أنّ أمير المؤمنين الإمام علي (صلوات الله عليه) يرى أنّ أبا بكرٍ وعُمَر كاذبيّن آثميّن غادريّن خائنيّن . ولقد ورد ذلك الاعتراف الصريح على لسان عُمَر بن الخطاب في روايتيّن اثنتيّن ، احداهما في صحيح مسلم والأخرى في صحيح البخاري بنفس السند ، فذكر صحيح مسلم العبارة بشكلٍ كاملٍ وهي قول عُمَر بن الخطاب للإمام علي (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) :- «فَرَأَيْتُمَاه كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقّ» . إلّا أنّ الشيخ البخاري قد اختلف وقام بحذف العبارة وجعلها بهذه الطريقة : «تزعُمانِ أنَّه كذا وكذا والله يعلمُ أنّه فيها صادقٌ بارٌّ راشدٌ تابِعٌ للحقّ» .
وهذه الرواية من كتاب صحيح مسلم - الجزء (3) - الصفحة (1377) - الحلقة (49 - 1757) :- « ... قال عُمَر بن الخطاب للإمام علي (عليه السلام) والعباس (رضي الله عنه) : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ ، «فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا»، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ! ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ، «فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنً»، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ! فَوَلِيتُهَا ثُمَّ جِئْتَنِي أَنْتَ وَهَذَا وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ أَنْ تَعْمَلَا فِيهَا بِالَّذِي كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذْتُمَاهَا بِذَلِكَ، قَالَ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُمَانِي لِأَقْضِيَ بَيْنَكُمَا، وَلَا وَاللهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَيَّ » .
من هذا الحوار الذي دار مع عُمَر بن الخطاب نستنتج أنّ رأي الإمام علي (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) في أبي بكرٍ بن أبي قحافة وعُمَر بن الخطاب هو أنّهما كاذبيّن آثميّن غادريّن خائنيّن ! وهذا الحوار قد جرى بعد سنين طويلة أي بعد انقضاء الخلافة الأولى لأبي بكرٍ وانتهاء أحداث قضيّة فدك واستشهاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) . وهذا الرأي الصادر من الإمام علي (عليه السلام) في حقّ الشيّخين يجبُّ الأخذ به ؛ لأنّ الإمام علي (عليه السلام) معصومٌ تكفّله الله وطهرّه من الرّجس تطهيراً ، فلا تأخذه الأهواء ولا يلتبس به الشيطان ؛ فلا تسول له نفسه الإفتراء على الناس مثل الكذب والخيانة ! حاشاه (عليه الصلاة والسلام) من ذلك كلّه . فعن السنن الكبرى للنسائي - الجزء (7) - الصفحة (421) - الحلقة (8364) :- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ إِلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَبْعَثُنِي إِلَى قَوْمٍ أَسَنَّ مِنِّي فَكَيْفَ الْقَضَاءُ فِيهِمْ؟ فَقَالَ: "اللهُ سَيَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ" . فَمَا تَعَايَيْتُ فِي حُكُومَةٍ بَعْدَ» . فهذا الحديث الصحيح الذي قال عنه النسائي في خصائص علي (ص57) : (حسن بمجموع طرقه) ، يُبيّن دعاء النبي مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للإمام (عليه السلام) بالهدايّة لقلبه وتثبيت لسانه ، ودعاء الرسول مستجابٌ لا محالة .
خصوصاً أنّ الإمام علي (عليه السلام) وليُّ الأمر المفروض طاعته الذي أوصى نبي الإسلام باتباعه بأمرٍ من الله تعالى في غدير خم ، وقد بيّنت أكثر من 400 رواية في مختلف المصادر الإسلاميّة أنّ الرسول الأكرم مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد قال للإمام علي (عليه السلام) : «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» . حتّى أنّ الشيخان قد بايعا الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) وقالوا له : (بخٌ بخٌ لك يا علي) ! فعن كتاب البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي - الجزء (11) - الصفحة (74) :- « وَهُوَ يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ لَمَّا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: أَلَسْتُ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3] » .
