الحسين المذهبي:
لم يكن في النية الكتابة في هذا الموضوع والخوض في تفاصيله؛ لأنها مقولات متكررة منذ ان وجد الزمان والمكان، ولكني أردت أن أبين لبعض المتأثرين بمثل تلك المقولات ضرورة عدم الانسياق وراء بعض الاصوات التي لها غاياتها واهدافها الواضحة في محاولة هدم الأسس والمبادئ التي يعتمد عليها المذهب الشيعي، إذ عليهم أن يكونوا محصنين بالايمان اولا ومعرفة الصالح والطالح من الآراء، وان يكونوا قادرين على تحليل الرأي قبل التأثر به، وأن يمتلكوا الفكر الناقد المبتني على غربلة الآراء وتمحيصها.
فمن بين المقولات التي ظهرت أخيرا هي التمييز بين الحسين الحقيقي والحسين الذي ولد مؤخرا، وهو الحسين المذهبي، وهذا التفريق من أساسه قائم على التلاعب وخداع العناوين، اذ إن أصل الاعتقاد بوجود المذهب، يلزم من أن تعتقد بكون الحسين اماما معصوما، وهذا يلزم منه ان تكون مذهبيا بالضرورة، الا اذا اردت تكون مسلما من دون مذهب وهو مخالف للواقع؛ لأن صورة الحسين قد رسمتها روايات النبي وأهل بيته بحسب مباني مدرسة أهل البيت، التي تكونت وتأسست بجهود علماء هذه المدرسة، الذين استمدوا المباني والاصول من ائمة اهل البيت عليهم السلام، واضحى علماؤها من ركائز المذهب، فلا يمكن تصور المذهب الجعفري من دون علمائه، كما لا يمكن تصور علماء المذهب الحنفي من دون ابي حنيفة ومن جاء من بعده، أو تصور المذهب الصوفي من دون اعلام المتصوفة انفسهم، وعلى ذلك فإن اللازم من الغاء دور علماء المذهب وتكذيبهم بأجمعهم هو الغاء للمذهب.
فإذن لا وجود لحسين آخر سوى هذا الحسين الذي اطلق عليه المشكك بأسم الحسين المذهبي.
ويمكن لنا تفصيل ملامح الحسين المذهبي بالآتي:
اولا: الادعاء بأن المذهب الشيعي قد أفاد من مقتل الحسين في كربلاء، بأن انتج حسينا أخر، كي يعتاش عليه المذهب معنويا وماديا، وظل خالدا متجددا على مر العصور.
والجواب على ذلك : أنه من المفروض أن صناع التاريخ والحضارات هم الغالبون لا المغلوبون، ومذهبنا بحسب الواقع مغلوب على أمره، فكيف استطاع هذا المغلوب أن يفرض رؤاه على الغالبين، ويبقي حسينه متقدا وثورته متجددة، على الرغم من محاولات محوها من الحاكمين والظالمين ومن يدور في فلكهم من كتاب وفقهاء وادباء ومزورين ومستهزئين بتعظيم صورة الحسين والبكاء والحزن عليه.
واذا كان الامر كذلك فإذن اصحاب هذا المذهب - على اختلاف ازمنتهم واماكنهم ومشاربهم الفكرية - لابد أن يعترف الجميع بذكائهم وقدرتهم على صنع نسخة بشرية لتمرير مخططاتهم من خلالها، فكيف تم الاتفاق الكامل عبر ازمنة متعددة واماكن وطوائف على صنع هذه النسخة، لا سيما ونحن نذعن بوجود خلافات بينهم قد تصل الى حد القطيعة.
ثانيا: لكل باحث او مشكك لابد له من وجود هدف وغاية من بحثه وتشكيكه، ويتضح ذلك من خلال منهجه، ويبدو أن المشكك يعول على غفلة البعض ممن لا يعرف آليات الاستدلال العلمي في الرواية وغيرها، ويبدو هذا الامر واضحا في اضطراب منهج المشكك، اذ كثيرا ما يرفض بعض الروايات لعدم قناعته الشخصية بها، ويقبل اخرى لقناعته الشخصية ايضا، في حين أن القبول والرفض لابد ان يكون خاضعا لمنهج واضح، ولابد من تبيينه في مرتبة سابقة، ويظهر ذلك بقبول بعض الروايات الموجودة في كتب التاريخ، وفي المقابل يرفض روايات اخرى موجودة في الكتب نفسها.
وكذاك يرفض بعض الروايات عن الامام الصادق مثلا بحجة أن هذه قد انتجها المذهب لا الامام نفسه، من دون توضيح المنهج في ذلك، بل يرفض حتى الروايات التي تذكرها كتب الجمهور في الصحاح، من قبيل بكاء النبي على الحسين لنفس الحجة.
