقة تظهرهما بوجه يغاير وجودهما عند المخلوق،وواضح أن هذا نوع تركيز للجانب العقدي عند الداعي.
                    ومما أشار له(ع)في هذا الجانب تـنـزه الذات المقدسة عن أن تحاط ببصر أو وهم،ثم يختم دعائه بالتعرض لدقيق معنى الخلق والتكوين.
                    ومن الواضح أن هذا من الأدعية التي تركز أصل التوحيد في النفوس،وتؤكد قضية القدرة الإلهية.
                    ونقرأ منه(ع)أسلوباً آخر في بيان قدرته سبحانه وتعالى وتدبيره في دعاء آخر:
                    الحمد لله الذي خلق الليل والنهار بقوته،وميز بينهما بقدرته،وجعل لكل منهما حداً محدوداً،يولج كل واحد منهما في صاحبه،ويولج صاحبه فيه،بتقدير منه للعباد فيما يغذوهم به،وينشئهم عليه،فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب،ونهضات النصب،وجعله لباساً ليلبسوا من راحته ومقامه،فيكون ذلك لهم جماماً وقوة لينالوا به لذة وشهوة[3].
                    إلى آخر ما تعرض له في هذا الدعاء من فوائد خلق الليل والنهار،وما ينبغي للإنسان في شكره لهذه النعم.
                    ونجده(ع)تعرض أسلوباً ثالثاً في بيان أن جميع الأمور بيده عز وجل فلاحظ قوله(ع):
                    يا من تحل به عقد المكاره،ويا من يفتأ به حد الشدائد،ويا من يلتمس منه المخرج إلى روح الفرج،ذلت لقدرتك الصعاب،وتسببت بلطفك الأسباب،وجرى بقدرتك القضاء،ومضت على إرادتك الأشياء فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة،بإرادتك دون نهيك منـزجرة[4].
                    فهذا الدعاء يمثل نموذجاً من نماذج الابتهالات الروحية في مثل هذه الحالات التي تعرض للإنسان،ليتنفس من خلالها روح الأمل،ويعيش الإحساس بالطمأنينة الروحية،من خلال جولة فكرية روحية في آفاق قدرة الباري جل وعلا،وسيطرته على الكون والإنسان.
                    فهو(ع) يشير هنا إلى أن الإيمان يمثل القوة الروحية التي تمنح الإنسان المؤمن المناعة من السقوط حتى لو عاش حالة الاهتزاز،لأن إحساسه بوجود الله سبحانه،وأنه يرحم عباده ولا يهملهم ولا يخذلهم،بل يرعاهم برعايته ويحفظهم حتى لو ابتلاهم ببعض المشاكل،يجعله يملك قوة تفتح له أبواب الفرج.
                    2-بيان فضل الله سبحانه وتعالى على العبد،والإشارة إلى أن العبد عاجز عن أداء حق الله سبحانه مهما بالغ في الطاعة والعبادة والانقطاع إلى الله تعالى.
                    قال(ع):اللهم إن أحداً لا يبلغ من شكرك غاية إلا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكراً،ولا يبلغ مبلغاً من طاعتك وإن اجتهد إلا كان مقصراً دون استحقاقك بفضلك،فأشكر عبادك عاجز عن شكرهم وأعبدهم مقصر عن طاعتك[5].
                    فهذا الدعاء يعبر عن عجز الإنسان عن شكر الله سبحانه،لأن الإنسان المؤمن إذا شكر الله في شيء فإن إحسان الله يتتابع في حياته،ليجد نفسه في حاجة إلى شكر جديد لحصول نعمة جديدة تستدعي منه شكرها،وهكذا يعجز عن بلوغ الغاية القصوى من استحقاق الله لذلك مهما كان مجتهداً في العبادة.
                    وبالجملة لا طاقة للعبد المؤمن على شكر نعم الله تعالى عليه،لكونها لا تتناهى،فلهذا يعجز عن شكره،فكيف إذا كان العبد عاصياً متجرئاً على الله،فمهما صنع بعدئذٍ لا يستطيع أن يكفرّ عن معصية واحدة،وقد أشار(ع)لهذا المعنى فقال:
                    يا إلهي لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عيني،وانتحبت حتى ينقطع صوتي،وقمت لك حتى تنتشر قدماي،وركعت لك حتى ينخلع صلبي،وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاى،وأكلت تراب الأرض طول عمري،وشربت ماء الرماد آخر دهري،وذكرتك في خلال ذلك حتى يكل لساني،ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياء منك،ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي[6].
                    3-التعريف بالثواب والعقاب،وبيان أن كل ثواب يحصل عليه الإنسان،إنما هو تفضل من الله سبحانه عليه،وليس استحقاقاً له،فكل عمل يعمله المكلف،إنما هو امتثال لأمر المولى والمنعم عليه.
                    وتعرضت أيضاً إلى أن العبد يستحق العقاب من الله تعالى بأدنى معصية تصدر منه،وأن لله سبحانه الحجة البالغة عليه فيها،كما أشارت إلى الجنة والنار.