فنكثان الشيخان لبيعة الإمام علي (عليه السلام) هي من الخيانة المنسجمة في رأي الإمام علي (عليه السلام) القائل بأنّهما كاذبيّن آثميّن غادريّن خائنيّن . كذلك تنصيبهم أنفسهم خلفاء على الناس من دون أمر الله تعالى ورسوله هي من الكذب والآثام الكبيرة . والغدر الوارد في هذا الحديث ينسجم مع قول النبي الأكرم مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للإمام علي (عليه السلام) : «أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ مِنْ بَعْدِي» ، الذي رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين - الجزء (3) - الصفحة (153) - الحلقة (4686) :- عَنْ حَيَّانَ الْأَسَدِيِّ، سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ بَعْدِي، وَأَنْتَ تَعِيشُ عَلَى مِلَّتِي، وَتُقْتَلُ عَلَى سُنَّتِي، مَنْ أَحَبَّكَ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَكَ أَبْغَضَنِي، وَإِنَّ هَذِهِ سَتُخَضَّبُ مِنْ هَذَا - يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ -» . قال الحكام النيسابوري: صَحِيحٌ . وعلّق الذهبي على الحديث في كتاب التلخيص وقال: صَحِيحٌ . ورواه في تذكرة الحفاظ بسنده عن إبراهيم بن علقمة ورواه في تاريخ بغداد بسنده عن أبي أدريس .
ومنها ما رواه الطبراني في المعجم الكبير - الجزء (11) - الصفحة (73) - الحلقة (11084) :- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلَوَيْهِ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ، ثنا مُوسَى بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا مِنْدَلٌ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَرَجْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٌّ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي حشانِ الْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِحَدِيقَةٍ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِي اللهُ عَنْهُ: مَا أَحْسَنَ هَذِهِ الْحَدِيقَةَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: حَدِيقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا ، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِهِ، وَلِحْيَتِهِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى عَلَا بُكَاؤُهُ، قِيلَ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ قَوْمٍ لَا يُبْدونها لَكَ حَتَّى يَفْقِدُونِي» .
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد - الجزء (9) - الصفحة (118) - الحلقة (14690) :- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِذٌ بِيَدِي وَنَحْنُ نَمْشِي فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ إِذْ أَتَيْنَا عَلَى حَدِيقَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ ! فَقَالَ: إِنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنَ مِنْهَا . ثُمَّ مَرَرْنَا بِأُخْرَى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ ! قَالَ: لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا . حَتَّى مَرَرْنَا بِسَبْعِ حَدَائِقَ، كُلُّ ذَلِكَ أَقُولُ: مَا أَحْسَنَهَا، وَيَقُولُ: لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا. فَلَمَّا خَلَا لِيَ الطَّرِيقُ اعْتَنَقَنِي ثُمَّ أَجْهَشَ بَاكِيًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ لَا يُبْدُونَهَا لَكَ إِلَّا مِنْ بَعْدِي . قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِي؟ قَالَ: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِكَ» . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَفِيهِ الْفَضْلُ بْنُ عُمَيْرَةَ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ .
وفي رواية مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عندما دنا أجله واشتد به الوجع من أثر السم واجتمع حوله المهاجرين والأنصار والنساء يبكين ، إذ نودي (أين علي؟) فأقبل الإمام علي (عليه السلام) حتى انكبب عليه ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : «يَا أَخِي ، افْهَمْ فَهَّمَكَ اللَّهُ وَسَدَّدَكَ وَأَرْشَدَكَ وَوَفَّقَكَ وَأَعَانَكَ وَغَفَرَ ذَنْبَكَ وَرَفَعَ ذِكْرَكَ . اعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ الْقَوْمَ سَيَشْغَلُهُمْ عَنِّي مَا يُرِيدُونَ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا ، وَهُمْ عَلَيَّ وَارِدُونَ فَلَا يَشْغَلُكَ عَنِّي مَا شَغِلَهُمْ ، فَإِنَّمَا مَثَلُكَ فِي الْأُمَّةِ مَثَلُ الْكَعْبَةِ ، نَصَبَهَا اللَّهُ لِلنَّاسِ عَلَماً وَإِنَّمَا تُؤْتَى مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ وَنَأْيٍ سَحِيقٍ وَلَا تَأْتِي ، وَإِنَّمَا أَنْتَ عَلَمُ الْهُدَى وَنُورُ الدِّينِ ، وَهُوَ نُورُ اللَّهِ . يَا أَخِي وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ، لَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْهِمْ بِالْوَعِيدِ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرْتُهُمْ رَجُلًا رَجُلًا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّكَ وَأَلْزَمَهُمْ مِنْ طَاعَتِكَ ، فَكُلٌّ أَجَابَ وَسَلَّمَ إِلَيْكَ الْأَمْرَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ خِلَافَ قَوْلِهِمْ فَإِذَا قُبِضْتُ وَفَرَغْتَ مِنْ جَمِيعِ مَا أُوصِيكَ بِهِ وَغَيَّبْتَنِي فِي قَبْرِي فَالْزَمْ بَيْتَكَ وَاجْمَعِ الْقُرْآنَ عَلَى تَأْلِيفِهِ وَالْفَرَائِضَ وَالْأَحْكَامَ عَلَى تَنْزِيلِهِ ثُمَّ امْضِ ذَلِكَ عَلَى عَزَائِمِهِ وَعَلَى مَا أَمَرْتُكَ بِهِ وَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَنْزِلُ بِكَ وَبِهَا (يعني فاطمة الزهراء عليها السلام) مِنْهُمْ حَتَّى تَقْدَمُوا عَلَيَّ» . (كتاب خصائص الأئمة (عليهم السلام) : ص73، عنه كتاب الطرف : ص26، عنه البحار : ج22، ص483.)
