بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين . اللهم صل على محمد وآل محمد .
في مثل هذا اليوم الـ 7 من شهر جمادي الأخر حدثت معركة ذات السلاسل التي انتصر على ضوئها جيش المسلمين بأمر من النبي المصطفى الأمجد (صلى الله عليه وآله) وبقيادة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
وذاتُ السَّلاسلِ إسمٌ لِمنطَقةِ في الحجازِ على بُعدِ خمسِ مَراحلَ مِنَ المَدينةِ ويُعرَفُ المَكانُ باسمِ وادي الرَّمل ، وباسمِ السِّلسلَةِ ، وقيلَ سُميَتْ الغَزوَةُ بذاتِ السَّلاسلِ ، لأنَّ المسلمين جاؤوا بالأسرى الفرس مَربوطينَ بِبعضِهم كَسِلسِلَة.
وسَببُها كَما ذَكرَتْ مَصادِرُنا أنَّ اللهَ أخبَرَ النَّبيَّ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) أنَّ جَمعاً مِنْ قَبائلِ سليم كانوا يَستعدّونَ لِغزو المَدينةِ ، فأرسَلَ سِرِّيَّةً منْ بِضعِ مئاتٍ بقيادَةِ أبي بكرٍ ، فَرجعَ مُنهزِماً ، ثمَّ أرسلَ عمرَ فَرجعَ مُنهزِماً ، ثمَّ أرسلَ عمرو بنَ العاص فرَجعَ مُنهزِماً . فأرسلَ عليّاً (عليهِ السَّلامُ) ومعَهُ أبو بكرٍ وعمرُ وخالدٌ وابنُ العاصِ فَسلكَ طريقاً بينَ الأوديَةِ ، وأغارَ صَباحاً مُبكراً على مركزِ تجمُّعِهِم فنزلتْ سورةُ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ... وهزمَهم ، وأسرَ مِنهم وجاءَ بهم مُقرَّنينَ في الحبالِ كأنَّهم سِلسِلة .
روي : (عنِ الحَلبيّ قالَ : سألتُ أبا عبدِ اللهِ (عليهِ السَّلامُ) عن قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ؟ قالَ : وجَّهَ رسولُ اللهِ عمرَ بنَ الخطّابِ في سَريَّةٍ فرَجعَ مُنهزماً يُجَبِّنُ أصحابَهُ ويُجَبِّنُهُ أصحابُهُ ، فلمّا إنتهى إلى النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) قالَ لِعليٍّ : أنتَ صاحِبُ القَومِ فتَهيَّأ أنتَ ومَنْ تُريدُهُ من فرسان المهاجرين والأنصار . فوجَّهَهُ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) فقالَ لَهُ : أكمِنْ النّهارَ ، وسِرِ اللَّيلَ ولا تفارقكَ العين . قالَ فانتهى عليٌّ إلى ما أمرَهُ بهِ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) فسارَ إليهِم فلمّا كانَ عندَ وَجْهِ الصُّبحِ أغارَ عَليهِم فأنزلَ اللهُ على نَبيِّهِ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . . إلى آخِرِها » . الأمالي / للشيخ الطّوسي / الصفحة 407 .
وروي : ( ثمَّ كانَتْ غَزاةُ السِّلسِلة وذلكَ أنَّ ( أعرابيَّاً ) جاءَ إلى النَّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) فَجَثا بَينَ يَديْهِ وقالَ لَهُ جِئتُكَ لأنصحَ لكَ . . قالَ : وما نَصيحتُك ؟ قالَ : قومٌ مِنَ العربِ قَدِ إجتَمعوا بِوادي الرَّملِ وعَمِلوا على أنْ يُبَيِّتوكَ بالمَدينةِ ) . الإرشادِ / الشيخ المفيد / الجزء 1 / الصفحة 162 .
وروي أيضا : « السَّلاسِل إسمُ ماء . أبو القاسمِ بنُ شبلٍ الوكيلِ ، وأبو الفتحِ الحفّارِ بإسنادِهِما عنِ الصّادقِ (عليهِ السَّلامُ) ، ومقاتلُ والزَّجاج ووكيعٌ والثَّوري والسَّدي وأبو صالحٍ وابنُ عباسٍ : أنَّهُ أنفَذَ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أبا بكرٍ في سَبعمائةِ رَجلٍ ، فلمّا صارَ إلى الوادي وأرادَ الإنحدارَ فَخَرجوا إليهِ فَهزموهُ وقَتلوا مِنَ المُسلمينَ جَمعاً كَثيراً ، فلمّا قَدِموا على النَّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » بعَثَ عمرَ فَرَجعَ مُنهزِماً ، فقالَ عَمرو بنُ العاصِ : إبعثْني يا رسولَ اللهِ فإنَّ الحربَ خُدعَةٌ ولَعلّي أخدَعُهُم .
فبَعثَهُ فرَجِعَ مُنهزِماً ، وفي رِوايةٍ أنَّهُ أنفَذَ خالِداً فعادَ كذلكَ ، فساءَ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » ذلكَ فَدَعا عَليّاً « عليهِ السَّلامُ » وقالَ : أرسَلْتهُ كَرّاراً غيرَ فَرّار ، فَشَيَّعهُ إلى مَسجدِ الأحزابِ ، فسارَ بالقومِ مُتنكِّباً عنِ الطَّريقِ يسيرُ بالّليلِ ويَكمُنُ بالنّهارِ ، ثمَّ أخذَ على مَحجَّةٍ غامضَةٍ فسارَ بِهِم حتّى إستقبلَ الوادي مِنْ فمِهِ ، ثمَّ أمرَهُم أنْ يعكموا الخيلَ وأوقَفَهُم في مكانٍ وقالَ لا تَبرَحوا ، وإنتبذَ أمامَهم وأقامَ ناحيةً مِنهُم ، فقالَ خالدٌ وفي رِوايةٍ قالَ عمرُ : أنزلنا هذا الغُلامُ في وادٍ كَثيرِ الحيَّاتِ والهَوامِّ والسِّباعِ ، إمّا سَبعٌ يَأكُلنا أو يَأكلُ دَوابَّنا ، وإمّا حيَّةٌ تَعقرُنا وتَعقرُ دَوابَّنا ، وإمّا يعلَمُ بِنا عَدوّنا فيَأتينا ويَقتُلنا ! فكَلِّموهُ نَعلو الوادي ، فكَلَّمَهُ أبو بكرٍ فلم يُجبْه ، فَكَلَّمهُ عمرُ فلمْ يُجبْهُ ، فقالَ عَمرو بنُ العاصِ : إنَّهُ لا يَنبغي أنْ نُضيِّعَ أنفُسَنا ! إنطَلقوا بِنا نَعلو الواديَ فَأبى ذلكَ المسلمونَ !
