5 جمادى الأُولى ولادة السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب(ع)
في جمادى الأولى /قرابتها بالمعصوم(1)
سبط رسول الله(ص)، وابنة الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء(عليهما السلام)، وأُخت الإمامينِ الحسن والحسين، وعمّة الإمام زين العابدين(عليهم السلام).
اسمها ونسبها
زينب بنت علي بن أبي طالب(عليهم السلام).
كنيتها ولقبها
كنيتها: أُمّ كلثوم، أُمّ الحسن، ولقبها: الصدّيقة الصغرى، زينب الكبرى، العقيلة، عقيلة بني هاشم، عقيلة الطالبيين، الموثّقة، العارفة، العالمة غير المعلّمة، الكاملة، عابدة آل علي… .
أُمّها
فاطمة الزهراء بنت رسول الله(عليهما السلام).
ولادتها
ولدت في الخامس من جمادى الأُولى 5ﻫ بالمدينة المنوّرة.
من أقوال العلماء فيها
1ـ قال ابن الأثير(ت: 630ﻫ): «وكانت زينب امرأة عاقلة لبيبة جزلة»(2).
2ـ قال السيّد محسن الأمين(قدس سره): «كانت زينب(عليها السلام) من فضليات النساء، وفضلها أشهر من أن يُذكر، وأبين من أن يسطر، وتُعلم جلالة شأنها وعلوّ مكانها وقوّة حجّتها ورجاحة عقلها وثبات جنانها وفصاحة لسانها وبلاغة مقالها حتّى كأنّها تفرع عن لسان أبيها أمير المؤمنين(ع) من خطبها بالكوفة والشام، واحتجاجها على يزيد وابن زياد»(3).
3ـ قال السيّد الخوئي(قدس سره): «إنّها شريكة أخيها الحسين(ع) في الذبّ عن الإسلام والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن شريعة جدّها سيّد المرسلين، فتراها في الفصاحة كأنّها تفرغ عن لسان أبيها، وتراها في الثبات تنبئ عن ثبات أبيها، لا تخضع عند الجبارة، ولا تخشى غير الله سبحانه، تقول حقّاً وصدقاً، لا تُحرّكها العواصف، ولا تزيلها القواصف، فحقّاً هي أُخت الحسين(ع) وشريكته في سبيل عقيدته وجهاده»(4).
قال يحيى المازني: «كنت في جوار أمير المؤمنين(ع) في المدينة مدّة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله(ص) تخرج ليلاً، والحسن عن يمينها، والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين(ع) أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين(ع) فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن(ع) مرّة عن ذلك، فقال(ع): أخشى أن ينظرَ أحدٌ إلى شخصِ أُختِكَ زينب»(5).
وفي هذا قال الشيخ حسن سبتي(رحمه الله):
«إنْ قَصَدَتْ تَزُورُ قَبرَ جَدِّها ** شَوقاً إليهِ إذ هُمُ بِيَثرِبا
أخرجَها لَيلاً أميرُ المُؤمنينَ ** والحُسينُ والزَّكيُّ المُجتبى
يَسبقُهُم أَبوهُمٌ فَيُطفِئُ ** الضَّوءَ الذي في القَبرِ قَدْ تَرتَّبا
قِيلَ لهُ لِمْ ذَا فَقالَ إنَّني ** أَخشَى بِأنْ تَنظرَ عَينٌ زَينبا»(6).
«وجاء في بعض الأخبار أنّ الحسين(ع) كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها، وكان يُجلسها في مكانه»(7).
«ويكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنّها دخلت على الحسين(ع) وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن على الأرض وقام إجلالاً لها»(8).
وخاطبها الإمام زين العابدين(ع) بقوله: «وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللهِ عَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ، وَفَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَة»(9).
روايتها للحديث
تُعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، وقد وقعت في أسناد كثير من الروايات، فقد روت أحاديث عن الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء والإمامينِ الحسن والحسين(عليهم السلام).
