تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد عن الامام الصادق عليه السلام ( القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله ) .
ليس المقصود من القلب هو ذلك العضو الصنوبري الذي يؤدي وضيفة بيولوجية معينة وانما المقصود به شخصية الانسان المعنوية او قل النفس الإنسانية التي هي الذات المشار اليها بكلمة انا.
فهذا النفس التي خلقت ووجدت لأجل العبودية الحقة الحقيقية للمعبود الحقيقي المتمثل بخالقها وبارئها , فيجب ان تكون خالصة له تعالى دون سواه , ويجب ان تتبرء من كل وليجة غيره, أي تطهير النفس من الاغيار . لان وجود كل غير غيره في النفس يعتبر شركا , وهذه الشرك تارة يكون جليا اكبرا وأخرى يكون خفيا اصغرا , وهما وان كانا ليسا في معيار واحد الا ان صفة الشركية تجمعهما , ولا يستقيم مع احدهما التوحيد الخالص . قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ الزمر (3). وقَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ يوسف (106).
ومن هنا جاء في الحديث القدسي المعروف : (خلقت الأشياء لأجلك ، وخلقتك لأجلي ). فقلب الانسان اذا سكنه الله تعالى فسوف يملأ بالنور فيصبح الانسان يرى بنور الله تعالى . ويرى الله في كل شيء كما جاء في دعاء الامام الحسين عليه السلام في يوم عرفة : (وَأَنْتَ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيْءٍ فَمَا جَهِلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الَّذِي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَرَأَيْتُكَ ظَاهِراً فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ) .
ان من المعيب على العبد ان يسكن قلبه غير الله تعالى فحب الدنيا وما فيها من مال وزوجة واولاد واموال وغير ذلك ما هو الا عدم وسراب في قبال حب الله . قَالَ اللَّهُ جَلَّ في عُلاه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ البقرة (165). والذي يدعي انه يحب الله فمن الواجب عليه ان يجعل محور حياته هو الله ورضاه وطاعته لا انه يطيع الهوى والشيطان ويعبد الدنيا والمال والجاه والكراسي والأولاد والنساء. قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب}[آل عمران:14] .وقال سبحانه : {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين}[التوبة:24]
واما الذي اسكن الله قلبه واخرج الاغيار منه فان منهجه في الحياة هو محورية الله في كل وجوده ولذا ترى شعاره في الحياة هو : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الأنعام:162] . او لا اقل يكون حب الله هو الغالب على قلوبهم دون سواه كما قال سبحانه : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَاب}[البقرة:165] .
ومن هنا يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (لا يمحض رجل الإيمان بالله حتى يكون الله أحب إليه من نفسه وأبيه وأمه وولده وأهله وماله ومن الناس كلهم) .
والحب الحقيقي هو الاتباع للمنهج الرباني في إدارة النفس والحياة , واتباع رسل الله وسفرائه الى الناس . ومن هنا يقول تعالى : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[آل عمران:31] .
ان المحب لله العاشق للقائه والذي اخلى قلبه من كل احد غيره هو الذي يناجي الله بقوله - : (سيدي أنا من حبك جائع لا أشبع ، أنا من حبك ظمآن لا أروى ، وا شوقاه إلى من يراني ولا أراه ). كما في دعاء الامام الصادق في مناجاته مع الله تعالى .
رقمي قريش إيران, [١٩/٠١/٢٠٢٢ ٠٣:٢٦ م]
- وجاء في مناجاة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) - أيضا - : (إلهي لو قرنتني بالأصفاد ، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد . . . ما قطعت رجائي منك ولا صرفت وجه تأميلي للعفو عنك ولا خرج حبك من قلبي) .
- وجاء في دعاء الإمام الحسين ( عليه السلام ) : (أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك . . . ماذا وجد من فقدك ؟ ! وما الذي فقد من وجدك ؟ ! لقد خاب من رضي دونك بدلا).
- وجاء عن الإمام المهدي ( عليه السلام ) : إن موسى ناجى ربه بالواد المقدس فقال : (يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك وكان شديد الحب لأهله - فقال الله وتعالى : ( اخلع نعليك ) أي انزع حب اهلك من قلبك ان كانت محبتك لي خالصة وقلبك من الميل الى من سواي مغسولا ).
ونختم بهذا الحديث الوارد عن النبي ص : (كانَ مِن دُعاءِ دَاوُدَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ واله وسَلَّم: "اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعمَل الَّذِي يُبَلِّغُني حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعل حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن نَفسي، وأَهْلي، ومِن الماءِ البارِدِ) .
نسال الله ان يملأ قلوبنا حبا له ولأوليائه وان يجعلنا من احبابه الذين لا يرون في الوجود سواه حبيبا وخليلا .
السيد فاضل الموسوي الجابري
النجف الاشرف 15 جمادي الثاني 1443.