إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جمهورية النبأ العظيم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جمهورية النبأ العظيم

    صدر مؤخراً على نفقة حركة يتدبرون الإسلامية في ولاية إلوني الأمريكية - كتاب جمهورية النبأ العظيم - تأليف المحامي العراقي علاء عبد الأمير علي الصائغ - ويتكون الكتاب من 500 صفحة بالحجم الوزيري - وسأرفع بإذن الله تعالى بعض مباحثه - وأدناه فهرست الكتاب لأخذ فكرة عن محتواه :

    تَوْطئــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــة (١) .................................................. ...............: ٦
    تَوْطئــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــة (٢) .................................................. ................: ٧
    كلمَــــــــةُ الكاتب .................................................. ......................:١٤
    المُقدِّمَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـةُ .................................................. .....................: ٣٣
    الجزءُ الأول ... حكومة الإمام الصالح وظهور الفرقة الناجية ...............: ٤١
    البــــــــــــــــــــابُ الأول ... علـــــــــم الخلافـــــــة ...............................................: ٤٤
    الفصـــــــــــلُ الأول ... المدخل لدراسة علم الخلافة ..............................: ٤٦
    المبحثُ الأول ... الخلافة في المنظور القرآني .................................: ٥٨
    المطلبُ الأول ... الخلافة بوصفها (علم) ......................................: ٦٠
    المطلبُ الثاني ... الخلافة بوصفها (أمر) .......................................: ٧٧
    المبحثُ الثاني ... الخلافة في المنظور الديني ..................................: ٨٧
    المطلبُ الأول ... المفهوم الحقيقي للإشراك ــــ كيف يعبد الشيطان.........: ٨٩
    المطلبُ الثاني ... المفهــــوم الحقيقي للإيمان ــــــ كيف يعبد ويعرف الله .....: ١٠٢
    المطلبُ الثالث ... المفهوم الحقيقي للدين الإسلامي .........................: ١٠٦
    الفرعُ الأول ... معنى الإسلام الجديد ............................................: ١١٠
    الفرعُ الثاني ... أسباب الإيمان بالغيب - لماذا يريد الله منَّا أن نؤمن بالغيب -: ١١٧
    الفصلُ الثاني ... المدخل لدراسة دولة الخلافة الإلهية .......................: ١٢٠
    المبحثُ الأول ... الخلافة في ظل القوانين الوضعية ..........................: ١٢٣
    المطلب الأول ... السلطة التشريعية .............................................: ١٢٤
    المطلبُ الثاني ... السلطة القضائية والتنفيذيَّة ................................: ١٣١
    المبحثُ الثاني ... مقوِّمات دولة الخلافة .......................................: ١٣٥
    المطلبُ الأول ... كتاب الله وشـريعته ...........................................: ١٣٦
    المطلبُ الثاني ...الخليفة .................................................. ........: ١٤١
    المطلبُ الثالث ... علــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم الكتاب .........................................: ١٤٤
    المطلبُ الرابع ... الإعــجاز والدعم الإلهي ......................................: ١٤٨
    المبحثُ الثالث ... مكونات دولة الخلافة الإلهيَّة ............................: ١٥٣
    المطلبُ الأول ... أنصار وأعضاء دولة الخلافة ...............................: ١٥٤
    الفرعُ (١-٧)... ما في الدولة من خدم ووزراء وعمّال وجيش وطلقاء: ١٥٤- ١٦٣
    المطلبُ الثاني ...القائم بأمر الله -عزوجل- ..........................................: ١٦٤
    المطلب الثالث ... الشخص المعني بأمر التنفيذ ... خليفة أم خلفاء......: ١٦٦
    المطلبُ الرابع ... دخول أمر الخـــلافة حيّز التنفيذ ...........................: ١٧٦
    المطلبُ الخامس ... نهج الخليفة إثر إعلان دولة الخلافة .................: ١٨٠
    الفرعُ الأول ... الخليفة والخلافة ................................................: ١٨٢
    الفرعُ الثاني ... ما لا يخافه أعداء الخليفة ......................................: ١٨٥
    الفرعُ الثالث ... سياسة الخالق مع الخلق في ظل دولة الخلافة ...........: ١٩٠
    الفرعُ الرابع ... نهج ذوي القربى ....... منزلة الخليفة مودة أم عبادة ....: ١٩٣
    المطلبُ السادس ... مراحل الظـــهور ............................................: ١٩٩
    الفرعُ الأول ... طرائق الاتصال بالخليفة ........................................: ٢٠١
    الفرعُ الثاني ...زمكانية الظهور .......... المرحلة التي نحن فيها..............: ٢٠٥
    المطلبُ السابع ... أســـباب تأخر ظهور الخليفة .............................: ٢١٣
    المبحثُ الثاني ... الفرقة الناجية ودولة الخلافة ..............................: ٢٢٣
    المطلبُ الأول ... الفرقة الناجية – التعدديّة ..................................: ٢٢٦
    المطلبُ الثاني ... الفرقة الناجية – الجمع والدمج ...........................: ٢٣٤
    المطلبُ الثالث ... قيام الفرقة الناجية وفقاً للأديان والمذاهب ...........: ٢٣٧
    المبحثُ الثالث ... دين الخليفة وحزبه ........................................: ٢٦٣
    المطلبُ الأول ... أشكال الحكم في دولة الخلافة .............................: ٢٧٠
    الفرعُ الأول ... دولة الخلافة والديمقراطية ....................................: ٢٧٢
    الفرعُ الثاني ... دولة الخـــــلافة والدكتاتوريَّة .....................................: ٢٧٤
    المطلبُ الثاني ... وحـــدانية الله ووحـــدانية المنهاج ...........................: ٢٧٥
    المطلبُ الثالث ... وحدانيَّة الدين ...............................................: ٢٨٠
    الفصلُ الثالث ... الخلافة في المذاهب والأديان ..............................: ٢٨٢
    المبحثُ الأول ... أسباب تعدد المــذاهب والأديان ...........................: ٢٨٣
    الفـــرعُ الأول ... ما وراء دخول العرب في الإسلام ...............................: ٢٩٩
    الفرعُ الثاني ... ما وراء اتباع بني إسرائيل لموسى ...............................: ٣٠٦
    الفرعُ الثالث ... ما وراء اتباع الناس لعيسى .....................................: ٣١٠
    الفرعُ الرابع ... المـــغفلون من الشيعة وأهل الجماعة .......................: ٣١٤
    المبحثُ الثاني ... المهدي في روايات الفرق ....................................: ٣١٧
    البـــــــــــــــــابُ الثاني ... على أعتاب دولة الخــلافة ...................................: ٣٢٠
    الفصلُ الأول ... خطوات الوصول لدولة الخـــــــلافة ...........................: ٣٢١
    الخطوةُ الأولى ... الصيحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــة ............................................: ٣٢٣
    الخطوةُ الثانية ... الرجعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــة ............................................: ٣٣١
    الخطوةُ الثالثة ... ما قبل المسير ... التوبة المُــــسبقة .........................: ٣٤٨
    الخطوةُ الرابعة ... إمامــــة الخليفة ................................................: ٣٥٩
    الخطوة الخامسة ... نبوءة نصر الله .............................................: ٣٦٣
    الخطوةُ السادسة ... كيف نتعرّف إلى يوم الظــهور ............................: ٣٧٣
    الخطوةُ السابعة ... أســــباب الإيمان بالغيب ....................................: ٣٨١
    الخطوةُ الثامنة ...مــــيزان عدالة الخليفة .........................................: ٣٨٥
    الخطوةُ التاسعة ...علامات ما قبل علامات الظهـــور .........................: ٣٩٠
    الخطوةُ العاشرة ... اِنقلاب الأنصار وتراجُع الأعداء ...........................: ٣٩٣
    الخطوةُ الحادية عشرة ... مؤسسة الخلافة الإلهية ...........................: ٣٩٧
    الخطوةُ الثانية عشرة ... مفهوم الحدود العائمة ...............................: ٣٩٨
    الخطوةُ الثالثة عشرة ... شؤون الخلـــيفة ........................................: ٤٠٠
    الخطوةُ الرابعة عشرة ... عِــصْمَةُ الخليفة ......................................: ٤٠٩
    الخطوةُ الخامسة عشرة ... مــبادئ دولة الخلافة ............................. : ٤١٥
    الخطوةُ السادسة عشرة ... شــعبُ الخليفة .....................................: ٤١٧
    الخطوةُ السابعة عشرة ... دورُ الشفــاعة في دولة الخلافة ....................: ٤١٩
    الخطوةُ الثامنة عشرة ... الحكــوماتُ الظالمة وليدة الشعوب الفاسـدة ....: ٤٣٨
    الخطوة التاسعة عشرة ... التقيَّةُ في نهج الخلافــة ........................... : ٤٤١
    الفرعُ الأخير ... الخطوةُ الأخيرة ... سِمَةُ الدُّخول ..............................: ٤٤٤
    الفصلُ الثاني ... أطروحة النقدُ الوظيفي في الأديان . نقـــــــــــدُ الأنبياء والتابعين.: ٤٥١
    الخاتِمَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــةُ .........................................:٤٧٧
    المُلْحقُ الخاص بالنُّصوص القُرآنيَّة - أسباب غموض النصوص القرآنية ... : ٤٨٩
    الهويَّةُ الشَّخْصِيَّة للمُـــؤَلِّف .................................................. ....... : ٤٩٩
    التعديل الأخير تم بواسطة علاء الصائغ; الساعة 09-02-2022, 10:00 PM.

  • #2
    كلمة الكاتب


    ما معنى المنظار القانوني لدراسة النصوص القرآنية

    حينما يتناول بعض الباحثين نصاً قُرآنياً ، كقوله تعالى في الآية ﴿٢٤﴾ : -
    (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء .
    تراهُ يوظّف الآية باتجاهٍ واحدٍ فقط ، وهو احترام الأبناء لآبائهم ، لكنَّنا لو استخدمنا المنظار القانوني لهذا النص ، نجد أنَّهُ تعالى يأمر الابن باحترام الأبوين ومعاملتهما بكلِّ رحمةٍ ، ولكن يهدّد الأبوين ويأمرُهُما ، بطريقة غير مباشرة على رعاية وحفظ أبنائهما ، فقوله تعالى : -
    ( اِرحــــــمهما كـــما ربياني صـــــغيراً ) ، اِنذار وتحذير للأبَوين ليرحما أبنائهما ، وإلّا فلن
    يرحـــمهما الله ، أي إن المــــنظار يقول ، إذا أنتُما لـــم تـــرحَما أبناءكـــما فـــلن أرحــمكما ،
    وهنا يطرح الباري -عزوجل- ، معادلة متوازنة الأطراف ، أنت أِرحم أباك ليرحمك الله ، وأنتما إذا لم ترحما ابنكما لن يرحمكما الله ، ولا يخفى ذلك على الباحثين ، إنما وبعد أن ينتهي الباحث مـــــن ســــبر أغوار أبحاثه ، يكون قــــد تــــجاوز ســــن الصـــبا والشباب ، وبات أباً ، وما يُهمهُ هو معاملة أبنائه لهُ ، وليس خلاف ذلك ، فلا يهمّـــهُ بعد ذلك ، أن يرى مــــا عـــليه من واجبات ، قـــــدر مـــــا يتطلع إليه من حقوق ،
    وعلى ما تقدَّم ، فهُناك مسؤوليَّة تقع على عاتق كل من يبحث في النصوص القرآنية ، إذا ما وجد ما يساعد به رجال الدين ، في استنباط احكام تخُصّ المجتمع ، وعلى عاتق من يستخدم المنظار القانوني من الأطباء والمهندسين ، فيما يكتشفونه من أمور علميّة من النصوص القرآنية ، فالمنظار القانوني ، هو زاويا العلوم المختلفة للقرآن الكريم ، فمن منّـا يظنُّ أن هنالك من عالمٍ على وجه الأرض ، جامع للشرائط والأحكام الشرعيَّة ، وما في القرآن من علومٍ مُختلفة ، وإنْ كان جامعاً للشرائط ، فـــــهل يمكن أن يُــــــحتمل مــــنهُ وقـــــــــوع الـــــــــزلل ، وهــــــــو القــــــــائد الـــديني لأمّــــــــة بكامــــلها .
    = قول الرسول الكريم الذي أكدناه في ﴿ك،ك﴾ : -
    (( إنَّـــما أتخوَّف على أمَّتي من بعدي ثلاث خصال : أن يتأوّلوا القرآن على غير تأويلهِ ، أو يتّبعوا زلّة العالم ، أو يظهر فيهم المال حتَّى يطغوا ويبطروا ، وسأنبّئكم المخرج من ذلك ، أمّا القرآن فاعملوا بمُحكمه وآمنوا بمتشابههِ ، وأمّا العالم فانتظروا فيئته ، اي رجوعه إلى الصواب ، ولا تتبعوا زلَّته ، وأمّا المال فإن المخرج منه شكر النعمة وأداء حقه )) .
    وعن علي بن عبد الله الأسواري ، عن أحمد بن محمد بن قيس ، عن أبي يعقوب ، عن علي بن خشرم ، عن عيسى ، عن ابن عبيدة ، عن محمد بن كعب قال : قال رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله : -
    (( أشدّ ما يتخوّف على أمَّتي ثلاث : زلّةُ عالم ، أو جدال منافق بالقرآن ، أو دنيا تقطع رقابكم ، فاتهموها على أنفسكم )) ﴿٨﴾ - ﴿٩﴾ .
    وهناك الكثير من رجال الدين ممَّن نظُنّهُم عُلماءً أعلاماً ، من حيث جهلنا المُطبق بالدين ، أمّا مِنْ حيثُ المستوى المطلوب ، لرجال الدين ، فهُم أخطر مما لدى الجاهل من جهلٍ ، لأنَّ دَفّةِ القيادة بيدهم ، زد عـــــلى ذلك ما هــــو مُــــتوقع وغير مُـــتوقع من كيد باقي الفرق المعادية ، التي يُمكن أن تدسّ رجال دين من قبلها ، لتشويه صورة المذهب الآخر ، أو شراء بعض الذمم للغرض نفسه ، واسقاط مكانة الفرقة بعيون أنصار تلك الفرقة ، وهذا ما تواجههُ الفرقة الناجية ، أكثر بكثير من باقي الفرق ، فقوله تعالى : -
    ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) ﴿١١٢﴾ الأنعام .

