بسم الله الرحمن الرحيم
شهدت الكوفة عبر تاريخها أحداث جمة كان تأثيرها كبيراً وتحصيلها عظيماً في الحضارة الإسلامية فيما بعد، بمعنى إن الهوية الإسلامية بدأت بالتشخص والانصقال والصيرورة والتميز وفق إبعاد معينة كان لتلك الأحداث أثرها فيها، ومن ابرز تلك الأحداث ثورة ألطف العظيمة وما تبعها من ثورات استمدت بالأصل معينها من كربلاء سيد الشهداء عليه السلام على نحو واقعة الحرة وثورة التوابين وثورة المختار الثقفي وهي محور البحث هنا.
استهلال وتمهيد:
بتاريخ الرابع عشر من شهر ربيع الثاني عام 66هـ اندلعت في مدينة الكوفة ـ معقل الشيعة وأنصار الإمامة ـ ثورة المؤمنين بقيادة المجاهد المختار بن ابي عبيدة الثقفي وقبل الولوج في أحداثها لابد من بيان تعريف لقائدها.
المختار في سطور:
المختار بن ابي عبيد بن مسعود الثقفي، كنيته ابو اسحاق، كان والده من كبار صحابة الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وقد استشهد في معارك فتح فارس حيث قتله فيل ابيض كان الفرس يستخدمونه في المعركة، واستشهد معه كذلك ولداه الحكم وجبير.
ولد المختار عام الهجرة الشريفة قي مدينة الطائف ولما بلغ عمره الثالثة عشر شارك مع ابيه في وقعة «قس الناطف» فنشأ مقداماً شجاعاً ذا عقل وافر وجواب حاضر وصفات مجيدة من كرم وسخاء وفطرة سليمة تدرك الاشياء بفراستها.
مدح وقدح:
ذكر المحقق السيد الخوئي في معجم رجال الحديث ج19 ص101 تحت الرقم 1218 المختار بن ابي عبيدة الثقفي قائلاً: «الاخبار في حقه على قسمين: مادحة وذامة» ثم يقوم بايرادها معقباً حول الذامة بقوله: «وهذه الروايات ضعيفة الاسناد جداً على ان الثانية منهما فيها تهافت وتناقض ولو صحت فهي لا تزيد على الروايات الذامة الواردة بحق زرارة ومحمد بن مسلم وبريد واضرابهم».
وبالمناسبة هنا نذكر روايتين مادحتين في المقام :
قال الامام الصادق عليه السلام : «ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت، حتى بعث الينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين عليه السلام» قال السيد الخوئي رواية صحيحة.
عن عبدالله بن شريك العامري انه قال: دخلنا على ابي جعفر الباقر سلام الله عليه يوم النحر وهو متكىء وقد ارسل الى الحلاق فقعدت بين يديه اذ دخل عليه شيخ من اهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه وقال له: من انت؟
قال: انا ابو محمد الحكم بن المختار بن ابي عبيد الثقفي، وكان متباعدا من أبي جعفر سلام الله عليه فمد يده اليه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده، فقال له الحكم: أصلحك الله ان الناس قد أكثروا في أبي وقالوا والقول والله قولك، قال واي شيء يقولون؟ قال: يقولون انه كذاب ولا تأمرني بشيء الا قبلته، فقال: يا سبحان الله لقد اخبرني أبي ان مهر أمي كان مما بعث به المختار: أولم يَبن دورنا وقتل قاتلينا وطلب دماءنا رحمه الله، واخبرني والله ابي انه كان ليتم عند فاطمة بنت علي يمهد لها الفراش ويثني لها الوسائد ومنها اصاب الحديث، رحم الله اباك، رحم الله اباك ما ترك لنا حقاً عند احد الاطلبه، قتل قتلتنا، وطلب بدمائنا.
دوافع الثورة:
ثورة سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام ولَّدت في نفوس المسلمين لاسيما المؤمنين روح الثورة وعدم السكوت على الطغيان فأثَّرت فيهم باعثة النفوس من الخمود والتسليم للواقع المعاش الفاسد الى الثورة والتحرر والمطالبة بالاسلام المحمدي الاصيل، بمعنى انها اوجدة في النفوس آفاق رحبة وتطلعات عظيمة واهداف سامية فصححت ما اعوج من القيم الاسلامية والمبادىء المحمدية بيد ائمة الجور والظلالة.
