نص الشبهة:
لا يشك منصفان ان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام بات في فراش النبي صلى الله عليه وآله ليلة هجرته الى يثرب ؛ إلا أن من في قلبه مرض يشكك في كون المبيت فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام ؛ قائلا : أنتم معاشر الشيعة تقولون ان عليا يعلم الغيب وعليه فلا فضيلة في مبيته لانه يعلم انه لا خطر عليه في ذلك !
ونجيب على هذه الشبهة بعدة وجوه:
الجواب:
الأول : ( الجواب المبنائي ) انتم معاشر المخالفين تعتقدون بان عليا عليه السلام لا يعلم الغيب وعلى معتقدكم فان مبيته في فراش النبي صلى الله عليه وآله يعتبر تضحية بالنفس وفداء للنبي صلى الله عليه وآله فهو فضيلة وأيما فضيلة.
والشيعة أعزهم الله يعتقدون بلا شك ان مبيته عليه السلام هو فضيلة فيتحصل من ذلك الإجماع على كافية المباني المختلفة بان المبيت فضيلة له عليه السلام.
وعجيب أمر أمير المؤمنين عليه السلام يجمع على فضائله العدو والصديق، المخالف والمؤالف، اتباع الشيطان وعباد الرحمن.
الثاني : ( الجواب النقضي )
النبي صلى الله عليه وآله يعلم الغيب وهو مع ذلك كان يتصرف على بما يوافق إمضاء السنن الإلهية – وسيأتي بيان ذلك – بل الله تعالى كلف أناس بتكاليف ونهاهم عن أمور فهل يعني ذلك انه لا يعلم غيبهم وهو القائل عن نفسه عالم الغيب والشهادة
الثالث: ( الجواب الحلي ) وفيه مقدمات ونتيجة:
1- الهبات الإلهية يهبها الله تعالى لمن يستحقها بجدارة ؛ ولكن لا يعني وهب الهبات تعطيل السنن الالهية ؛ فمثلا عيسى عليه السلام وهبه الله إحياء الموتى فهل عطل عليه السلام سنة الموت في الناس ؟ ان استعمال هذه الهبات انما يكون لاثبات أحقية صاحب الهبة في مدعاه ولما فيه صلاح الخلق ومصلحتهم.
2- العلم بالغيب من الهبات الإلهية التي يعطيها سبحانه لمستحقها بشرط عدم تعطيل السنن الالهية قال تعالى ( وماكان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ) .
3- الهبات الإلهية ومنها الغيب لن تكون ذا منفعة ان لم يكن لصاحبها ارادة قوية في الحفاظ عليها مع لوازمها ؛ مثلا هبة العلم التي وهبها الله تعالى لبلعم بن باعوراء لم تنفعه لانه أخلد الى الارض واتبع هواه فلم يكن ذا ارادة صلبة في الحفاظ عليها قال تعالى ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين @ ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فأقصص القصص لعلهم يتفكرون)
مثال ثان: أم موسى كانت تعلم الغيب بأن موسى سيرجع إليها قال تعالى ( وأوحينا الى ام موسى أن أرضعيه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) وهي مع علمها برجوع موسى إليها كادت ان تبدي به ( وأصبح فؤاد ام موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ) فهل نفع ام موسى علمها بالغيب لولا التدخل الالهي ؟
4- الغاية الإلهية من بعثة الانبياء والرسل هي انقاذ اكبر عدد من البشر ولهذا طالت مدة دعوة نوح عليه السلام تسعمائه وخمسون سنة وتأجل النصر الإلهي حتى ( وأحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد أمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون )
النتيجة من المقدمات الاربعة:-
النبي محمد صلى الله عليه وآله كان يعلم الغيب وانه لن يدخل مكة في عام الحديبية وهو مع ذلك جهز المسلمين وسار نحو مكة ،ليس ذلك الا لحقن الدماء وانقاذ اكبر عدد من البشر وإقامة الحجة عليهم.
توضيح ذلك:
لو ان النبي صلى الله عليه وآله عمل بحسب علمه بالغيب ولم يسر نحو مكة الا في عام الفتح فان الحرب يقينا ستحدث بين المشركين وحلفائهم من القبائل وبين المسلمين ،لان المشركين سيمنعون النبي صلى الله عليه وآله من دخول مكة وهو صلى الله عليه وآله سيدخل ولو بالقوة وبهذا سيكون للقبائل ذريعة للوقوف مع قريش وخصوصا وان موقف النبي ظاهرا هو موقف المعتدي الذي يريد دخول مدينة قريش عنوة وإليك ان تتصور حجم الدماء التي ستسفك حينئذ ! وإليك ان تتخيل موقف بقية القبائل من النبي المعتدي !
ولكنه لما خرج في عام الحديبية واضطرت قريش للصلح قد تحققت الغاية من بعثته صلى الله عليه وآله فقد جرد قريش من شرعيتها، ولهذا لما خانت قريش بنود الصلح لم تجد من يعينها في عام الفتح بل استسلمت صاغرة ودخل النبي مكة بلا سفك قطرة دم .
وما نحن فيه من هذا القبيل؛ فلو لم يبت أمير المؤمنين عليه السلام في فراش النبي صلى الله عليه وآله – ولم يكن احد يستطيع ذلك – لعلم المشركون ان النبي صلى الله عليه وآله خرج من داره ولأدركوه ولن تكون هناك نتيجة الا قتل من تأمر عليه فيصبح مدينا للقبائل المشاركة بشبابها بدم هؤلاء الشباب ، ولك ان تتصور الخطر الذي سينال بني هاشم وبقية المسلمين من القبائل المفجوعة بابنائها .
أخيرا :
الفضيلة هي ما يقرها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ، ومبيت أمير المؤمنين عليه السلام في فراش النبي فضيلة بشهادة الله ورسوله ؛ فقد روى اليعقوبي بتاريخه ان الله عز وجل اوحى في تلك الله الى جبريل وميكائيل أني قضيت على أحدكما الموت فأيكما يواسي صاحبه فأختار الحياة كلاهما فأوحى الله اليهما : هلا كنتما كعلي بن ابي طالب آخيت بينه وبين محمد وجعلت عمر احدهما اكثر من الأخر فأختار علي الموت وآثر محمدا بالبقاء فأهبطا فأحفظاه من عدوه .....الخ
وكذلك ورد في المستدرك على الصحيحين عن ابن عباس انه قال : ( شرى علي نفسه ولبس ثوب البني صلى الله عليه وآله ثم نام مكانه .....الخ )