    ينطبق تمَامَاً على الفرقة الناجية ، بوصفها الفرقة التي تُمثّل منهاج الله ورسوله ، ومن ثُمَّ فهي من سيتكالب ضدَّها شياطين الإنس والجن ، ومن هنا أصبح دور كلِّ فرد منّا ، مُساندة العالم الفقيه ، ومحاربة السفيه ، والمعادي والمغرض ، ممَّن قد ينتمي للفرقة الناجية ، لزرع الفتنة بين أنصارها ، فكيف نقف على التأويل الصادق والمطابق ، والحكم العادل والمُوافق لما أراده الله في كتابه الكريم ،
    كان جواب معظم العلماء ، ألا يقوم بتفسير القرآن ، إلّا أهل الاختصاص من رجـــــالات الدين ، وجــــواب بعضهُم الآخر أن نبقى على ما ورثناهُ من السّلف ، لكنَّ
    الشّـــــق الثاني من حديث الرسول الكريم في أعلاه ، يدُلّنا إلى عدم وجود فقيهٍ على
    وجه الأرض غير معرّض للزلل ، سواء فيمن مضى أم فيمن سيأتي ، وهذا هو الفرق بين النبي وإمام العصر ، وبين العالم الفقيه ، فما هو الحل ، إذا كان الفقيه بحاجة
    إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف من العمر ، كي يكون مُلمّاً بكافة العلوم ،
    إن كِلا الشقّين من الحديث يؤكدان دور الجميع بتدبر القرآن ، لا باختيار المقبول
    .................................................. .................................................
    ﴿٨﴾ وجاء في بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج [ ٨٩ ] - الصفحة ، [١٠٨] .
    ﴿٩﴾ - الخصال / الشيخ الصدوق - ج {١} ص [٧٨] ، تعليق علي أكبر الغفاري .


    وترك غير المقبول ، بل باختيار المقبول والمحتمل القبول ، فما هو تكليفي أنا وغيري أمام الدين وأمام العالم الفقيه ،
    = إنه تــــكليف سَــــلمان الفارسي -ع- ، حــــين بيّن للـــــرســــــــول مـــــدى أهـــــمية الخــــندق في مــــــعارك المُـــــدن ، فــــــبالرغــــم مـــــن أن النبيّ مُـــــــلهم مــــن عــــندِ الله تـــعالى ، فــــــقد تـــــقبّل الشــــورى من أصحابه ، وإنّنا على يقينٍ ، أن النبي لـــــــو لم يُشر عــــليهِ سَـــــلمان بفكرة بناء الخندق ، لكان أمَــــــرَ أصـــحابه بالنتيجة بحفر الخــــندق ، ولـــــكنْ هـــــكذا يريد أن يُعلّمنا الله ورســــــوله ، عــــــلى أن لكلّ مــــــنّا دوراً في ضــــــمن تخصــــصه ، وفي ضمن مــــــا يفهمه ، لا مجرد الرأي المعارض والموافق ، فقوله تعالى : -
    ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُـــــــــــــــورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِـــــــــــــــمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) ﴿٣٨﴾ الشورى .
    لا يعني أن نقوم بتأييدنا لفلانٍ ، أو أن نبدي مــــــعارضــــتنا لفلانٍ ، مـــــــــــــــثلما نــــقوم به نحن الآن ، في الانتخابات واســـتطلاع الــــرأي ، فــــــتلك مُـــــــــــشايعة وتـــــحزّب ولــــيستْ شــــــورى ، فـــــالشــــــورى تعني تقديم المـــــشوَرة والنصيحــــة ، عـــــلى وفــــــــــــق تخصص أو اســـــــــتدلالات وخـــــبرات مُــــــختلفة ، يتسنّى لنا بعدها الوقوف عـــــلى الــــحكم أو الــــقرار المناسب ، وهذا ما أوضحتهُ قواميس اللغة ﴿١٠﴾.
    تشاور القوم : شاور بعضُهم بعضاً ، تبادلوا الآراء والأفكار .
    شاور فلاناً في الأمر : استشاره ، طلب رأيه ونصيحته فيه .
    ونحوه شاور عقله : استرشد بشيء واتخذه هادياً له وموجهاً .
    وكقول الشاعر : وإنَّ مشيراً قد أشار بما رأى .... مشيرٌ لعمري في الحقيقة ناصح
    الشاعر عبد الغفار الأخرس﴿١١﴾ .
    وجاء في تفسير ابن كثير للآية ﴿٣٨﴾ من سورة الشورى : (لا يبرمون أمراً حتى يتشاوروا فيه يتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مـــــجراها) ، لكنه بعد ذلك ذكـــــر ما قـــام به عمر بن الخطاب ، وهو على فراش الموت ، إذ جعل الأمر بعده شـــورى في ستة نفر ،
    فـهم إمّــــا فهموا أن الشورى انتخاب ، وإمّـــــا أنهم عادوا لسجيتهم في الجاهــــليّة ، إذ يعمدون لاختيار سيدهم من بين سادة قريش وكبرائها ،
    فالشـــــورى : هي أن تقـــــدم النصيحـة لـــــتفعيل دورك في المُـــــجتمع ليس إلا ، كــــما في
    .................................................. .................................................
    ﴿١٠﴾ - جامع المعاني / موقع الكتروني للخدمات البحثية والترجمة .
    ﴿١١﴾ - مختار الصحاح / محمد بن أبي بكر الرازي / دار الكتاب العربي [٨١] .


    ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ) ﴿١٥٩﴾ آل عمران ،
    ولكن ما دخل الطبيب والمهندس والمحامي والمعلّم وحتى الحرفيّ بعمل الفقيه ،
    الفقيه والعالم الإسلامي كما أسلفنا ، يفتقر إلى صحة القرار الذي لا يقبل الخطأ والزلل ، والمستوى الذي يريده الله تعالى لعباده ، ومع كلّ ذلك ، فعلى ما يبدو أن الله وعن طريق رسوله ، أعطاه قوة القرار الذي يصل إلى منزلة ما يقضي به الله تعالى ورسوله وأوصياؤه ، وقول الرسول ( أما العالم فانتظروا فيئته ) يدلنا على ذلك ، ويشير إلى البقاء على طاعة العالم حتى في حال زلّتهِ ، وذلك بانتظار أن يعود إلى جادة الصواب ، وكما يبدو أن الطاعة والسير وراء العالم الفقيه ، خير لنا حتى مما نراه بالرأي العلمي الصائب ، لأن وحـــــدة الجمع خير من الشـــتات ، وهــذا
    طبعا لا يعني المضي بالرأي الفاسد ، أو كما فتح أهل السلف الباب على مصراعيه ، وتركوا الحُـــــكام والمفتين ، يعيثون في الأرض فـــساداً ، فالــقضية تنحصر في كل مـــــا
    يستحدث من الأمور ، ولا تمتّ لأصول الدين ، والأمور المهمة المتعلقة بحياة هؤلاء الجمْع ، ومن هنا يبرز دور أهل العلوم الطبيعية والتخصصات القانونية والسياسية والإدارية وغيرها ، فالمنظار القانوني الذي تختاره العلوم المختلفة لدراسة الدين ، ستفعّل دور الدين في الحياة ،
    وعند قيام أهل الاختصاص بترجمة النص القرآني ، إلى ما يفهمونه ويعرفونه من عـــــلوم ، فـــــإن الفقيه ، سيقف بـــــهذا عـــــــلى كل الاستدلالات المــــختلفة ، التي يـــــرونها ويستنبطونها من قراءتهم للنص ، وبذلك فبدل أن يقوم الفقيه بدراسة الطب والهندسة والقانون وباقي العلوم ، عليه أن يقرأ استنتاجات هؤلاء وبيانهم ، ليصدر أو يتأكد من صحة إصداره لفتواه أو قراره ،
    ومــــع الأســــف نجد اســــــتعلاء من بعض الفقهاء ، للأخذ برأي أهلِ التخصصات الأخرى ، كما نجد اســـــتعلاءً من أهل التخصصات لدراســـة النصوص القرآنية ، بوصفه عملاً يخص رجال الدين ، وهذا هو سبب اختلاف الفتاوى من عالمٍ لآخر ، فمُعطيات كل منهم مُعطيات شخصيّة ومن ثم فهي غير موحّدة ، أي إن العلماء
    والفقهاء أنفسهم ، لا يتدارسون بينهم مستحدثات المسائل ، حتى في ضمن المذهب الواحد ، ونحن عـــلى هـــذه الحال منذ وفـــاة الرسول إلى يومنا هـــذا ، وكما يعني هذا - إننا في المشايعة تشاورنا ، وفي الشورى تشايعنا ،
    وبعد .. فإننا لا نعني بالمنظار القانوني ، قياس النص القرآني بالقوانين المقننة ، بل استثمار القواعد والقوانين العلمية والعملية في الكشف عن مفاهيم النصوص القرآنية ، فــــــحين يـــــقول الله -جل جلاله- في كـــــتابه الكــــــريم ، وكــــنتم أزواجــــاً ثـــــلاثـــــاً ، (السابقون) و (أصحاب اليمين) من جهة ، و (أصحاب الشمال) من جهة أخرى ، فما يعني هذا على وفق المنظار القانوني ،
    يعني أولاً : نجاح النموذج الإنساني في الخلق ، فهناك فئتان في الجنة ، وفئة واحدة في النار .
    ويعني ثانياً : إن الله لا يرانا بوصفنا أفراداً وأشخاصاً ، بل يرانا بوصفنا فئاتٍ وشرائح ، حتى يصل كل منا وفئته التي ينتمي لها إلى منزلهم الأخير ، وبعد ذلك يتفرقوا كلا بحسب تفاصيل أعماله ، والتي توصله إلى مقعده الأخير في ذلك المنزل .
    ويعني ثالثاً : إن هنالك جناناً تخص السابقين ، وجناناً أخرى تخص أصحاب اليمين ،
    وبالرغم من أن عدد السابقين وأصحاب اليمين قليل جداً ، موازنة بأصحاب الشمال ، فإنَّ لأصحاب الشمال جهنم واحدة ، لها طبقات مختلفة ، وجميع طبقاتها في مكان واحد ، ما يشبه الوادي أو الحفرة العملاقة الواحدة ، كما إن للسابقين منزلة ، لا يمكن لأصحاب اليمين أن يرتقوا اليها أبداً ، ومنزلة خاصة لأصحاب اليمين ، ولكن يمكن للسابقين أن يدخلوها ليروا ما أنعمه الله على من اتبعهم ، كما يروا ما أنعمه الله عليهم من النعيم ،
    ويعني رابعاً : إن للسابقين دور القيادة والإمامة على أصحاب اليمين .
    ويعني خامساً : عدم جواز تقديم أصحاب اليمين مهما كانت مناقبهم على السابقين ، وعدَّ السابقين أسوة كالرسول الكريم ، حتى باتوا مما يشار لهم كركبٍ واحد ، فالقضية لا تخص الآخرة وحسب ، وإنه تعالى بيّن لنا منزلة السابقين في الآخرة ، ليس من باب العلم بما سيجري يوم القيامة فقط ، بل من باب الأمر والإرشاد لمن علينا اتباعهم ، والوقوف حيث نصرتهم ، وعدم تقديم من هو أدنى منهم عليهم ، والآية : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ﴿٤٦﴾ الرحمن .

