بـسـم الله الـرحـمـٰن الـرحـيـم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نص الشبهة:
لقد كان الخليفة الحقّ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أبو بكر، والدليل على هذا:
1 ـ اتّفاق الصحابة وإجماعهم على طاعته، ولو لم يكن خليفة حقّاً لما أطاعوه.
2 ـ أنّ عليّاً (عليه السلام) ما خالفه ولا قاتله.
الجواب:
أمّا فيما يتعلّق بالنقطة الأُولى، حيث يقول: إنّ خلافة أبي بكر كانت باتّفاق الصحابة، فهذا ادّعاء ليس بعده ادّعاء، وصاحب هذا الكلام إمّا أنّه لا يعرف ما حدث في سقيفة بني ساعدة، وإمّا أنّه يعرفها ويُخفيها؛ لأنّ مخالفة بيعة أبي بكر ورفضها من قِبل جُلّ المسلمين آنذاك، أمر ثابت في التاريخ ومن أمثلته ما يلي:
1 ـ امتناع قبيلة الخزرج عن بيعة أبي بكر ـ وهي تشكّل نصف الأنصار كما نعلم ـ لأنّ هذا الفريق كان مصمّماً على أن يتولّى زمام الخلافة الصحابي سعد بن عبادة، ولما تمت الخلافة لأبي بكر بأسباب وأسباب خاف سعد فلحق بالشام، ولكن للأسف تعرّض هناك لعمليّة اغتيال مدبّرة أودت بحياته، ولم يُعرف قاتله، وقد نسبوا عمليّة قتله إلى الجنّ، يقول شاعرهم:
قد قتلنا سيّد الـ *** ـخزرج سعد بن عبادة
فرميناه بسهميـ *** ـن فلم نخط فؤاده 1
2 ـ امتناع بني هاشم وعدد من الصحابة عن بيعة أبي بكر، فتحصنوا في بيت فاطمة (عليها السلام) فتعرّضوا للتهديد من قبل مبعوث الخلافة بأنّه إذا لم يخرجوا للمبايعة فسيتمّ إحراق البيت بمَن فيه، وهذه الحادثة ليس من السهل إنكارها، فقد اتفقت المصادر التاريخية على أنّ عمر وقنفذ مولى أبي بكر وغيرهما أتوا دار عليّ (عليه السلام) وكريمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة الزهراء (عليها السلام)، واقتحموه ليخرجوا من فيه للبيعة.
قال ابن قتيبة: إنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي (كرّم الله وجهه)، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، وقال: والّذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على مَنْ فيها، فقيل له: يا أبا حفص أنّ فيها فاطمة، فقال: وإن... إلى أن قال: ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتّى أتوا دار فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت [ يا ] رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة 2.
وأمّا النقطة الثانية التي قال فيها: إنّ عليّاً ما خالف أبا بكر وما قاتلهُ، فقد تعرّضنا للحديث عنها مرّات عديدة، وقلنا خلالها إنّ أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) قد ذكر في بعض خطبه 3 علّة سكوته حيث إنّ الأوضاع بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)كانت في غاية الاضطراب لدرجة أنّ قيامه (عليه السلام) من أجل أخذ حقّه سيكون له أثرٌ في إزالة الإسلام من أصله، فقدّم بقاء أصل الإسلام على المطالبة بحقّه، لأنّ الأوضاع السائدة آنذاك خيّرته بين أخذ حقّه وزوال أصل الإسلام، هذا هو الإمام علي (عليه السلام) وقد رفع الستر عن سبب عدم قتاله القوم: «فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أرى فيه ثلمة أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم» 4.
وأمّا بالنسبة للناكثين والقاسطين والمارقين (أصحاب الجمل وجيش معاوية والخوارج) فقد أمره (صلى الله عليه وآله) بقتالهم، وقد تعرّضنا لهذه المسألة فلا داعي للتكرار 5.
المصادر
1. تفسير القرطبي: 1 / 317؛ تاريخ مدينة دمشق: 2 / 266.
2. المصنّف لابن أبي شيبة: 8 / 572؛ أنساب الأشراف للبلاذري: 1 / 586، طبعة دار المعارف، القاهرة؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 12 و 13 طبعة المكتبة التجارية الكبرى، مصر؛ تاريخ الطبري: 2 / 443 طبعة بيروت؛ العقد الفريد لابن عبد ربه: 3 / 87 تحقيق خليل شرف الدِّين؛ الاستيعاب: 3 / 979 تحقيق علي محمّد بجاوي.
3. نهج البلاغة، الخطبة رقم 56.
4. نهج البلاغة، الكتاب رقم 62.
5. هذه الإجابة لسماحة آية الله الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته.
تعليق