تربيه الاطفال على نهج محمد (ص) واله ..(2)
الصدق والكذب
الصدق من الصفات الحميدة التي تنسجم والطبيعة الإنسانية. كل إنسان يميل بفطرته إلى الصدق، وإلى أن يعتبر الكلام الذي يسمعه من الآخرين صادقاً، فالكذب انحراف عن صراط الفطرة المستقيم.
إذا كسر طفل نافذة في أثناء اللعب ولم يصبه خوف شديد وارتباك زائد من جراء ذلك، فعندما يسأل: من الذي كسر النافذة؟ فإنه سيشرح الحادثة بكل هدوء واتزان، ويجيب على الأسئلة دون أي اضطراب ذاكراً كيف كسرت النافذة في أثناء اللعب. أما عندما يخاف الطفل، فإنه يحاول أن يستعين لإثبات براءته بالكذب، حينئذٍ يكون الوضع الشاذ للطفل واضحاً تماماً، فالحركات غير المتزنة للعين، واضطراب الهندام، وجفاف الفم، وسرعة النبض، والكلمات المتقطعة والغامضة... كل ذلك يدل على كذب الطفل وعمله المنافي للفطرة.
إن الإسلام يعتبر الكذب عاملاً هدَّاماً للإيمان، ويعده أفظع من كثير من المعاصي الكبيرة.
١ - عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إن الكذب هو خراب الإيمان) .
٢ - قال أمير المؤمنين عليه السلام: (لا يجد عبدٌ طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده) .
٣ - وعن الرسول الأعظم (ص):
قال رجلٌ له (صلّى الله عليه وآله): المؤمن يزني؟ قال: (قد يكون ذلك). قال: المؤمن يسرق؟ قال: (قد يكون ذلك). قال: يا رسول الله، المؤمن يكذب؟ قال: (لا، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) .
٤ - وعن الإمام الرضا (عليه السلام):
(سئل رسول الله: يكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم. قيل: ويكون بخيلاً؟ قال: نعم، قيل: ويكون كذَّاباً؟ قال: لا) .
٥ - عن الإمام الصادق (عليه السلام):
(قال أمير المؤمنين: ولا سوءة أسوأ من الكذب)
يفهم من هذا أنه مهما اشتد قبح الشيء فلا يبلغ قبح الكذب.
مفتاح الجرائم:
إن الكذب يقرّب الإنسان إلى سائر الذنوب
عن أبي محمد العسكري (عليه السلام) قال:
(حُطت الخبائث في بيت، وجُعل مفتاحه الكذب)
(الكذب أحد النقائض التي لا يخفى قبحها، فإن الكذب هو الذي يجر وراءه سلسلة من الرذائل الأخر ويفتح باباً على الجرائم الباقية. إن عجزنا عن الوقاية من انتشار هذه الصفة، وضعفنا عن مقاومتها، جريمة لا تغتفر) .
أساس داء الكذب:
إن أول طريق لمكافحة الكذب هو معرفة أساس هذا الداء الوبيل. مما لا شك فيه أن حالة نفسيّة خاصة توجد في باطن الشخص الذي يكذب مما يدفعه إلى هذا العمل، وما لم تقتلع جذور هذه الحالة النفسية العارضة لا يمكن معالجة الكذب.
الخوف، الضعف، العجز، الإحساس بالحقارة، عقد الحقارة، أو بعض الحالات النفسية المشابهة لذلك، تستطيع أن تنحرف بالإنسان عن الطريق المستقيم المتمثل في الصدق، وتبعثه على الكذب، عن النبي صلّى الله عليه وآله:
(لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه) .
عوامل ظهور داء الكذب
لأجل أن يهتم أولياء الأطفال في سبيل تربيتهم بهذا الموضوع الحساس ويعوّدوا أفلاذ أكبادهم على الصدق والاستقامة، نتكلم عن عوامل ظهور هذا الداء في الأطفال
أساليب وقائية:
١ - (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(قال رسول الله (ص): رحم الله مَن أعان ولده على بره.
قال: قلت: كيف يعينه على بره؟
قال: يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به) .