ثالثا: إن الحسين هو امام قام أو قعد، وهذا يستلزم ايمانا واعتقادا دينيا، والدين يتقوم بركيزتين: الايمان القلبي والاعتقاد العقلي، والذي يستتبع الايمان القلبي هو الجانب الغيبي، واوضح مصداق له هو الايمان بوجود خالق للكون واحد احد، مع اننا لم نره في أعيننا ولكن رأيناه في قلوبنا، وكذلك ايماننا بالوحي الذي نص على نبوة الخاتم، بل اعتقادنا بإمامة علي واولاده المعصومين، ولا توجد ديانة على وجه الارض من دون هذا البعد الغيبي، فلا محذور ولا يكون المذهب ملوما بربط قضية الحسين بالجانب الغيبي من خلال الروايات المستفيضة في كتب الفريقين على اهمية الحسين وبعدها الغيبي.
رابعا: إن محاولة تهديم المذهب من خلال محاربة الحسين ونهضته واحياء امره وشعائره وتفاصيل ملحمته ماهو إلا ضرب لمركز القوة في المذهب الذي اضحى مندكا بالحسين، ولافكاك بينهما، بل لاوجود للمذهب من غير الحسين وقضيته، فهو وجدان الشيعة وعنوانهم، وامتد ليكون انموذجا للحرية والكرامة والإباء لكل الإنسانية، فالعجب ان تسعى الانسانية بمختلف مشاربها لفهم ومعرفة الحسين المذهبي الحقيقي وتتمنى ان يكون لها رمز كالحسين بن علي، بينما يسعى من يدعي التشيع - وهو ليس منه- الى إطفاء جذوته، من خلال مقولات قيلت قبله – وقد أهملها التاريخ- بكونه رجلا طالبا للحكم قد غدر به أهل الكوفة وأراد السلم بأي طريقة من الطرق، ولكن حاكم الكوفة رفض سلمه، وقتله، ولعمري هو كلام مجاني مجانب للروايات الاصيلة والحقائق التأريخية ،ومعتمد على روايات نادرة غير معتد بها، تتسق والحقد الدفين في نفوس إنطفأت أنوار الهداية فيها .
لم يكن في النية الكتابة في هذا الموضوع والخوض في تفاصيله؛ لأنها مقولات متكررة منذ ان وجد الزمان والمكان، ولكني أردت أن أبين لبعض المتأثرين بمثل تلك المقولات ضرورة عدم الانسياق وراء بعض الاصوات التي لها غاياتها واهدافها الواضحة في محاولة هدم الأسس والمبادئ التي يعتمد عليها المذهب الشيعي، إذ عليهم أن يكونوا محصنين بالايمان اولا ومعرفة الصالح والطالح من الآراء، وان يكونوا قادرين على تحليل الرأي قبل التأثر به، وأن يمتلكوا الفكر الناقد المبتني على غربلة الآراء وتمحيصها.
فمن بين المقولات التي ظهرت أخيرا هي التمييز بين الحسين الحقيقي والحسين الذي ولد مؤخرا، وهو الحسين المذهبي، وهذا التفريق من أساسه قائم على التلاعب وخداع العناوين، اذ إن أصل الاعتقاد بوجود المذهب، يلزم من أن تعتقد بكون الحسين اماما معصوما، وهذا يلزم منه ان تكون مذهبيا بالضرورة، الا اذا اردت تكون مسلما من دون مذهب وهو مخالف للواقع؛ لأن صورة الحسين قد رسمتها روايات النبي وأهل بيته بحسب مباني مدرسة أهل البيت، التي تكونت وتأسست بجهود علماء هذه المدرسة، الذين استمدوا المباني والاصول من ائمة اهل البيت عليهم السلام، واضحى علماؤها من ركائز المذهب، فلا يمكن تصور المذهب الجعفري من دون علمائه، كما لا يمكن تصور علماء المذهب الحنفي من دون ابي حنيفة ومن جاء من بعده، أو تصور المذهب الصوفي من دون اعلام المتصوفة انفسهم، وعلى ذلك فإن اللازم من الغاء دور علماء المذهب وتكذيبهم بأجمعهم هو الغاء للمذهب.
فإذن لا وجود لحسين آخر سوى هذا الحسين الذي اطلق عليه المشكك بأسم الحسين المذهبي.
