بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
للمرأة أهمية كبرى في المجتمع الإسلامي فما هي أدوارها وما مدى تأثيرها على المجتمع؟
أكد الإسلام على دور المرأة في المجتمع ناهيك عن دورها الأسري، المرأة هي الزوجة الصالحة والأم المربية والفتاة الفاضلة، ورأينا في تاريخنا كيف أن النساء استطعن رسم بصمات عظيمة من خلال جهادهن ومواقفهن، فآٍسيا بنت مزاحم وماشطة فرعون ومريم بنت عمران والسيدة خديجة وفاطمة الزهراء والعقيلة زينب سلام الله عليهن شكلن مواقف رسالية غدت أنموذجاً راقياً على مر العصور، فكانت تضحية وجهاداً وإيثاراً.
لقد أوصى رسول الله بالنساء خيراً، وقد قال : (رفقاً بالقوارير)، فماذا يعني الرفق بالنساء؟
لقد جاء الإسلام شاملاً بخطابه حيناً وخاصّاً إياها حيناً آخر محارباً جميع سياسات المجتمع الجاهلي من تجهيلٍ وتحقير وإذلال للمرأة، موجهاً ومرشِّداً التصور الإنساني تجاهها على أساس الرحم والعلاقة الاجتماعية فهي لا تخلو إما أمّ أو أخت أو زوجة أو بنت أو ما إلى ذلك من صلاتٍ أمر سبحانه أن يراعي فيها المرء التقوى والورع بأداء الواجبات والحقوق وبحاكمية "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"
لقد برزت مؤخراً حركات المطالبة بحقوق المرأة وكفالة حريتها، فما هو رأي سماحتكم في ذلك؟
إن أحد عوامل التخلف الكبيرة في مجتمعاتنا هي عدم القدرة على تحكيم الأخلاق في سلوكنا الاجتماعي والسياسي ويتمثل ذلك في عدم شعورنا بالحاجة إلى الآخرين حين الشعور بالقوة وهذا ما يظهر في التعاطي مع المرأة من خلال استضعافها واعتبارها عند البعض وكأنها مجرد أداة إما للمتعة أو التسلية أو الخدمة وهو ما يمثل مأساة كبيرة في فهم النصف الآخر الذي يشكل مجتمعاتنا ويزيد عن النصف في بعض الأحيان عددياً، وكم يتناسى الكثيرون الدور الذي تلعبه المرأة في حياتنا فهي الأم والزوجة والمربية والمضحية والشريكة التي تتقاسم حلو الحياة ومرها مع الزوج ومع ذلك تبقى الجندي المجهول عادة وكما يقولون "وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة". إن القضية تكمن في نقص الثقافة الواعية التي تنعكس سلوكاً أخلاقياً رفيعاً تجاه المرأة وليس فقط مجرد شعارات ونظريات وهو ما تعانيه مجتمعاتنا حتى من تدعي بالمطالبة بحقوق المرأة.
ما هي حقوق المرأة في الإسلام؟
لقد أعطى الإسلام المرأة مكانة متميزة بوصفها أحد ركني المجتمع فأي مجتمع بشري مأخوذ في شرطه التكويني وجود المرأة تماماً كشرطية وجود الرجل، ويؤكد لنا القرآن الكريم أن هذا الاختلاف ليس اختلافاً جوهرياً بل هو اختلاف وظيفي فالرجل والمرأة خلقا من نفس واحدة، وكّرمها ومنحها كافة حقوقها في الجوانب المعرفية والحقوقية والقيمية.
ما رأيكم في دخول المرأة في سلك العمل ومشاركة الرجال المسؤولية؟
لابد من الإشارة إلى أن الدور والواجب على المرأة الرسالية أداؤه ليس هدّية يقدّمها الرجل لها، فإذا امتنع من تقديمه فلا دور لها في الحياة، بل هو حق من حقوقها ومسؤولية من مسؤولياتها، وعليها أن تلتزم هذا الحق وتمارس هذه المسؤولية، وإلا فلن يشفع لها أمام الله والتاريخ أن تعتذر بأن الرجال لم يتركوا لها واجباً أو لم يقدموا لها دوراً.
ومن هنا كان واجباً عليها أن تعتني بنفسها لرفع مستواها الفكري والسياسي والثقافي والديني والعلمي، والاقتداء بنماذج للمرأة المجاهدة من طراز المجاهدات الكبيرات، فاطمة الزهراء، وزينب الكبرى عليهما السلام.
فالمرأة يجب أن تسبق الرجل في تحمل المسؤولية، ذلك لأن المرأة تصل حدّ البلوغ الشرعي قبل الرجل بأربع سنوات، لذا عليها أن تسبق الرجل بأربع سنوات في العمل وأداء الواجب إذ أن صياغة التاريخ وصناعته ليست حكراً على الرجال وقد تؤدي المرأة في هذا المضمار دوراً يعجز الرجال عن القيام بمثله، والمرأة جزأ لا يتجزأ من المجتمع، بل هي أم المجتمع وصانعة رجاله وأبطاله، بل إن المرأة تشاطرهم في هذه المهمة العليا، وقد قيل بحق "وراء كل رجل عظيم امرأة".