    فلو أننا نظرنا لهذه الآية ، بموجب ما بينه فقهاء الشيعة من قضية الرجعة ، فإنه سيكون لهذه الآية مفهوم زماني وليس بالمكاني ، أي إن من مات من أصحاب الرجعة يدخل الجنة فور مماته ، ثم يعود للحياة فيبلوا بلاءً حسناً ويمُتْ على ما مات عليه في حياته الأولى ، ليعود للجنة مرة أخرى ، إثر مماته بعد الرجعة ، وهي جنة المستقر ، التي تأتينا بعد يوم الحساب ، وإن لم يقل أحد من فقهاء الشيعة ما تقدم ، فإن ما تقدم هو المنظار القانوني إذا ما جمعنا النصوص ، وهناك أيضاً نص آخر نجده يشر إلى ما توصلنا إليه ، وهو قوله تعالى : -
    ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ﴿١٦٩﴾ آل عمران .
    فهذه الآية تدلنا أيضاً على أن مفهوم وجود الجنتين لمن خاف مقام ربه ، مفهوم زماني ، فيدخل الشهداء جنة معدّة لهم ، إثر استشهادهم مباشرة ، ومن ثم يدخلون جنة المستقر ، والتي تأتيهم يوم الحساب ، لذا فإن هناك منظاراً قانونياً يحكم الآيات بالآيات ، أو أن يعطي تعادلاً للآيات ، فتحتفظ كل آيةٍ باستقلاليتها ، وهذا ما سوف ندعوه بــــ( ميزان تعادل الآيات ) ، الذي سنتناوله في مطلب خاص ، فمثلاً قوله تعالى : -
    (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ﴿٥٣﴾ الزمر .
    والذي تعادلها الآية في قوله تعالى : -
    (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) ﴿٤٨﴾ النساء .
    ومعامل النص للتعادل بين الآيتين ، جاء في كلمة ( عبادي ) ، فعندما يتكلم الله مع عباده ، فلا داعي أن يذكر الشرك ، كاستثناء من غفرانِ الذنوب ، وهذا جزء من عمل المنظار القانوني للنصوص ،
    وكثيراً هي الآيات التي تكون مبهمة المعنى ، حتى نقرنها بآية أخرى أو حديث للرسول الأعظم ، فحين توصلنا من البحث إلى أن الوقت المعلوم يقع في اليوم الموعود بظهور خليفة الله ( يوم الوقت المعلوم ) ، فكيف يكون هناك من وقتٍ معلوم ، وهناك ما يشير بلعن من يحاول أن يوقّت ويحدّد يوم الظهور ، وبالبحث عن مزايا الظهور ، نكشف ما يؤكد أن الوقت المعلوم ، هو أول ما يقع من اليوم الموعود ، فالوقت المعلوم ، هو الوقت الذي نرى فيه علامات الظهور ، أي إن المعلوم يعني ما يشتمل عليه من علامات ، وما عُرّف به من علامات ، وهذا يعني
    أن الوقت المعلوم ليس هو الوقت المحدد ، بل ما عرفه الخلق بعلامات تخصهُ
    ، وحين نقول : دُلّني على مكاناً معلوماً ، أي معروفاً أو معرّفاً بعلامات واشارات تميّزهُ من باقي الأماكن ، ( راجع علامات الظهور ما قبل علامات الظهور لاحقاً ) .
    أما بعد ، فلِمَ تراني أتكلم بالجمع ولا أشير لنفسي بأنا وإنني في كلمتي هذه ، وكل ما سنطرحه في بحثنا هذا ،
    ( ما نراه في خليفة الله ) ، كان هذا هو العنوان المختار لهذا المصنف ، وما زال على ما هو عليه ، ولكن من ناحية الكاتب لا من ناحية الكتاب ، أي إنني سأكتب ما تراه أنت أيها القارئ العزيز ، وما أراه معك ، لذا سأشير بنحن وإننا ، بدل أنا وإنني ، لأن القارئ الذي يصل لإحساس المؤلف ، ويؤمن بفكرته ، سوف يصل لإثباتها وتطويرها ، أكثر ممن هو داخل حدود الأسطر والكلمات ، ويختصر بحثه في مجالٍ أو مجالين من العلوم ، ومن قال إني المكتشف الأول لكل ما سيُطرح من أفكار ، فكم من باحثٍ يكتشف أمراً ، قد أراني وغيري عرفناه وكشفناه قبلهُ ، لولا أنهُ ارتقى للإعلان عنهُ قبلنا ، لذا فأنا على يقين إن ما سأطرحه قد يكون في فكر الكثير من القارئين ، وعليه قررتُ ألّا أصادرَ حقّ القارئ وأجعلهُ معي ، كاشفاً لكل الحقائق التي سنقف عليها ، ونلج أغوارها ، ولولا مسؤولية النشر والتأليف لكتبتُ اسم المؤلِّف (كل من يؤمن بما جاء في الكتاب) ، كذلك فإن الأفكار التي أدعي التوصل لها ، لم أكن لأصلها إلا عن طريق علماءٍ أكفّاءٍ ، أشرقت آفاق الفكر بما كتبوهُ ونشروهُ ، وما بحثوا فيهِ من علومِ القرآن والكتب السّماويّة السّابقة ، فمهّدوا لمن خلفهم أنواراً وإشراقاً في كل دربٍ سلكوهُ ، وهذا على الخلاف من الفكر والمذهب النمطي ، الذين عبدوا الله بوصفه شخصية خيالية مبهمة ، عليك ألّا تسأل كيف ومَنْ يمثلهُ ، فهم لا يؤمنون إلا بما تراه أعينهم ، لا ما تراه عقولهم ، لذا ولهذه اللحظة ، يؤمنون أن الأرض قطعة منبسطة ، تقابل سماوات متراكمة على بعضها بعضاً ، وعند القمّة ، هناك عرش محمول بقوائمٍ ، يتحرك وله أطيط ، وفي الوقت نفسه يحمل العرش أربعة ملائكة ، أحدهم له وجه رِجل ، والبقية بأوجهٍ لحيوانات مختلفة ، ، وفوق العرش هناك كرسي يمثّل موضع قدمي الرب ، حتى نرى المشهد وكأننا حاشا لله أمام (سيرك) وعفوا لله على ما افترته خيالاتهم ﴿١٢﴾ ، هؤلاء نفر من أهل الكتاب ، ومن بعض المسلمين ، الذين صادقوا وصدّقوا بما ورثوه ، ممن اعتقدوا أنه الأولى بالحديث باسم الله وباسم أنبيائه وكتبه ،
    جاء في الحديث : إنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة أخرى ، فكانوا ثمانية على صورة الأوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء

    .................................................. .................................................

    ﴿١٢﴾ - جاء في تفسير البغوي لهذه الآية ص [٥٦٧] ، اين ذكر الجزء .



    ، ( أضافوا أربعة ليجمعوا بين رواية كعب الأحبار التي يقول فيها إنهم أربعة ، والآية التي جاءت (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) ﴿١٧﴾ الحاقة ،
    وجــاء في الحديث : لكل ملك منهم وجه ورجل ووجه أســــد ووجه ثور ووجـــــه نسر
    ، ولم يأتِ بأي ســــــندٍ للأحـــــــاديث المــــــــذكورة ، وجــــــاءت مــــــنكرة بعبارة ( وجاء في الحديث ) ، ثم انتقل لروايةٍ عن الرسول إذ مرّت سحابة فأخبرهم عن عظم وقدر
    ملكوت السماء ، لكن الرواية لا تمت بصلة إلى أوجه الملائكة ولا عددهم ، ولا ما يحملون ، ولكن لم يفته أن يحشر بين أسطر الحديث عبارة وضعها بين قوسين ، وهذا نص الرواية ﴿١٣﴾ : -
    (( خبَّرنا أبو بكر بن الهيثم التُرابي ، أخبرنا أبو الفضل مُحمد بن الحسين الحدادي ، أخبَرنا مُحمد بن يحيى الخالدي ، أخْبَرنا إسحاق بن إبراهيم [ الحنظلي ] ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا يحيى بن العلاء ، عن عمه شعيب بن خالد ، حدثنا بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن العباس بن عبد المطلب قال : كُنَّا جُلُوساً عند النبي -ص وآله- بالبطحاء فمرَّتْ سحابةٌ فقال النبي ـ ص وآله- : أتدرونَ ما هذا ؟ قُلنا السحاب ،
    قال والمُزن ؟ قُلنا والمُزن ، قال : والعِنان ؟ فَسَكتْنا فقال : هل تدرون كم بين السماء والأرض ؟ قُلنا الله ورسوله أعْلم ، قال : بينهما مسيرة خمسُمائة سنة ، وبين كل سماءٍ إلى سماءٍ مسيرة خمسمائة سنة ، وكذلك غُلظ كلّ سماءٍ خمسمائة
    سنة ، وفوق السماء السابعة بحر بين أعلاهُ وأسفله كما بين السماء والأرض [ ثم بين ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين السماء والأرض ] ، ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك ، ليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء )) ، ويبدو أن قــــــــصة (بابا نويل) ﴿١٤﴾ ،
    مستوحاة من هذه الرواية (حاشا لله) ، المَكذُوْبَة ، ولا نعرف سبب ايراد العبارة الخاصة بالأوعال الثمانية بين قوسين ، وفي وسط حديث الرسول ، فكما يبدو أنَّهُ نسي ما ذكره في الحديث المنسوب للرسول (أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء) ، لأنَّهُ في الحديث المتقدم ، ذكر بين أظلافهن وركبهن كما بين السماء والأرض .
    .................................................. .................................................

    ﴿١٣﴾ - تحفة الأحــوذي / باب تفسير ســورة الحاقة / الجزء {٩} ص[١٦٤] .
    Santa Claus -﴿١٤﴾
    - تعود قصته للشاعر الأمريكي كلاك موريس الذي صورها من خلال قصيدة له بعنوان (الليل التي قبل عيد الميلاد) ، والتي وصف بها رجل بلحية بيضاء يجوب السماء .


    = يعلم الله إن جبيني يتصبب عرقاً ، كلما اطلعتُ على مثل هذه الأحاديث المنسوبة للرسول الأعظم ظلماً وبهتاناً ،
    ومن المؤكد أن الراوي قصدت بالأوعال الثمانية ما جاء بقوله تعالى عمن سيحمل
    العرش ، فإذا كان العــــــــــــــرش على ثمانية منذ الآن ، فما الداعي : لــ(يومئذ) في النص
    ، إلّا ليبين الله ويكشف عن حدث عظيم قادم ، وأين حديث الرسول آنف الذكر : (إنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة أخرى ، فكانوا ثمانية) ، أضف لذلك أن الراوي ، لا يعلم أن طبيعة الأوعال سحب الأثقال ، إذ لا تحملها كما يحملها الجمل ، وأخرجه الترمذي ، قال إن الحديث (حسن غريب) ﴿١٥﴾ ،
    وطبعا قصد بــ(حسن غريب - تقييم الحديث ، وكنت أتمنى أن يكون حسن غريب هو اسم مؤلف هذا الحديث ، ونسبوه خطأ للرسول الأعظم -ص وآله- ) .
    وإذا ما أهدر البخاري آلاف من الأحاديث ، التي رأى أنها موضوعة ، فعلام اِحتفاظهم بمثل هذه الأحاديث التي يعترفون بأنها غريبة ، إذ يتعاملون مع بعض
    الروايات والمفاهيم والفتاوى ، معاملتهم للأنتيكات ، والتحف التأريخية ، بالرغم
    من أنهم على علم أنها جاءت عن طريق كعب الأحبار ، وسبق أن ذكرنا (ك ،ك) أن كعباً لا يشترط أن نتهمه بالتدليس ، ومحاولة ادخال الروايات اليهودية لتشويه الإسلام ، بل يكفينا الإشارة إلى أنه من ضمن المُغرَّر بهم ، بما ورثه من تركةٍ مزيفة ، عن آبائه وأجداده ، وإنه لو كان عالماً بالروايات لاعتنق المسيحية ، قبل أن يأتي الإسلام ، ولم يبقَ على اليهودية ، فبقاؤه يؤكد أنه يؤمن بالروايات المُزيّفة ، وآيات التوراة المُحرّفة ، مع ذلك فإيمانه ونقله لتلك الروايات ، لدليل على أنه محدود الفكر ضيق الرؤى ، وهذه خصال الفكر النمطي ، ولو كان عالماً بالروايات حقاً ،
    لقَبَلَهُ الرسول في الدولة الإسلامية ، حتَّى وإن لم يكن مُعلناً لإسلامه ، لكنَّهُ لم يقدِم للمــــــدينة إلا في خلافة عمر بن الخطاب ﴿١٦﴾ ، فانتعـــــــشت تجارته ، حيث
    تحدَّث عمّا لا يعلمه رجــــال الدين الإســـلامي ، بعد فقد الرسول الأعظم - راجع ما ذكرناه عن قضية مناداة مـــريم يا أخت هـــارون (ك ،ك) ،
    لهذا فإننا نقول إن الفكر النمطي ، لا ينتمي لمذهبٍ أو ديانة معينة ، إنما هم جماعــــــة تفرقوا وانتشروا بذات العــــــقل وبذات القلوب ، كما أنَّـــــهم فرضوا أنفسهم
    .................................................. ................................................
    ﴿١٥﴾ - الترمذي في تفسير سورة الحاقة [ ٩ / ٢٣٤ ] .
    ﴿١٦﴾ - الأعلام – خير الدين الزركلي – ج {٥} - ص [٢٢٨] - [٦] .