ومِنْ رِواياتِ أهلِ البيتِ « عليهِمُ السَّلامُ » أنَّهُ أبَتْ الأرضُ أنْ تَحمِلَهُم ! ( أي لمْ يَستطيعوا المَشيَ ) !
قالوا فلمّا أحسَّ « عليهِ السَّلامُ » الفجرَ قالَ إركبوا باركَ اللهُ فيكُم ، وطلعَ الجبلَ حتّى إذا إنحدرَ على القومِ وأشرَفَ عَليهِم قالَ لَهم : اترُكوا عكمةَ دَوابِّكم ! قالَ فشَمَّتِ الخيلُ ريحَ الإناثِ فصَهلَتْ ، فسمِعَ القومُ صَهيلَ خَيلِهم فوَلَّوا هارِبين .
وفي رِوايةِ مقاتلٍ والزَّجاج أنَّهُ كبَسَ القومَ وهُم غادون فقالَ : يا هؤلاءِ أنا رسولُ رسولِ اللهِ إليكُم أنْ تَقولوا لا إلهَ إلاْ اللهُ وأنّ محمَّداً رسولُ اللهِ وإلاّ ضَرَبْتكم بالسَّيفِ . فَقالوا : إنْصرِفْ عنّا كما إنصرَفَ الثَّلاثةُ فإنَّكَ لا تُقاوِمُنا !
فقالَ « عليهِ السَّلامُ » : إنَّني لا أنصَرفُ أنا عليُّ بنُ أبي طالِب ، فاضطَّرَبوا وخرَجَ إليهِ الأشِدّاءُ السَّبعَةُ وناصَحوهُ وطَلبوا الصُّلحَ فقالَ « عليهِ السَّلامُ » : إمّا الإسلامُ وإمّا المُقاومَةُ . فبرَزَ إليهِ واحِدٌ بعدَ واحِدٍ ، وكانَ أشدَّهُم آخرُهُم وهوَ سعدٌ بنُ مالكٍ العجلي وهوَ صاحِبُ الحِصنِ فَقتَلهُم ، فانهزَموا ودخلَ بَعضُهُم في الحصنِ ، وبعضُهُم إستأمنوا وبعضُهم أسلَموا ، وأتَوهُ بمفاتيحِ الخَزائنِ .
قالتْ أمُّ سلمةَ : إنتبَهَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » مِنَ القَيلولَةِ فقلْتُ : اللهُ جاركَ ما لَكَ ؟ فقالَ : أخبَرَني جِبرئيلُ بالفتحِ ونَزلَتْ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا !
وقالَ المَدنيُّ :
وقولُهُ والعادِياتِ ضَبْحاً * يَعني عَليّاً إذْ أغارَ صُبحا
على سليمٍ فشَنَّها كَفحا * فأكثَرَ القتلَ بِها والجُرحا
وأنتُم في الفُرشِ نائِمونا !
فبشَّرَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أصحابَهُ بذلكَ وأمرَهم باستقبالِهِ والنَّبيُّ يَتقدَّمُهم ، فلمّا رَأى عليٌ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » ترَجَّلَ عَنْ فَرَسهِ فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : إركبْ فإنَّ اللهَ وَرسولَهُ عنكَ راضِيان فبَكى عليٌّ « عليهِ السَّلامُ » فَرَحاً ، فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : يا عليُّ لَولا أنّي أشفِقُ أنْ تقولَ فيكَ طوائِفُ مِنْ أمَّتي ما قالَتْ النَّصارى في المسيحِ . . الخَبَر .
ورَواهُ في الخَرائجِ : 1 / 167 ، وفيهِ : « وكانَ المُشركونَ قَد أقاموا رُقباءَ على جِبالِهم يَنظرونَ إلى كلِّ عَسكرٍ يَخرجُ إليهِم مِنَ المَدينةِ على الجادَّةِ ، فَيَأخذونَ حِذرَهُم وإستعدادَهُم ، فلمّا خرَجَ عليٌّ ترَكَ الجادَّةَ وأخذَ بالسَّريَّةِ في الأوديَةِ بينَ الجبالِ . فلمّا رَأى عَمرو بنُ العاصِ قد فعَلَ عليٌّ ذلكَ علِمَ أنَّهُ سَيظفرُ بِهم فحَسدَهُ ، فقالَ لأبي بكرٍ وعمرَ ووجوهِ السَّريَّةِ : إنَّ عليّاً رَجلٌ غِرٌّ لا خِبرَةَ لهُ بهذهِ المسالكِ ، ونحنُ أعرَفُ بِها منهُ ، وهذا الطَّريقُ الّذي توجَّهَ فيهِ كثيرُ السِّباعِ ، وسَيلقى الناسُّ مِنْ مَعرَّتها أشدَّ ما يُحاذرونَهُ مِنَ العدوّ، فاسألوهُ أن يرجعَ عنهُ إلى الجادَّةِ !
