نص الشبهة:
قال عثمان الخميس: (فنقول للشيعة إن قلتم إن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الذين يذادون عن الحوض ما الذي يمنع غيركم كالنواصب مثلاً أن يقولوا لكم عليٌّ أيضاً ممن يذاد عن الحوض، وإن قلتم ثبتت فضائل لعلي فسيقولون لكم ثبتت فضائل أكثر منها لأبي بكر وعمر) (حقبة من التاريخ صفحة 153.).
الجواب:
أقول:
أولاً: إنّ الشيعة يستندون إلى حديث الحوض لإبطال مزعومة عدالة جميع الصحابة، وليس لإثبات ارتداد زيد أو عمرو من الصحابة، فحشر عثمان الخميس أسماء بعض الصحابة هنا من باب التخبط والخلط.
ثم إنّ الناصبي عليه أن يأتي بالدليل على أن علياً عليه السلام من جملة المرتدين الذين يذادون عن حوض رسول الله صلى الله عليه وآله ويؤمر بهم إلى النار، فهل يملك النواصب أخزاهم الله على ذلك دليلاً متواتراً قطعي الصدور؟ فإنّا نمتلك من الأدلة ما هو قطعي لإثبات أن علياً عليه السلام ليس من جملة أولئك المطرودين.
ثانياً: إن قول عثمان الخميس أنّه جاء لأبي بكر وعمر من الفضائل أكثر مما جاء لعلي عليه السلام يردّه تصريح بعض علماء أهل السنة بأنّه لم يأت لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد المعتبرة ما جاء لعلي عليه السلام قال ابن حجر في الصواعق: (وهي ـ أي فضائل علي ـ كثيرة عظيمة شهيرة حتى قال: أحمد ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي.
وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في علي) 1.
ثم إن عثمان الخميس استشهد بقوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ 2.
وتكلم حول هذه الآية في أكثر من صفحتين من كتابه حقبة من التاريخ مدّعياً أن المفسرين أجمعوا على أنّ « من » في الآية في قوله تعالى: ﴿ ... مِنْهُمْ ... ﴾ 2 بيانية وليست تبعيضية، وأن ظاهر هذه الآية المدح لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله كلهم فكان مما قاله: (ثم انظر إلى سياق الآية كلها مدح ليس فيها ذم لبعضهم بل مدح لكلهم) 3.
وكان مما قاله أيضاً بعد أن ذكر أسماء جملة من علماء أهل السنة وأنهم قالوا بأن «من» في الآية للجنس أو للتوكيد: (كل هؤلاء لما تكلموا عن هذه الآية قالوا إن «من» هنا مؤكدة أو مجنسة وليست من التبعيضية كما يدعي أعداء الله تبارك وتعالى) 4.
فهو يحاول أن يثبت من هذه الآية الكريمة عدالة جميع الصحابة، لكن نقول في الرّد عليه:
أولاً: لا شك أن المراد بقوله تعالى: ﴿ ... وَالَّذِينَ مَعَهُ ... ﴾ 2 المعيّة الإيمانية لا المعية المكانية أو الزمانية، فنحن أمام احتمالين، إمّا أن يكون المراد بالآية الكريمة جميع من آمن ودخل إلى الإسلام، أو المراد بها بعضهم ممن توفرت فيهم السمات التي أشارة إليها الآية الكريمة، أمّا الاحتمال الأول فمردود وذلك لأن من بين من أسلم وآمن برسالة الإسلام جماعة وصفهم القرآن الكريم بأنّهم مرضى القلوب، قال تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ 5، وقد صرّح بعض المفسرين بأن المراد بالذين في قلوبهم مرض هم ضعفاء الإيمان، فهم غير المنافقين، وبلا شك أن هؤلاء غير مرادين بالآية الكريمة، فيكون احتمال أن المراد بالذين معه كل من كان معه من المسلمين غير صحيح، فلا تكون الآية الكريمة دليلاً على عدالة جميع الصحابة، لأن ضعفاء الإيمان من جملتهم، وما ذكرته الآية الكريمة من صفات لا تنطبق على هؤلاء، فيتعين أنه سبحانه وتعالى أراد بها جماعة من الصحابة لا كلهم.
ثم ما دام أنّ الذي في قلوبهم مرض هم من جملة الصحابة فإن الآية الكريمة لا يمكن أن يستدل بها على عدالة أحد ممن كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله إلاّ أن يثبت بدليل آخر أنّه ممن تنطبق عليه الصفات التي أشارت إليها الآية الكريمة.
