السؤال: هل فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم معصومة فعلاً؟ (عماد، البحرين).
الجواب: السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم وأخت الإمام علي بن موسى الرضا عليهم السلام (توفيت عام 201هـ على المعروف)، ورد في بعض النصوص ما يفيد مدحها وأنّها سيدة فاضلة، كما ورد في بعض الروايات الحث على زيارتها، ولكنّ إثبات عصمتها شيء عسير جدّاً، وقد حاول بعضهم (وأبرزهم محمد علي المعلم في كتابه حول فاطمة المعصومة) إثبات كونها معصومة من خلال الأمور التالية:
1 ـ ما ورد في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام: (من زار المعصومة بقم كمن زارني). على أساس أنّ الإمام الرضا نفسه قد وصفها بالمعصومة، وهذا خير دليلٍ على كونها من المعصومين، وإن لم تبلغ رتبة النبي وأهل بيته من الأئمّة الميامين.
ولكنّ هذا الاستدلال غير صحيح فيما يبدو، فإنّ هذه الرواية لا عين ولا أثر لها في كتب المسلمين قاطبة، وإنّما ظهرت مؤخّراً، ولعلّ أقدم مصدرٍ لهذا الحديث هو كتاب (رياحين الشيعة 5: 35)، لمؤلّفه الشيخ ذبيح الله بن محمد المحلاتي المتوفى عام 1403هـ، أي قبل حوالي ثلاثين عاماً فقط، وقبله لم نعثر ـ بحسب تتبّعنا القاصر ـ على مصدر ولا أرشد أحدٌ ممّن كتب عنها إلى مصدر آخر لهذا الحديث المنسوب غير هذا الكتاب. وربما يكون الكاتب قد أراد نقل روايةٍ بالمضمون، فبدل أن يعبّر بفاطمة عبّر بالمعصومة؛ نظراً لشيوع هذه التسمية في العصر الحاضر لها. ولعلّ ما يعزّز ما نقول أنّ جميع الروايات التاريخية والحديثية المتعلّقة بهذه السيدة الفاضلة لم تعبّر عنها بهذا التوصيف حسب الظاهر.
ولعلّ منشأ هذه التسمية المعروفة اليوم هو أنّها اعتصمت بأهل قم عندما جاءت إليهم، فسمّيت بالمعصومة؛ لأنّهم احتضنوها بعد ذلك ومنعوا وصول الأذى إليها، وإن كان الأرجح في هذه التسمية بنظري هو أنّها تسمية حادثة ظهرت بعد وفاتها بمدّة طويلة، وأطلقها عليها الإيرانيون، فإنّ اللغة الفارسية تستخدم كلمة (معصوم) لتشير بها إلى مثل الطفل البريء، ولهذا يقولون: (طفلك معصوم)، أي طفلٌ بريء طاهر، وحيث كانت صغيرة السنّ نسبيّاً عند وفاتها، كما هو المتداول من ولادتها عام 173هـ، فإنّهم أطلقوا عليها هذا الوصف للإشارة إلى مظلوميّتها وبراءتها وطهارتها وعدم عدوانيّتها وخباثتها، ولهذا لا نجد شيوع هذه التسمية إلا في القرون الأخيرة فراجع ولاحظ.
2 ـ الاستناد إلى ما ورد من الوعد بالجنّة لمن زار قبرها، على أساس أنّ ذلك يُعهد في زيارة قبور المعصومين.
ولكنّ هذا الاستدلال غير واضح أيضاً، فحتى لو صحّت الرواية الواردة بهذا التعبير، ليس هناك أيّ تلازم بين الوعد بالجنّة على زيارة قبر شخص وبين كون هذا الشخص معصوماً، ومجرّد أنّه تعارف ذلك في المعصوم لا يعني أن تصير رواية زيارتها دليلاً على مسألة تتعلّق بعصمتها كما هو واضح، إذ لعلّ ذلك يثبت أنّ الوعد بالجنّة يكون لزيارة قبر المعصوم وغيره، وليس العكس، فتأمّل جيداً.
3 ـ الاستناد إلى كونها شفيعة دون تقييد.
وهذا أيضاً غير صحيح فيما يبدو لي، فحتى لو كانت شفاعة الشهيد وغيره مقيّدة وكانت شفاعتها غير مقيّدة، فإنّ هذا لا يثبت عصمتها، فأيّ ربط بين هذه المفاهيم وبين العصمة، فلعلّ لها منزلة تنال بها الشفاعة المطلقة دون فرض العصمة، ومن أين عرفنا الارتباط بين هذه المفاهيم؟ وهل ثبت بالدليل أنّ الشفاعة المطلقة لكلّ الشيعة لا تكون إلا لمعصوم؟! هذا فضلاً عن أنّ روايات شفاعتها بالمطلق غير ثابتة تاريخياً وحديثيّاً كما هو واضح، فليراجع.
