بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
{إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }
إذا أردت أن أكون عبدًا لله، إذا أردت أن أندرج تحت قول القرآن الكريم: عبادي، إذا أردت أن يعبر الله عني بأنني من عباده، فكيف أكون من عباده؟ هناك مراحل ثلاث للعبودية تتعرض لها الآية المباركة:
المرحلة الأولى: مرحلة العشق ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي﴾.
هم يسألون عني، عبادي يسألون عني، المحب يسأل عن محبوبه، العاشق يسأل عن معشوقه، السؤال أول المراحل، أن تسأل عن ربك، السؤال أول مراحل العبودية، السؤال يعني العشق، يعني الشوق، يعني الرغبة، أول مراحل العبودية السؤال، السؤال على نوعين: سؤال فكري، وسؤال وجداني.
السؤال الفكري هو الطلب، ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، هذا سؤال فكري، ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾، وأما النوع الثاني فهو السؤال الوجداني
بمعنى: ليس هناك استفهام، ليس هناك طلب فكري، وإنما هناك لهفة وشوق وغليان، الغليان الشعوري، الغليان الوجداني الذي يعني أقصى مراتب اللهفة والحسرة والشوق، هذا هو السؤال الوجداني، هؤلاء ظمئوا إلى الله، عطشوا إلى لقاء الله، عشقوا الله عز وجل، جاؤوا النبي لا يسألون: أين مكان الله؟! وكيف الله؟! ومتى الله؟! بل يسألون: كيف نلتقي بمحبوبنا الأتم؟ يسألون عني، يسألون عن لقائي، يسألون كيف يلتقون معي، لأنهم يعيشون لهفة وشوقًا إلى لقائي، وإذا سألك هؤلاء المشتاقون عني، وإذا سألك هؤلاء العاشقون لي، فأنا معهم، أنا مع من يحبني، أنا مع من يعشقني، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾، ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾.
إذن، المرحلة الأولى مرحلة العشق، مرحلة السؤال، أسأل يعني أتنفل، أسأل يعني أقرأ القرآن، كيف أعرف أنني أسأل؟ أعرف أنني أسأل إذا جئت برغبة واختيار وصليت صلاة الليل، إذا أنا صليت صلاة الليل برغبة وبشوق فأنا من السائلين، أنا أسأل عن لقاء الله عز وجل، هذه هي المرحلة الأولى
المرحلة الثانية: مرحلة القرب واللقاء ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.
ما معنى قريب؟
القرب على نوعين، على درجتين: قرب الإحاطة، وقرب المحبة والشفقة، فأنا مثلًا قريب من ولدي، بمعنى: مسيطر عليه، مراقب لأفعاله، مشرف على مسيرته، هذا قرب الإحاطة، لكن هذا لا يعني قرب المحبة، قرب المحبة أخص من قربة الإحاطة، قد أكون قريبًا من ولدي كما يقرب السجّان من سجينه، وقد أكون قريبًا من ولدي كما يقرب السيد من عبده، وقد أكون قريبًا من ولدي قربَ الحنان والشفقة والمحبة، فالقرب على قسمين ونوعين.
قرب الإحاطة: جميع ما في الكون ما هو إلا ربط وتدلٍ بالله عز وجل. ما هي علاقة ضوء الشمس بالشمس؟ ضوء الشمس مرتبط بالشمس، ضوء الشمس هو عين الربط وعين التدلي بالشمس، جميع ما في الكون بالنسبة إلى الله هكذا، نسبتنا إلى الله نسبة ضوء الشمس للشمس، نحن ربط وتدلٍ بالوجود المطلق، الوجود الأتم لله تبارك وتعالى، نحن كذلك. إذن، بما أننا ربط بالله عز وجل، فالله قريب منا قرب إحاطة ولكن هناك قرب المحبة، هل هو قريب منا قرب المحبة؟ هل هو قريب منا قرب الرحمة؟ هل هو قريب منا قرب الشفقة؟ قرب المحبة هو الذي يعبّر عنه القرآن الكريم: ﴿وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، معهم برحمته، معهم بمدده، معهم بعطائه، ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ﴾ نحن معه قرب المحبة ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾. إذن، قرب المحبة هو الذي يعبّر عنه القرآن بالمعية، ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾، المعية هي قرب المحبة، نحن نريد أن نصل إلى قرب المحبة، وإلا قرب الإحاطة حاصل لكل إنسان، نحن نريد أن نكون قريبين منه، ونريد أن يكون قريبًا منه قربَ المحبة.