فعَرَّفوا أميرَ المؤمنينَ « عليهِ السلامُ » ذلكَ ، قالَ : منْ كانَ طائِعاً للهِ ولرسولهِ مِنكُم فَلْيَتبَعني ومَنْ أرادَ الخِلافَ على اللهِ ورَسولهِ فَليَنصرفْ عنّي . فَسَكتوا وساروا معَهُ ، فكانَ يسيرُ بِهم بينَ الجبالِ بالّليلِ ويكمنُ في الأوديَةِ بالنّهار ، وصارَتْ السِّباعُ الّتي فيها كالسَّنانيرِ ، إلى أن كبَسَ المُشركينَ وهُم غارُّونَ آمنونَ وقتَ الصُّبحِ ، فظفرَ بالرِّجالِ والذَّراري والأموالِ فحازَ ذلكَ كلَّهُ ، وشدَّ الرِّجالَ في الحِبالِ كالسَّلاسِلِ فلذلكَ سُمِّيَتْ غَزاةَ ذاتِ السَّلاسِل .
فلمّا كانتْ الصَّبيحةُ التي أغارَ فيها أميرُ المؤمنينَ « عليهِ السَّلامُ » على العدوِّ ومنَ المَدينةِ إلى هناكَ خمسَ مراحلَ ، خرَجَ النَّبيُّ « صَلّى اللهُ عليهِ وآله» وصلّى بالنّاسِ الفَجرَ وقَرأ : وَالْعَادِيَاتِ . . في الرَّكعةِ الأولى ، وقالَ : هذهِ سورَةٌ أنزَلها اللهُ عليَّ في هذا الوقتِ يُخبرُني فيها بإغارةِ عليٍّ على العدوِّ » .
وسمّاها في الإرشادِ : 1 / 165 ، غَزاةَ السِّلسِلةِ ، وقالَ : « فبَشَّرَ النبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أصحابَهُ بالفتحِ وأمرَهُم أنْ يَستقبلوا أميرَ المؤمنينَ « عليهِ السَّلامُ » فاستقبلوهُ والنَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » يَقدُمُهم
فقامُوا لهُ صَفّينِ ، فلمّا بَصرَ بالنّبيّ « صّْى اللهُ عليهِ وآلهِ » ترَجَّلَ عنْ فرَسهِ فقالَ لهُ النّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : إركبْ فإنَّ اللهَ ورسولَهُ راضِيانِ عنكَ ! فبَكى أميرُ المُؤمنينَ « عليهِ السَّلامُ » فَرَحاً . . .
وقالَ في الإرشادِ : 1 / 113 : غَزوةُ وادي الرَّملِ ، ويُقالُ : إنّها كانتْ تُسمّى بغزوةِ السِّلسِلَةِ وفيه / 116 : « فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » لبعضِ مَنْ كانَ معَهُ في الجَّيشِ : كيفَ رَأيتُم أميرَكُم ؟ قالوا : لمْ نُنْكِرْ منهُ شيئاً إلاّ أنَّهُ لم يؤُمَّ بِنا في صَلاةٍ إلاّ قرأَ بِنا فيها بقُلْ هوَ اللهُ أحد ! فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » سَأسألهُ عن ذلكَ ، فلمّا جاءَهُ قالَ له : لِمَ لمْ تَقرأ بِهم في فرائِضكَ إلاّ بسورَةِ الإخلاصِ ؟ فقالَ : يا رسولَ اللهِ أحبَبْتُها . قالَ لهُ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : فإنَّ اللهَ قد أحبَّكَ كَما أحبَبتَها . ثمَّ قالَ لهُ : يا عليُّ لولا أنَّني أشفِقُ أنْ تقولَ فيكَ طوائفٌ ما قالتْ النّصارى في عيسى بنِ مريمَ ، لقلْتُ فيكَ اليومَ مقالاً لا تمرُّ بمَلأ مِنهُم إلاّ أخذوا التُّرابَ من تحتِ قَدَمَيك » !
ورَواها فراتٌ في تَفسيرهِ / 591 ، وفيهِ : « وما زالَ عليٌّ ليلَتَهُ قائِماً يُصلّي حتّى إذا كانَ في السَّحَرِ قالَ لَهم : إركَبوا بارَكَ اللهُ فيكُم ، قالَ فرَكبوا وإطَّلعَ الجبلَ حتّى إذا انحدرَ على القَومِ فأشرفَ عليهِم قالَ لَهم : إنزَعوا أكمَّةَ دوابِّكم ، قالَ فشمَّتْ الخَيلُ ريحَ الإناثِ فصَهلَتْ ، فسمِعَ الخيلُ صَهيلَ خيولِهم فوَلَّوا هاربينَ ! قالَ : فقتلَ مُقاتلِيهم وسَبى ذَراريهِم . قالَ فهبطَ جَبرئيلُ « عليهِ السَّلامُ » على رَسولِ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فقالَ : يا محمدُ: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا . فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا . فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا . . . فقالَ رَسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » تَخالَطَ القَومُ ورَبِّ الكَعبةِ »
وفي تفسيرِ فراتٍ / 591 ، « عن أبي ذرٍّ الغِفاري وغيرِهِ . . . خَرجَ مَعهُ النبيُّ « صلْى اللهُ عليهِ وآلهِ » يشيِّعُهُ فكأنّي أنظرُ إليهِم عندَ مَسجدِ الأحزابِ وعليٌّ « عليهِ السَّلامُ » على فرسٍ أشقرَ وهوَ يوصيهِ ثمَّ ودَّعهُ . . . قالَ وسارَ عليٌّ فيمَنْ معَهُ مُتوجِّهاً نحوَ العراقِ وظنّوا أنَّهُ يريدُ بهِم غيرَ ذلكَ الوَجهِ حتّى أتاهُم منَ الوادي ، ثمَّ جعلَ يسيرُ اللّيلَ ويَكمنُ النّهارَ . . . فَقتلَ مِنهُم مائةً وعشرينَ رَجلاً وكانَ رئيسَ القومِ الحارِثُ بنُ بشر ، وسَبى مِنهم مائةَ وعشرينَ ناهِداً » . وتفسيرُ القمّيّ : 2 / 434 ، وإعلامُ الوَرى : 1 / 382 ، وسمّاها غزوةَ وادي الرَّملِ . وكشفِ الغُمَّة : 1 / 230 ، وسَمّاها غَزاةَ السِّلسِلة . وكذا العلاّمةُ في كشفِ اليقينِ / 151 . وتأويلِ الآياتِ : 2 / 839 ، و 843 ، عن جابرٍ بنِ يزيدٍ الجعفي ، عن أبي جعفرٍ « عليهِ السَّلامُ » . . .