4 ـ الاستناد إلى فضل مدينة قم، وأنّ ذلك من بركات هذه السيدة الفاضلة، وقد وردت في فضل هذه المدينة الكثير من الأشياء الكبيرة والعظيمة، كما أنّ بعض الروايات قد عبّرت عن حرمها بأنّه حرم آل محمّد، وهذا كاشف عن عصمة هذه السيدة، كذلك الكرامات الكثيرة التي وقعت لمقامها الشريف فهذا كلّه كاشف عن عصمتها وقرينة على ذلك، وكذلك ما ورد في نصّ زيارتها من أنّ لها شأناً من الشأن عند الله تعالى، فهذا لا معنى له إلا بفرض عصمتها، وكذلك مجيء الإمامين الجواد والرضا عليهما السلام لدفنها وتجهيزها مع أنّ المعصوم لا يجهّزه إلا معصوم.
وهذا كلّه قد لا يفيد إلا الظنّ، وليس بهذه الطريقة ـ فيما يبدو لي ـ تثبت عصمة إنسان، وإلا فيمكننا إثبات عصمة الكثير ممّن اتفقوا على عدم عصمتهم، فإنّ ارتباط فضل قم بها لا يعني أنّها معصومة، بل يعني أنّ لها منزلة عظيمة عند الله، ولماذا نربط دوماً بين المنزلة العظيمة وبين العصمة؟ وما هو الدليل على ذلك؟ علماً أنّ فضل مدينة قم لم يثبت أنّه فقط وفقط لأجل وجود هذه السيدة الفاضلة، فهذا أيضاً ادّعاء يحتاج لدليل، بل بعض روايات فضل قم بل كثير من روايات فضل قم لا إشارة فيه إلى ذلك، تماماً كروايات فضل بعض البلدان التي ليس فيها معصوم. وأمّا التعبير عن حرمها بحرمة آل البيت فهو كذلك ـ مع أنّ الرواية لم تصحّ ـ فكون حرمٍ ما هو حرم أهل البيت لا يعني أنّ صاحب الحرم هو معصوم، وإنّما يعني أنّ له منزلة كبيرة وهو منتسب إلى أهل البيت، كنسبة سلمان المحمّدي إليهم، ولعلّ هذه المنزلة وهذا التعبير قد جاءا مع إرادة الأئمة تركيز هذا المقام بوصفه إشعاعاً لنشر المذهب، وإلا فليس هناك دلالة لغوية ولا عرفية تُثبت عصمة شخص لأجل القول بأنّ مقامه هو حرم لأهل البيت أو المدينة التي فيها مقامه هي كذلك. وهكذا الحال في أنّ لها شأناً من الشأن فلماذا نربط الشأن بالعصمة؟ وهل لا يمكن للإنسان أن يكون له شأن عظيم عند الله إلا إذا كان معصوماً؟ أليس الشهداء والعلماء الأتقياء لهم شأن من الشأن عند الله وهم ليسوا بمعصومين بالضرورة؟ هذا فضلاً عن أنّ نص زيارتها المنشور الذي يحوي هذه الجملة قد نقله العلامة المجلسي عن ما وصفه هو ببعض كتب الزيارات، دون أن يذكر هذا الكتاب أو يبيّن ما هو حتى نعرف هل هو معتبر أم لا؟ فهو نقل غير معتبر لهذه الزيارة. وأمّا الكرامات عند قبرها فلو ثبتت بطريقٍ علمي، فهي أيضاً لا تدلّ على العصمة، فهل هناك دليل عقلي أو نقلي يمنع حصول الكرامة عند قبر رجل صالح أو امرأة فاضلة تقيّة صالحة؟ وما أكثر ما يحدّثون به اليوم عن كرامات عند قبور الشهداء والعلماء من غير المعصومين. وأمّا دفن الإمام الجواد والرضا لها فهو لم يثبت برواية معتبرة أصلاً، ولو صحّ فلا يُثبت العصمة؛ إذ الدليل دلّ ـ بصرف النظر عن البحث في صحّته وعدم صحّته ـ على أنّ المعصوم لا يجهّزه إلا معصوم، لكنّه لم يدلّ على أنّ كلّ من يجهّزه المعصوم فهو معصوم، وفرق كبير بين الأمرين، والانتقال من أحدهما إلى الآخر محض تخمين.
فهذه الوجوه برمّتها ـ مع كون أغلب روايات هذه الوجوه ضعيفة الإسناد جداً أيضاً، بل بعضها فاقد للإسناد ولم يظهر إلا في القرون الأخيرة ـ مجرّد شواهد تفيد الاحتمال، ولا تعطي دليلاً علميّاً ولا حتى ظنيّاً معتبراً في ثبوت عصمة هذه السيدة الفاضلة، وحبّذا لو نتشدّد في تعاطينا مع الأدلّة في مثل هذه القضايا، حتى لا نقع في بعض المشاكل لاحقاً، وإلا فقد يذهب أهل السنّة إلى عصمة الكثير من الصحابة؛ لوجود مثل هذا النوع من الأدلّة عندهم في حقّهم، لو صحّت هذه الطرق في الاستدلال، وربما لو استخدموا هذه الطرق في إثبات عصمة الصحابة ـ وهم لا يقولون بعصمتهم نظريّاً ـ لأثار ذلك نقد أو ربما استهزاء آخرين! والعلم عند الله تعالى.
الشيخ حيدر حب الله
تعليق