وهذه الرواية من كتاب صحيح مسلم - الجزء (3) - الصفحة (1377) - الحلقة (49 - 1757) :- « ... قال عُمَر بن الخطاب للإمام علي (عليه السلام) والعباس (رضي الله عنه) : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ ، «فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا»، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ! ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ، «فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنً»، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ! فَوَلِيتُهَا ثُمَّ جِئْتَنِي أَنْتَ وَهَذَا وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ أَنْ تَعْمَلَا فِيهَا بِالَّذِي كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذْتُمَاهَا بِذَلِكَ، قَالَ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُمَانِي لِأَقْضِيَ بَيْنَكُمَا، وَلَا وَاللهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَيَّ » .
من هذا الحوار الذي دار مع عُمَر بن الخطاب نستنتج أنّ رأي الإمام علي (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) في أبي بكرٍ بن أبي قحافة وعُمَر بن الخطاب هو أنّهما كاذبيّن آثميّن غادريّن خائنيّن ! وهذا الحوار قد جرى بعد سنين طويلة أي بعد انقضاء الخلافة الأولى لأبي بكرٍ وانتهاء أحداث قضيّة فدك واستشهاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) . وهذا الرأي الصادر من الإمام علي (عليه السلام) في حقّ الشيّخين يجبُّ الأخذ به ؛ لأنّ الإمام علي (عليه السلام) معصومٌ تكفّله الله وطهرّه من الرّجس تطهيراً ، فلا تأخذه الأهواء ولا يلتبس به الشيطان ؛ فلا تسول له نفسه الإفتراء على الناس مثل الكذب والخيانة ! حاشاه (عليه الصلاة والسلام) من ذلك كلّه . فعن السنن الكبرى للنسائي - الجزء (7) - الصفحة (421) - الحلقة (8364) :- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ إِلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَبْعَثُنِي إِلَى قَوْمٍ أَسَنَّ مِنِّي فَكَيْفَ الْقَضَاءُ فِيهِمْ؟ فَقَالَ: "اللهُ سَيَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ" . فَمَا تَعَايَيْتُ فِي حُكُومَةٍ بَعْدَ» . فهذا الحديث الصحيح الذي قال عنه النسائي في خصائص علي (ص57) : (حسن بمجموع طرقه) ، يُبيّن دعاء النبي مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للإمام (عليه السلام) بالهدايّة لقلبه وتثبيت لسانه ، ودعاء الرسول مستجابٌ لا محالة .
خصوصاً أنّ الإمام علي (عليه السلام) وليُّ الأمر المفروض طاعته الذي أوصى نبي الإسلام باتباعه بأمرٍ من الله تعالى في غدير خم ، وقد بيّنت أكثر من 400 رواية في مختلف المصادر الإسلاميّة أنّ الرسول الأكرم مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد قال للإمام علي (عليه السلام) : «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» . حتّى أنّ الشيخان قد بايعا الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) وقالوا له : (بخٌ بخٌ لك يا علي) ! فعن كتاب البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي - الجزء (11) - الصفحة (74) :- « وَهُوَ يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ لَمَّا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: أَلَسْتُ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3] » .
فنكثان الشيخان لبيعة الإمام علي (عليه السلام) هي من الخيانة المنسجمة في رأي الإمام علي (عليه السلام) القائل بأنّهما كاذبيّن آثميّن غادريّن خائنيّن . كذلك تنصيبهم أنفسهم خلفاء على الناس من دون أمر الله تعالى ورسوله هي من الكذب والآثام الكبيرة . والغدر الوارد في هذا الحديث ينسجم مع قول النبي الأكرم مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للإمام علي (عليه السلام) : «أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ مِنْ بَعْدِي» ، الذي رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين - الجزء (3) - الصفحة (153) - الحلقة (4686) :- عَنْ حَيَّانَ الْأَسَدِيِّ، سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ بَعْدِي، وَأَنْتَ تَعِيشُ عَلَى مِلَّتِي، وَتُقْتَلُ عَلَى سُنَّتِي، مَنْ أَحَبَّكَ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَكَ أَبْغَضَنِي، وَإِنَّ هَذِهِ سَتُخَضَّبُ مِنْ هَذَا - يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ -» . قال الحكام النيسابوري: صَحِيحٌ . وعلّق الذهبي على الحديث في كتاب التلخيص وقال: صَحِيحٌ . ورواه في تذكرة الحفاظ بسنده عن إبراهيم بن علقمة ورواه في تاريخ بغداد بسنده عن أبي أدريس .