ورَوى في تفسيرِ فراتٍ / 599 ، روايَةً مُفصَّلَةً في سَببِ نُزولِ سورةِ العادياتِ ، خُلاصَتها أنَّ أهلَ وادي اليابسِ جَمَعوا اثني عشَرَ ألفاً لِغزوِ المَدينةِ ، فأرسلَ لهم النّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أبا بكرٍ ثمَّ عمرَ فانهَزَما ، ثمَّ أرسلَ عليَّاً فهَزَمَهُم .
وتأويلُ الآياتِ : 2 / 840 ، بنحوِ روايَةِ المَناقبِ ، وبروايةٍ أخرى فيها : « وأمَّرَ علَيهم أبا بكرٍ فسارَ إليهم ، فلَقيهم قريباً من الحرَّة وكانَتْ أرضُهُم أسنةً كَثيرةَ الحِجارةِ والشَّجرِ ببطنِ الوادي والمُنحدَرُ إليهم صَعبٌ ، فهَزموهُ وقَتلوا مِنْ أصحابهِ مَقتلةً عَظيمةً . . فلمّا قَدِموا على النَّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » عقَدَ لعمرَ بنِ الخطّابِ وبعثَهُ ، فكمَنَ لهُ بنو سليمٍ بينَ الحِجارةِ وتحتَ الشَّجرِ ، فلمّا ذهبَ لِيَهبطَ خَرجوا عليهِ ليلاً فهَزموهُ حتّى بلغَ جندُهُ سيفَ البحرِ فرجعَ عمرُ مِنهم مُنهزماً . فقامَ عَمرو بنُ العاصِ إلى رسولِ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فقالَ : أنا لهُم يا رسولَ اللهِ إبعثني إليهم . فقالَ لهُ : خذْ في شأنِكَ فخَرجَ إليهِم فهَزموهُ وقتِلَ مِنْ أصحابهِ ما شاءَ اللهُ . قالَ : ومكثَ رسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أيّاماً يَدعو عَليهِم . . قالَ أبو جعفرٍ : وكأنّي أنظرُ إلى رَسولِ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » شيَّعَ علياًّ عندَ مَسجدِ الأحزاب وعليٌّ على فرسٍ أشقرَ مهلوبٍ وهوَ يوصيهِ . . . فنزَلَتْ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . . قالَ : فخرجَ رسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » وهوَ يقولُ : صَبَّحَ عليٌّ واللهِ جمعُ القومِ ! ثمَّ صلّى وَقرأ بها ، فلمّا كانَ اليومُ الثّالثُ قَدمَ عليٌّ « عليهِ السَّلامُ » المدينةَ وقد قتلَ منَ القومِ عشرينَ ومائةَ فارسٍ ، وسَبى عشرينَ ومائة ناهِد » .
انكار أهل السنة لذلك :
1 – لمْ نجدْ في مَصادرِ السُّلطةِ شَيئاً عن سبَبِ نُزولِ سورةِ العادياتِ إلاّ قولَهم : بعثَ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » خَيلاً فأسهبَتْ شَهراً لم يأتِهِ مِنها خَبرٌ فَنزلَتْ : والعادياتِ ضَبحاً » ! وهذا كلُّ ما في الأمرِ ! ( أسبابُ النُّزولِ للواحدي / 305 ، والفائِقُ للزَّمخشري : 2 / 172 ) .
ولا تَعجبْ فالمَطلوبُ إخفاءُ بُطولَةِ عليٍّ « عليهِ السَّلامُ » وفِرارُ الفارّينَ !
بلْ لم يَهدأ بالُهم حتّى جَعلوا العادياتِ الأباعرَ وليسَ الخيلُ ! ثمَّ رَووا ذلكَ عَنْ عليٍّ « عليهِ السَّلامُ » ! قالَ ابنُ حجرٍ في فتحِ الباري : 8 / 559 : « وعندَ البزّارِ والحاكمِ مِنْ حَديثِ ابنِ عبّاسٍ قالَ بعثَ رَسولُ اللهِ ( ص ) خَيلاً فلبثَتْ شهراً لا يَأتيهِ خبَرُها فنزلتْ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ، ضبحَتْ بأرجُلِها ، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا : قدحَتِ الحِجارَةَ فأورَتْ بِحوافرِها . فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا : صَبَّحَتِ القومَ بِغارَةٍ ، فأثَرْنَ به نَقْعاً : التُّراب . فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا : صبَّحَتِ القومَ جَميعاً . وفي إسنادهِ ضَعْفٌ ، وهوَ مخالِفٌ لِما رَوى ابنُ مَردويه بإسنادٍ أحسنَ منهُ ! عن ابنِ عبّاسٍ قالَ : سألَني رجلٌ عن
العادياتِ فقلْتُ : الخيلُ ، قالَ فذهبَ إلى عليٍّ فسألَهُ فأخبرَهُ بِما قلتُ ، فدَعاني فقالَ لي : إنَّما العادياتُ الإبلُ مِنْ عرفَةَ إلى مُزدَلفة . . الخ . » !
وفي تفسيرِ القُرطبي : 20 / 155 ، أنَّ ابنَ عبّاسٍ تابَ رجعَ عن قولهِ بأنّها الخيلُ إلى قولِ عليٍّ « عليهِ السَّلامُ » بأنّها الإبِلُ ! وفرحَ ابنُ حجَرٍ فرحَ بذلكَ كبقيَّةِ علماءِ السُّلطةِ ، لأنَّهُ يُغَطّي غزوَةَ ذاتِ السَّلاسِلِ ويَجعَلُ للإبلِ حَوافرَ تُوري بها الصُّوانَ قَدحاً !
... منقول ...
وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين . اللهم صل على محمد وآل محمد .
في مثل هذا اليوم الـ 7 من شهر جمادي الأخر حدثت معركة ذات السلاسل التي انتصر على ضوئها جيش المسلمين بأمر من النبي المصطفى الأمجد (صلى الله عليه وآله) وبقيادة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
وذاتُ السَّلاسلِ إسمٌ لِمنطَقةِ في الحجازِ على بُعدِ خمسِ مَراحلَ مِنَ المَدينةِ ويُعرَفُ المَكانُ باسمِ وادي الرَّمل ، وباسمِ السِّلسلَةِ ، وقيلَ سُميَتْ الغَزوَةُ بذاتِ السَّلاسلِ ، لأنَّ المسلمين جاؤوا بالأسرى الفرس مَربوطينَ بِبعضِهم كَسِلسِلَة.
وسَببُها كَما ذَكرَتْ مَصادِرُنا أنَّ اللهَ أخبَرَ النَّبيَّ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) أنَّ جَمعاً مِنْ قَبائلِ سليم كانوا يَستعدّونَ لِغزو المَدينةِ ، فأرسَلَ سِرِّيَّةً منْ بِضعِ مئاتٍ بقيادَةِ أبي بكرٍ ، فَرجعَ مُنهزِماً ، ثمَّ أرسلَ عمرَ فَرجعَ مُنهزِماً ، ثمَّ أرسلَ عمرو بنَ العاص فرَجعَ مُنهزِماً . فأرسلَ عليّاً (عليهِ السَّلامُ) ومعَهُ أبو بكرٍ وعمرُ وخالدٌ وابنُ العاصِ فَسلكَ طريقاً بينَ الأوديَةِ ، وأغارَ صَباحاً مُبكراً على مركزِ تجمُّعِهِم فنزلتْ سورةُ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ... وهزمَهم ، وأسرَ مِنهم وجاءَ بهم مُقرَّنينَ في الحبالِ كأنَّهم سِلسِلة .
روي : (عنِ الحَلبيّ قالَ : سألتُ أبا عبدِ اللهِ (عليهِ السَّلامُ) عن قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ؟ قالَ : وجَّهَ رسولُ اللهِ عمرَ بنَ الخطّابِ في سَريَّةٍ فرَجعَ مُنهزماً يُجَبِّنُ أصحابَهُ ويُجَبِّنُهُ أصحابُهُ ، فلمّا إنتهى إلى النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) قالَ لِعليٍّ : أنتَ صاحِبُ القَومِ فتَهيَّأ أنتَ ومَنْ تُريدُهُ من فرسان المهاجرين والأنصار . فوجَّهَهُ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) فقالَ لَهُ : أكمِنْ النّهارَ ، وسِرِ اللَّيلَ ولا تفارقكَ العين . قالَ فانتهى عليٌّ إلى ما أمرَهُ بهِ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) فسارَ إليهِم فلمّا كانَ عندَ وَجْهِ الصُّبحِ أغارَ عَليهِم فأنزلَ اللهُ على نَبيِّهِ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . . إلى آخِرِها » . الأمالي / للشيخ الطّوسي / الصفحة 407 .
وروي : ( ثمَّ كانَتْ غَزاةُ السِّلسِلة وذلكَ أنَّ ( أعرابيَّاً ) جاءَ إلى النَّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) فَجَثا بَينَ يَديْهِ وقالَ لَهُ جِئتُكَ لأنصحَ لكَ . . قالَ : وما نَصيحتُك ؟ قالَ : قومٌ مِنَ العربِ قَدِ إجتَمعوا بِوادي الرَّملِ وعَمِلوا على أنْ يُبَيِّتوكَ بالمَدينةِ ) . الإرشادِ / الشيخ المفيد / الجزء 1 / الصفحة 162 .
وروي أيضا : « السَّلاسِل إسمُ ماء . أبو القاسمِ بنُ شبلٍ الوكيلِ ، وأبو الفتحِ الحفّارِ بإسنادِهِما عنِ الصّادقِ (عليهِ السَّلامُ) ، ومقاتلُ والزَّجاج ووكيعٌ والثَّوري والسَّدي وأبو صالحٍ وابنُ عباسٍ : أنَّهُ أنفَذَ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أبا بكرٍ في سَبعمائةِ رَجلٍ ، فلمّا صارَ إلى الوادي وأرادَ الإنحدارَ فَخَرجوا إليهِ فَهزموهُ وقَتلوا مِنَ المُسلمينَ جَمعاً كَثيراً ، فلمّا قَدِموا على النَّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » بعَثَ عمرَ فَرَجعَ مُنهزِماً ، فقالَ عَمرو بنُ العاصِ : إبعثْني يا رسولَ اللهِ فإنَّ الحربَ خُدعَةٌ ولَعلّي أخدَعُهُم .
فبَعثَهُ فرَجِعَ مُنهزِماً ، وفي رِوايةٍ أنَّهُ أنفَذَ خالِداً فعادَ كذلكَ ، فساءَ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » ذلكَ فَدَعا عَليّاً « عليهِ السَّلامُ » وقالَ : أرسَلْتهُ كَرّاراً غيرَ فَرّار ، فَشَيَّعهُ إلى مَسجدِ الأحزابِ ، فسارَ بالقومِ مُتنكِّباً عنِ الطَّريقِ يسيرُ بالّليلِ ويَكمُنُ بالنّهارِ ، ثمَّ أخذَ على مَحجَّةٍ غامضَةٍ فسارَ بِهِم حتّى إستقبلَ الوادي مِنْ فمِهِ ، ثمَّ أمرَهُم أنْ يعكموا الخيلَ وأوقَفَهُم في مكانٍ وقالَ لا تَبرَحوا ، وإنتبذَ أمامَهم وأقامَ ناحيةً مِنهُم ، فقالَ خالدٌ وفي رِوايةٍ قالَ عمرُ : أنزلنا هذا الغُلامُ في وادٍ كَثيرِ الحيَّاتِ والهَوامِّ والسِّباعِ ، إمّا سَبعٌ يَأكُلنا أو يَأكلُ دَوابَّنا ، وإمّا حيَّةٌ تَعقرُنا وتَعقرُ دَوابَّنا ، وإمّا يعلَمُ بِنا عَدوّنا فيَأتينا ويَقتُلنا ! فكَلِّموهُ نَعلو الوادي ، فكَلَّمَهُ أبو بكرٍ فلم يُجبْه ، فَكَلَّمهُ عمرُ فلمْ يُجبْهُ ، فقالَ عَمرو بنُ العاصِ : إنَّهُ لا يَنبغي أنْ نُضيِّعَ أنفُسَنا ! إنطَلقوا بِنا نَعلو الواديَ فَأبى ذلكَ المسلمونَ !