إذن، فالمرحلة الثانية هي مرحلة القرب. إذا رآك تعالى أقبلت عليه، وسألت عنه سؤال المحب، سؤال العاشق، قرب منك، ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾، آواه إليه، قرّبه إليه، فحصل على قرب المحبة، وقرب المعية، كانت رؤية قلبية، كان لقاء قلبيًا، كان لقاء وجدانيًا، كان لقاء المحبة والمودة.
إذن، المرحلة الثانية هي مرحلة القرب واللقاء، التي يعبر عنها الإمام علي : ”ركعة لي في دنياكم أحب إلي من الجنة وما فيها“، ما هي قيمة الجنة إذا لم تكن قربًا نفسيًا؟! الجنة إذا كانت مجموعة من اللذائذ المادية فلا خير فيها عندي، أنا لا أطلب لذائذ مادية، أنا شخص لا يطلب اللذائذ المادية، الناس، الخلق هم الذين يركزون على الحور العين، وقصور الجنة، وأنهارها، وخمرها، ولبنها، هؤلاء هم الذين يركزون على الحور العين، وقصور الجنة، وأنهارها، وخمرها، ولبنها، هؤلاء هم الخلق، هم الناس، أما عباد الرحمن فإنهم لا يركزون على اللذائذ المادية، بل يركزون على اللقاء، بما أنهم يركزون على اللقاء إذن أنا في الدنيا وأن مستغن عن الجنة بلذائذها المادية، أنا أطلب اللقاء الروحي، ولذلك ورد في حديث آخر عنه: ”إن كنت أعبدك خوفًا من نارك فأحقرني بها، وإن كنت أعبدك طعمًا في جنتك فلا تدخلني إياها، إنما أعبدك لك“، ”ما عبدتك خوفًا من نارك، ولا طمعًا في جنتك، ولكن وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك“.
الإمام الحسن الزكي يمشي للحج من المدينة إلى مكة ماشيًا على قدميه، والنجائب تقاد بين يديه، يقول: ”أستحي أن أركب الناقة وأنا وافد على ربي“، هكذا يمشي على الأرض، يمشي على الأرض هونًا وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، وكان إذا وقف على باب المسجد وقف حزينًا كئيبًا خاشعًا ذليلًا وهو يقول: ”أتدرون أني أقف بين يدي من؟! إني أقف بين يدي جبار الجبابرة وملك الملوك“. الإمام الحسن الزكي هو الذي يعيش المرحلة الثانية من مراحل العبودية، وهي مرحلة لقاء المحبة، ومرحلة قرب الرحمة.
المرحلة الثالثة: مرحلة الإجابة ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.
المرحلة الثالثة مرحلة الخلافة، لا فقط مرحلة الإجابة، ما معنى مرحلة الخلافة؟ نحن الناس، نحن الخلق، نحن الذين ينطبق علينا كلمة الناس وكلمة الخلق، نسعى لماذا؟ نسعى للإجابة المادية، أنا أريد أن يشفى مرضي، أنا أريد أن يرزقني الله أولادًا، أنا أريد أن أصل إلى أعلى وظيفة وأعلى منصب مادي، نحن الناس مشغولون بالقضايا المادية، لذلك نصر على أن يجيب الله دعواتنا في القضايا المادية، وإذا لم يجبنا الله قلنا: تخلف الله عن وعده! أخلف الله وعده! لأنه قال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ونحن ندعو ولم يستجب لنا، لم نصل إلى مطامحنا ومطامعنا المادية الدنيوية، نحن ملكيون، أي: من عالم الملك، من عالم المادة، فدعواتنا مادية، وإصرارنا مادي، نصر على أن الله يجيب دعواتنا إجابة مادية.