أخبارها في كربلاء
كان لها(عليها السلام) في واقعة كربلاء المكان البارز في جميع المواطن، فهي التي كانت تشفي العليل وتُراقب أحوال أخيها الحسين(ع) ساعةً فساعة، وتُخاطبه وتسأله عند كلّ حادث، وهي التي كانت تُدبّر أمر العيال والأطفال، وتقوم في ذلك مقام الرجال.
والذي يُلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة، فاختارت صحبة أخيها وإمامها على البقاء عند زوجها، وزوجها راضٍ بذلك، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه، فمَن كان لها أخ مثل الحسين(ع)، وهي بهذا الكمال الفائق، فلا يستغرب منها تقديم أخيها وإمامها على بعلها
ندبتها لأخيها الحسين(ع)
ندبت(عليها السلام) أخاها الإمام الحسين(ع) يوم عاشوراء: «بِأَبِي مَنْ فُسْطَاطُهُ مُقَطَّعُ الْعُرَى، بِأَبِي مَنْ لَا غَائِبٌ فَيُرْتَجَى، وَلَا جَرِيحٌ فَيُدَاوَى، بِأَبِي مَنْ نَفْسِي لَهُ الْفِدَاءُ، بِأَبِي المَهْمُومُ حَتَّى قَضَى، بِأَبِي الْعَطْشَانُ حَتَّى مَضَى، بِأَبِي مَنْ شَيْبَتُهُ تَقْطُرُ بِالدِّمَاءِ، بِأَبِي مَنْ جَدُّهُ مُحَمَّدٌ المُصْطَفَى…»(10).
أخبارها في الكوفة
لمّا جيء بسبايا أهل البيت(عليهم السلام) إلى الكوفة بعد واقعة الطف، أخذ أهل الكوفة ينوحون ويبكون، فقال حذلم بن ستير: ورأيت زينب بنت علي(عليهما السلام)، فلم أرَ خَفِرة (عفيفة) قطّ أنطق منها، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين(ع)، وقد أومأتْ إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّتْ الأنفاس، وسكتتْ الأصوات، فقالت:
«الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى أَبِي رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَيَا أَهْلَ الخَتْلِ وَالخَذْلِ، فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ، وَلَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، فَمَا مَثَلُكُمْ إِلَّا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ، أَلَا وَهَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ النَّطَف…»(11).
أخبارها في الشام
أرسل عبيد الله بن زياد ـ والي الكوفة ـ السيّدة زينب(عليها السلام) مع سبايا آل البيت(عليهم السلام) ـ بناءً على طلب من يزيد بن معاوية ـ ومعهم رأس الحسين(ع) وباقي الرؤوس إلى الشام، فعندما دخلوا على يزيد دعا برأس الحسين(ع) فوضع بين يديه، وأخذ ينكت ثنايا الإمام الحسين(ع) بقضيب خيزران، فقامت(عليها السلام) له في ذلك المجلس، وخطبت قائلة:
«الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ أَجْمَعِين… أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ وَآفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الْأُسَرَاءُ، أَنَّ بِنَا عَلَى اللهِ هَوَاناً، وَبِكَ عَلَى اللهِ كَرَامَةً، فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ، وَنَظَرْتَ إِلَى عِطْفِكَ حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا مُسْتَوْثَقَةً حِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وَسُلْطَانُنَا، فَمَهْلاً مَهْلاً، أَنَسِيتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾، ثُمَّ تَقُولُ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ وَلَا مُسْتَعْظِمٍ :
فَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً ** ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلُ
مُتَنَحِّياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللهِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ تَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِكَ، وَكَيْفَ لَا تَقُولُ ذَلِكَ وَقَدْ نَكَأْتَ الْقَرْحَةَ، وَاسْتَأْصَلْتَ الشَّأْفَةَ بِإِرَاقَتِكَ دِمَاءَ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ، وَتَهْتِفُ بِأَشْيَاخِكَ لَتَرِدَنَّ مَوْرِدَهُمْ.
اللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا، وَانْتَقِمْ لَنَا مِنْ ظَالِمِنَا، فَمَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ، وَلَا حَزَزْتَ إِلَّا لحْمَكَ، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، فَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَعَلَيْهِ المُتَّكَلُ، فَوَ اللهِ لَا تَمْحُو ذَكَرْنَا، وَلَا تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَالحَمْدُ لِلهِ الَّذِي خَتَمَ لِأَوَّلِنَا بِالسَّعَادَةِ، وَلآِخِرِنَا بِالشَّهَادَةِ، وَيُحْسِنُ عَلَيْنَا الْخِلَافَةَ، إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُود»(12).
زوجها
ابن عمّها، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
من أولادها
علي أبو محمّد الزينبي «كان من الأجواد»(13)، وعون ومحمّد «استُشهدا في واقعة الطف».
وفاتها
تُوفّيت(عليها السلام) في الخامس عشر من رجب 62ﻫ، واختُلِف في مكان دفنها، فمنهم مَن قال: في مصر، ومنهم مَن قال: في الشام، ومنهم مَن قال: في المدينة المنوّرة.
من أقوال الشعراء فيها
1ـ قال الشيخ جعفر النقدي(رحمه الله):
«عَقيلةُ أَهلِ بَيتِ الوَحيِ بِنتُ ** الوَصيِّ المُرتَضى مَولَى المَوالي
شَقيقةُ سِبطَي المُختارِ مَن قَد ** سَمَت شَرفاً على هَامِ الهِلالِ
حَكَتْ خَيرَ الأنامِ عُلاً وفَخراً ** وحَيدرَ في الفَصيحِ مِنَ المقالِ
وفَاطمَ عفّةً وتُقىً ومَجداً ** وأَخلاقاً وفي كَرمِ الخلالِ
رَبيبةُ عِصمةٍ طَهُرَتْ وطَابَتْ ** وفَاقَتْ في الصِّفاتِ وفي الفِعالِ
فَكانَتْ كَالأئمّةِ في هُداهَا ** وإِنقاذِ الأَنامِ مِن الضَّلالِ
وكانَ جِهادُها باللَّيلِ أَمضَى ** مِن البِيضِ الصَّوارمِ والنِّصالِ
وكانَتْ في المُصلَّى إذ تُناجي ** وتَدعُو اللهَ بالدَّمعِ المذالِ
ملائِكةُ السَّماءِ على دُعاها ** تُؤَمِّن في خُضوعٍ وابتهالِ
روَتْ عن أُمِّها الزَّهرا عُلوماً ** بها وصَلَتْ إلى حَدِّ الكَمالِ
مَقاماً لَم يكن تَحتاجُ فيه ** إلى تَعليمِ عِلمٍ أو سُؤالِ
ونَالَتْ رُتبةً في الفَخرِ عَنها ** تَأخَّرتِ الأوَاخرُ والأوالي
فَلولا أُمُّها الزَّهراءُ سَادَتْ ** نِساءَ العالمينَ بِلا جِدالِ»(14
2ـ قال الشيخ حسن سبتي(رحمه الله):
«رُوحي لها الفِداءُ مِن مَصونةٍ ** زَكيّةٍ كَريمةٍ ذَاتِ إبَا
ذَاتِ عَفافٍ وَوَقارٍ وحِجىً ** مَن شَرُفَتْ أُمّاً وجَدّاً وأبَا
أَحمدُ جَدِّي وعَليٌّ والِدِي ** وفَاطمٌ أُمٌّ فَأكرِم نَسَبَا