ومنها ما رواه الطبراني في المعجم الكبير - الجزء (11) - الصفحة (73) - الحلقة (11084) :- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلَوَيْهِ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ، ثنا مُوسَى بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا مِنْدَلٌ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَرَجْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٌّ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي حشانِ الْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِحَدِيقَةٍ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِي اللهُ عَنْهُ: مَا أَحْسَنَ هَذِهِ الْحَدِيقَةَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: حَدِيقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا ، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِهِ، وَلِحْيَتِهِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى عَلَا بُكَاؤُهُ، قِيلَ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ قَوْمٍ لَا يُبْدونها لَكَ حَتَّى يَفْقِدُونِي» .
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد - الجزء (9) - الصفحة (118) - الحلقة (14690) :- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِذٌ بِيَدِي وَنَحْنُ نَمْشِي فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ إِذْ أَتَيْنَا عَلَى حَدِيقَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ ! فَقَالَ: إِنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنَ مِنْهَا . ثُمَّ مَرَرْنَا بِأُخْرَى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ ! قَالَ: لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا . حَتَّى مَرَرْنَا بِسَبْعِ حَدَائِقَ، كُلُّ ذَلِكَ أَقُولُ: مَا أَحْسَنَهَا، وَيَقُولُ: لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا. فَلَمَّا خَلَا لِيَ الطَّرِيقُ اعْتَنَقَنِي ثُمَّ أَجْهَشَ بَاكِيًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ لَا يُبْدُونَهَا لَكَ إِلَّا مِنْ بَعْدِي . قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِي؟ قَالَ: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِكَ» . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَفِيهِ الْفَضْلُ بْنُ عُمَيْرَةَ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ .
وفي رواية مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عندما دنا أجله واشتد به الوجع من أثر السم واجتمع حوله المهاجرين والأنصار والنساء يبكين ، إذ نودي (أين علي؟) فأقبل الإمام علي (عليه السلام) حتى انكبب عليه ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : «يَا أَخِي ، افْهَمْ فَهَّمَكَ اللَّهُ وَسَدَّدَكَ وَأَرْشَدَكَ وَوَفَّقَكَ وَأَعَانَكَ وَغَفَرَ ذَنْبَكَ وَرَفَعَ ذِكْرَكَ . اعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ الْقَوْمَ سَيَشْغَلُهُمْ عَنِّي مَا يُرِيدُونَ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا ، وَهُمْ عَلَيَّ وَارِدُونَ فَلَا يَشْغَلُكَ عَنِّي مَا شَغِلَهُمْ ، فَإِنَّمَا مَثَلُكَ فِي الْأُمَّةِ مَثَلُ الْكَعْبَةِ ، نَصَبَهَا اللَّهُ لِلنَّاسِ عَلَماً وَإِنَّمَا تُؤْتَى مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ وَنَأْيٍ سَحِيقٍ وَلَا تَأْتِي ، وَإِنَّمَا أَنْتَ عَلَمُ الْهُدَى وَنُورُ الدِّينِ ، وَهُوَ نُورُ اللَّهِ . يَا أَخِي وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ، لَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْهِمْ بِالْوَعِيدِ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرْتُهُمْ رَجُلًا رَجُلًا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّكَ وَأَلْزَمَهُمْ مِنْ طَاعَتِكَ ، فَكُلٌّ أَجَابَ وَسَلَّمَ إِلَيْكَ الْأَمْرَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ خِلَافَ قَوْلِهِمْ فَإِذَا قُبِضْتُ وَفَرَغْتَ مِنْ جَمِيعِ مَا أُوصِيكَ بِهِ وَغَيَّبْتَنِي فِي قَبْرِي فَالْزَمْ بَيْتَكَ وَاجْمَعِ الْقُرْآنَ عَلَى تَأْلِيفِهِ وَالْفَرَائِضَ وَالْأَحْكَامَ عَلَى تَنْزِيلِهِ ثُمَّ امْضِ ذَلِكَ عَلَى عَزَائِمِهِ وَعَلَى مَا أَمَرْتُكَ بِهِ وَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَنْزِلُ بِكَ وَبِهَا (يعني فاطمة الزهراء عليها السلام) مِنْهُمْ حَتَّى تَقْدَمُوا عَلَيَّ» . (كتاب خصائص الأئمة (عليهم السلام) : ص73، عنه كتاب الطرف : ص26، عنه البحار : ج22، ص483.)
تعليق