                    وجميع أدعية الصحيفة تلهج بهذه النغمة المؤثرة،لأنها توحي إلى النفس بالخوف من عقاب الله سبحانه ورجاء ثوابه.
                    وكلها شواهد على هذا المعنى،بأساليب بليغة مختلفة تبعث الرعب والفزع في قلب المتدبر،وتمنعه عن الإقدام على المعصية،قال(ع):
                    حجتك قائمة،وسلطانك ثابت لا يزول،فالويل الدائم لمن جنح عنك،والخيبة الخاذلة لمن خاب منك،والشقاء الأشقى لمن أغتر بك،ما أكثر تصرفه في عذابك،وما أطول تردده في عقابك،وما أبعد غايته من الفرج،وما أقنطه من سهولة المخرج،عدلاً من قضائك لا تجور فيه،وإنصافاً من حكمك لا تحيف عليه،فقد ظاهرت الحجج وأبليت الأعذار[7].
                    ونقرأ هذا المعنى أيضاً،لكن بإسلوب آخر:اللهم فرحم وحدتي بين يديك،ووجيب قلبي من خشيتك،واضطراب أركاني من هيبتك،فقد أقامتنيي يارب ذنوبيي مقام الخزي بفنائك،فإن سكت لم ينطق عني أحد ،وإن شفعت فلست بأهل الشفاعة[8].
                    وفي دعاء آخر:فإنك إن تكافني بالحق تهلكني،وإلا تغمدني برحمتك توبقني………وأستحملك من ذنوبي ما قد بهظني حمله،وأستعين بك على ما قد فدحني ثقله،فصل على محمد وآله،وهب لنفسي على ظلمها نفسي،ووكل رحمتك باحتمال أصري[9].
                    4-السعي إلى تربية الداعي على القيم الأخلاقية،من خلال دعوته إلى التـرفع عن مساوئ الأفعال،وخسائس الصفات،لتنقية ضميره وتطهير قلبه،قال(ع):
                    اللهم وفر بلطفك نيتي،وصحح بما عندك يقينيي،واستصلح بقدرتك ما فسد مني.
                    اللهم صل على محمد وآل محمد،ومتعني بهدي صالح لا أستبدل به،وطريقة حق لا أزيغ عنها،ونية رشد لا أشك فيها.
                    اللهم لا تدع خصلة تعاب مني إلا أصلحتها،ولا عائبة أؤنب بها إلا أحسنتها،ولا أكرومة في ناقصة إلا أتمتها[10].
                    والحاصل يضع هذا الدعاء برامج للأخلاق الروحية والاجتماعية،التي يسمو بها الإنسان.
                    5-تربية العبد على أن لا يسأل حاجته،إلا من الله سبحانه،فيتـرفع عن سؤال الناس والتذلل والخضوع لهم،والسؤال منهم.
                    كما يعلمه أن الطمع بما في أيدي الناس من أخس الصفات التي يتصف بها الإنسان،قال(ع):ولا تفتني بالاستعانة بغيرك إذا اضطررت،ولا بالخشوع لسؤال غيرك إذا افتقرت،ولا بالتضرع إلى من دونك إذا رهبت،فاستحق بذلك خذلانك ومنعك وإعراضك[11].
                    وجاء عنه(ع)في دعاء آخر:اللهم إني أخلصت بانقطاعي إليك،وصرفت وجهي عمن يحتاج إلى رفدك،وقلبت مسألتي عمن لم يستغن عن فضلك،ورأيت أن طلب المحتاج سفه من رأيه وضلة من عقله.
                    وقال(ع) في دعاء ثالث:فمن حاول سد خلته من عندك،وأمّ صرف الفقر عن نفسه بك،فقد طلب حاجته في مظانها وأتى طلبته من وجهها،ومن توجه بحاجته إلى أحد من خلقك أو جعله سبب نجاحها دونك،فقد تعرض للحرمان واستحق منك فوت الإحسان[12].
                    6-تعليم الناس مراعاة حقوق الآخرين،ومعاونتهم والشفقة والرأفة من بعضهم لبعض،والإيثار فيما بينهم،تحقيقاً لمعنى الأخوة الإسلامية.
                    وبعبارة موجزة،تركز بعض الأدعية الواردة فيها مفاهيم التهذيب الاجتماعي،من الناحية السلوكية،كما تركز مفاهيم المجتمع الفاضل،قال(ع):
                    اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره،ومن معروف أسدي إليّ فلم أشكره،ومن مسيء أعتذر إليّ فلم أعذره،ومن ذي فاقة سألني فلم أوثره،ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم أوفره،ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم استره[13].
                    ومن الواضح اشتمال هذا المقطع على الأخلاق الإلهية العالية التي تسعى بالنفس الإنسانية لرقي مدارج الكمال،والكون في عالم الملكوت.