وما هي الضوابط الشرعية التي تحفظ للمرأة كرامتها وخصوصيتها في مجال عملها؟
العفة، والحشمة، والسير على نهج الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام وابنتها العقيلة زينب الكبرى عليها السلام، الالتزام بالضوابط الدينية وبمنهج الإسلام الذي إن وضع حدودا فهي لحماية جوهر المرأة وصون كرامتها وخلق حدود تحفظ شخص المرأة وخصوصيتها.
(الرجال قوامون على النساء)، ما هي حدود تلك القوامة؟
الإسلام لم يفضل في يوم ما الرجل على المرأة ولا المرأة على الرجل، بل ينظر إلى هذين العنصرين نظرة واحدة لا انحياز فيها لطرف ولا تفضيل لأحد على الآخر، بل ساوى بين الاثنين في كافة الحقوق الإنسانيّة ولم يفرق بينهما حتى في المسائل الأخروية كالجزاء والحساب والثواب والعقاب فنشاهد القرآن الكريم يقول بصراحة: "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً" [النساء : 124]، "مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ" [غافر : 40]، وغيرهما من الآيات القرآنية التي تقرن المرأة بالرجل في عمل الصالحات واستحقاق المثوبة وتسجيل الأعمال، وهل هناك نظرة للمرأة أسمى من هذه وموقف حيال المرأة أروع من هذا الموقف الذي لا يفرق بينهما وبين الرجل في القرب من الله تعالى والحصول على نعمائه ورضوانه؟، وهل هناك مبدأ آخر غير الإسلام يرفع من شأن المرأة إلى هذه الدرجة ويضفي عليها هذه القدسية ويقربها من منابع الفيض الإلهي؟، فأي فرق بين الرجل والمرأة إذاً من وجهة النظر الإسلامية؟ لا فرق بينهما مطلقاً، فبإمكان أي منهما أن يسمو ويرتفع بعمله عبر الطريق إلى الله تعالى، وبإمكان المرأة أن تسبق الرجل وتجتازه مادام الشرط الوحيد هو العمل الصالح والسلوك الحسن لا فرق في ذلك بين أن يكون السالك رجلاً أم امرأة.
كان للمرأة دور كبير في واقعة الطف، صف لنا ذلك الدور؟
لا يمكن الحديث عن القضية الحسينية من دون التوقف عند الدور الكبير الذي جسدته المرأة بحضورها وعطائها وتضحياتها على كل صعيد انطلاقاً من رؤى الإسلام في نظرته لدور المرأة ومكانتها في الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية والعلمية.ولنا في زينب بنت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب أسوة حسنة حيث لا يخفى دورها الجهادي والريادي في ثورة الإمام الحسين حيث قادت في رحلة السبي أكبر عملية إعلامية نوعية في حينها قلبت المعادلة السياسية على النظام الأموي الجاهلي، مع مراعاتها للعفة والحجاب وهي بنت الطهر والعفاف، فحري لبناتنا وأخواتنا وأمهاتنا أن يقتدين بها نموذجاً واعياً للمرأة الرسالية.
لقد حملت زينب عليها السلام في كربلاء ما لا يطيق حمله الرجال، ما السر في ذلك؟
ذلك أن مشوار الرفض الزينبي ما كان إلا تتمات مسيرة لا تنتهي وفصول ملحمة أزلية بين الحق والباطل وبين العدل والظلم، وما كانت زينب عليها السلام إلا كلمة من كلمات الله قذفت باطل بني آكلة الأكباد وحزب الشيطان فإذا هو زاهق "وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ" [الأنفال : 7].
في ختام هذا اللقاء نطلب منكم نصيحة للمرأة الزينبية بمختلف مواقعها: بنتاً، وزوجةً، وأماً؟
زخرت الثورة الحسينية وما تبعها من ثورة إعلامية زينبية بمواقف ونماذج نسائية ضربت أروع المثل في تحمل المسؤولية وروح المبادرة والتصدي للواقع المنحرف، وكشف زيف الطاغوت.
إن جهاد الإيمان الشرف والحياء والعفة والحشمة هو رسالة زينب عليها السلام للمرأة، وإن تربية جيل حسيني واع عامل هو مسؤولية تحمل المرأة الكثير من أعباءه، لذا فإن الدور الرئيسي الذي تخدم المرأة به الأمة هو إيمانها وتنشئتها لأجيال حسينية مؤمنة فتياناً وفتيات يغذون العمل الرسالي وينعشون المجتمع بظلال إيمانهم.