تَكفَّلَتْ أثقَلَ ما في الدَّارِ ** بَعد أُمِّها مِنْ أيَّام الصِّبا
وَجُرِّعَتْ مَا جُرِّعَتْهُ أُمُّها ** من الأذَى ما مِنهُ تُنْسَفُ الرُّبَى
عَيْبَةُ عِلمٍ غير أنَّ عِلمَها ** غَريزةٌ ولم يَكنْ مُكتَسَبَا
عالِمةٌ عامِلةٌ لربِّها ** طُولَ المدى سِوَى التُّقَى لن تُصبِحا
تَقيةٌ مِن أهلِ بَيتِ عِصمةٍ ** شَقيقَةُ السِّبطِ الحُسينِ المجتبى
صِدِّيقةٌ كُبرى لِجَمِّ عِلمِها ** طَاشَتْ بها الألبابُ والفِكْرُ كَبَا
فَيَا لها دَاعيةٌ إلى الهُدى ** في حَلِّ كلِّ مُشكلٍ قد صَعُبَا
ذَاتُ فَصاحةٍ إذا ما نَطَقَتْ ** حِيناً تَخالُ المرتضى قَد خَطَبَا
سَلْ مَجلِسَ الشَّامِ ومَا حَلَّ بهِ ** مُذْ خَطَبَتْ مَاجَ بِهم واضْطَرَبَا»(15).
ــــــــــــــــــــــــ
1ـ اُنظر: أعيان الشيعة 7/ 137.
2ـ أُسد الغابة 5/ 469.
3ـ أعيان الشيعة 7/ 137.
4ـ معجم رجال الحديث 24/ 219 رقم15659.
5ـ وفيات الأئمّة: 435.
6ـ المصدر السابق: 477.
7ـ المصدر السابق: 436.
8ـ المصدر السابق: 437.
9ـ الاحتجاج 2/ 31.
10ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 78.
11ـ الأمالي للمفيد: 321 مجلس38 ح8.
12ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 105.
13ـ اُنظر: أنساب الأشراف2/ 67.
14ـ وفيات الأئمّة: 442.
15ـ المصدر السابق: 477.
في جمادى الأولى /قرابتها بالمعصوم(1)
سبط رسول الله(ص)، وابنة الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء(عليهما السلام)، وأُخت الإمامينِ الحسن والحسين، وعمّة الإمام زين العابدين(عليهم السلام).
اسمها ونسبها
زينب بنت علي بن أبي طالب(عليهم السلام).
كنيتها ولقبها
كنيتها: أُمّ كلثوم، أُمّ الحسن، ولقبها: الصدّيقة الصغرى، زينب الكبرى، العقيلة، عقيلة بني هاشم، عقيلة الطالبيين، الموثّقة، العارفة، العالمة غير المعلّمة، الكاملة، عابدة آل علي… .
أُمّها
فاطمة الزهراء بنت رسول الله(عليهما السلام).
ولادتها
ولدت في الخامس من جمادى الأُولى 5ﻫ بالمدينة المنوّرة.
من أقوال العلماء فيها
1ـ قال ابن الأثير(ت: 630ﻫ): «وكانت زينب امرأة عاقلة لبيبة جزلة»(2).
2ـ قال السيّد محسن الأمين(قدس سره): «كانت زينب(عليها السلام) من فضليات النساء، وفضلها أشهر من أن يُذكر، وأبين من أن يسطر، وتُعلم جلالة شأنها وعلوّ مكانها وقوّة حجّتها ورجاحة عقلها وثبات جنانها وفصاحة لسانها وبلاغة مقالها حتّى كأنّها تفرع عن لسان أبيها أمير المؤمنين(ع) من خطبها بالكوفة والشام، واحتجاجها على يزيد وابن زياد»(3).