ومِنْ رِواياتِ أهلِ البيتِ « عليهِمُ السَّلامُ » أنَّهُ أبَتْ الأرضُ أنْ تَحمِلَهُم ! ( أي لمْ يَستطيعوا المَشيَ ) !
قالوا فلمّا أحسَّ « عليهِ السَّلامُ » الفجرَ قالَ إركبوا باركَ اللهُ فيكُم ، وطلعَ الجبلَ حتّى إذا إنحدرَ على القومِ وأشرَفَ عَليهِم قالَ لَهم : اترُكوا عكمةَ دَوابِّكم ! قالَ فشَمَّتِ الخيلُ ريحَ الإناثِ فصَهلَتْ ، فسمِعَ القومُ صَهيلَ خَيلِهم فوَلَّوا هارِبين .
وفي رِوايةِ مقاتلٍ والزَّجاج أنَّهُ كبَسَ القومَ وهُم غادون فقالَ : يا هؤلاءِ أنا رسولُ رسولِ اللهِ إليكُم أنْ تَقولوا لا إلهَ إلاْ اللهُ وأنّ محمَّداً رسولُ اللهِ وإلاّ ضَرَبْتكم بالسَّيفِ . فَقالوا : إنْصرِفْ عنّا كما إنصرَفَ الثَّلاثةُ فإنَّكَ لا تُقاوِمُنا !
فقالَ « عليهِ السَّلامُ » : إنَّني لا أنصَرفُ أنا عليُّ بنُ أبي طالِب ، فاضطَّرَبوا وخرَجَ إليهِ الأشِدّاءُ السَّبعَةُ وناصَحوهُ وطَلبوا الصُّلحَ فقالَ « عليهِ السَّلامُ » : إمّا الإسلامُ وإمّا المُقاومَةُ . فبرَزَ إليهِ واحِدٌ بعدَ واحِدٍ ، وكانَ أشدَّهُم آخرُهُم وهوَ سعدٌ بنُ مالكٍ العجلي وهوَ صاحِبُ الحِصنِ فَقتَلهُم ، فانهزَموا ودخلَ بَعضُهُم في الحصنِ ، وبعضُهُم إستأمنوا وبعضُهم أسلَموا ، وأتَوهُ بمفاتيحِ الخَزائنِ .
قالتْ أمُّ سلمةَ : إنتبَهَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » مِنَ القَيلولَةِ فقلْتُ : اللهُ جاركَ ما لَكَ ؟ فقالَ : أخبَرَني جِبرئيلُ بالفتحِ ونَزلَتْ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا !
وقالَ المَدنيُّ :
وقولُهُ والعادِياتِ ضَبْحاً * يَعني عَليّاً إذْ أغارَ صُبحا
على سليمٍ فشَنَّها كَفحا * فأكثَرَ القتلَ بِها والجُرحا
وأنتُم في الفُرشِ نائِمونا !
فبشَّرَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أصحابَهُ بذلكَ وأمرَهم باستقبالِهِ والنَّبيُّ يَتقدَّمُهم ، فلمّا رَأى عليٌ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » ترَجَّلَ عَنْ فَرَسهِ فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : إركبْ فإنَّ اللهَ وَرسولَهُ عنكَ راضِيان فبَكى عليٌّ « عليهِ السَّلامُ » فَرَحاً ، فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : يا عليُّ لَولا أنّي أشفِقُ أنْ تقولَ فيكَ طوائِفُ مِنْ أمَّتي ما قالَتْ النَّصارى في المسيحِ . . الخَبَر .
ورَواهُ في الخَرائجِ : 1 / 167 ، وفيهِ : « وكانَ المُشركونَ قَد أقاموا رُقباءَ على جِبالِهم يَنظرونَ إلى كلِّ عَسكرٍ يَخرجُ إليهِم مِنَ المَدينةِ على الجادَّةِ ، فَيَأخذونَ حِذرَهُم وإستعدادَهُم ، فلمّا خرَجَ عليٌّ ترَكَ الجادَّةَ وأخذَ بالسَّريَّةِ في الأوديَةِ بينَ الجبالِ . فلمّا رَأى عَمرو بنُ العاصِ قد فعَلَ عليٌّ ذلكَ علِمَ أنَّهُ سَيظفرُ بِهم فحَسدَهُ ، فقالَ لأبي بكرٍ وعمرَ ووجوهِ السَّريَّةِ : إنَّ عليّاً رَجلٌ غِرٌّ لا خِبرَةَ لهُ بهذهِ المسالكِ ، ونحنُ أعرَفُ بِها منهُ ، وهذا الطَّريقُ الّذي توجَّهَ فيهِ كثيرُ السِّباعِ ، وسَيلقى الناسُّ مِنْ مَعرَّتها أشدَّ ما يُحاذرونَهُ مِنَ العدوّ، فاسألوهُ أن يرجعَ عنهُ إلى الجادَّةِ !