    بوصفهم حُماة للدين ، وممثِّلين لسُنَّة الأنبياء والمرسلين ، فأمّا أنْ نؤمن بما ظنُّوه
    من تفسير أو حددوه من تقدير ، أو أن نكون من الملحدين أو المهرطقين ، وهناك
    من لا ننتمي له ، ولا يروم رُبَّما أن يكون متحاملاً علينا ، لكنه تاه في عالمٍ من الخيالات ، وتركيبٍ للمصطلحات ، التي رأى فيها إنقاذاً لموقفه ، وتنظيماً لأضغاثه المتناوشة من هنا وهناك ، وخلاصاً من أن يخوض في آيات الله بعلمية أو حتى نمطية ، عمّر صومعة لفلسفة جديدة ،
    ألا وهم جماعة العرفان والتصوف ، وكلّ اشكال تيه الوجدان والمشاعر ، والمونولوج الديني ، والحديث الـــوهــمي مع الغيبيات ، والتفاعل المصطنع مع الله ـجل وعلا- ، باخـــتلاق فـــــــرضيات أو نظريات هجينة على الدين ، أودتْ بالمُـــــحصلة إلى
    ابتعادهم عن الله إلى ملكوت الوهم ، فلم يتعامل الله مع أنبيائه ولا الأنبياء مع أممهم ، بتلك الهلاوس والفرضيات الخرافية ، ومهمها اختلفت تسميتهم وما وضعوا لهم من أساسيات مفبركة ، فهم جميعاً ينطلقون من منطلق واحد ، ألا وهو التأرجح بالمفردات والالتفاف حول النصوص القرآنية ، والمفاهيم الدينية ، ليجدوا لأنفسهم مساحة في أنظار من حولهم ، إذ إن قواعدهم قواعد عائمة ، تعتمد الخروج عن الوعي إلى اللاوعي ، كما يفعل الشعراء ، وحقاً إنه لمذهبٍ لشعراء الدين ، إذ نجد أن معظم مؤسسي وزعماء تلك المدارس من كتبة الشعر ، ورواد الفلسفة على اختلاف أشكالها ، كالبهائي والميرداماد ﴿١٧﴾ وقطب الدين الأشكوري وأحمد السفرجلاني ﴿١٨﴾ ، وأمير خسرو ، وأبن باكويه وابن الفارض وإسماعيل الصفوي ، وقائمة تطول حتى تكاد تجمع المتصوفة بلا استثناء ، وخلاصة الحديث عنهم هو : إنه تعالى لو كتب علينا مثل ما يدعوه من التصوف ، لوجدناه في منهج الأنبياء ، فهم كقوله تعالى : -
    (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) ﴿٢٧﴾ الحديد .
    .................................................. .................................................
    ﴿١٧﴾ - روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ، ميرزا محمد باقر موسوي الخونساري ، ج {٢} ، ص [٦٥] .

    ﴿١٨﴾ - إميل يعقوب --- في معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة --- المجلد الأول ( الطبعة الأولى ) بيروت / [٨٧] .


    التكملة في المشاركة القادمة
    التعديل الأخير تم بواسطة علاء الصائغ; الساعة 09-02-2022, 10:00 PM.

    تعليق


    • #3
      تكملة كلمة الكاتب

      == ففي أي آية ، وفي أي منهجٍ من مناهج الأنبياء وأقوالهم وما نقل عنهم من رواياتٍ وأحاديث ، وما بينوه لنا من العلم والحكمة ، جاء استنتاجهم بأن الله أراد لنا أن
      نعشقه ، بالكيفية التي تحدثوا عنها ، وأن نتوصّل إلى الاتصال بالسماء بالمنولوج والحديث مع النفس ، وما يسمونها بالتجلّيات ، والفيض الربّانيّ ،
      إلا إذا كان هدفهم هو ابعاد الناس عن سبل الله ، التي أرادها لعباده ، بعد أن أوصاهم بالمودّة للرسول وآل بيته الكرام ،
      فحبُّ الله وطرق التعبير عن حبّهِ ، ومودّة من يودّهم الله ، وطرق التقرب إليهم ، يأتي بالعمل على منهجهم الحق ، ولا يمكن الوصول إليه بحلقة ذكر ، أو أناشيد الدروشة ، وبعد ....
      فإن كل ما سنكتبه ، سيكتبه معنا كل من يقرأ ويؤمن موقعاً ، ولو بالأحرف الأولى ، على أيّ فكرة ستطرح في هذا الكتاب ، ولأنَّنا نؤمن بعظمة الآيات السّماويّة ، فعلينا أن نؤمن أنها كنوز وذخائر لكلِّ العلوم ، وإنها لا تموت بمرور الزمن ، بل تتجدّد وتتعدّد نتاجاتها العلمية ، فالعلم الذي حاربه الكثير ممن يسندون لبعضهم صفات الأئمة الهداة ، هو ما وضعه الله تعالى في خلق السماوات والأرض ، وهو
      الميزان ، ذلك الميزان الذي ظنوه أنه ميزاناً للفواكه والخضروات ، وهو كذلك العلم الذي جعل المليارات من الكواكب والنجوم ، تسير بأجمعها في أفلاكٍ منتظمة ، والعلم الذي أوصلنا إلى ما سيعدّه أجدادنا ، معاجز سماويّة ، لو أنهم عادوا للحياة في يومنا هذا ، فالمسيح الذي كان يعلم ما يدّخر قومهُ ، أصبح الجميع اليوم يرون ما يحدث في أقصى الأرض وهم في أدناها ،
      وهذا ما أرادهُ الله لنا ، من أن نؤمن به ، وبما أتانا إياه من منّة العقل ، لذا نفهم أن التطور في حب الله -تبارك وتعالى- ، هو الإيمان به على وفق ميزان عدله وقوانين خلقه ، لا على وفق المعجزات التي جاء بها الأنبياء ، فتلك المعجزات جاءت لإثبات نبوتهم ، ومعرفتهم من غيرهم ، مِنَ الذين قد يدّعون النبوة بالباطل ، لا لإثبات وجود الله ، لكننا آمنا بالأسباب أشد من إيماننا بمن سبّبها ، ولهذا لم يؤمن بنو إسرائيل بنبي الله عيسى ، لأنه لم يأتِ بالمعجزات التي أتى بها نبي الله موسى ،
      وكذلك فعل أهل الكتاب من اليهود والمسيح مع النبي محمد -ص وآله- ، بالمقابل فقد كره المسلمون أو امتعضوا من تلك المعاجز ، حتى أنهم حرّموا الايقونات التي تذكّر أهل الكتاب بأنبيائهم ، كالصليب ونجمة داوود والصليب المسجى برداء النبي يحيى ، وهو ما يحمله الصابئة المندائيون ،
      وأن نؤمن بالغيب ، فالغيب ليس ما فهمه بعضهم على أنه المبهم ، إنما ما يغيب عن ادراكنا بالحواس الجسدية ، ويمكننا أن ندركه بحواسنا الفكرية ، لذا فإن من يؤمن بالغيب على أنه حالة علمية بحته ، وهو الميزان الذي وضعه الله وحكم به السماوات والأرض ، سيكون الغيب لديه حاضراً كالحقيقة واليقين ،
      وفي المنظار العلمي والقانوني ، سنجد كما مرّ بنا ، أن قوله تعالى : -
      (الرَّحْمَنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) أي وضع فيه العلامات والإشارات ليوصلنا إلى حيث نرى الغيب في كل ما خلق الله ، وفي كل من خلق ، لنصل اليقين ، حتى لا نطلب من بعده ، يقيناً أبداً ، فقد علّم القرآن ، قبل خلق
      الإنسان ، ثم أعطى للإنسان ، مفاتيح هذه العلوم والعلامات ، عن طريق تعلمه البيان ، فقد فطرنا الله على تعلّم البيان ، ما لم تبعدنا الحياة عن ذلك ، والأصدق ما لم نبتعد بحياتنا عن ذلك ،
      أمّا من يعتقد أن الغيب هو مجرد إيمان بأمور مبهمة ، فسيناجي ويدعو إلهاً يجهله ويجهل كُنهَهُ ، وبذلك يكون اتصاله به اتصالاً بالمجهول ،
      ونسي الجميع بأن المعاجز الإلهية ، جاءت لخللٍ في فهم بني آدم للدين ، في تلك الأزمنة الغابرة ، وينبغي أن يكون النبي محمد -ص وآله- ، قد أثبت ما أراده الله من سبلٍ للتواصل معه ومعرفته ، بالفهم والتفقه في الدين ، لا بالخوارق واختراق الأسس العلمية والمادية التي أحكمها الله تعالى ،
      فالأسس العلمية هي الخوارق التي خلقها الله ، وكون البحر لا ينفلق بالعصى ، من الخوارق التي أحكمها الله ، أمّا إنه ينفلق بالعصى ، فهذا هو أمر شاذ ، جاء استثناءً مما أحكم من موازين ، وكون الإنسان لا يستطيع أن يخلق طيراً وينفخ فيه ليكون طيراً ، فهذه القاعدة هي من القواعد التي أحكمها الله كذلك ، لكننا ولسوء فهمنا ، تركنا المعاجز الحقيقية لله ، وتمسكنا بالشاذ والطارئ ، وترى بعض السُّذّج لا يرون ما أبدع الله تعالى ،
      كخلق الملايين من أصناف النبات والحيوان ، بل يرون كيف تحولت العصى لأفعى ، وكأن قوة الله تكمن في هذه المعاجز ، لا بالأسس والقواعد التي نظّمت حياتنا ، حتى الجنة التي نعدها من الغيبيات ، فعلينا اعتبارها حاضرة أمامنا ،
      وعلينا أن نقول ( من هنا تبدأ الجنة ) وعلينا ألّا نخرج منها ، كما بين لنا الله ذلك (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ) ﴿٢٧﴾ الأعراف .

      والشجرة ما زالت موجودة ، وما زال الشيطان يوسوس لنا ، ويغوينا بالملك والخلـــــــود لنقربها ، ومـــــــــن يقربها الآن ، سيسكن الجحيم ، وتتشبث عيناه بملذات الحياة ،
      وما إن يموت سيرى المكان الذي كانَ قلبهُ فيه من الجحيم ، ومن يمنَع النفسَ عن الهوى ، ولا يستكبر عن طاعةِ الله ، فسوف يدخل قلبه الجنة ويسكنها حتى تلتقي عينه بها ،
      ومن هُنا ندخل ( جمهورية النبأ العظيم ) ، ومن هُنا يبدأ ( التطور والرقي نحو السماء ) ، وإن أسمى الأهداف التي نروم تحقيقها هنا ، هو حث الكاتب والباحث الأكاديمي ، على تناول البحث عن دولة الخلافة السامية ، بعيداً عن فلسفة افلاطون ، في إنشاء الدولة السعيدة ،
      وبعيداً عن التقيّد بالأحاديث والمرويّات ، لا انكاراً لها ، لا سامح الله ، ولكن فقهاء الدين قد اوسعوها بحثا ودراسة وتكراراً ، حتَّى لنجد تشابه الكتب والبحوث ، إلى الدرجة التي أصبحت فيها مُملّة ،
      وهذا لا يعني أن مجرّد قدمها والبقاء على منهاجها يجعلنا عازفين عنها ، بل إنَّهُ دورنا الذي تركناهُ مُنذُ عهد تلك الروايات ، فكما للنصوص القرآنية مَناظِر في العلوم المُختلفة ، فلتلك الروايات أيضاً مَناظِر في تلكُم العلوم ،
      لكنَّنا جعلناها من نصيب فئة معينة وفي ضمن تخصصٍ واحد ، والروايات هي آيات لا تنفصل عن آيات القرآن ، متى ما لم ينفصل مفهومها عن مفهوم القرآن ، وهذا ما جرى في مختلف الأديان السّماويّة ، والمذاهب المتفرعة من تلك الأديان ، ولأسباب متعددة ستمرّ بنا ، كان أهمها إرضاء الأمراء واستمالة الحكام ، حتى نُسبتْ للرسول الكريم مـــــئات الأحاديث المكذوبة ، وإن تعارضـــــــت صــــــراحة مع النصوص القرآنية وأحكامها ،
      وبعد ....
      فقد كانت تجربة كتاب (الإسلام على جرفٍ هارٍ) من حيث قلة الصفحات وغزارة المعلومات ، تجربة ناجحة لتدفع بالقارئ للاطلاع دون ملل ، بدل الحشو بتكرار الآيات والمصادر المتشابه ،
      لكننا لا ننكر أن التلخيص قد أحدث بعض اللبس ، في فهم المراد لبعض فقرات المطالب ،
      لذا وجب تكرار بعضها وتوضيح كل لبسٍ نتج عن التلخيص الشديد ، الذي اعتمدناه في الكتاب الثاني ،
      ومن رجال دين حاربوه ، ابتداءً من العنوان حتى خاتمته ، إلى رجال دين تقبلوهُ بكل صدر رحب ، لا بل واسّسوا قواعداً ومفاهيم على ما تم طرحه ،
      ويعد الشيخ غسان العتابي ﴿١٩﴾ ، الرائد لحركة التقبل للغير ، لا مجرد الصراخ بالتغيير ، أي إنه يعطي مساحة للرأي ، حتى وإن كان ذلك الرأي خارجاً عن ساحة آرائه ، ولا يقسم الأفق على قسمين ( المقبول والمرفوض ) ، كما اعتاد الجميع ،
      بل إلى ما قلنا عنه (المقبول والمحتمل أن يكون مقبولاً أو مرفوضاً ) ، وهذا ما أثبته العلم ، في فشل الآراء القائلة ، بصحة النظريات والفرضيات بشكل تامٍ ومطلق وعلى مر الزمان ، إذ انهارت النظرية النسبية لإنشتاين امام ميكانــــيكا الكم
      ، ونقصد هنا علوم القرآن لا أحكامه ، وعبارة ( أختلف أهل التأويل ) ، التي نجدها في تفسير معظم الآيات القرآنية ، والتي جاءت في معظم كتب المفسرين ، لدليل على وجود مساحة لكل الآراء المعقولة والمقبولة ، والدليل على أن أهل التفسير والتأويل ، ليسوا أنبياءً ولا أوصياء ، ولا ينتمون لمدرسة النبوة ، لأن مدرسة النبوة ، ليس فيها من اختلافٍ في تأويل آية قط ، لذلك فمن المفترض تقبل الآراء المختلفة ، مثلما تقبّلنا السلف بآرائهم المختلفة ، بالرغم من تعارض الكثير منها مع بعضها بعضاً ، راجع ( أطروحة النقد الوظيفي لاحقاً ، للوقوف على أمثلة كثيرة ووفيرة حول اختلاف أهل التفسير والتأويل ) ،
      فلماذا يرفض النمطية من السلف كل رأي ، قد يطابق مفهوم الآيات ، أكثر مما توصلوا له ، وخير مما جاء في بعض التفاسير ، كتفسير ابن كثير والطبري والقرطبي والبغوي والسعدي وغيرهم ، والذين سمَّيناهم بجملتهم (التفاسير الخمسة) ، ولا نقول ما خلا الصحابة والتابعين ، لأننا نعني موسوعة الفهم الزماني ، فلا يختلف اثنان على أن علوم القرآن ، تسبق علوم السابقين ، بآلاف وآلاف السنين ،
      وأخيراً ، فإن المنظار القانوني سيكشف لنا دولة الخلافة الإلهية ، بكل مفرداتها ، وعلينا ترك الاعتقاد بأنها دولة الخوارق السّماويّة ، والآيات الاعجازيّة ، وإن كانت
      تلك الأمور ستحدث وتتحقق بالفعل ، لكن دولة الخلافة أقرب للنظام والأساس العلمي والواقعي منه للخوارق والقوى السّماويّة ، ودراسة نظام الحكم والسلطات العليا فيها ، لن يختلف عن دراســـــتنا لنظام الحــــــكم في بقية دول العـــالم ، حتى في
      .................................................. .................................................
      ﴿١٩﴾ - الشيخ غسان العتابي : ماجستير في الفقه ، وأستاذ أكاديمي في جامعة المصطفى .