3ـ قال السيّد الخوئي(قدس سره): «إنّها شريكة أخيها الحسين(ع) في الذبّ عن الإسلام والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن شريعة جدّها سيّد المرسلين، فتراها في الفصاحة كأنّها تفرغ عن لسان أبيها، وتراها في الثبات تنبئ عن ثبات أبيها، لا تخضع عند الجبارة، ولا تخشى غير الله سبحانه، تقول حقّاً وصدقاً، لا تُحرّكها العواصف، ولا تزيلها القواصف، فحقّاً هي أُخت الحسين(ع) وشريكته في سبيل عقيدته وجهاده»(4).
قال يحيى المازني: «كنت في جوار أمير المؤمنين(ع) في المدينة مدّة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله(ص) تخرج ليلاً، والحسن عن يمينها، والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين(ع) أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين(ع) فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن(ع) مرّة عن ذلك، فقال(ع): أخشى أن ينظرَ أحدٌ إلى شخصِ أُختِكَ زينب»(5).
وفي هذا قال الشيخ حسن سبتي(رحمه الله):
«إنْ قَصَدَتْ تَزُورُ قَبرَ جَدِّها ** شَوقاً إليهِ إذ هُمُ بِيَثرِبا
أخرجَها لَيلاً أميرُ المُؤمنينَ ** والحُسينُ والزَّكيُّ المُجتبى
يَسبقُهُم أَبوهُمٌ فَيُطفِئُ ** الضَّوءَ الذي في القَبرِ قَدْ تَرتَّبا
قِيلَ لهُ لِمْ ذَا فَقالَ إنَّني ** أَخشَى بِأنْ تَنظرَ عَينٌ زَينبا»(6).
«وجاء في بعض الأخبار أنّ الحسين(ع) كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها، وكان يُجلسها في مكانه»(7).
«ويكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنّها دخلت على الحسين(ع) وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن على الأرض وقام إجلالاً لها»(8).
وخاطبها الإمام زين العابدين(ع) بقوله: «وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللهِ عَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ، وَفَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَة»(9).
روايتها للحديث
تُعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، وقد وقعت في أسناد كثير من الروايات، فقد روت أحاديث عن الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء والإمامينِ الحسن والحسين(عليهم السلام).
أخبارها في كربلاء
كان لها(عليها السلام) في واقعة كربلاء المكان البارز في جميع المواطن، فهي التي كانت تشفي العليل وتُراقب أحوال أخيها الحسين(ع) ساعةً فساعة، وتُخاطبه وتسأله عند كلّ حادث، وهي التي كانت تُدبّر أمر العيال والأطفال، وتقوم في ذلك مقام الرجال.
والذي يُلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة، فاختارت صحبة أخيها وإمامها على البقاء عند زوجها، وزوجها راضٍ بذلك، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه، فمَن كان لها أخ مثل الحسين(ع)، وهي بهذا الكمال الفائق، فلا يستغرب منها تقديم أخيها وإمامها على بعلها
ندبتها لأخيها الحسين(ع)
ندبت(عليها السلام) أخاها الإمام الحسين(ع) يوم عاشوراء: «بِأَبِي مَنْ فُسْطَاطُهُ مُقَطَّعُ الْعُرَى، بِأَبِي مَنْ لَا غَائِبٌ فَيُرْتَجَى، وَلَا جَرِيحٌ فَيُدَاوَى، بِأَبِي مَنْ نَفْسِي لَهُ الْفِدَاءُ، بِأَبِي المَهْمُومُ حَتَّى قَضَى، بِأَبِي الْعَطْشَانُ حَتَّى مَضَى، بِأَبِي مَنْ شَيْبَتُهُ تَقْطُرُ بِالدِّمَاءِ، بِأَبِي مَنْ جَدُّهُ مُحَمَّدٌ المُصْطَفَى…»(10).