الله تبارك وتعالى يقول: عبدي كن عبدي، لا تكن من الناس، كن عبدي وأنا أجيبك على دعائك، ولكن لا إجابة ملكية، بل إجابة ملكوتية، أوصلك إلى مقام الخلافة، ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً﴾، ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، أوصلك إلى مقام الخلافة، أي: أجعل إجابة الدعوة بيدك، أنت بيدك تجيب الدعوة أو لا تجيبها، أسلّم أمر الإجابة بيدك، ماذا تريد أكثر من هذا؟! أنت لا تحتاج إلى هذا فقط، أنا أريد أن يرزقني الله أولادًا، إذن لا بد أن يرزقني أولادًا! أنا أقول لك: إذا صرت عبدي، وقربت مني، سأوصلك إلى مرحلة بيدك أن تقرّر أن ترزق أولادًا أو لا ترزق أولادًا، ”عبدي أطعني تكن مثلي، أنا أقول للشيء: كن فيكون، وتقول للشيء: كن فيكون“.
أنا أريد أن أوصلك لا إلى الإجابة الملكية، بل أريد أن أوصلك إلى الإجابة الملكوتية، بمعنى أن يكون تحقيق الدعوة بيدك، أنت تعرف المصلحة، هل في صالحك إجابة الدعوة أو ليس في صالحك، فإجابة الدعوة بيدك، أوصلك إلى هذا المقام، مقام الخلافة، الذي هو أعظم من مقام الإجابة المادية، { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ﴾ أنا أخلق ﴿مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ﴾ أنا أنفخ ﴿فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ﴾، الله أذن لي فصرت خليفة عنه، ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ﴾، والخاتم القرشي الهاشمي سيدنا رسول الله يشير بإصبعه إلى السماء ليحقق مقام الخلافة ومقام الإجابة الملكوتية.
إذن، المرحلة الثالثة من مراحل العبودية أن أوصلك إلى هذه المرحلة، مرحلة الإجابة الملكوتية، مرحلة الخلافة، بأن يكون بيدك إجابة الدعوة، كما كان عليه محمد وعلي وفاطمة وحسن وحسين، ”ما خلقت سماء مبينة، ولا أرضًا مدحوة، ولا قمرًا منيرًا، ولا شمسًا مضيئة، ولا فُلكًا يسري، ولا بحرًا يجري، إلا لأجل هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء، قيل: ومن تحت الكساء؟ قال: هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها.
اللهم صل على محمد وآل محمد
{إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }
إذا أردت أن أكون عبدًا لله، إذا أردت أن أندرج تحت قول القرآن الكريم: عبادي، إذا أردت أن يعبر الله عني بأنني من عباده، فكيف أكون من عباده؟ هناك مراحل ثلاث للعبودية تتعرض لها الآية المباركة:
المرحلة الأولى: مرحلة العشق ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي﴾.
هم يسألون عني، عبادي يسألون عني، المحب يسأل عن محبوبه، العاشق يسأل عن معشوقه، السؤال أول المراحل، أن تسأل عن ربك، السؤال أول مراحل العبودية، السؤال يعني العشق، يعني الشوق، يعني الرغبة، أول مراحل العبودية السؤال، السؤال على نوعين: سؤال فكري، وسؤال وجداني.
السؤال الفكري هو الطلب، ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، هذا سؤال فكري، ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾، وأما النوع الثاني فهو السؤال الوجداني
بمعنى: ليس هناك استفهام، ليس هناك طلب فكري، وإنما هناك لهفة وشوق وغليان، الغليان الشعوري، الغليان الوجداني الذي يعني أقصى مراتب اللهفة والحسرة والشوق، هذا هو السؤال الوجداني، هؤلاء ظمئوا إلى الله، عطشوا إلى لقاء الله، عشقوا الله عز وجل، جاؤوا النبي لا يسألون: أين مكان الله؟! وكيف الله؟! ومتى الله؟! بل يسألون: كيف نلتقي بمحبوبنا الأتم؟ يسألون عني، يسألون عن لقائي، يسألون كيف يلتقون معي، لأنهم يعيشون لهفة وشوقًا إلى لقائي، وإذا سألك هؤلاء المشتاقون عني، وإذا سألك هؤلاء العاشقون لي، فأنا معهم، أنا مع من يحبني، أنا مع من يعشقني، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾، ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾.