      اصدار القوانين المقننة واللوائح التنظيمية لمؤسساتها ، والأمر لن يخلو من فوارق واختلافات في تلك القوانين والأنظمة ، بما ينسجم مع الشريعة السماوية ليس إلّا
      = وعن سبب اختيارنا لجمهورية النبأ العظيم عنواناً لهذا الكتاب ، فهو أننا وجدنا ، أن دولة الخلافة ذات نظام جمهوري ، كما سنبحث في ذلك ، وعن تسمية الجمهورية بالنبأ العظيم ، فهو بالتأكيد إشارة لما ننتظره من نبأ عظيم ، وما ستكون عليه حكومة الخليفة من نبأ عظيم يهز اسماع العالم ،
      ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴿١٠٢﴾ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ) هود .
      وحيث أننا سنبحث في أن يوم الظهور هو ما تحدثت عنه آيات كثيرة ، منها الآية أعلاه ، وحيث ظن الكثير أن الحديث هنا وفي مواضع أخرى يشير إلى يوم القيامة ، إذ أخفى الباري -عزوجل- أسرار يوم الظهور ، في حديثه عن يوم القيامة ، والسبب في ذلك ما ذكرناه في أسباب غموض النصوص القرآنية ، فلماذا لم نعنون هذا المصنف بجمهورية يوم الظهور ، أو جمهورية اليوم المشهود أو الأجل المعدود أو جمهورية يوم الخروج ،
      والجواب : هو في أن هذه الأسماء تشرح نفسها بنفسها ، أمّا النبأ العظيم فلهُ قيمة قائمة بذاتها ، وإن كان متصلاً بيوم الظهور اتصالاً وثيقاً ، لكن الحديث عنه يكشف لنا الكثير مما حرّفه أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وأخفاه أهل التأويل من المسلمين ، لذا فإن الحديث عن النبأ العظيم قد يحتمل أكثر من جزء واحد ، كــــما أن هـــناك رواية شيعية بهذا الشأن ، سنتناولها بالبحث في الأجـــزاء القــــادم ،
      المهم أن نذكر بأن جمهورية النبأ العظيم ومن حيث الحدث الزماني ، هي الجمهورية التي ستتأسس في اليوم الآخر ،
      لأننا نعتقد بأن اليوم الآخر ، هو اسم من أسماء يوم الظهور ، لقوله تعالى : -
      ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ﴿٥﴾ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴿٦﴾ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُئُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ) الإسراء .
      هذه آية من الآيات التي يشير لنا بها الله ، إلى أن يوم الظهور جاء بأسماء مرادفة لأسماء يوم القيامة ، ولأنه بالفعل يوم لا ينفصل عن يوم القيامة ، وتكراراً نقول ، إنه تعالى بمكره الذي سبق مكر المشركين ، أخفى عيسى بمريم -عليهما السلام- ، ثم أخفاه بأن لم يجعل لمريم من زوج (كما سيأتينا الحديث) ، وأخفى نبي الله موسى ، بأن تربى في بيت فرعون ، كذا أخفى الكثير من مفردات القرآن ، ليحفظهُ من أيدي أعدائه والمنافقين ، ممن تسللوا للدين للقضاء عليه ، ومن هنا سيدهشك أن تقرأ القرآن مرّة أخرى ، لتتمعن بالإشارات التي جاءت تتحدث عن يوم الظهور
      ، ولكن بمعاني مختلفة ، كالسّاعة ويوم الدين ويوم القيامَة ويوم الحساب ويومئذٍ ويوم الأشهاد ، بل حتى في الكثير مما جاء بعد مفردة ( يوم ) ، وسنطوف باحثين عن الكثير مما ذُكر ، غير أن ما يخص اليوم الآخر ، سنشهده في الجزء الثاني ، وستجد معنا متعة البحث عن دولة الخليفة ، ومتعة الدخول إليها ، ومتعة أشد في العمل بها ، منذ هذه اللحظات التي تقرأ بها المصنّف ،
      فلا تأخذك الغفلة لتعتقد ، أن المواقف المشرفة وليدة اللحظة ، وما فعله بعض الصحابة من فداء للرسول والإيمان المطلق به ، وطاعته بكل ما أمر به ، كل ذلك لم يكن إلا عن طهارة في العقل والبدن ، وعن حبٍ استوطنهم للعدل والوحدانية بالله ، ونبذ الآثام والنجاسات ،
      وما ذكرهُ الشيعة من مواقفٍ جرت في (واقعة كربلاء) ، كموقفٍ للحر الرياحي ، إذ يسمع نداءً من السماء يُبشّرهُ بالجنّة ، وهــــــو يتبَع كــــــــوكـــــــــبة الحُـــــــــسين -ع- ، بأمر من
      عبيد الله بن زياد ، إذ كان من أمراء الجيش الأموي ، لكنه لم يفهم النداء كما يفهم النمطية ﴿٢٠﴾ ، ويعتقد أن موقفه سيُدخلهُ الجنّة ، بل قال مُــــــتحدثاً مـــع نفسه ،
      ثكلت الحر أمّهُ .. أيخرج لقتال ابن رسول الله ويُبشّر بالجنّة ؟ ،
      فأختار الجنة حقاً ، بأن كان أول من استشهد بين يدي الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهما السلام- ﴿٢١﴾ ،
      فهل علمتَ سيدي ، كيف ستدخلك الكلمة التي تقرأها ، أو تقولها ، أو تبحث عنها ، دولة الخليفة ، وأنت بقراءة هذا الكتاب وغيرهُ من الكتب ، التي تتحدث عن أيام الله ، تلك الأيام التي سينصر الله فيها رسله من الأولّين والآخرين ، فإنَّك مـــــــن هــــــنا ترسمُ أوّلَ خطوة لدولة الخـــلافة ، وبات فيك ما يدعوك لنصرتها ، يوم
      .................................................. .................................................
      ﴿٢٠﴾ - البلاذري ج {٢} ص [٤٧٢] ، الطبري الجزء {٥} ص [٤٠٠] ، الشـــيخ المفيد ج {٢} ص [٦٩] .
      ﴿٢١﴾ - بحار الأنوار - العلامة المجلسي – ج {٤٤} – الصفحة [٣١٤] .


      إعلانها ، ومن ههنا تبشّر بنصرة الخليفة ، ومن ههنا ستبحث عن وظيفتك ودورك الفعّال في حكومته ، فلا تقف عند حدٍ ، ولا يخذلك عزمك من أن تجد الكلمة التي تمنحك الموقــــف المشــــــرف ، وهـــذا ما قاله تعالى ، وغفل عنه عباده ، إذ قال
      سبحانه وتعالى : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) .
      أي إنَّه مــــــوجود منذ أن خـــلقَ الأرض ، ومن يبحث عنه حقاً سيجده حــــــقاً ، لذلك
      اخــــتلف ميزان الكلمة عن مــــيزان الصــــدقات ، فالصدقة تعامل مـــــعها الله بالــــعدد ،
      ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ﴿٢٦١﴾ البقرة .
      أما الكلمة الطيبة ، فتعامل معها بالأمد ، فللصدقة أعداد مضاعفة ، أمّا للكلمة فأمد طويل وبعيد ، كالعلم الذي ينفع والصدقة الجارية والابن الصالح الذي يدعو
      لك ، إذ قال تعالى : -
      ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) ﴿٢٤﴾ إبراهيم .
      لذا فالكلمة هي من ستستفز فيك الموقف ، ذلك الموقف الذي ستتهيأ له وأنتَ تقرأ هذا الكتاب وغيره باحثاً عن صاحب الأمر ، والذي ستصل إليه أشواق جنديٍ يبحث عن قائده ، ليوقّع قرار تعيينك ،
      فمن أهم الإشارات التي أبلغنا الله بها ، قوله تعالى : -
      ( هَــلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَــــلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) ﴿١٥٨﴾ الإنعام .
      وحذارِ من الاعتقاد أن هناكَ مَنْ سيؤمن ولا ينفعُ إيمانهُ ، فالآية جاءت بمعنى لا ينفع نفساً إيمانها (لو أنَّها آمنت) ، لذا قال سُــــــبحانه أو كــسبت في إيمانها خيراً ، فلو أنَّهم حقَّاً سيؤمنون لمجرد رؤية معجزة سماويّة ، فلا داعي للروايات القائلة ، والتي نقلتها كل الفرق الإسلامية ، لحرب المهدي في مختلف بقاع العالم ،
      أمّا ادعاءهم ، بأن الآية جاءت للحديث عن يوم القيامة ، فهؤلاء لا يهمهم أن تتضارب مفاهيم الآيات لدينا ، من أن يقروا بالحقائق ، خوفاً من نصرة الرأي الشيعي مثلاً حول الحديث عن الإمام القائم ، فأي تفاسيرهم لقوله تعالى : -
      ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) ﴿٢﴾ الحج .

      فأين الذهول من حلول علامات مخُوّفة ، من القدرة على الإيمان لظهور معجزة سماويَّة ، ستؤكد ما جاء به الأنبياء من قبل ، من أيام عدل الله ، وأين رؤية الناس وكأنَّهم سُكارى ، من رؤيتهم يؤمنون بما جاء من معجزة ، وآيات كثيرة في هذا الصدد ، كقوله تعالى : -
      ( فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴿٣٣﴾ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿٣٤﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿٣٥﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) عبس .
      أمّا قوله تعالى ( لم تكن آمنت من قبل ) فالإيمان حالة تستدعي استقرار النفس وثبوت العقل ، سواء صح القول ، بوجود من يؤمن ، أو كان الحديث عن عظيم الندم الذي سيحل بمن كان يشاقق في آيات الله -جل جلاله- ،
      وسنخلص للقول ، إن المشار له بالإيمان ، هو الإيمان بظهور الخليفة ، راجع لاحقاً المطلب الأول ( خليفة أم خلفاء ) ،
      ولمّا كان اليوم الذي تظهر به إحدى آيات الله المؤكدة بظهوره المبارك ، نقول ولمّا كان هذا يوم الحسرة ، على من جادل في الظهور ، وسَخَرَ من قدرة الباري -عزوجل- من أن يحكم الأرض ، بواسطة من أعدهُ الله ، مـــــــــمثلاً ونائباً عنه سُــبحانهُ ،