إن من علل كذب الأطفال، ثقل عبء الواجبات التي يكلفون بأدائها. إن تشديد الأولياء وتوقعاتهم الشاذة التي هي فوق طاقة الأطفال يقودهم إلى الكذب
٢ - والعامل الآخر من العوامل النفسية التي تؤدي إلى تعوّد الطفل على الكذب إحساسه بالإهانة والتحقير. يجب على الآباء والأمهات حسب التعاليم الدينية والعلمية أن يحترموا شخصية الأطفال، وهذا الموضوع أحد المسائل المهمة في البحوث التربوية. إن الأطفال الذين يهمَلون من قبل أفراد الأسرة ولا يحترمون من قبل الناس، يسخرون بهم أو يخدعونهم تارة، ويؤنبونهم بلا مبرر تارة أخرى. وبصورة موجزة: يسلك معهم بحيث يحس الأطفال بالحقارة، ويدركون بأن أفراد الأسرة يحتقرونهم ولا يحسبون لهم حساباً. هؤلاء يفكّرون في الثأر لكرامتهم، ولذلك تظهر فيهم صفات ذميمة بالتدريج فيقدمون على أعمال مضرّة.
يجب على الآباء والأمهات الذين يرغبون في تربية أطفالهم على الاستقامة وتدريبهم على الصدق في الحديث أن يحترموا شخصيتهم منذ البداية بصورة معقولة، ويحذروا من احتقارهم الذي يؤدي إلى انحرافهم. عليهم أن يتذكروا نصيحة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله:
(ولا يرهقه ولا يخرق به).
إن الأطفال الذين يحسون بالحقارة والصّغار على أثر إهمال الآباء لهم قد يلجئون إلى الكذب لتدارك ذلك ويصابون بهذا الداء الخطير،
٣ - والعامل الثالث من عوامل الكذب عند الأطفال هو الخوف من العقوبة. فعندما نسأل الطفل: أنت كسرت النافذة؟ وعلم أن اعترافه يستلزم العقاب الشديد، فإن غريزة صيانة الذات تدفعه إلى أن يقول كذباً: لم أكسرها. إنه يجد نفسه ضعيفاً أمام صفعات الأم والأب ولحفظ نفسه لا يجد مفراً إلا بالالتجاء إلى الكذب وإنكار كل شيء. وبديهي أنه كلما كانت العقوبة أشد، كان إصرار الطفل على الكذب أكثر.
إن علاج هذه الكذبات ينحصر في لين أولياء الأطفال في تربيتهم. فإن كان الآباء والأمهات يربون أولادهم على أساس الحب والحنان، وإن كانت الأسرة مثالاً للرأفة والعطف، وإن كان الأولياء منصفين وعارفين بواجباتهم الشرعية في تربية الأطفال دون أن يلجئوا إلى العصا والضرب الذي يستوجب الدية، فإن الأطفال إذا كسروا نافذة أو قاموا بمخالفة النظام لا يدفعهم ذلك إلى الكذب ولا ينشئون كذابين.
٤ - المحيط التربوي:
من أهم العوامل المؤثرة في تنمية فطرة الصدق عند الأطفال المحيط التربوي الذي يعيشون فيه، فعندما يكون الوالدان ملتزمين بالصدق بعيدين عن الكذب والاحتيال، فإن الطفل ينساق تلقائياً إلى طريق الصدق والاستقامة، ومن السهل جداً إزالة العوائق التي تقف في طريقه من الناحية النفسية. وعلى العكس من ذلك فإن الوالدين اللذين لا يتورّعان عن الكذب، يعوّدان الطفل على هذه الصفة الذميمة من حيث لا يشعران، في أسرة كهذه يصبح الاهتمام بالظروف والعوامل النفسية للوقاية من الكذب عقيماً. إن المحيط التربوي أهم العوامل الصانعة لكيان الطفل، ولا يمكن مقايسة أي من العوامل النفسية به، ذلك أن الطفل ينسجم مع المحيط الذي ينشأ فيه بصورة لا شعورية، وتنطبع في ذهنه صور الأشياء التي يشاهدها أو يسمعها.
(كثيراً ما يصادف وجود أخاديد واسعة بين أفعالنا ونصائحنا. هناك بون شاسع بين ما يلاحظه الطفل في أفعالنا ويدركه من سلوكنا، وبين الأوامر والنصائح التي نصدرها في تقبيح عمل معين وذمه).
داء الكذب:
إن الأطفال أمانة الله عزّ وجل في أعناق الوالدين، فهما إن قصّرا في أداء واجبهما نحوهم كانا خائنين للأمانة. يتصوّر البعض أحياناً أن الكذب هو الوسيلة الوحيدة للنجاح، في حين أن النبي (ص) يفنّد هذا التصور ويعتبر هذا النوع من النجاح المزعوم فشلاً وإخفاقاً. فقد قال (صلّى الله عليه وآله):
(اجتنبوا الكذب وان رأيتم فيه النجاة فإن فيه الهلكة) .
المصدر- الطفل بين الوراثه والتربيه للشيخ محمد تقي فلسفي
تعليق