إذن، المرحلة الأولى مرحلة العشق، مرحلة السؤال، أسأل يعني أتنفل، أسأل يعني أقرأ القرآن، كيف أعرف أنني أسأل؟ أعرف أنني أسأل إذا جئت برغبة واختيار وصليت صلاة الليل، إذا أنا صليت صلاة الليل برغبة وبشوق فأنا من السائلين، أنا أسأل عن لقاء الله عز وجل، هذه هي المرحلة الأولى
المرحلة الثانية: مرحلة القرب واللقاء ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.
ما معنى قريب؟
القرب على نوعين، على درجتين: قرب الإحاطة، وقرب المحبة والشفقة، فأنا مثلًا قريب من ولدي، بمعنى: مسيطر عليه، مراقب لأفعاله، مشرف على مسيرته، هذا قرب الإحاطة، لكن هذا لا يعني قرب المحبة، قرب المحبة أخص من قربة الإحاطة، قد أكون قريبًا من ولدي كما يقرب السجّان من سجينه، وقد أكون قريبًا من ولدي كما يقرب السيد من عبده، وقد أكون قريبًا من ولدي قربَ الحنان والشفقة والمحبة، فالقرب على قسمين ونوعين.
قرب الإحاطة: جميع ما في الكون ما هو إلا ربط وتدلٍ بالله عز وجل. ما هي علاقة ضوء الشمس بالشمس؟ ضوء الشمس مرتبط بالشمس، ضوء الشمس هو عين الربط وعين التدلي بالشمس، جميع ما في الكون بالنسبة إلى الله هكذا، نسبتنا إلى الله نسبة ضوء الشمس للشمس، نحن ربط وتدلٍ بالوجود المطلق، الوجود الأتم لله تبارك وتعالى، نحن كذلك. إذن، بما أننا ربط بالله عز وجل، فالله قريب منا قرب إحاطة ولكن هناك قرب المحبة، هل هو قريب منا قرب المحبة؟ هل هو قريب منا قرب الرحمة؟ هل هو قريب منا قرب الشفقة؟ قرب المحبة هو الذي يعبّر عنه القرآن الكريم: ﴿وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، معهم برحمته، معهم بمدده، معهم بعطائه، ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ﴾ نحن معه قرب المحبة ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾. إذن، قرب المحبة هو الذي يعبّر عنه القرآن بالمعية، ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾، المعية هي قرب المحبة، نحن نريد أن نصل إلى قرب المحبة، وإلا قرب الإحاطة حاصل لكل إنسان، نحن نريد أن نكون قريبين منه، ونريد أن يكون قريبًا منه قربَ المحبة.
إذن، فالمرحلة الثانية هي مرحلة القرب. إذا رآك تعالى أقبلت عليه، وسألت عنه سؤال المحب، سؤال العاشق، قرب منك، ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾، آواه إليه، قرّبه إليه، فحصل على قرب المحبة، وقرب المعية، كانت رؤية قلبية، كان لقاء قلبيًا، كان لقاء وجدانيًا، كان لقاء المحبة والمودة.
إذن، المرحلة الثانية هي مرحلة القرب واللقاء، التي يعبر عنها الإمام علي : ”ركعة لي في دنياكم أحب إلي من الجنة وما فيها“، ما هي قيمة الجنة إذا لم تكن قربًا نفسيًا؟! الجنة إذا كانت مجموعة من اللذائذ المادية فلا خير فيها عندي، أنا لا أطلب لذائذ مادية، أنا شخص لا يطلب اللذائذ المادية، الناس، الخلق هم الذين يركزون على الحور العين، وقصور الجنة، وأنهارها، وخمرها، ولبنها، هؤلاء هم الذين يركزون على الحور العين، وقصور الجنة، وأنهارها، وخمرها، ولبنها، هؤلاء هم الخلق، هم الناس، أما عباد الرحمن فإنهم لا يركزون على اللذائذ المادية، بل يركزون على اللقاء، بما أنهم يركزون على اللقاء إذن أنا في الدنيا وأن مستغن عن الجنة بلذائذها المادية، أنا أطلب اللقاء الروحي، ولذلك ورد في حديث آخر عنه: ”إن كنت أعبدك خوفًا من نارك فأحقرني بها، وإن كنت أعبدك طعمًا في جنتك فلا تدخلني إياها، إنما أعبدك لك“، ”ما عبدتك خوفًا من نارك، ولا طمعًا في جنتك، ولكن وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك“.
