( من وحي المناسبة )
انطبع تأريخ كربلاء على مساحة واسعة من تأريخ حياة الإمام السجاد عليه السلام ، فالمقطع الزمني الواقع بين يوم عاشوراء ورجوع السبايا الى المدينة المنورة والذي لا يتجاوز الشهرين لعله - على تقدير أن اليوم الأربعين من أستشهاد الإمام الحسين كانوا في كربلاء سلام الله عليهم - على أهمّيته الا أنه لا ينبغي على الكاتب والقارىء وكل من يؤمن بإمامته صلوات الله عليه أن يختزل حياة الإمام فيه ويجعله الانطباع العام لهذه الإمامة الربانية ..
واقعة الطف وقعت في بداية عام 61 للهجرة ، واستشهاد الإمام السجاد صلوات الله عليه كان في 95 للهجرة ، اي أن عمر إمامته هو 35 سنة ، وهي من الفترات الطويلة لتسنّم الإمامة عند مقارنتها مع باقي الائمة صلوات الله عليهم ..
انما ينبغي أن نهتم بفترات الإمامة من عمر المعصومين لأنها فترات تشريع بحسب ما نؤمن به ونعتقد ، تُضاف الى عدد سنوات البعثة الشريفة للرسول الأكرم صلوات الله عليه ، فهي بهذا تكون ذات قيمة عالية وأهمية بالغة والتفريط بها هو هدر لطاقة اسلامية وثروة فكرية وروحية لا تعوّض ولا تُثمن أبدا ..
قول المعصوم وفعله وتقريره حجّة ، هذا يعني أن كل لحظة من لحظات حياته حجّة ، قبل تسنّم مهام الإمامة وبعدها .. نعم ، قد تكون المشكلة تكمن في المادة التاريخية الواصلة إلينا ، وأنها لم تستوعب عشر معشار حياة الائمة عليهم السلام ( قولاً وفعلاً وتقريرا ) ، إلا أن التقصير واقع من قبلنا في نفس هذه النسبة القليلة الواصلة ، فنقوم بإختزال المُختزل ، واجتزاء المُجتزء .. ! فيحصل النقص الفضيع في منظومتنا المعرفية ، وهذا النقص يستتبعه تعويض اضطراري يقوم به وحي الخيال او الوضع أو الاعتماد على ضعاف الأخبار ، أو يتبرع به لسان الحال .. الخ ، فينفتح باب واسع للتشويه والتحريف والابتعاد عن الصحيح والواقع ..
ومن أهم ما ينبغي أن نهتم به ونلتفت إليه هو الروايات الواردة عن الإمام زين العابدين عليه السلام في شتّى المجالات العلمية والفكرية والاجتماعية والفقهية والإسلامية .. لأن كل رواية واردة عنه تمثّل تدويناً صادقاً ودقيقاً لجزء من سيرته وحياته قد لا يكون واضحاً للمؤرخ او قارىء التاريخ ، وتحكي لنا التزاماً للإمام أو قناعة من قبله بشيء ما او نظرة معينة أو رأياً محددا ..
ثم أن هنالك باباً واسعاً للدخول الى الشخصية العميقة والهوية النورانية للإمام السجاد عليه السلام تعجز عن بيانها السيرة التقليدية ولا تفي بها ترجمة حياته بجوانبها الطبيعية ، وهذا الباب يطرقه لنا الدعاء ويفتح مغاليقه المناجاة الواردة عنه صلوات الله عليه ، فإننا حين نقرأ في الصحيفة السجادية انما نقرأ الإمام في حالة علاقته مع الله سبحانه وتعالى ، وهي أسمى وأرقى علاقة يمكن أن يكون عليها الإنسان بل كل مخلوق في هذا الوجود .. فأين حياة الامام السجاد التي ترسمها لنا شبكة علاقاته الإجتماعية او الجوانب الحياتية الأخرى من حياته الخاصة مع ربّه ..!!
آجركم الله
تعليق