ويمكن لنا تفصيل ملامح الحسين المذهبي بالآتي:
اولا: الادعاء بأن المذهب الشيعي قد أفاد من مقتل الحسين في كربلاء، بأن انتج حسينا أخر، كي يعتاش عليه المذهب معنويا وماديا، وظل خالدا متجددا على مر العصور.
والجواب على ذلك : أنه من المفروض أن صناع التاريخ والحضارات هم الغالبون لا المغلوبون، ومذهبنا بحسب الواقع مغلوب على أمره، فكيف استطاع هذا المغلوب أن يفرض رؤاه على الغالبين، ويبقي حسينه متقدا وثورته متجددة، على الرغم من محاولات محوها من الحاكمين والظالمين ومن يدور في فلكهم من كتاب وفقهاء وادباء ومزورين ومستهزئين بتعظيم صورة الحسين والبكاء والحزن عليه.
واذا كان الامر كذلك فإذن اصحاب هذا المذهب - على اختلاف ازمنتهم واماكنهم ومشاربهم الفكرية - لابد أن يعترف الجميع بذكائهم وقدرتهم على صنع نسخة بشرية لتمرير مخططاتهم من خلالها، فكيف تم الاتفاق الكامل عبر ازمنة متعددة واماكن وطوائف على صنع هذه النسخة، لا سيما ونحن نذعن بوجود خلافات بينهم قد تصل الى حد القطيعة.
ثانيا: لكل باحث او مشكك لابد له من وجود هدف وغاية من بحثه وتشكيكه، ويتضح ذلك من خلال منهجه، ويبدو أن المشكك يعول على غفلة البعض ممن لا يعرف آليات الاستدلال العلمي في الرواية وغيرها، ويبدو هذا الامر واضحا في اضطراب منهج المشكك، اذ كثيرا ما يرفض بعض الروايات لعدم قناعته الشخصية بها، ويقبل اخرى لقناعته الشخصية ايضا، في حين أن القبول والرفض لابد ان يكون خاضعا لمنهج واضح، ولابد من تبيينه في مرتبة سابقة، ويظهر ذلك بقبول بعض الروايات الموجودة في كتب التاريخ، وفي المقابل يرفض روايات اخرى موجودة في الكتب نفسها.
وكذاك يرفض بعض الروايات عن الامام الصادق مثلا بحجة أن هذه قد انتجها المذهب لا الامام نفسه، من دون توضيح المنهج في ذلك، بل يرفض حتى الروايات التي تذكرها كتب الجمهور في الصحاح، من قبيل بكاء النبي على الحسين لنفس الحجة.
ثالثا: إن الحسين هو امام قام أو قعد، وهذا يستلزم ايمانا واعتقادا دينيا، والدين يتقوم بركيزتين: الايمان القلبي والاعتقاد العقلي، والذي يستتبع الايمان القلبي هو الجانب الغيبي، واوضح مصداق له هو الايمان بوجود خالق للكون واحد احد، مع اننا لم نره في أعيننا ولكن رأيناه في قلوبنا، وكذلك ايماننا بالوحي الذي نص على نبوة الخاتم، بل اعتقادنا بإمامة علي واولاده المعصومين، ولا توجد ديانة على وجه الارض من دون هذا البعد الغيبي، فلا محذور ولا يكون المذهب ملوما بربط قضية الحسين بالجانب الغيبي من خلال الروايات المستفيضة في كتب الفريقين على اهمية الحسين وبعدها الغيبي.
رابعا: إن محاولة تهديم المذهب من خلال محاربة الحسين ونهضته واحياء امره وشعائره وتفاصيل ملحمته ماهو إلا ضرب لمركز القوة في المذهب الذي اضحى مندكا بالحسين، ولافكاك بينهما، بل لاوجود للمذهب من غير الحسين وقضيته، فهو وجدان الشيعة وعنوانهم، وامتد ليكون انموذجا للحرية والكرامة والإباء لكل الإنسانية، فالعجب ان تسعى الانسانية بمختلف مشاربها لفهم ومعرفة الحسين المذهبي الحقيقي وتتمنى ان يكون لها رمز كالحسين بن علي، بينما يسعى من يدعي التشيع - وهو ليس منه- الى إطفاء جذوته، من خلال مقولات قيلت قبله – وقد أهملها التاريخ- بكونه رجلا طالبا للحكم قد غدر به أهل الكوفة وأراد السلم بأي طريقة من الطرق، ولكن حاكم الكوفة رفض سلمه، وقتله، ولعمري هو كلام مجاني مجانب للروايات الاصيلة والحقائق التأريخية ،ومعتمد على روايات نادرة غير معتد بها، تتسق والحقد الدفين في نفوس إنطفأت أنوار الهداية فيها .
تعليق