تلت ثورة الطف العظيمة ثورات وثورات كان منها واقعة الحرة وثورة التوابين بقيادة سلمان بن صرد الخزاعي رضوان الله عليه ـ وقد فصلنا القول فيها بمقالة سابقة ـ وكذا ثورة المختار الثقفي وكان شعاره يالثارات الحسين عليه السلام ومن الشعار نعرف اهم دافع في الثورة وهو الانتقام من قتلة سيد الشهداء، فضلاً عن الشعور السائد بضرورة التغيير في اسلوب واسس الحكم الى الأُسس الاسلامية وفق منظور اهل البيت عليهم السلام، فهذا كفيل باحقاق الحق وتعميم العدالة ورفع الظلم والحيف الذي لحق المستضعفين من الرجال والنساء.
ومن جهة اخرى لو القينا نظرة فاحصة للمرحلة السياسية التي سبقت الثورة نجد الامور مهيئة لها فالاضطراب سائد في البلدان منذ ثورة الحسين عليه السلام عام 61هـ،وفي الشهور الاخيرة من عام 63هـ والاوائل من عام 64هـ كان الجيش الأموي ذو التجهيزات العسكرية المتميزة يومها متوجهاً الى مدينة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله لمحاربة ثورة المدينة فكانت واقعة الحرة ومن ثم يتوجه الى مكة المكرمة لمحاربة عبد الله بن الزبير الذي اعلن رفض الحكم الاموي وادعى الخلافة وبايعه خلق كثير، فاستبيحت المدينة لجيش الشام ثلاثة ايام سفكوا الدماء البريئة حتى وصلت الى الروضة المطهرة للرسول الاعظم صلى الله عليه وآله.
اما الاوضاع في الشام ذاتها فقد هلك يزيد بن معاوية بعد ذلك وتنازل ابنه معاوية عن السلطة بعد ان حكم أربعون يوماً وتوفي بعد ذلك عام أربع وستين ولم يوصي بالخلافة لأحد فكانت الفوضى سائدة فانتهز مروان بن الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وآله الفرصة واستولى على الحكم ومن ثم هلك عام 65م مؤسساً للحكم المرواني الأموي فقام مقامه عبد الملك بن مروان فاعد الجيوش لمحاربة الخصوم.
أما الكوفة فمازالت تعيش آثار ثورة الحسين عليه السلام ومن بعده أخبار الحرة وثورة التوابين الذين ضربوا أروع أمثلة الجهاد والصمود والبطولة في معارك عين الوردة ضد الأمويين، فكان حماس الكوفيين على أشده ونقمتهم كذلك فالتهيئة مناسبة والهمم عالية والمعنويات مرتفعة، وظهر المختار ضارب على القلب بوتر العاطفة ومؤجج المشاعر بضرورة الثأر للآل من الأمويين فما زال القتلة من أمثال عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد على قيد الحياة.
الكوفة والثورة:
ثار المختار مؤيداً من قبل الشيعة في الكوفة، فعزل والي الزبيريين عبد الله بن المطيع واستولى على القصر واخذ بتعيين الولاة في الأمصار، وكذا قام بقتل قتلة الإمام الحسين عليه السلام المتواجدين في الكوفة متتبعاً إياهم الواحد تلو الآخر، وبذلك تمت له السيطرة الكاملة بلا منازع في الكوفة إلا أن الأخطار المحدقة هي من جانبين الشام وجيشه الأموي القادم وجيش الزبيريين، الأول قادم من الشمال والثاني من الجنوب.
كان المختار متمتع بخبرة إدارية مدنية وحربية كافية تؤهله لقيادة الكوفة والخروج من الصعاب القادمة، فقام بخطوة حكيمة باختيار قائد للجيش ذي شعبية كبيرة لا سيما بين الشيعة وخبرة عسكرية واسعة وهو ابراهيم بن مالك الأشتر نجل مالك الأشتر صاحب أمير المؤمنين علي عليه السلام فما من كوفي يسمع اسمه إلا ويتذكر عهد العدالة والإنصاف والروحانية والسلام والحق ويشم عطر البطولة ورفعة العزة.
انظم الكوفيون الى المختار وابراهيم فكوّنوا جيشاً مقداماً ودخلا معركة حاسمة مع الأمويين كان النصر المُظفر فيها لابراهيم وجيشه بعد أن نكبوا الأمويين خسائر فادحة وقتلةً ليس لها مثيل.
والحمد لله رب العالمين.