الإمام الحسن الزكي يمشي للحج من المدينة إلى مكة ماشيًا على قدميه، والنجائب تقاد بين يديه، يقول: ”أستحي أن أركب الناقة وأنا وافد على ربي“، هكذا يمشي على الأرض، يمشي على الأرض هونًا وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، وكان إذا وقف على باب المسجد وقف حزينًا كئيبًا خاشعًا ذليلًا وهو يقول: ”أتدرون أني أقف بين يدي من؟! إني أقف بين يدي جبار الجبابرة وملك الملوك“. الإمام الحسن الزكي هو الذي يعيش المرحلة الثانية من مراحل العبودية، وهي مرحلة لقاء المحبة، ومرحلة قرب الرحمة.
المرحلة الثالثة: مرحلة الإجابة ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.
المرحلة الثالثة مرحلة الخلافة، لا فقط مرحلة الإجابة، ما معنى مرحلة الخلافة؟ نحن الناس، نحن الخلق، نحن الذين ينطبق علينا كلمة الناس وكلمة الخلق، نسعى لماذا؟ نسعى للإجابة المادية، أنا أريد أن يشفى مرضي، أنا أريد أن يرزقني الله أولادًا، أنا أريد أن أصل إلى أعلى وظيفة وأعلى منصب مادي، نحن الناس مشغولون بالقضايا المادية، لذلك نصر على أن يجيب الله دعواتنا في القضايا المادية، وإذا لم يجبنا الله قلنا: تخلف الله عن وعده! أخلف الله وعده! لأنه قال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ونحن ندعو ولم يستجب لنا، لم نصل إلى مطامحنا ومطامعنا المادية الدنيوية، نحن ملكيون، أي: من عالم الملك، من عالم المادة، فدعواتنا مادية، وإصرارنا مادي، نصر على أن الله يجيب دعواتنا إجابة مادية.
الله تبارك وتعالى يقول: عبدي كن عبدي، لا تكن من الناس، كن عبدي وأنا أجيبك على دعائك، ولكن لا إجابة ملكية، بل إجابة ملكوتية، أوصلك إلى مقام الخلافة، ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً﴾، ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، أوصلك إلى مقام الخلافة، أي: أجعل إجابة الدعوة بيدك، أنت بيدك تجيب الدعوة أو لا تجيبها، أسلّم أمر الإجابة بيدك، ماذا تريد أكثر من هذا؟! أنت لا تحتاج إلى هذا فقط، أنا أريد أن يرزقني الله أولادًا، إذن لا بد أن يرزقني أولادًا! أنا أقول لك: إذا صرت عبدي، وقربت مني، سأوصلك إلى مرحلة بيدك أن تقرّر أن ترزق أولادًا أو لا ترزق أولادًا، ”عبدي أطعني تكن مثلي، أنا أقول للشيء: كن فيكون، وتقول للشيء: كن فيكون“.
أنا أريد أن أوصلك لا إلى الإجابة الملكية، بل أريد أن أوصلك إلى الإجابة الملكوتية، بمعنى أن يكون تحقيق الدعوة بيدك، أنت تعرف المصلحة، هل في صالحك إجابة الدعوة أو ليس في صالحك، فإجابة الدعوة بيدك، أوصلك إلى هذا المقام، مقام الخلافة، الذي هو أعظم من مقام الإجابة المادية، { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ﴾ أنا أخلق ﴿مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ﴾ أنا أنفخ ﴿فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ﴾، الله أذن لي فصرت خليفة عنه، ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ﴾، والخاتم القرشي الهاشمي سيدنا رسول الله يشير بإصبعه إلى السماء ليحقق مقام الخلافة ومقام الإجابة الملكوتية.
إذن، المرحلة الثالثة من مراحل العبودية أن أوصلك إلى هذه المرحلة، مرحلة الإجابة الملكوتية، مرحلة الخلافة، بأن يكون بيدك إجابة الدعوة، كما كان عليه محمد وعلي وفاطمة وحسن وحسين، ”ما خلقت سماء مبينة، ولا أرضًا مدحوة، ولا قمرًا منيرًا، ولا شمسًا مضيئة، ولا فُلكًا يسري، ولا بحرًا يجري، إلا لأجل هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء، قيل: ومن تحت الكساء؟ قال: هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها.