بـسـم الله الـرحـمـٰن الـرحـيـم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الظهور المقدس الذي وعد الله مستضعفي الارض، الذين سامهم طغاتها القهر والهوان إلا أن يقولوا ربنا الله، بأن يمّن به عليهم فيجعلهم ائمة ويجعلهم الوارثين على يد الامام المهدي (عج). حمل في طياته العديد من التساؤلات التي راودت اذهان الموالين من أتباع أهل البيت (ع) والتشكيكات التي يلقي بها البعض ممن هم خارج المذهب الحق.. ومن هذه وتلك يطالعنا تساؤل جدير بالإجابة، طالما رُدّد في مدار موضوع الامام المهدي (عج) .. وهو
ما الفائدة من وجود الامام الحجة (عج) للبشر وهو غائب ومتخف عنهم ؟
وفي معرض الاجابة وقبل الدخول في تفاصيلها لن نغفل حقيقة هامة في موضوع الغيبة والظهور المقدس. في أنه ـ الموضوع ـ من قضايا الغيب التي لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم وهم محمد وآله الاطهار (ص) الذين اصطفاهم الله وفضلهم على العالمين, مما يعني أن عدم الالمام بالإجابة من قبلنا كبشر عاديين لا يقدح مقدار ذرة بحقيقة وجود المنفعة والمصلحة مادام الله جل وعلا هو مخطط الامر ومدبره.
رغم هذا فإن ثمة ما يمكن الاستفادة منه من الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع)، في تحديد بعض الفوائد والمصالح من وجود الامام الحجة عج بين الناس رغم تخفيه وغيابه.. ومنها
1 ـ الفائدة من غيبة الامام (عج) كالفائدة من الشمس
إن أصل السؤال نابع من منحى خاطئ حيث انطلق السائل من محدودية نظرته المادية للأشياء، واعتقد ان المنفعة لن تكون إلا في حدود الوجود المادي الملموس، وعليه ف أي فائدة يمكن أن تتوخى من شخص لا ندركه بحواسنا ؟!
في حين أن وجود الامام المهدي (عج) ينتمي الى العالم الملكوتي الالهي بكل ما فيه من خصائص غيبية متعالية على المادة، وبالتالي فإن تأثيره المبارك من سنخية ذلك العالم الذي لا ندركه بعقولنا البشرية المحدودة.. وخير ما يقرب تلك الصورة الغيبية الى أذهاننا هو قول رسول الله (ص) عن جابر الأنصاري أنه سأل النبي (ص) هل ينتفع الشيعة بالقائم (ع) في غيبته فقال (ص) إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب[1]).
وهذا التشبيه الذي أفاد به رسول الله ص يحوي على إشارات عدة منها:
ـ بيان لما عليه الشمس من نفع للناس حتى وإن حجبتها الغيوم وهذا ما يدلل على إمكانية النفع رغم الحجب كما في قضية الغيبة.
ـ يجب أن يكون الناس في حالة من التطلع لظهور الامام المهدي (عج) تماما كتطلعهم لتبدد الغيوم حينما تكتنف قرص الشمس فتمنع الضياء.. مهما تكاثف السحاب أو طالت مدة حجبه للشمس.
ـ إن منكر وجوده (ع) مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس.
2 ـ تمييز المخلصين من المشككين
اقتضت حكمة الله أن يكون الغيب محكاً حقيقياً لإيمان الانسان واختياره، فلو كانت الجنة ـ مثلا ـ على مرأى من الناس لما تقاعس احد عن القيام بدواعي استحقاق الدخول اليها من غير التمييز بين المؤمن وغيره.
في حين جعل الله الجنة أمراً غيبياً لا نراه ليكون العمل في سبيلها قائم على الايمان بالله وحب طاعته، وهذا ما ينطبق على الغيبة إذ جعل الله حجته فيها مخفيا كيما يقتصر انتظاره واتباعه على المؤمن الصادق دون الكافر الشاك. كما تعد طول الغيبة امتحانا حقيقيا لثبات المؤمن على وعد الله والتمسك بالإيمان به.
يقول الإمام الباقر (ع) قال: «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان[2]».
وقد ورد في جواب الإمام الحجة (عج) لإسحاق بن يعقوب كما في توقيعه الشريف: ( أما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عزَّ وجل يقول: (( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدوا لكم تسؤكم )) إنه لم يكن أحد من آبائي إلاَّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج وَلا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي[3]).
3 ـ الإمام الحجة أمان لأهل الأرض بوجوده ودعائه وبركاته.
لو عامل الله الناس بعدله ولو أوكل اليهم أمر الحصول على اسباب الحياة لما بقيت الحياة لحظة واحدة. حيث أن الذنوب التي يقترفها البشر ويصرون عليها يجعلهم مستحقين لخسف الارض بهم ولكنه جل وعلا يعاملهم بتفضله عليهم باللطف وإفاضة اسباب العيش، ومن تجليات لطفه سبحانه وجود أوليائه الصالحين وفي مقدمتهم نبيه الكريم ص واله الاطهار ع كي يكونوا بما هم عليه من شأن مدعاة لاستمرار الحياة ومنع الغضب الالهي عن الناس. والامام المهدي عج هم الاستمرارية التي ارادها الله لوجود اوليائه الصالحين. وفي بيان هذا المعنى ما ورد في جواب الحجة (عج) لإسحاق بن يعقوب كما في توقيعه الشريف: (وإني لأمان لأهل الأرض ، كما أن النجوم أمان أهل السماء[4]).
وعن أمير المومنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «أما ـ والله ـ لأُقتلنَّ أنا وابناي هذان، وليَبعثنَّ الله رجلاً من وُلدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليَغيبنَّ عنهم؛ تمييزاً لأهل الضلالة، حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد من حاجة[5]»
4 ـ طلبه؛ الدعاء له بالفرج لأن تضرع المؤمنين إلى الله بتعجيل فرجه له تأثير عند الله بتقريب ظهوره وفي ظهوره فرج المؤمنين.
الحكمة المتوخاة من تأجيل المعركة الفاصلة بين الخير والشر في هذه الحياة بقيادة الامام المهدي عج والتي لاندركها نحن البشر محدودي التفكير. ستجعل من الناس في حالة تواجد الامام عج على مرآى منهم يلحون على الامام عج بأمر القيام. كما كان يفعل الكثيرون مع الائمة عليهم السلام. في حين كانت غيبته مدعاة لان يسلك الناس السلوك الصحيح وهو دعائهم من الله بسرعة الفرج والتحضر والاستعداد لذلك الحدث الكوني الهام. ورد في جواب الإمام الحجة (عج) لإسحاق بن يعقوب كما في توقيعه الشريف: (وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم[6]).
5 ـ الغيبة سبب أساسي لعدم مبايعة الامام للظالمين
الغيبة التي كانت من الامام (عج) حيث أخفى منذ ولادته المباركة، شخصَه عن حكام بني العباس جعله ذلك في أمان من التهديد الذي كانوا يتوعدونه بهم وكذلك خلصه (ع) من الاضطرار للإقرار بحكومتهم وبالتي مبايعتهم.
ان الائمة المعصومين (ع) الذين سبقوا الحجة (عج) كانوا قد اضطروا الى مبايعة الخلفاء المنحرفين أو إخبارهم بعد الاقدام على عمل عسكري أو سياسي ضدهم كان بمثابة إلزام لهم بالقعود عن الثورة فهم القدوة في حفظ العهد وصدق القول. وهذا التحلل الذي يحظى به الامام الحجة عج سيجعله قادرا على الشروع بالمعركة التي يقضي بها على الظالمين
عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) : «ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه، فإن الله (عزّ وجل) يُخفي ولادته، ويغيب شخصه؛ لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج[7]».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
[1] بحار الأنوار ج 52 ص 93
[2] بحار الأنوار ج52 ص 145
[3] بحار الأنوار ج52 ص 92
[4] بحار الأنوار ج52 ص 92
[5] بحار الأنوار ج51 ص 112
[6] بحار الأنوار ج52 ص 92
[7] بحار الأنوار ج 44 ص19