                    وقد تعرض(ع)في دعاء آخر إلى تربية النفس على العفو والصفح عمن أساء إلى الإنسان،كما يحذره من الانتقام،ويسمو بنفسه إلى مقام القديسين،قال(ع):
                    اللهم وأيما عبد نال مني ما حظرت عليه،وانتهك مني ما حجرت عليه،فمضى بظلامتي ميتاً،أو حصلت لي قبله حياً،فاغفر له ما ألم به مني واعف له عما أدبر به عني،ولا تقفه على ما ارتكب فيّ،ولا تكشفه عما اكتسب لي،واجعل ما سمحت به من العفو عنهم،وتبرعت من الصدقة عليهم أزكى صدقات المتصدقين،وأعلى صلات المتقربين،وعوضني من عفوي عنهم عفوك،ومن دعائي لهم رحمتك،حتى يسعد كل واحد منا بفضلك[14].
                    وهذه الفقرة تشير إلى نكتة هامة،وهي سلامة النية مع جميع الناس،وطلب السعادة لكل أحد،حتى الذين ظلموه واعتدوا عليه.
                    7-لقد اشتملت بعض الأدعية على الكثير من الحقائق العلمية التي لم تكن معروفة في عصره(ع).
                    منها:قوله(ع):الحمد لله الذي ركب فينا آلات البسط،وجعل لنا أدوات القبض[15].
                    فهو يشير إلى اليدين والرجلين،فهما ينقبضان،كما ينبسطان حسب الذبذبات التي يوجهها دماغ الإنسان.
                    ومنها:قوله(ع)في الدعاء لأهل الثغور:اللهم وامزج مياههم بالوباء،وأطعمتهم بالأدواء[16].
                    حيث أشار(ع)إلى بعض الجراثيم التي تحصل من خلال الماء نتيجة تلوثه بجراثيمها،فيصاب المتناول له بالمرض بمجرد شربه.
                    8-تركيزه مسألة الصلاة الكاملة التي وردت عن النبي(ص)من خلال تكراره الصلاة على النبي وآله.
                    وقد استخدم(ع)هذا الأسلوب،في وقت كانت تسمية الشخص باسم علي أمراً مستهجناً من قبل حكام بني أمية،بل جريمة يعاقب عليها،وتعرض الناس تحت هذه الذريعة للتهديد والملاحقة،وكأن الأمر ما كان ليستقيم لسلاطين بني أمية إلا بسبب علي أمير المؤمنين(ع)،وهنا تتضح قيمة هذه العبارة،والهدف من تكرارها في أدعيته(ع).
                    وبالجملة إن تأكيد الإمام(ع)على قضية محمد وآله،أمر فرضه الله في الصلاة عليهم،وهو يحظى بأهمية بالغة في تبيان عقائد الشيعة.
                    9-تركيزه مسألة عقائدية،بل وسياسية مهمة من خلال الأدعية التي وردت فيها،ألا وهي مسألة الإمامة التي طرحت على شكل مفهوم إسلامي يشتمل بالإضافة إلى أحقية وأولوية أهل البيت(ع)في تولي قيادة المجتمع،على جوانب إلهية من قبيل العصمة،والاستفادة من علوم الأنبياء(ع)،وخاصة النبي الأكرم محمد(ص)،قال(ع):
                    رب صل على اطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك،وجعلتهم خزنة علمك،وحفظة دينك،وخلفاءك في أرضك،وحججك على عبادك،وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيراً بإرادتك،وجعلتهم الوسيلة إليك،والمسلك إلى جنتك[17].
                    وقال(ع)في دعاء آخر:اللهم إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك،ومواضع امنائك في الدرجة الرفيعة،التي اختصصتهم بها،وقد ابتزوها،حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين،مقهورين مبتزين،اللهم العن أعدائهم من الأولين والآخرين،ومن رضي بفعالهم وأشياعهم واتباعهم[18].
                    وجاء عنه(ع)أيضاً:اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علماً لعبادك،ومناراً في بلادك،بعد أن أوصلت حبله بحبلك،وجعلته الذريعة إلى رضوانك،وافترضت طاعته،وحذرت معصيته،وأمرت بامتثال أوامره،والانتهاء عند نهيه،ولا يتقدمه متقدم،ولا يتأخر عنه متأخر،فهو عصمة اللائذين،وكهف المؤمنين،وعروة المتمسكين،وبهاء العالمين،وأقم به كتابك،وحدودك،وشرايعك،وسنن رسولك صلوات الله عليه وآله،واحي به ما أماته الظالمون من معالم دينك،واجل به صداء الجور عن طريقتك،وابن به الضراء من سبيلك وأزل به الناكبين عن صراطك،وامحق به بغاة قصدك عوجاً،واجعلنا له سامعين مطيعين،وفي رضاه ساعين[19].
                    والحاصل يتضح جلياً من كل هذا،أنه(ع)كان يبذل جهوداً حثيثة لنشر مبدأ الاعتقاد بالإمامة،بمفهومه الشيعي،على اعتباره أهم مسألة في المسائل الاعتقادية الإسلامية.
                    \

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X