"هو شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله.." هكذا يقول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته لاستقبال شهر رمضان.. هذا الشهر العظيم الذي ورد في فضله وشرفه ما لا حدَّ لحصره وبيانه فهو نعمةٌ من نعم الله الكبرى ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا))..ومن بركات هذا الشهر الكريم وجوانبه المليئة بالإشراق والروحانية هو امتلاء المساجد و أضرحة الأئمة و محاريب العبادة بالمؤمنين وهم ينشطون بالانقطاع والتوجه المخلص إلى الله بمختلف المستحبات المأثورة من صلاةٍ ودعاءٍ وتلاوة للقرآن ،خوفاً من غضب الله وشوقاً إلى جنته التي أعدها للصالحين من عباده ((وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)).. ولكن معذرة أيها الشهر العظيم !!،حيث يطفو على السطح ما يشوب هذا الموسم العبادي من الممارسات والعادات المستهجنة والتي تسيء إلى أدب ضيافة ربِّ الرحمة في شهر رمضان الخير والمغفرة ، وهنا لابد لنا من كلمة نسلط فيها الضوء على بعض منها ((فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ))..
يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخطبة ذاتها: (والشياطين مغلولة فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم)..فهل نحن جميعاً ممن يسأل الله ذلك؟ كلا مع شديد الأسف،لأن هناك الكثير ممن لا يتوانى أن يكون من أنصار الشيطان، فإلى جانب محاريب التبتل والتضرع لله،هناك (محاريب أبو مُرَّة الشيطان الرجيم) التي يعتكف فيها جمعٌ مهولٌ من ضيوف الرحمن الصائمين خاضعين ملتزمين بشكل لا نظير له حيث يقف التلفزيون في المقدمة من جنود الشيطان وبلا منافس..جهاز تركوا خيره واعتصموا بشرِّه، فالفضائيات التلفزيونية المسيَّرة من أعداء الله ورسوله وبكل ما أوتيت من عزم وقوة وسلطان في سباق حامي الوطيس ولا يضاهى في عرض (البرامج الرمضانية المنوعة) والتي أعدت لها العدة قبل عام كامل لتفريغ هذا الشهر من محتواه الروحي والأخلاقي والتربوي،وقسم لا يُستهان به منا نشوان متشوق إلى المسلسل التافه والفلم البائس والبرنامج المبتذل والإعلان الرخيص و..و..على امتداد الوقت الفاصل بين الإفطار وصلاة الفجر إلى درجة أن المواظب على متابعتها لا وقت له للدعاء أو تلاوة القرآن أو غيرها من القُربات المؤكدة لإحياء ليالي شهر العطاء هذا (( ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ))..
وإلى جانب التلفزيون ،يتواجد الأنترنيت بمواقعه التي تسرق أعز أوقات من أنكب عليه وأدمنه يتنقل من موقع إلى آخر ناسياً نفسه .. ومن مصائب شهر رمضان التي لابد من محاربتها (المحيبس) الذي يتسيَّد الألعاب الرمضانية مع كمٍّ آخر من الألعاب التي تجعل من شهر الله موسماً لها..وما أدناها من همةٍ وعزيمة ! فالشباب بل وحتى الشيوخ يملئون الأرصفة والمقاهي وصالات الألعاب والقمار و لا رجاء لهم سوى أن تكون لهم الغلبة في المقامرة وأخذ جائزة الرهان!((ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ))..
وهذه دعوة من ألأعماق إلى كل من في قلبه مثقال ذرّةٍ من حُبٍّ لله ولنبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن نكون ضيوفاً مؤدبين عند مائدة ربِّ العالمين لنحظى بالخير والبركة في الدنيا وبالنعيم الأبدي في الآخرة ولا تنسوا قول الله تعالى: ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)) ، فلا نملك إلا أن نسأل الله جلـَّت قدرته أن نكون من المقبولين في هذا الشهر الكريم بحق محمد وآله الطاهرين ((خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)).
تعليق