أخبارها في الكوفة
لمّا جيء بسبايا أهل البيت(عليهم السلام) إلى الكوفة بعد واقعة الطف، أخذ أهل الكوفة ينوحون ويبكون، فقال حذلم بن ستير: ورأيت زينب بنت علي(عليهما السلام)، فلم أرَ خَفِرة (عفيفة) قطّ أنطق منها، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين(ع)، وقد أومأتْ إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّتْ الأنفاس، وسكتتْ الأصوات، فقالت:
«الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى أَبِي رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَيَا أَهْلَ الخَتْلِ وَالخَذْلِ، فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ، وَلَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، فَمَا مَثَلُكُمْ إِلَّا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ، أَلَا وَهَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ النَّطَف…»(11).
أخبارها في الشام
أرسل عبيد الله بن زياد ـ والي الكوفة ـ السيّدة زينب(عليها السلام) مع سبايا آل البيت(عليهم السلام) ـ بناءً على طلب من يزيد بن معاوية ـ ومعهم رأس الحسين(ع) وباقي الرؤوس إلى الشام، فعندما دخلوا على يزيد دعا برأس الحسين(ع) فوضع بين يديه، وأخذ ينكت ثنايا الإمام الحسين(ع) بقضيب خيزران، فقامت(عليها السلام) له في ذلك المجلس، وخطبت قائلة:
«الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ أَجْمَعِين… أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ وَآفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الْأُسَرَاءُ، أَنَّ بِنَا عَلَى اللهِ هَوَاناً، وَبِكَ عَلَى اللهِ كَرَامَةً، فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ، وَنَظَرْتَ إِلَى عِطْفِكَ حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا مُسْتَوْثَقَةً حِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وَسُلْطَانُنَا، فَمَهْلاً مَهْلاً، أَنَسِيتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾، ثُمَّ تَقُولُ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ وَلَا مُسْتَعْظِمٍ :
فَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً ** ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلُ
مُتَنَحِّياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللهِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ تَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِكَ، وَكَيْفَ لَا تَقُولُ ذَلِكَ وَقَدْ نَكَأْتَ الْقَرْحَةَ، وَاسْتَأْصَلْتَ الشَّأْفَةَ بِإِرَاقَتِكَ دِمَاءَ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ، وَتَهْتِفُ بِأَشْيَاخِكَ لَتَرِدَنَّ مَوْرِدَهُمْ.
اللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا، وَانْتَقِمْ لَنَا مِنْ ظَالِمِنَا، فَمَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ، وَلَا حَزَزْتَ إِلَّا لحْمَكَ، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، فَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَعَلَيْهِ المُتَّكَلُ، فَوَ اللهِ لَا تَمْحُو ذَكَرْنَا، وَلَا تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَالحَمْدُ لِلهِ الَّذِي خَتَمَ لِأَوَّلِنَا بِالسَّعَادَةِ، وَلآِخِرِنَا بِالشَّهَادَةِ، وَيُحْسِنُ عَلَيْنَا الْخِلَافَةَ، إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُود»(12).
زوجها
ابن عمّها، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
من أولادها
علي أبو محمّد الزينبي «كان من الأجواد»(13)، وعون ومحمّد «استُشهدا في واقعة الطف».
وفاتها
تُوفّيت(عليها السلام) في الخامس عشر من رجب 62ﻫ، واختُلِف في مكان دفنها، فمنهم مَن قال: في مصر، ومنهم مَن قال: في الشام، ومنهم مَن قال: في المدينة المنوّرة.
