إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فاطمة الزهراء تثبت انطلاقة الوجود في كلماتها.

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فاطمة الزهراء تثبت انطلاقة الوجود في كلماتها.



    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صل على محمد وآل محمد..

    هذا ما ذكرته السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها وآلها الطيبين الطاهرين في خطبتها المباركة، فالزهراء قبل 1400 سنة تتحدث عن مبدأ الوجود حيث تقول: «ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ كَانَ قَبْلَهَا وَ أَنْشَأَهَا بِلَا احْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَهَا كَوَّنَهَا بِقُدْرَتِهِ وَ ذَرَأَهَا بِمَشِيَّتِهِ»، فما هو المقصود من هذا الكلام؟
    تقول السيدة الزهراء أن كلَّ شيء له مادة وله صورة، فإنه من المستحيل أن يوجد شيء بدون مادة وصورة، وكما يقول الفلاسفة «شيئية الشيء بصورته» فإن كل شيء لابد له من صورة، فهذا الكرسي لابد له من مادة خشبية وله صورة ومخطط وبلحاظه يمكن للإنسان أن يجلس عليه، فكل شيء حتى الجزيء تحت الذرة له مادة وله صورة، فكل شيء يرجع إلى عنصرين: مادة وصورة، فالوجود كلُّه من قبل 13.7 مليار سنة انطلق من كتلة لها مادة ولها صورة، فانطلق منها وترسم هذا الوجود كلّه.

    من أين جاءت الصورة ومن أين جاءت المادة؟
    الزهراء وضعت اليد على العنصرين:

    العنصر الأول: عنصر المادة

    الوجود له العنصر الأول وهو المادة، والزهراء بينت من أين جاءت المادة فقالت: «ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ كَانَ قَبْلَهَا» فهي تشير إلى العنصر الأول، ومن هنا تتميز قدرة الخالق عن المخلوق، فالمخلوق يستطيع أن يصنع لكنه لا يستطيع أن يصنع شيئا بدون مادة، بل لابد من وجود مادة فيصنع منها شيئا، فما لم تكن للمخلوق مادة متوفرة فإنه من المستحيل أن يصنع شيئا بدون مادة تكون متوفرة بين يديه، بينما الخالق فجّر الكون بابتداع ولم يفجر الكون بالصنع، والابتداع يعني أفاض الكون من فعله ومن عطائه لا من مادة مسبقة، فهو بفعله أوجد الكون لا أنه أوجد الكون من مادة، فإن نفس فعله هو مادة الكون، لا أن فعله يستند إلى مادة سابقة على الكون، فإن فعله مادة الكون، ولذلك عبرت عنه السيدة الزهراء أنه ابتداع «ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ كَانَ قَبْلَهَا».

    العنصر الثاني: عنصر الصورة

    ثم جاءت الزهراء إلى العنصر الآخر وهو عنصر الصورة، وبينت من أين جاءت الصورة ومن أين جاء هذا المخطط الهندسي الجميل لهذا الكون ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40]؟ فقالت: «وَ أَنْشَأَهَا بِلَا احْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَهَا» فهذه الصورة إنشاء لا احتذاء وفرق بينهما، فالرسّام لا يستطيع أن يرسم صورة من دون أن تكون في ذهنه صوراً معينة، حتى لو كان مبدعاً فإن إبداعه في لمسات وفي ملامح إلا أنه لابد من أن تكون في ذهنه صوراً معينة يحاكيها ويقلدها ثم يضيف لها لمساته وإبداعاته الخاصة، فإن كل مخلوق عندما يُريد أن يرسم صورة فهو يمارس عملية احتذاء، أما الله «سبحانه وتعالى» عندما أراد أن يُوجِدَ هذا الكون بمخطط هندسي معين أوجده إنشاءً وليس احتذاءً «وَ أَنْشَأَهَا بِلَااحْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَهَا» فإنه ليس أمامه أمثلة يحاكيها ويصور عليها.

    كيف كوّنها واستطاع أن يفجر الوجود بالابتداع من ناحية المادة والإنشاء من ناحية الصورة؟

    قالت : «كَوَّنَهَا بِقُدْرَتِهِ»، فلأنه يمتلك القدرة التامة وبالأصالة لا القدرة المشتقة والمنتزعة والمُعْطاة، فهو قدرته بالأصالة وهو كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ «سبحانه وتعالى».

    نعم كوّنها بقدرته، لكن هل كان مستطيعا أن يقول: لا؟ هل هو مجبور على أن يوجد الكون بالابتداع والإنشاء؟

    لا، فإنه كما أن له قدرة فإن له مشيئة «كَوَّنَهَا بِقُدْرَتِهِ وَ ذَرَأَهَا بِمَشِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَى تَكْوِينِهَا وَ لَا فَائِدَةٍ لَهُ فِي تَصْوِيرِهَا إِلَّا تَثْبِيتاً لِحِكْمَتِه»

    ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53]، ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ «20» وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ «21»﴾ [الذاريات: 20 – 21]، «إظهاراً لقدرته وتَثْبِيتاً لِحِكْمَتِه».

    لماذا ركّزت الزهراء على هذا العنصر؟

    ركزت الزهراء على هذا العنصر لأن أي نظرية أخرى تتحدث عن مبدأ الوجود لابد أن تُقرّر أنَّ هناك مبدأ ليس قبله مبدأ، ولا يكفي أن تقول أن الوجود حركة، والحركة تحتاج إلى محرك، لأن السؤال يرجع «هذا المحرك من أين جاء؟»، ولا يكفي أن تقول أن الدورة الطبيعية لها مبدأ لأن ستسأل عمّا قبل هذا المبدأ، فإنه لابد من نقطة تُضاف إلى الاستدلال وهي نقطة جوهرية لإثبات مبدأ الوجود وهي أن المبدأ ليس له سابقة، بل هو مبدأ لا مبدأ له، مبدأ لا سابق له، فما لم نقرر هذه النقطة فإن السؤال يبقى مطروحا، ولهذا يقول العلماء أنه يلزم التسلسل، والتسلسل باطل، فلابد من أجل الاستدلال على إثبات مبدأ الوجود من إبطال مبدأ التسلسل فلا تسلسل، بل لابد أن تقف سلسلة الوجود عند مبدأ له، وعند مبدأ لا سابق له «ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ كَانَ قَبْلَهَا وَ أَنْشَأَهَا بِلَا احْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَهَا».

    والزهراء عندما تحدثت عن العظيم تعالى بهذه الكلمات القصار والتي تتضمن بُعدا عقليا تحليلا لمبدأ الوجود فهي تعيش التفاعل مع مبدأ الوجود فكراً وسلوكاً، فالزهراء (عليها السلام) كانت تعيش حالة الاستغراق في الله وحالة الذوبان في الله، وحالة الارتباط في الله، فالمعرفة والفناء تجسداً في شخصية الزهراء.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X