منقول
شهدت الكوفة عبر تاريخها أحداث جمة كان تأثيرها كبيراً وتحصيلها عظيماً في الحضارة الإسلامية فيما بعد، بمعنى إن الهوية الإسلامية بدأت بالتشخص والانصقال والصيرورة والتميز وفق إبعاد معينة كان لتلك الأحداث أثرها فيها، ومن ابرز تلك الأحداث ثورة ألطف العظيمة وما تبعها من ثورات استمدت بالأصل معينها من كربلاء سيد الشهداء عليه السلام على نحو واقعة الحرة وثورة التوابين وثورة المختار الثقفي وهي محور البحث هنا.
استهلال وتمهيد:
بتاريخ الرابع عشر من شهر ربيع الثاني عام 66هـ اندلعت في مدينة الكوفة ـ معقل الشيعة وأنصار الإمامة ـ ثورة المؤمنين بقيادة المجاهد المختار بن ابي عبيدة الثقفي وقبل الولوج في أحداثها لابد من بيان تعريف لقائدها.
المختار في سطور:
المختار بن ابي عبيد بن مسعود الثقفي، كنيته ابو اسحاق، كان والده من كبار صحابة الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وقد استشهد في معارك فتح فارس حيث قتله فيل ابيض كان الفرس يستخدمونه في المعركة، واستشهد معه كذلك ولداه الحكم وجبير.
ولد المختار عام الهجرة الشريفة قي مدينة الطائف ولما بلغ عمره الثالثة عشر شارك مع ابيه في وقعة «قس الناطف» فنشأ مقداماً شجاعاً ذا عقل وافر وجواب حاضر وصفات مجيدة من كرم وسخاء وفطرة سليمة تدرك الاشياء بفراستها.
مدح وقدح:
ذكر المحقق السيد الخوئي في معجم رجال الحديث ج19 ص101 تحت الرقم 1218 المختار بن ابي عبيدة الثقفي قائلاً: «الاخبار في حقه على قسمين: مادحة وذامة» ثم يقوم بايرادها معقباً حول الذامة بقوله: «وهذه الروايات ضعيفة الاسناد جداً على ان الثانية منهما فيها تهافت وتناقض ولو صحت فهي لا تزيد على الروايات الذامة الواردة بحق زرارة ومحمد بن مسلم وبريد واضرابهم».
وبالمناسبة هنا نذكر روايتين مادحتين في المقام :
قال الامام الصادق عليه السلام : «ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت، حتى بعث الينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين عليه السلام» قال السيد الخوئي رواية صحيحة.
عن عبدالله بن شريك العامري انه قال: دخلنا على ابي جعفر الباقر سلام الله عليه يوم النحر وهو متكىء وقد ارسل الى الحلاق فقعدت بين يديه اذ دخل عليه شيخ من اهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه وقال له: من انت؟
قال: انا ابو محمد الحكم بن المختار بن ابي عبيد الثقفي، وكان متباعدا من أبي جعفر سلام الله عليه فمد يده اليه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده، فقال له الحكم: أصلحك الله ان الناس قد أكثروا في أبي وقالوا والقول والله قولك، قال واي شيء يقولون؟ قال: يقولون انه كذاب ولا تأمرني بشيء الا قبلته، فقال: يا سبحان الله لقد اخبرني أبي ان مهر أمي كان مما بعث به المختار: أولم يَبن دورنا وقتل قاتلينا وطلب دماءنا رحمه الله، واخبرني والله ابي انه كان ليتم عند فاطمة بنت علي يمهد لها الفراش ويثني لها الوسائد ومنها اصاب الحديث، رحم الله اباك، رحم الله اباك ما ترك لنا حقاً عند احد الاطلبه، قتل قتلتنا، وطلب بدمائنا.
دوافع الثورة:
ثورة سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام ولَّدت في نفوس المسلمين لاسيما المؤمنين روح الثورة وعدم السكوت على الطغيان فأثَّرت فيهم باعثة النفوس من الخمود والتسليم للواقع المعاش الفاسد الى الثورة والتحرر والمطالبة بالاسلام المحمدي الاصيل، بمعنى انها اوجدة في النفوس آفاق رحبة وتطلعات عظيمة واهداف سامية فصححت ما اعوج من القيم الاسلامية والمبادىء المحمدية بيد ائمة الجور والظلالة.
تلت ثورة الطف العظيمة ثورات وثورات كان منها واقعة الحرة وثورة التوابين بقيادة سلمان بن صرد الخزاعي رضوان الله عليه ـ وقد فصلنا القول فيها بمقالة سابقة ـ وكذا ثورة المختار الثقفي وكان شعاره يالثارات الحسين عليه السلام ومن الشعار نعرف اهم دافع في الثورة وهو الانتقام من قتلة سيد الشهداء، فضلاً عن الشعور السائد بضرورة التغيير في اسلوب واسس الحكم الى الأُسس الاسلامية وفق منظور اهل البيت عليهم السلام، فهذا كفيل باحقاق الحق وتعميم العدالة ورفع الظلم والحيف الذي لحق المستضعفين من الرجال والنساء.
ومن جهة اخرى لو القينا نظرة فاحصة للمرحلة السياسية التي سبقت الثورة نجد الامور مهيئة لها فالاضطراب سائد في البلدان منذ ثورة الحسين عليه السلام عام 61هـ،وفي الشهور الاخيرة من عام 63هـ والاوائل من عام 64هـ كان الجيش الأموي ذو التجهيزات العسكرية المتميزة يومها متوجهاً الى مدينة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله لمحاربة ثورة المدينة فكانت واقعة الحرة ومن ثم يتوجه الى مكة المكرمة لمحاربة عبد الله بن الزبير الذي اعلن رفض الحكم الاموي وادعى الخلافة وبايعه خلق كثير، فاستبيحت المدينة لجيش الشام ثلاثة ايام سفكوا الدماء البريئة حتى وصلت الى الروضة المطهرة للرسول الاعظم صلى الله عليه وآله.
اما الاوضاع في الشام ذاتها فقد هلك يزيد بن معاوية بعد ذلك وتنازل ابنه معاوية عن السلطة بعد ان حكم أربعون يوماً وتوفي بعد ذلك عام أربع وستين ولم يوصي بالخلافة لأحد فكانت الفوضى سائدة فانتهز مروان بن الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وآله الفرصة واستولى على الحكم ومن ثم هلك عام 65م مؤسساً للحكم المرواني الأموي فقام مقامه عبد الملك بن مروان فاعد الجيوش لمحاربة الخصوم.
أما الكوفة فمازالت تعيش آثار ثورة الحسين عليه السلام ومن بعده أخبار الحرة وثورة التوابين الذين ضربوا أروع أمثلة الجهاد والصمود والبطولة في معارك عين الوردة ضد الأمويين، فكان حماس الكوفيين على أشده ونقمتهم كذلك فالتهيئة مناسبة والهمم عالية والمعنويات مرتفعة، وظهر المختار ضارب على القلب بوتر العاطفة ومؤجج المشاعر بضرورة الثأر للآل من الأمويين فما زال القتلة من أمثال عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد على قيد الحياة.
الكوفة والثورة:
ثار المختار مؤيداً من قبل الشيعة في الكوفة، فعزل والي الزبيريين عبد الله بن المطيع واستولى على القصر واخذ بتعيين الولاة في الأمصار، وكذا قام بقتل قتلة الإمام الحسين عليه السلام المتواجدين في الكوفة متتبعاً إياهم الواحد تلو الآخر، وبذلك تمت له السيطرة الكاملة بلا منازع في الكوفة إلا أن الأخطار المحدقة هي من جانبين الشام وجيشه الأموي القادم وجيش الزبيريين، الأول قادم من الشمال والثاني من الجنوب.
كان المختار متمتع بخبرة إدارية مدنية وحربية كافية تؤهله لقيادة الكوفة والخروج من الصعاب القادمة، فقام بخطوة حكيمة باختيار قائد للجيش ذي شعبية كبيرة لا سيما بين الشيعة وخبرة عسكرية واسعة وهو ابراهيم بن مالك الأشتر نجل مالك الأشتر صاحب أمير المؤمنين علي عليه السلام فما من كوفي يسمع اسمه إلا ويتذكر عهد العدالة والإنصاف والروحانية والسلام والحق ويشم عطر البطولة ورفعة العزة.
انظم الكوفيون الى المختار وابراهيم فكوّنوا جيشاً مقداماً ودخلا معركة حاسمة مع الأمويين كان النصر المُظفر فيها لابراهيم وجيشه بعد أن نكبوا الأمويين خسائر فادحة وقتلةً ليس لها مثيل.
والحمد لله رب العالمين.
منقول
تعليق