      وما قضية قوله تعالى ( أو يأتي ربُّك ) فهل يمكن أن نشير بمجيء المسيح عيسى بن مريم ، وقبل أن تنتفض ، لنتذكر قوله تعالى : -
      ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) ﴿٤٢﴾ يوسف .
      قلنا في المطلب الخاص بغموض النصوص القرآنية ، أن الله سبحانه وتعالى ، تكلَّم مع عباده ، بما يفهمون وبما يزعمون ، كقوله تعالى : -
      ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ ) ﴿١٣٦﴾ النساء
      فيعني يا من تدعون بأنكم آمنتم ، آمنوا حقاً ، أو يا أهل الكتاب ، أي يا من تدعون أنَّكم أهل الكتاب ، كونوا حقاً أهلاً للكتاب ، ولا نريد أن نحمل النصَّ القرآني ، على الاحتمال والرأي ، كما حملهُ أهل التفاسير الخمسة ،
      لكننا نريد أن نؤكد ، إن ما جاءت به هذه الآية ، إشارات ورموز ، ولا يمكن التسليم بظاهر القول ، بأنه سبحانه -حاشا- ، سيأتي إلى الأرض ، كما يمكن الجزم ، بأن المعنى أن يأتي ممثل الرب ، بكلِّ دعم السماء ، ويفوَّض لهُ الأمر للحكم باسم الله ، في كل شيء ، أي يأت ممثل الرب ومعه ، كتاب الرب وسلطة الرب وآيات الرب ، دون ذات الرب بالتأكيد ، ورغم إيماننا المطلق بما طرحناه أخيراً ، لكنَّنا نذكر ما تقدم حول نبي الله عيسى ، لأننا نؤمن بجواز ، أن تحمل الآية المقصدين ، ولفئتين مختلفتين ، أي بالمعنى الذي أوردناه ليفهمهُ المسيحي ، وبالمعنى الأخير ليفهم المسلم ذلك ،
      وبعد ... فهي توضح خطورة الإيمان بعد فوات الأوان ، وبعد أن كان الإيمان متاحاً
      ، والأخطر من ذلك ، من آمن به ، لكنهُ لم يجهد ، لتسجيل أيَّ موقفٍ لهُ ، ولم يسعَ لتفعيل علمهُ في عملهِ ، أيّاً كان تخصصه ، ولم يكتسب خيراً لا في سعيه ، ولا في دعوة الناس للإيمان بدولة الخلافة الإلهية ،
      لذا فالدعاء بالظهور المجيد ، وإن كان واجباً ، لكونه دليل حتمي على الإيمان بالظهور ، إلَّا أنَّهُ تعالى يرشدُنا على أنه ، ليس بالأمر الكافي والوافي ، ما دُمتَ قادراً على أن تكتُبَ وتقرأ وتُفكّر وتُخطّط ، حتى تجد عنواناً لوظيفتك القادمة ، ودوراً في مـــهامـــك المقبلة ، وإن كنت تخشاً ألّا تدرك الظهور ، فَـــــــكُن واثقاً من استدعائك ، بالدور الذي رسمته لنفسك في دولة الخلافة ، أو أن يهبك الخليفة ذخائر البقاء ، لإعلاء كلمة الله ، تحت لواء الخلفاء الراشدين ،
      ولم يتركنا الله -عزوجل- في حيرة من أمرنا ، بل لم يترك لنا إشارة إلا وأودعها في آياته ، ولا أي ســــــــــبيلٍ إلا ورسمه في النصوص القرآنية ، فانعــــــم النظر في قــــــــــــوله تعالى : -
      (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) ﴿٦٠﴾ الكهف .
      هكذا شَدَّ موسى -ع- الرِّحال مع صاحبهُ ، ليلتقي بمَنْ طلب أن يُعلِّمهُ الرُّشدَ ، وإن كلّفهُ (حقباً) من حياتهِ ﴿٢٢﴾ ، وهكذا أشار لنا الله -جل جلاله- ، لأجْلِ أن نطلب اللقاء بخليفته ، فإذا ما عزمتَ الرحيل لأيِّ وجهةٍ ، فما عليك إلّا أن يكون من طموحك اللقاء بالخليفة ، فلا شكَّ إنَّك ستلتقيه ، ما دمتَ قد تجهَّزتَ بما يشيّد دولة الخلافة الإلهيّة ، وامتلكتَ العزم لتكون ناصراً لها ، ومناصراً لمنهجها ،
      فإن كنتَ ممَّن لا يسعى لذلك ، فاترُك لغيركَ هذا النداء ، وأسعى لمَا يشدّ اهتماك ، وإن كنت من الساعين ، فعليكَ أن تُبحر مختاراً سفن النَّجاة ، على سفن الهلاك ، ولتبدأ بعد قرارك ، واستنفار عزيمتك :
      ببسم الله الرحمن الرحيم وبالله -جل جلاله- ، وعــليه توكلنا وهـــــو رب العــــــرش العـــظيم .
      .................................................. .................................................


      ﴿٢٢﴾ - الحقبة تقدر بثمانين سنة ، وجاء في تفسير القرطبي (( حقبا بضم الحاء والقاف وهو الدهر ، والجمع أحقاب ، وقد تسكن قافه فيقال حقب ، وهو ثمانون سنة .

      تعليق


      • #4
        المُقَــــــدْمَــــــــــــةُ
        البدَايَةُ حَيْثُ الْمَعاجِز الإلهيّة


        مَاذَا سَأكتبُ في مُقدمَة هَـــذا الكِتاب ، كيْ أدفَـع القارئ لِقِرَاءة مَباحثه كُلّها ، وما ســــــرّ إيماني بأنَّ من يفتَحُ عَينيهِ عَلى الأسْطرِ الأوْلى ، لَنْ يرتوي شَغَفَاً بقِراءته ، حتَّى ينتهي مِنهُ تَمَامَاً ، ذلك لأنّنا سَنكتبُ ما يبحثُ عنهُ الجّميع ، ونطرَحُ أسئلةً رُبَّمَا ظنَنْتَ أنّك ولمجرد أن تُفكّر فيها ، فإن الشّيطان قَد تسلّل لصدرِك ، ذلك الصّدر الذي طالمَا تَقبلَ الروايات عن كُنهِ الله وَتَمَادى باِحتِباسِها ، دون أيِّ نفَحاتٍ من اليَقين ،
        لذلك نقولُ ابتداءً ، فنَحْنُ لَم نكتبْ إلّا ما جالَ في خَاطركَ من أسئلةٍ ، ولم نُجبْ إلّا كما أجاب من أحَبَبْنا ، ممَّن سَبقَنا من أهلِ العلم ، ولكنَّ الفرق يكمُن في النتيجة واستنباطِها ، فقضيّتنا هُنا ، هي قضيّة النظر إلى آياتِ الله ، وما خَلَق ، على أنّهُ خلقَها على أساسٍ عِلمي وميزان عادل ، لا عـــلى أســـاس كُــن فَــيكون ، بالمعنى الذي فَهمهُ نمطية الفكر ، مُذ سَالفِ الأزمَان ،
        كُنْ فَيكون ، تعني كُنْ فَيكون بأحسَن ما يُخْلَقُ فيهِ الخَلْق ، وبالمُدّةِ الّتي تؤهّل الخلقَ أنْ يَصِل ويتكوّن ، بموجب ما أرادَهُ لهُ الله -جل جلاله- أن يتصوّر ، وبأحسن الصّور وأحْسَن الخَلق ، فمَلايين السّنين التي مرّتْ على الارض مرّتْ ، لتتصوّر بالصّورةِ التي أرادها الله ، وهذا معنى كُنْ فَيكون ، وذَاكَ هو ميزان خَلقهِ كما هو مِيزَان عدلهِ ، حيث الوصول إلى منتهى الخَلْق ، الذي لا كمالَ في الخلق من بعده ، كما يكون منتهى العدل ، الذي لا منتهى في العدل من بعده ،
        وهَذا الميزان هو مَا تَحتاجهُ السَّماوات والأرض ، لأجْل أن تَتكوّنا بأحسنِ ما يُمكن أن تتكونا فيهِ ، وبكلّ ما يحتاجهُ الخلق مِنها في العَيش ، إلى الأمَدِ الذي حَدَّدَهُ تعالى لهَا ولهُم ، وملايين السّنوات ورُبَّمَا المِليَارات ، الّتي وصَفَهَا الله بستّةِ أيامٍ ، فهَذه الأيام لم تكُن عَدداً ، بَل كانتْ على شكلِ مَراحِل ، فسُبحانهُ خالقُ الزّمن وجاعلُ الأوقات كُلاً بمِيزَان ، أي إنها خُلقَت بستّةِ مراحِل ، عبّر الله لنا عن كلِّ مَرحلةٍ بيوم ، وهذهِ هي لُغة العرب التي تَناسَاها بعضُهم واغفَلهَا ، ومن يفهم أن كُنْ فَيكون ، تعني الآن واللحْظة ، فهو يبحث عن إلهٍ لا يعلم حتى هو ، كيف خلق
        مخلوقاتهِ ، ومن أي شيء كانتْ وكيف تكوّنتْ ، إذْ حسبهُ أن يقول كن فيكون ،
        أمّا حين نفقهُ عظمة الله ، سنفهم لماذا بيّنَ لنا سبحانهُ ، كيف خَلقَ وكيف فَلقَ ، على الرغم من استحالة فهمنا وتفهّمنا للكثير من أسرار خلقه ، فهو تعالى أجابنا قبل أن نسأل ، وأوضح لنا فيما حدثنا من آيات ، تقديراً لما وهبه لنا من عقول ، ولنعلم أن كل شيء كان بمشيته وضمن اختيارنا ، حتى مخلوقاته التي نظن أن لا إرادة لها ولا عزم : - ( فَـــــقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَـــوْعًا أَوْ كَـــــرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَـــائِعِينَ ) ﴿١١﴾ فصلت .
        فكان اختيارنا المعصية ، وكانت مشيته الرحمة والمغفرة ،
        فحين نسأل : لماذا سخّر الله آلافاً من الملائكة ، في حربٍ واحدةٍ مع المُشركين ، أمَا يكْفي أن يكون هناك من مَلاكٍ واحدٍ ، ليقضي على كلِّ المُشركين لِوحدهِ ، أو بقولٍ واحدٍ منه سبحانه بكُن فيكون ،
        أليس هذا لنَفهم أنَّ حربَ الله لمن عَاداه ، هي حرب تذكير وإفادة ، لا حرب دمارٍ شاملٍ وإبادة ، يفيدهُم بهذه الرّهبة ، أن يكفّوا أيديهم بدلاً عن سَفك الدِّماء وخسارة العِباد ، وبذلك يمتلكون الفُرصَة ، لفهم الدين أكثر ، والإيمان بالله ، وبالشكل الصحيح ، لا أن تُؤمنوا أو تُقتلوا ، وهذا ما نراه في ضيف إبراهيم الخليل
        ( وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ * فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ ) ﴿١٨﴾ – سفر التكوين .
        والقرآن أشار لهم بالقوم ، والقوم في اللغة ، جماعة من الناس ، والجماعة تبدأ بثلاثة أشخاص فما فوق ، ومن قيام إبراهيم بذبح عجلٍ واحدٍ ، وهو المعروف بشدّة كرمهِ ، نتقبل ما ورد في سفر التكوين ، بأنهم كانوا ثلاثة رجال فقط ، أي ثلاثة من الملائكة بهيئة رجال ،
        إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ﴿٢٥﴾ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فقربهُ إليهم قال ألا تَأكلونَ / الذاريات .
        فهؤلاء الثلاثة ، جاءوا لإبراهيم -ع- بعد عودتهم من خسف أربعة قرى ﴿٢٣﴾ ، فكيف يرسل الله -جل جلاله- ثلاثة من الملائكة لخسف قرى كبيرةٍ ، ويُرسِل خمسة آلافٍ من الملائكة المسومين في حرب تكررت عشرات المرات خلال البعثة الشريفة ، ولم يقتل في تلك الحرب ، أكثر من سبعين شخصاً ، أي أكثر من واحدٍ وسبعين ملاكاً ، لكل شخص واحدٍ ،
        .................................................. .................................................
        - قصة قوم لوط – موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسُنة . ﴿٢٣﴾

        ( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) ﴿١٢٥﴾ آل عمران .
        بهذا علينا أن نعي ، أن قوم لوطٍ نزل عليهم العذاب الشامل ، فليس هناك من حاجة لآلافٍ من الملائكة ، كمن يفجر قنبلة نووية .
        ( قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ﴿٣١﴾ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ﴿٣٢﴾ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حجَارَةً مِنْ طِينٍ ﴿٣٣﴾ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ﴿٣٤﴾ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) الذاريات .
        أمّا في الحرب ، فالقضية لم تكن بدافع القتل والفناء أبداً ، وبالتأكيد لم تقتل الملائكة أي شخصٍ من السبعين رجلاً ، الذين قتلوا في الحرب ، على الرغم من أنها حاربتهم جميعاً ، وهذا يعني أن هناك مجموعة من الملائكة ، مُكلّفة بكلِّ شخصٍ في حالةِ الحرب ، هذا الذي يصُبّ الرّعْب في قلب أحدهِم لعَلّهُ يرتدِع ، أو الخوف من الأسر لكي يتراجَع ، وذاك الذي يشككهُ في عدائه لهذا الدين ، وذاك الذي يحبِّبهُ في الحياة ، ويُخيفهُ مِن أن يفقدَ عينيهِ أو يديهِ وما إلى ذلك ، وهذا كلّه من باب الرحمة ، لا من بابِ التعذيب ، وهو ما نعرفه ، من أنه تعالى تسبقُ رحمتهُ غضبهُ ، حتى وإن أعْلنَ الحربَ على من عاداهُ ، كما يعني أن إرهاب عدو الله ، التي جاءت في القرآن ، هي ليستْ كما روّجوا لفهمها ، أولئك المتعطشون للقتل باسم الإسلام ﴿٢٤﴾ ، بل تعني أن يتجهّزوا للعدو بكامل التجهيز ، كي يخاف العدو سَطوتهم ، لعلّهم يكفوا أيديهم ويتراجعوا ،
        (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَـــرِينَ مِــن دُونِهِمْ لَا تَعــْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَـــــا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمونَ) ﴿٦٠﴾ الأنفال .
        ( حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أسامة بن زيد ، عن صالح بن كيسان ، عن رجل من جهينة ، يرفع الحديث إلى رسول الله -ص وآله- ، ألا إنَّ الرمي هو القوة ، ألا إنّ الرمي هو القوة ) ﴿٢٥﴾ .
        لكنه تعالى كان يتحدث عن إعداد الجيش وتسليحه ، لا إلى الفتك ولا البطش ، إذ نرى بوضوح ، بأن النص أشار إلى النفقة ، وهذا يعني التحصين والتسليح ولا
        .................................................. .................................................
        ﴿٢٤﴾ - صفي الرحمن المباركفوري ، الرحيق المختوم (الطبعة الاولى) ، بيروت : دار الهلال ، صفحة [٢٠٣] .
        ﴿٢٥﴾ - تفسير الطبري { ١٦٢٢٤} ، ص [١٨٤] .