من أقوال الشعراء فيها
1ـ قال الشيخ جعفر النقدي(رحمه الله):
«عَقيلةُ أَهلِ بَيتِ الوَحيِ بِنتُ ** الوَصيِّ المُرتَضى مَولَى المَوالي
شَقيقةُ سِبطَي المُختارِ مَن قَد ** سَمَت شَرفاً على هَامِ الهِلالِ
حَكَتْ خَيرَ الأنامِ عُلاً وفَخراً ** وحَيدرَ في الفَصيحِ مِنَ المقالِ
وفَاطمَ عفّةً وتُقىً ومَجداً ** وأَخلاقاً وفي كَرمِ الخلالِ
رَبيبةُ عِصمةٍ طَهُرَتْ وطَابَتْ ** وفَاقَتْ في الصِّفاتِ وفي الفِعالِ
فَكانَتْ كَالأئمّةِ في هُداهَا ** وإِنقاذِ الأَنامِ مِن الضَّلالِ
وكانَ جِهادُها باللَّيلِ أَمضَى ** مِن البِيضِ الصَّوارمِ والنِّصالِ
وكانَتْ في المُصلَّى إذ تُناجي ** وتَدعُو اللهَ بالدَّمعِ المذالِ
ملائِكةُ السَّماءِ على دُعاها ** تُؤَمِّن في خُضوعٍ وابتهالِ
روَتْ عن أُمِّها الزَّهرا عُلوماً ** بها وصَلَتْ إلى حَدِّ الكَمالِ
مَقاماً لَم يكن تَحتاجُ فيه ** إلى تَعليمِ عِلمٍ أو سُؤالِ
ونَالَتْ رُتبةً في الفَخرِ عَنها ** تَأخَّرتِ الأوَاخرُ والأوالي
فَلولا أُمُّها الزَّهراءُ سَادَتْ ** نِساءَ العالمينَ بِلا جِدالِ»(14
2ـ قال الشيخ حسن سبتي(رحمه الله):
«رُوحي لها الفِداءُ مِن مَصونةٍ ** زَكيّةٍ كَريمةٍ ذَاتِ إبَا
ذَاتِ عَفافٍ وَوَقارٍ وحِجىً ** مَن شَرُفَتْ أُمّاً وجَدّاً وأبَا
أَحمدُ جَدِّي وعَليٌّ والِدِي ** وفَاطمٌ أُمٌّ فَأكرِم نَسَبَا
تَكفَّلَتْ أثقَلَ ما في الدَّارِ ** بَعد أُمِّها مِنْ أيَّام الصِّبا
وَجُرِّعَتْ مَا جُرِّعَتْهُ أُمُّها ** من الأذَى ما مِنهُ تُنْسَفُ الرُّبَى
عَيْبَةُ عِلمٍ غير أنَّ عِلمَها ** غَريزةٌ ولم يَكنْ مُكتَسَبَا
عالِمةٌ عامِلةٌ لربِّها ** طُولَ المدى سِوَى التُّقَى لن تُصبِحا
تَقيةٌ مِن أهلِ بَيتِ عِصمةٍ ** شَقيقَةُ السِّبطِ الحُسينِ المجتبى
صِدِّيقةٌ كُبرى لِجَمِّ عِلمِها ** طَاشَتْ بها الألبابُ والفِكْرُ كَبَا
فَيَا لها دَاعيةٌ إلى الهُدى ** في حَلِّ كلِّ مُشكلٍ قد صَعُبَا
ذَاتُ فَصاحةٍ إذا ما نَطَقَتْ ** حِيناً تَخالُ المرتضى قَد خَطَبَا
سَلْ مَجلِسَ الشَّامِ ومَا حَلَّ بهِ ** مُذْ خَطَبَتْ مَاجَ بِهم واضْطَرَبَا»(15).
ــــــــــــــــــــــــ
1ـ اُنظر: أعيان الشيعة 7/ 137.
2ـ أُسد الغابة 5/ 469.
3ـ أعيان الشيعة 7/ 137.
4ـ معجم رجال الحديث 24/ 219 رقم15659.
5ـ وفيات الأئمّة: 435.
6ـ المصدر السابق: 477.
7ـ المصدر السابق: 436.
8ـ المصدر السابق: 437.
9ـ الاحتجاج 2/ 31.
10ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 78.
11ـ الأمالي للمفيد: 321 مجلس38 ح8.
12ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 105.
13ـ اُنظر: أنساب الأشراف2/ 67.
14ـ وفيات الأئمّة: 442.
15ـ المصدر السابق: 477.