إضافة إلى ذلك فإن المنافقين من جملة من كان مع النبي صلى الله عليه وآله وهم قطعاً ليسوا بمعنيين بهذه الآية، لكن بما أن بعض هؤلاء المنافقين غير مكشوف الحال للنبي صلى الله عليه وآله وللمؤمنين ومتستراً على نفاقه غاية التستر فإننا كذلك لا نستطيع أن نحكم بموجب هذه الآية على عدالة أحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وآله ما لم يثبت بدليل آخر أنّه ممن اتصف بالصفات المذكورة في هذه الآية.
ثانياً: إنّ من جملة من آمن بالرسول صلى الله عليه وآله وشاهده وسمع منه من ارتد عن الإسلام في جملة من ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وهؤلاء كانوا في حياته معدودين في جملة أصحابه، فإذا كانوا وقت نزول الآية ممن تشملهم الآية الكريمة لأنهم ممن آمن برسالة الإسلام فإنهم يخرجون منها بارتدادهم، وهذا مما يؤيد أن تكون «من» في الآية تبعيضية لا بيانية، أي أنّ الوعد بالمغفرة والأجر العظيم خاص بمن بقي منهم على إيمانه وممارسته للأعمال الصالحة، لا من انحرف عن إيمانه أو انجرف إلى ممارسة الموبقات والسيئات، وعلى هذا فإن عدم دلالة الآية على عدالة جميع الصحابة جلية واضحة.
ثالثاً: إن الآية الكريمة تذكر مجموعة من الصفات لهؤلاء الذين كانوا معه صلى الله عليه وآله منها: أنهم ﴿ ... أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ... ﴾ 2 لكننا إذا رجعنا إلى سيرة بعض هؤلاء الصحابة وواقع حالهم نجد أنهم يفتقدون هذه الصفة، ومن أدلة ذلك انهزامهم في معركة حنين، فعن أبي قتادة قال: (لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله، فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها، ثم أخذني فضمني ضماً شديداً حتى تخوفت، ثم ترك فتحلل ودفعته، ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله!!، ثم تراجع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم...) 6.
وقد أثبت الله هذه الحقيقة في كتابه فقال عزّ من قائل: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ 7.
فكيف يصح ـ بعد هذا ـ أن نصف هؤلاء المنهزمين من الصحابة يوم حنين بأنهم أشداء على الكافرين؟!
ومن الصفات التي تذكرها الآية الكريمة للذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله أنهم ﴿ ... رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ... ﴾ 2، إلاّ أننا نجد أنّ هذه الصفة كانت مفقودة عند بعضهم، والأدلة على ذلك عديدة منها: أنّ جماعة من الصحابة ومن أعانهم من سائر الناس بغوا على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ومن كانوا معه من الصحابة ومن سائر المسلمين وذلك في معركة الجمل وصفين، وقطعاً لم يكن هؤلاء البغاة رحماء بالإمام علي عليه السلام وبمن معه حين بغوا عليهم وقاتلوهم وقتلوا منهم من قتلوا وجرحوا من جرحوا.
فإذا كان بعض الصحابة يفتقد الصفات التي أشارت إليها الآية أو بعضها فكيف يصح أن يزعم زاعم ويدّعي مدع بأن الآية تدل على عدالة جميع الصحابة؟!
وعليه فحتى لو سلّمنا ـ جدلاً ـ أن «من» في الآية بيانية لا تبعيضية فإن الآية الكريمة قطعاً لا تعني جميع الصحابة، وإنما فئة خاصة منهم اجتمعت فيهم الصفات المذكورة، فهم وحدهم الذين يشملهم الوعد الإلهي دون غيرهم من سائر الصحابة ممن يفتقدونها.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين 8.
المصادر
1. الصواعق المحرقة 2 / 353.
2. . القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 29، الصفحة: 515.
3. حقبة من التاريخ صفحة 155.
4. حقبة من التاريخ صفحة 156.
5. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 49، الصفحة: 183.
6. صحيح البخاري 4 / 1570 رواية رقم: 4067.
7. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 25، الصفحة: 190.
8. هذا الموضوع رَدُّ على شبهة طرحها عثمان الخميس ضمن مجموعة من الشبهات الأخرى التي أثارها ضد مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
تعليق