        يعني ما ذهبوا إليه ، من فتكٍ وترهيب ، ( ومــــا تنفقوا من شيء في ســـــــــــبيل الله ) ،
        إذ نسي الكثير من المسلمين ، ومُنذ عهدِ الرّسول ليومنا هذا ، إن الكفّار والمشركين ومن خالفوهم في الدين والمذهب ، هُم عباد الله وإن كانوا أعداء منهاجه ، وعليهم هدايتهم قبل القضاء عليهم إن لم يهتدوا ، ولو لم يتعرضوا ، قولاً أو فعلاً للدولة
        الإسلامية وللرسول الكريم ، لتركوا على ما هُم عليه من دين ، ونحن هنا ، لا نريد أن نحطّ من الرأي الآخر ، فتلك سجيتهم التي اعتادوا عليها ، وما كان على كل الذين أسلموا في زمن الرسول محمَّد -ص وآله- أو بعد فَقْده ، أن يفهموا كلّـــــما أراده الله
        بشكل مباشرٍ وسريع ، وأوردنا ﴿ك،ك﴾ ، إن الإنسان جُبل على امكانية الإيمان بما لا يرى أمامَه ، كوجود الله والملائكة وجهنّم والجنّة ، أما أن يؤمِن بخلافِ ما يَراه ، فهذا هو المستحيل بعينه ، أي إن الرسول محمّد -ص وآله- ، كان أهون عليه ، أن يؤمن الكثير الكثير من أمّتهِ ، بما جاء به من أنباء الغيب ، من أن يؤمنوا ، أنَّ الأرض كرويّة ، وهُم يرون بأعينهم أنها مُنبسطة ، فـــــهذا مالا يمــــــكن أن يعقلــــوه ، أو أن الغَمَام يصدم بعضهُ بعضاً بما يحمل من شُحنات ، فينتج البرق والـــرعد ، وتخرج الصــواعق عــلى إثـــر هذا الاصـــطدام ، وإن القمر هو المسبب لما يعرف بظاهرة المدِّ والجّزر ، وإن باطن الأرض لهيب سائل ، وإن القمر لا يضيء ، بل ينير لأنهُ يعكس ضوء الشمس ، وليس هناك من ضوءٍ يخرج من المرآة ، والكثير من المعلومات التي عرفناها مؤخراً ، وأن المشكلة الأشدّ مرارةً هي اعتبار هذه العلوم من قواعد الدين وأساسياته ، على اعتبار أن الكتب السماويّة ذكرتْ أن الأرض مُـــنبسطة ، واكتشاف ما يخالف ذلك يُـــعد تكذيباً لله ، والحقيقة أنهم هم من غالطوا الفهم الصحيح للآيات ، ومفهوم النصوص ، وخوفاً عـــــلى منزلتهم أمـــــام الناس ، وتركتهم ومـــكانة آبائهم وأجـــدادهــــم ، راحــــــوا يكفّرون ويقتلون من يتوصل لما يخالف الموروث الروائي ، كما بيّنا كل ذلك وكما سنبينه في أطروحة النقد الوظيفي ، كما كان المستحيل في أن يغيروا من طباعهم ، وما جبلوا عليه من أعرافٍ وعادات ،
        وجنايتهم هذه يتحملونها هم أنفسهم ، ولا يتحملها ذلك الدين أو المذهب ، وهم في عين الحقيقة ، لا ينتمون لدين معين أو مذهب محدّد ، إنما هم جماعة من الأشخاص ، تجدهُم في كلّ الأديان والمذاهب على حدٍ سواء ، يمثّلون المستقبح
        من الفكر المظلم ، وندعوهم بالنمطية ، أولئك الذين يتوارثون الجهل والجاهليّة نفسها ، وكأنهم يمثلون شخصاً واحداً ، موجوداً عبر العصور ، فمرّة نراه في العهد العثماني مُحرّماً للآلة الطابعة ، ولشرب القهوة ، وللتصوير الفوتوغرافي ، ومرّة نراهُ قد حارب العلم والعلماء وأفتى بقتلهم ، وبذلك فإن هؤلاء النّمطية ، كانوا وما زالوا في جهل لا ينتمي لأيِّ دين ، ومن عدم الإنصاف أن ننسب الضلال للدين المسيحي مثلاً ، على أساس تصرفاتٍ شخصية ، لو أنها رُفعتْ وكُشفتْ كل الحقائق من ورائها ، لمَا عاد من فرق بين الأديان ،
        والكلّ يعترف أن الدين المسيحي ، دين سماوي صحيح ، غير أن هناك من الطامعين والمغرضين ، من تلاعبوا بالنصوص والأحاديث ، ليجعلوه دينا دنيوياً يخدم مصالحهم ، وكذا من الظلم أن ننسب تلك الفتاوى للمذهب السني ، فالمدعو (أبو سعود) شيخ الإسلام في عصر السلطان سليمان القانوني ، قد أفتى بحرمة قتل السلطان لمستعمرةٍ للنمل ، وهو نفسه من أحلَّ قيام السلطان ، بقتل اثنين من أبنائه ، بعد أن افتى بقتل وزيره الأعظم ، فهو وإن كان في زمنه ممثلا للمذهب الســــني ، غـــير أن المذهب لا يُـــدان عــلى أســـاس تصرفات حــمقاء ، وفـــتاوى شــــاذّة صدرتْ من شخص وصل مكانته بمداهنة السلاطين ، وخدمة عروشهم ، لذا فالقارئ عندنا أعز من أن نُدخله في جبهاتٍ عدّة ، لنجعلهُ يبغض كل عباد الله ، ويستثني فئة واحدة ومجموعة قليلة ، بل سنعمد إلى خلاف ذلك ، أي نتقرّب من كل الأديان ، ونستثني فئات قليلة من كل تلك الأديان ، ولولا تلك الفئات القليلة ، لأصبح كل أهـــــل الأرض على دينٍ واحــــدٍ ، فهذه الفئات القليلة ولأنها وصلتْ وسيطرتْ على مقاليد الحكم ، استطاعتْ أن تدهن من هم دونهم بلونها الـــداكن المُـــظلم ، ولـــكيلا ندخل في تـــجاذبات في كـــل مـــبحث مـــن مــــباحث هـــــذا المصنّف ، أخترنا أن نجمع معظم تلك المشادات في مبحثٍ واحد ، سمَّيناه (أطروحة النقد الوظيفي) ، أي أننا نراهم هنا قد أخطأوا وظيفياً ، وليبقى تجريمهم بيد الله -جل جلاله- وألي الألباب من عباده .
        = في قاعةٍ كبرى للاحتفالات ، دُعيتُ لحضور ندوة يقيمها قس كاثوليكي ، يدّعي أن لديه برهاناً على أن الدين المسيحي ، أكثر تقدماً من باقي الأديان ، ودليلهُ المقولة الشهيرة لسيدنا عيسى ابن مريم -ع- ، أن أدر خدّك الأيسر لمن صفعك على خدك الأيمن ، وكان من المستهجن أن أقاطعه في الحديث ، حتى تسنى لي الاقتراب منه ، فما كان مني إلا أن سألته سؤالين فقط ،
        الأول : متى أدار المسيحيون على مدى التأريخ ، خدهم الأيسر لمن صفعهم على خدهم الأيمن ؟
        هل كان ذلك أيام فرسان الصليب ، الذين سفكوا الدماء بلا رحمة ولا عدل ، أو حين اندلعت الحروب إثر بدء الإصلاح البروتستانتي {١٥١٧} ، أم في حرب الثلاثين عاماً ، التي تسببت بانخفاض عدد سكان ألمانيا بنسبة :[ ٣٠ % ] ، {١٦١٨} - {١٦٤٨} م ،
        وللنصف في أراضي براندنبورغ ، ناهيك عن انتشار الأمراض والمجاعات التي لاحت كل سكان أوربا بسببها .
        والثاني : أين صدى ما تأمنون به في تشريعاتكم ، منذ أن كانت الكنيسة المُشرّع الوحيد لقوانين دول أوربا ليومنا هذا ؟
        وكم نعجب ، فمن قال لهؤلاء أن النصوص القرآنية ، تحددت بمبدأ العين بالعين وحسب ، فقوله تعالى : -
        ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بالْأُنثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن ربِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَـــــمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَــــلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ﴿١٧٨﴾ البقرة
        وقوله تعالى :
        ( إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) ﴿١٤٩﴾ النساء . وقوله تعالى : (ويَسْأَلُونَكَ مـــَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) ﴿٢١٩﴾ البقرة .
        وآيات يطول الحديث بذكرها ، جاءت في العفو والتسامح ، ولكن أولئك الذين اتخذوا من دينهم مغنماً وسبيلاً لتحقيق آمالهم ، وتفريغاً عن أحقادهم اتجاه الآخرين ، حتى من أهل دينهم ومن أبناء جلدتهم ، جاءت الانطباعات تلك عن الإسلام بهذا التصور ..... نحن أيّها القس ، ويا أيها المتصيدون لغفلة الناس ، لم نصل بعد منذ أول نداء للسماء حتى اليوم ، لتطبيق حتى مبدأ العين بالعين ، لأننا نُبعد رسائل السماء بعيداً عن أهلها ، ونحوزها لأنفسنا ،
        ومن هنا تبدأ القضية ، قضية من أرادهُ الله أن يكون خليفةً له في أرضه ، وسلطاناً على عباده ، فأنزل شريعته قبل خليفته ، ليفهم العباد منهاج الربّ وعدله ، ويشيروا لخليفته ، قبل أن يُعرّفهم بنفسه حتى ، وبدل أن يحمدوا الله على نعمه ، وما بينه لهم من سننه ، تملّكوا الدين وحولوه إلى ممالك ، تأتيهم بالأموال والجواري وما لذّ وطاب ، حتى بدأ اتْبَاعُ الأديان ، باكتشاف زيف القائمين عليها ، فظن الكثير أن الله لم يُبْق للأديان من راع ولا أمين ، وبقي بعضهم على يقينهم ، أن الراعي لقادم لا محال ، وإن الوارث الأمين لا يعاف إرثاً أمر به ربّ العالمين ، وإن مرّت بنا السنون ، بل نحن من تركنا دعوته ، ووقفنا ضد عودته ، وغرّتنا الحياة ، ونسينا المعاد ،
        وأن نسأل ، أين نحنُ من الخليفة ، غائباً كان أم حاضراً ، وما أعددنا لأنفسنا من وظــــــائف في حـــــكومته ، وأدوار في دولته ، فالجواب أننا دائما في حــــــالة انتظار ، أم
        حسبنا جميعاً أن استعدادنا لحمل السلاح ، هو كل ما سنعدّه لخليفة الله ، لتكون الحرب الوسيلة ، ويكون الانتقام ممن عادانا هو الغاية ، وإذ بات الدعاء لظهوره ، أعظم ما نقدمه وننجزه ، والتأمل أعظم ما نبذله ،
        أنا وأنت وكل من آمن بقضية الخليفة ، يتذكرون قصة الطير الذي حمل قطرات من الماء ، ليطفيء بها نار النمرود المشتعلة ، ضد إبراهيم -عليه السلام- ، وحين سُئِل ما أهمية ما تفعله ، قال إني أعمل بتكليفي على وفق قدرتي ، فيما لا نرى من أحدٍ منّا ، يتحرك ليجمع الماء ويخزنه ، للنيران التي ستشتعل ضد الخليفة ،
        الطبيب والمهندس والكيميائي وغيرهم ، ينتظر الخليفة أن يكشف له عن المعاجز في العلوم ، لا أن يكتشفوا هم بما أعطاهم الله من عقلٍ ، وما خزنه لنا في كتبه السّماويّة ، وهذا شأن حتى رجال الدين ، فكلّ مهامهم الآن تنحصر في الاطلاع على الآراء ، فإمّا أن يؤيدوها وإمّا أن ينتقدوها ، بل يكترثون لما ينتقدونه أكثر ، على أن ذلك من مهام الدفاع عن الدين ، وإن كانت النتيجة ، الترويج لتلك الأعمال الفاسدة ، وعليه قررت أن أسير بقافلة ملؤها النداء والاستعداد ، لتوضيب أعمال الدولة الحميدة السعيدة ، وتجهيز موظفي دولة الخلافة الإلهية ، كُــلّاً على وفقَ مؤهّلاته ، وهذا لا يعني أســـــماءً وشــــــخصيات ، بل مجرد هياكل وظيفية ومناصب تعبوية ، ليعلم الجـميع دورهُ ، ويدرك مــــكانهُ ، وبرنامج عــــــمله ،
        وهذا كلّه بعد البحث والتقصي عن العهدين والمراحل ، التي ستمر بها دولة الخلافة ، والوقوف على المبهم والمجهول من أسرار الظهور ، وأسباب ما خفي عنّا ، وما حرّفه بعض الباحثين ، وما زيفه بعض الكاتبين ، وهذه قصة بني آدم مع خليفتهم ، والتي ستصدمنا أحداثها وما سنبحر فيه من فصولها ، أمّا إبليس وقومه ، فقد اعتزلوا المشهد منذ البداية ، وكان إمهال الله له على أساس علم الله ، إن هناك فئة كبيرة من الإنس والجن سيتبعونه ، ولولا وجود فئة على خلاف ذلك ، آمنت بأنّ لله الأمر من قبل ومن بعد ، لما تأسس هذا الوجود بكامله .
        وختاماً لهذه المقدمة فإننا على يقين لا يقاربه الشك مطلقاً ، أن من يطّلع على هذا الكتاب ، والكتاب الذي سبقه ، سيمتلك كل أدوات الدخول لجمهورية النبأ العظيم ، وسيحوز منصبه ،
        ويختار دوره القادم ، بوصفه جندياً مـــن جنودها ، وعــــضواً فعّالاً في مؤسســــاتها ،
        وآخر ما في جعبتنا من حديث ، حول أن كل ما خلقه الله هو معجزة ، لا كل ما خرج عن المألوف ، كما أن هناك معاجز للأنبياء أعظم من عصا موسى وخاتم سليمان ، فالرسول الكريم محمد -ص وآله- كانت لديه معاجز ذاتية كثيرة لم يرها أهل قريش ، فصبره وحلمه كانا معجزة ، ورأفته ورحمته بالمؤمنين كانتا معجزة ، لأنه خرق القانون الطبيعي لصبر الإنسان وحلمه ، وقوله تعالى : -
        . ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) ﴿٢٧﴾ الأنبياء
        لا يترك في النفس من شكّ ، على أن هذه المجموعة من الأنبياء والأولياء ، يمتلكون العصمة ، بالدرجة التي يقولون فيها ما يقوله الله تعالى ، من حيث النص ومن حيث التوقيت ، فلا يسبقونه ولا يتأخرون عنه ، وما جاء في قصة معلّم موسى ، لدليل دامغ على ما تقدم ، ومن ظن أن هؤلاء هم جماعة من الملائكة ، فظنه ينافيه قول الملائكة ، الذي أخبرنا به تعالى : -
        ( قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا أِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) ﴿٣٢﴾ البقرة .
        وهذا يعني أنهم لا يعلمون إلا من بعد أن يعلّمهم الله ، ولا يعملون إلا ما يأمرهم الله به ، فلا محل لإعمال قوله تعالى ( لا يسبقونه بالقول ) ، لأنهم لا يملكون القول مطلقاً ، إلا بأمر الله -جل جلاله- فما الداعي لقوله تعالى ( لا يسبقونه بالقول ) ، وهم لا يمتلكونه أصلاً ، ولا نعني إن هناك من يعلم دون أن يعلّمهُ الله ، ولكن نعني أن يوكله الله بأمرٍ فلا يتعجل بإصداره إلا في الوقت الذي يريد الله صدوره ، لذا وكّلهم بالأمر ، وحين يبين الله لنا علم الملائكة ، فهذا يعني علمهم وما يمتلكونه من أمر ، فليس هناك من داعٍ للنص : لا يسبقونه بالقول ، وهم لا يملكونه مطلقاً قبل أن يعلّمهم به الله ويأمرهم بذلك ،
        ( عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ﴿٦﴾ التحريم .
        فـــــما بالك بالأمــر ، لأن معنى ( لا يسبقــــــونه بالقــــــول ) ، أي بالأمر ، كما في قوله : -
        ﴿١٦﴾ الإسراء . ( فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا )

        ومِنْ هُنا كان للخلفاء مكانة عَلَتْ مَكانَة الملائِكة ، وهَذا ما سَــــنبْحثهُ حتَّى ندركه .
        التعديل الأخير تم بواسطة علاء الصائغ; الساعة 10-02-2022, 05:08 AM.

        تعليق


        • #5
          الجــــــــــــزء الأول
          حُـــــكُومَةُ الإمَامِ الصَّالِــــــح
          وظــــــــهُور الفـــــرْقَة النَّاجيَة



          لا خلاف أبداً ، بين كل الأديان الإبراهيمية ، ومشتقاتها من المذاهب والملل ، على مجيء الحاكم المؤيَّد من الله تعالى ، الذي سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن مُليئة ظلماً وجوراً ،
          ومِن غـير المتصوّر ، أن ديناً من هــذه الأديان ، أو مذهباً من مـذاهبها ، لا ولـم يدَّعِ أن ذلك المنصور المؤيَّد لا ينتمي لمذهبهم ، وليسوا هم على نهجه ،
          لكنَّ النَّتيجة المُـــــؤكّدة ، أن الأرض ســـــــيحكمُها السُّــــلطان العـــــادل ، أيّاً كان دينـــهُ والمذهب الذي ينتمي إليه ، وسنَنْعم بالعدل الإلهي ، وبما وعدنا الله من أيامه ، آجلاً أم عاجلاً ، وسيدرك الجميع المعاجز الإلهيّة ، التي يتحرّقون شوقاً لرؤيتها ، بغية التأكد من وجود الله تعالى ، بالرغم مـــــما خلقهُ الله لنا من معاجز في كل ما نراه ، وما نأكله وما نلبسه ، فإنَّ الجاهل يرى كلّ ما يخالف الطبيعة على أنهُ معجزة ، فعظمة ما خلق الله من النجوم والكواكب ، لا تثير في فكرهُ شيئاً ، لكنّه إذا رأى الشمس تشرق من مغربها ، يؤمن حينها بوجود إله ، وكأن اشراق الشمس من المشرق ، أمر يستطيع هو أن يقوم به ، وبهذا الفكر المتدني ، آثروا عدم الإيمان بأيِّ نبيٍّ ، إلّا إذا جــــاء بالعمل الخــــارق ، تاركين شـــــرع الله وعــــدله خلف ظهورهم ،
          والغريب أنَّنا الآن نؤمن بأحزاب مختلفة المناهج ، من دون أن نطلب من مؤسّسيها أيّ معجزةٍ ما ، والله -عزوجل- لم يطلب منا سوى الإيمان بمنهاج عدله واتباع شريعته ، وعلى الرغم مــــما مــــــرّ على بني إســـــرائيل من معاجز أتى بها موسى النبي ، وحارب بها فرعون ، راح بنو إسرائيل يؤمنون بموسى ، بوصفه إنساناً خارقاً ، وعادوا يشككون في الخالق : -
          ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) ﴿٥٥﴾ البقرة .
          وإذْ أفنى نبي الله نوح -ع- ، ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وهو يدعو قومهُ للإيمان بالله ، ولم يؤمنوا حتى جاءهم الطــــــــوفـــــــان ، ومن ثمّ أمدَّ الله أنبياءَهُ بالمعاجز والخوارق ، لكن النتيجة بقيتْ كما هي ، وبدلاً من أن يتغيّروا على وفق منهاج الله ، غيّروا منهاج الله على وفق تطلعاتهم ، وحرّفوا الكلِمَ عن مواضعه ، حتى انبرى سيد الخلق أجمعين وحبيب رب العالمين ، الرسول الأمين محمد بن عبد الله -ص وآله- ، ليتصدى لإعلان دين الله الحنيف ، دونما الحاجة للخوارق ، حتى أكمل الدين فاستحقّ المكان العلي عند الله -جل جلاله- ، واستحقتْ البشرية أن تنعم من بعده بخلفاء الله تعالى ، وحكومة الائمة الصالحين ،
          (( عن العرباض بن سارية قال: [ وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- موعظة بليغة، وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع ، فأوصنا ، قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة ] )) ﴿٢٦﴾ ،

          ولكن هناك من أعادنا للمربع الأول ، وسنبحثُ لاحـقاً بهذا ،
          أمّا ما نعنيه هنا بظهور الفرقة الناجية ، فهو العلم بها والتعرف إليها من قبل كل من في الأرض ، حالها حال خليفة الزمان ، الذي ندعي وجودهُ ، ولم نلتقِ بهِ لحد الآن ، وربما لحد قيام الساعة المحددة لهُ ، سواء كان معرّفاً بالهوية والذات ، أم بالدلالة والصفات ، وذلك من قِبَل الفرق الإسلامية ، لكنهم أبداً لم يتّفقوا فيما بينهم على تسميته ، وقبل أن نستقل بالحديث عن كل أمر من هذه الأمور ، سنتحدث في هذا الجزء ، عن مفهوم الفرقة الناجية ،
          وقد يفاجئك القول بأن الفرقة الناجية ، قد تتكون من شخص واحد فقط ، أو مجموعة قليلة ، ولكن من المؤكد أننا لا نعني الفرقة بوصفها منهجاً ، بل كما يقال العالمون العاملون ، أي من يعمل بذلك المنهج في كل مفردات حياته ، لا مجرد أن يكون لغطاً على اللسان ، ونذكر في هذا المنوال حديث الرسول الأكرم -ص وآله-
          (( عن سعيد بن زيد : قال سألت أنا وعمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه
          وعـــــــلى آله ، عن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي القرشي ، فقال : يأتي يوم القيامة
          .................................................. .................................................
          ﴿٢٦﴾ - جاء هذا الحديث في كتب الشيعة وأهل الجماعة على حدٍّ سواء ، كما في كتاب


          عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين / للسيد عليّ الميلاني ما أخرجه الترمذي قائلاً : حدثنا عليّ بن حجر ، حدثنا بقيّة بن الوليد ، عن بحير بن سعيد ، عن خالد بن معمدان ، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، عن العرباض بن سارية ، وذكر الحديث ، وقد روي كذلك عن ثور بن يزيد وهكذا ، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
          أمة وحدة )) ، كـــما نُقل عن مـــحمد بن عـــمرو عن أبي سـلمة عن أسامة وأبيه ﴿٢٧﴾
          ، وقد روى البخاري في مناقب الأنصار برواية مطوّلة خلاصتها ، قوله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن زيداً يبعث أمة ، وأجاز الاستغفار له ، بالرغم من وفاته قبل الهجرة بــثمانية عشر عام ﴿٢٨﴾ ، لكن الروايات ، تذكر أنهُ كان حنيفاً مُسلماً وعلى ملّة إبراهيم ﴿٢٩﴾ ، وهكذا جاء قوله تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَـــمْ يَكُ مِــــــــنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، إن كنت بعد ، تشك بما نسب للرسول ، من أمر زيد ،
          لــــــذا فلا تأنس فرقة ما ، على أنَّها الفرقة الناجية ، وإن كان منهجها منهج الحق ، حتَّى يكون أعضاؤها كلّهم من العالمين العاملين بمنهاج الله ، كما لا ييأس فرد من أي فرقةٍ ومن أي دين ، على أنَّهُ ليس من الفرقة الناجية ، وإن كان منهجه خلاف منهج الحق ، ما دام هذا الخلاف لم يكُ عن عمدٍ وعنادٍ منهُ ، وإنَّهُ جاهد للوصول إلى الحق والحقيقة ، ولم يترُك من سبيلٍ لإدراك كلّ ذلك ، وإنّ ما فيه من خلافٍ واختلاف ، كان خارجاً عن إرادته ، وهذا ما سنوسعهُ بحثاً ،
          هذا وإن الاختبار الأعظم والبلاء الأكبر ، هو في اختيار الله ، أن يكون خلفاءه من بني آدم ، فلو كانوا من الملائكة أو الجن أو أي جنسٍ من غير جنس بني آدم ، لآمن القسم الأكبر من بني آدم بولايتهم ، على أنَّهُم يمتلكون القدرات الخارقة ، والتي لا يمتلكها الإنس ، وعلى أنَّهُم تميزوا بمادة خلقهم عن باقي البشر ،
          هذه النعرة التي فاقت حتى نعرة إبليس ، فالأخير وجد في مادة خلقه ما يُميّزهُ من آدم ، وإن كان واهماً فيما ظن واعتقد ، لكنَّ من رفض ولاية الخلفاء من بني البشر ، فبِمَ ستكون حجّتهم ، وعلامَ سيكون امتناعهم ، وهُم من مادة الخلق نفسها ،
          والآن ، كيف لنا أن نُمثّل عَمَدَاً من أعمِدَة حكومتهِ ، وصوتاً من أصوات دعوتهِ ، بعد التحرر من زيف ما وصل إلينا ، وقد أعددنا لأجل ذلك ، بابين بــ(٤٠) مطلباً .
          .................................................. .................................................
          ﴿٢٧﴾ - سير أعلام النبلاء - للذهبي - ص [٧٩] ، وهو زيد بن عمرو بن نفيل العدوي القرشي ، يعدّه أهل الجماعة أحداً من العشرة المبشرين بالجنة ، رواه أبو يعلى وقال الشيخ حسين أسد اسناده حسن .
          وذكر أن الرسول الأعظم -ص وآله- قد قال في شأن زيد بن نفيل والد سعيد بن زيد : دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل درجتين ، رواه ابن عساكر {٥١٢ / ١٩} وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة بالرقم :{١٤٠٦} .
          ﴿٢٨﴾ - محمد بن إسحق – كتاب سيرة رسول الله -ص وآله- .
          ﴿٢٩﴾ - سيرة أعلام النبلاء للذهبي ص [٧٩] ، كما في سيرة ابن هشام - ص [١١٧] .

          تعليق


          • #6
            لتحميل الكتاب برابط واحد

            https://pdfhost.io/v/ur0hKDaeJ_Jumhu...bDAmu87vDMSZZQ

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
            x
            يعمل...
            X