فعَرَّفوا أميرَ المؤمنينَ « عليهِ السلامُ » ذلكَ ، قالَ : منْ كانَ طائِعاً للهِ ولرسولهِ مِنكُم فَلْيَتبَعني ومَنْ أرادَ الخِلافَ على اللهِ ورَسولهِ فَليَنصرفْ عنّي . فَسَكتوا وساروا معَهُ ، فكانَ يسيرُ بِهم بينَ الجبالِ بالّليلِ ويكمنُ في الأوديَةِ بالنّهار ، وصارَتْ السِّباعُ الّتي فيها كالسَّنانيرِ ، إلى أن كبَسَ المُشركينَ وهُم غارُّونَ آمنونَ وقتَ الصُّبحِ ، فظفرَ بالرِّجالِ والذَّراري والأموالِ فحازَ ذلكَ كلَّهُ ، وشدَّ الرِّجالَ في الحِبالِ كالسَّلاسِلِ فلذلكَ سُمِّيَتْ غَزاةَ ذاتِ السَّلاسِل .
فلمّا كانتْ الصَّبيحةُ التي أغارَ فيها أميرُ المؤمنينَ « عليهِ السَّلامُ » على العدوِّ ومنَ المَدينةِ إلى هناكَ خمسَ مراحلَ ، خرَجَ النَّبيُّ « صَلّى اللهُ عليهِ وآله» وصلّى بالنّاسِ الفَجرَ وقَرأ : وَالْعَادِيَاتِ . . في الرَّكعةِ الأولى ، وقالَ : هذهِ سورَةٌ أنزَلها اللهُ عليَّ في هذا الوقتِ يُخبرُني فيها بإغارةِ عليٍّ على العدوِّ » .
وسمّاها في الإرشادِ : 1 / 165 ، غَزاةَ السِّلسِلةِ ، وقالَ : « فبَشَّرَ النبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أصحابَهُ بالفتحِ وأمرَهُم أنْ يَستقبلوا أميرَ المؤمنينَ « عليهِ السَّلامُ » فاستقبلوهُ والنَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » يَقدُمُهم
فقامُوا لهُ صَفّينِ ، فلمّا بَصرَ بالنّبيّ « صّْى اللهُ عليهِ وآلهِ » ترَجَّلَ عنْ فرَسهِ فقالَ لهُ النّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : إركبْ فإنَّ اللهَ ورسولَهُ راضِيانِ عنكَ ! فبَكى أميرُ المُؤمنينَ « عليهِ السَّلامُ » فَرَحاً . . .
وقالَ في الإرشادِ : 1 / 113 : غَزوةُ وادي الرَّملِ ، ويُقالُ : إنّها كانتْ تُسمّى بغزوةِ السِّلسِلَةِ وفيه / 116 : « فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » لبعضِ مَنْ كانَ معَهُ في الجَّيشِ : كيفَ رَأيتُم أميرَكُم ؟ قالوا : لمْ نُنْكِرْ منهُ شيئاً إلاّ أنَّهُ لم يؤُمَّ بِنا في صَلاةٍ إلاّ قرأَ بِنا فيها بقُلْ هوَ اللهُ أحد ! فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » سَأسألهُ عن ذلكَ ، فلمّا جاءَهُ قالَ له : لِمَ لمْ تَقرأ بِهم في فرائِضكَ إلاّ بسورَةِ الإخلاصِ ؟ فقالَ : يا رسولَ اللهِ أحبَبْتُها . قالَ لهُ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : فإنَّ اللهَ قد أحبَّكَ كَما أحبَبتَها . ثمَّ قالَ لهُ : يا عليُّ لولا أنَّني أشفِقُ أنْ تقولَ فيكَ طوائفٌ ما قالتْ النّصارى في عيسى بنِ مريمَ ، لقلْتُ فيكَ اليومَ مقالاً لا تمرُّ بمَلأ مِنهُم إلاّ أخذوا التُّرابَ من تحتِ قَدَمَيك » !
ورَواها فراتٌ في تَفسيرهِ / 591 ، وفيهِ : « وما زالَ عليٌّ ليلَتَهُ قائِماً يُصلّي حتّى إذا كانَ في السَّحَرِ قالَ لَهم : إركَبوا بارَكَ اللهُ فيكُم ، قالَ فرَكبوا وإطَّلعَ الجبلَ حتّى إذا انحدرَ على القَومِ فأشرفَ عليهِم قالَ لَهم : إنزَعوا أكمَّةَ دوابِّكم ، قالَ فشمَّتْ الخَيلُ ريحَ الإناثِ فصَهلَتْ ، فسمِعَ الخيلُ صَهيلَ خيولِهم فوَلَّوا هاربينَ ! قالَ : فقتلَ مُقاتلِيهم وسَبى ذَراريهِم . قالَ فهبطَ جَبرئيلُ « عليهِ السَّلامُ » على رَسولِ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فقالَ : يا محمدُ: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا . فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا . فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا . . . فقالَ رَسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » تَخالَطَ القَومُ ورَبِّ الكَعبةِ »
وفي تفسيرِ فراتٍ / 591 ، « عن أبي ذرٍّ الغِفاري وغيرِهِ . . . خَرجَ مَعهُ النبيُّ « صلْى اللهُ عليهِ وآلهِ » يشيِّعُهُ فكأنّي أنظرُ إليهِم عندَ مَسجدِ الأحزابِ وعليٌّ « عليهِ السَّلامُ » على فرسٍ أشقرَ وهوَ يوصيهِ ثمَّ ودَّعهُ . . . قالَ وسارَ عليٌّ فيمَنْ معَهُ مُتوجِّهاً نحوَ العراقِ وظنّوا أنَّهُ يريدُ بهِم غيرَ ذلكَ الوَجهِ حتّى أتاهُم منَ الوادي ، ثمَّ جعلَ يسيرُ اللّيلَ ويَكمنُ النّهارَ . . . فَقتلَ مِنهُم مائةً وعشرينَ رَجلاً وكانَ رئيسَ القومِ الحارِثُ بنُ بشر ، وسَبى مِنهم مائةَ وعشرينَ ناهِداً » . وتفسيرُ القمّيّ : 2 / 434 ، وإعلامُ الوَرى : 1 / 382 ، وسمّاها غزوةَ وادي الرَّملِ . وكشفِ الغُمَّة : 1 / 230 ، وسَمّاها غَزاةَ السِّلسِلة . وكذا العلاّمةُ في كشفِ اليقينِ / 151 . وتأويلِ الآياتِ : 2 / 839 ، و 843 ، عن جابرٍ بنِ يزيدٍ الجعفي ، عن أبي جعفرٍ « عليهِ السَّلامُ » . . .
