يدعي بعض من ينتسب للتشيع أن قضية استشهاد الزهراء صلوات الله عليه ظهرت في الفترة الأخيرة، ولم يعد تاريخ هذا الموضوع لعصور متمادية، وإن طرْح هذه المسألة تخل، وتخالف مبادئ الوحدة.هذا الكلام باطل ومردود الوحدة لا تعني بأن تطلب من الطرف المقابل أن يترك معتقداته، ويلتزم بما تقول أنت، ولا لأجل الطرف المقابل أن تتنازل عن مسلّمات ما تعتقد به، ولتوضيح الأمر نذكر أمراً واضحاً بما يعتقد به طرف المقابل، ولا نعتقد به نحن، بل نقول بأنه بدعة أدخلوها في الإسلام، ولم يرضى بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وهي صلاة التراويح التي يقيموها أبناء العامة لم نقل لهم أنتم تقيمون هذا الصلاة ونحن نقول بأنها بدعة، فإذا لم تتركوها لا تكون بيننا وبينكم وحدة، بل نراهم في شهر رمضان يقيمون هذا الصلاة، ولا نمنعهم من ذلك، ولا نعترض علهيم؛ لأنها من ضمن معتقدهم، بل صارت شعاراً لهم حتى يقول السرخسي: "التراويح سنة لا يجوز تركها".(1)
فالشئ الذي هو بدعة صار عندهم سنة، ونحن نتحمل ذلك وفي المقابل لا يحق لهم أن يطلبوا منّا أن نترك أشياء تكون من معتقداتنا أو من أهم أصول مذهبنا، وهم لابد أن يتقبلوا عقائدنا هذا أول الأمر.
وأما مسألة الوحدة التي نتمسك بها تعني ثقافة التعايش السلمي، وهذا يعني كل طرف يلتزم بمعتقداته، ولا يتنازل عنها، ولكن يراعي مشاعر الطرف الآخر في المناطق التي يعيشون معاً.
وأما ما إدعاه بأن قضية الشهادة طرحت في الأوان الأخيرة، فنقول له ليس كما تزعمون، بل أنها ذكرت في الكتب التاريخية والروائية وكتب الأدعية والزيارة، وهذا المعنى والمطلب موثق في المصادر والمراجع، ولا يكون جديداً، فعن عَلِیِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِیهِ أَبِی الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ: (إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام صِدِّیقَةٌ شَهِیدَةٌ).(2)
ومنتهى الأمر هو في بعض الأحيان يسمح وتتيح الفرصة للتشيع أن يظهر معتقداته دون بعض الفترات الآخرى، فيبينوا الحقائق، وهناك شواهد على مثل هذا الأمر منها قضية عاشوراء، فهي لم تكن من أول الأيام كما هي الآن، تعطل الأسوق، وتتوشح السواد، وتخرج النساء والأطفال والكهول والشباب إلى الشوارع والأسواق، ويلبسون السواد، ويحيون الشعائر الحسينية بهذا الشكل الذي نشاهده اليوم، بل كانوا يمنعون عن إقامة الشعائر الحسينية في زمن الأئمة صلوات الله عليهم حتى وردت روايات كثيرة في تحفيز وتشويق إقامة الشعائر وزيارة الإمام الحسين عليه السلام، والروايات الواردة في كتاب كامل الزيارات وغيرها من الكتب خير شاهد على هذا الأمر، وعلى مر العصور على سبيل المثال: أفعال وقرارات خلفاء بني أمية وبني العباس عليهم اللعنة للحد من إقامة هذه الشعائر ومنع الزيارات من قبل الشيعة والموالين وصل بهم الأمر حتى قتلوا من هؤلاء المحبين والزوار مقتلة عظيمة، وإلى يومنا هذا أن أتباعهم ومن ينتهج مسلكم مصرون، ويؤكدون على منع الشيعة وفي مختلف البلدان والمدن من إقامة الشعائر الحسينية المقدسة بالحرية الكاملة، وأفضل شاهد على ذلك في عصرنا ما كان يفعله طاغية العراق بالمعزين والذين يحيون الشعائر ولكن النصر لله ولأوليائه، وكما ورد في الذكر الحكيم: يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره.
كل هذه الأسماء ذهبت إلى مزبلة التاريخ، ولم يبقى لهم ذكر، وقضية كربلاء يوما بعد يوم تزداد نوراً وعلواً كما قالت السيدة زينب بنت أمير المؤمنين صلوات الله عليهما لابن أخيها الإمام زين العابدين صلوات الله عيله: (وَيَنْصِبُونَ لِهَذَا الطَّفِّ عَلَماً لِقَبْرِ أَبِيكَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ لَا يَدْرُسُ أَثَرُهُ وَلَا يَعْفُو رَسْمُهُ عَلَى كُرُورِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَلَيَجْتَهِدَنَّ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَأَشْيَاعُ الضَّلَالَةِ فِي مَحْوِهِ وَتَطْمِيسِهِ فَلَا يَزْدَادُ أَثَرُهُ إِلَّا ظُهُوراً وَأَمْرُهُ إِلَّا عُلُوّاً).(3)
أو كما يقول الشاعر:
كذب الموت فالحسين مخلد كلما مر الزمان ذكره يتجدد
فكذلك القضية الفاطمية اليوم أتيح للتشيع بأن يخبر العالم بما حدث، وجرى على الصديقة الطاهرة الشهيدة، فيجب على الجميع أن يهتموا بهذا الأمر.
والحديث ليس كما يتخيله هذا الشخص وأمثاله الذين يعتقدون بأنها ظهرت في الفترة الأخيرة، بل هي كانت على مر العصور، وإن أخفيت؛ فهناك ظروف خاصة حكمت عليهم بإخفائها وعدم إعلانها، ولكن اليوم يحيون الشيعة بمختلف شرائحهم وطبقاتهم واتجاهاتهم هذا المعتقد -الذي يعيشونه في ضمائرهم، ولم يخمد لهيبه أبدا في قلوبهم - بهذا الشكل العظيم، وهذا ليس إلا لقدرة التشيع اليوم، وإن شاء الله تكون أوسع وأكثر لتنشر بواسطتها المعارف الإسلامية الحقة، ويعرف العالم حقيقة الإسلام ومن هم أولياء هذا المذهب الحق.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ المبسوط: ج2، ص 145، والبحر الرائق:ج 2، ص 115.
2ـ الکافی: ج2، ص489و490 ، ح3 ط دار الحدیث. مسائل علي بن جعفر: ص 325، ح 811 ط موسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.
3ـ كامل الزيارات: 262.
الشيخ مهدي المجاهد
تعليق