ورَوى في تفسيرِ فراتٍ / 599 ، روايَةً مُفصَّلَةً في سَببِ نُزولِ سورةِ العادياتِ ، خُلاصَتها أنَّ أهلَ وادي اليابسِ جَمَعوا اثني عشَرَ ألفاً لِغزوِ المَدينةِ ، فأرسلَ لهم النّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أبا بكرٍ ثمَّ عمرَ فانهَزَما ، ثمَّ أرسلَ عليَّاً فهَزَمَهُم .
وتأويلُ الآياتِ : 2 / 840 ، بنحوِ روايَةِ المَناقبِ ، وبروايةٍ أخرى فيها : « وأمَّرَ علَيهم أبا بكرٍ فسارَ إليهم ، فلَقيهم قريباً من الحرَّة وكانَتْ أرضُهُم أسنةً كَثيرةَ الحِجارةِ والشَّجرِ ببطنِ الوادي والمُنحدَرُ إليهم صَعبٌ ، فهَزموهُ وقَتلوا مِنْ أصحابهِ مَقتلةً عَظيمةً . . فلمّا قَدِموا على النَّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » عقَدَ لعمرَ بنِ الخطّابِ وبعثَهُ ، فكمَنَ لهُ بنو سليمٍ بينَ الحِجارةِ وتحتَ الشَّجرِ ، فلمّا ذهبَ لِيَهبطَ خَرجوا عليهِ ليلاً فهَزموهُ حتّى بلغَ جندُهُ سيفَ البحرِ فرجعَ عمرُ مِنهم مُنهزماً . فقامَ عَمرو بنُ العاصِ إلى رسولِ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فقالَ : أنا لهُم يا رسولَ اللهِ إبعثني إليهم . فقالَ لهُ : خذْ في شأنِكَ فخَرجَ إليهِم فهَزموهُ وقتِلَ مِنْ أصحابهِ ما شاءَ اللهُ . قالَ : ومكثَ رسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أيّاماً يَدعو عَليهِم . . قالَ أبو جعفرٍ : وكأنّي أنظرُ إلى رَسولِ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » شيَّعَ علياًّ عندَ مَسجدِ الأحزاب وعليٌّ على فرسٍ أشقرَ مهلوبٍ وهوَ يوصيهِ . . . فنزَلَتْ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . . قالَ : فخرجَ رسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » وهوَ يقولُ : صَبَّحَ عليٌّ واللهِ جمعُ القومِ ! ثمَّ صلّى وَقرأ بها ، فلمّا كانَ اليومُ الثّالثُ قَدمَ عليٌّ « عليهِ السَّلامُ » المدينةَ وقد قتلَ منَ القومِ عشرينَ ومائةَ فارسٍ ، وسَبى عشرينَ ومائة ناهِد » .
انكار أهل السنة لذلك :
1 – لمْ نجدْ في مَصادرِ السُّلطةِ شَيئاً عن سبَبِ نُزولِ سورةِ العادياتِ إلاّ قولَهم : بعثَ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » خَيلاً فأسهبَتْ شَهراً لم يأتِهِ مِنها خَبرٌ فَنزلَتْ : والعادياتِ ضَبحاً » ! وهذا كلُّ ما في الأمرِ ! ( أسبابُ النُّزولِ للواحدي / 305 ، والفائِقُ للزَّمخشري : 2 / 172 ) .
ولا تَعجبْ فالمَطلوبُ إخفاءُ بُطولَةِ عليٍّ « عليهِ السَّلامُ » وفِرارُ الفارّينَ !
بلْ لم يَهدأ بالُهم حتّى جَعلوا العادياتِ الأباعرَ وليسَ الخيلُ ! ثمَّ رَووا ذلكَ عَنْ عليٍّ « عليهِ السَّلامُ » ! قالَ ابنُ حجرٍ في فتحِ الباري : 8 / 559 : « وعندَ البزّارِ والحاكمِ مِنْ حَديثِ ابنِ عبّاسٍ قالَ بعثَ رَسولُ اللهِ ( ص ) خَيلاً فلبثَتْ شهراً لا يَأتيهِ خبَرُها فنزلتْ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ، ضبحَتْ بأرجُلِها ، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا : قدحَتِ الحِجارَةَ فأورَتْ بِحوافرِها . فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا : صَبَّحَتِ القومَ بِغارَةٍ ، فأثَرْنَ به نَقْعاً : التُّراب . فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا : صبَّحَتِ القومَ جَميعاً . وفي إسنادهِ ضَعْفٌ ، وهوَ مخالِفٌ لِما رَوى ابنُ مَردويه بإسنادٍ أحسنَ منهُ ! عن ابنِ عبّاسٍ قالَ : سألَني رجلٌ عن
العادياتِ فقلْتُ : الخيلُ ، قالَ فذهبَ إلى عليٍّ فسألَهُ فأخبرَهُ بِما قلتُ ، فدَعاني فقالَ لي : إنَّما العادياتُ الإبلُ مِنْ عرفَةَ إلى مُزدَلفة . . الخ . » !
وفي تفسيرِ القُرطبي : 20 / 155 ، أنَّ ابنَ عبّاسٍ تابَ رجعَ عن قولهِ بأنّها الخيلُ إلى قولِ عليٍّ « عليهِ السَّلامُ » بأنّها الإبِلُ ! وفرحَ ابنُ حجَرٍ فرحَ بذلكَ كبقيَّةِ علماءِ السُّلطةِ ، لأنَّهُ يُغَطّي غزوَةَ ذاتِ السَّلاسِلِ ويَجعَلُ للإبلِ حَوافرَ تُوري بها الصُّوانَ قَدحاً !
... منقول ...
تعليق