بـسـم الله الـرحـمـٰن الـرحـيـم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في التاريخ وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين على ما تخفيه من أسرار ، أن يصطفي الله لعبد اصطفاه ، حتى موضع مولده ، ليجمع له ـ مع طهارة مولده ـ شرف المحل ، محل الولادة ، ويخصّه بمكرمةٍ ميَّزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشر.
هكذا كان مولد عليِّ بن أبي طالب سلام الله عليه ، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة.
وكان ذلك يوم الجمعة ، الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة [١]. قبل البعثة بعشر سنين [٢]. حوالي عام ٦٠٠ م ( ٢٣ قبل الهجرة ) ، وقيل : « ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل » [٣].
ولعلّه في مثل هذا اليوم الذي وُلِد فيه أمير المؤمنين ، قد وُلِد الألوف من البشر ، لكنَّ ولادته مثَّلت حدثاً عجيباً تجلَّت به الأسرار ، وتلبَّست بالحكمة الربَّانية.
كانت مثاراً للدهشة الأبدية ، فقد وضعت فاطمة وليدها في البيت العتيق! في مكان عبادة لا ولادة ، أليس ذلك بالشيء العظيم؟!
ويسجل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّعليهالسلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها ، وعن قريب سينهض هذا الوليد على كتف رسول الله ليلقي بها أرضاً ، تحت بطون الأقدام!!
تلك ولادة أكرمه الله بها ، فشاركته أمُّه الكريمة في فخرها ..
إنَّ أُمَّه فاطمة بنت أسد لمَّا ضربها الطلق ، جاءت متعلِّقة بأستار الكعبة الشريفة ، من شدة المخاض ، مستجيرة بالله وَجِلةً ، خشية أن يراها أحد من الذين اعتادوا الاجتماع في أُمسياتهم في أروقة البيت أو في داخله ، فانحازت ناحية وتوارت عن العيون خلف أستار البيت ، واهِنةً مرتعشة أضنتها آلام المخاض؛ فألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول :
« يا ربِّ ، إنِّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنِّي مصدِّقة بكلام جدِّي إبراهيم وأنَّه بنى البيت العتيق ، فبحقِّ الذي بنى هذا البيت وبحقِّ المولود الذي في بطني الا ما يسرت عليَّ ولادتي ».
قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشقَّ عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنَّ ذلك من أمر الله تعالى ، ثُمَّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليهالسلام [4].
وهو حديث جدير كذلك أن يخلّده الشعراء :
أنشد الحميري ( ت ١٧٣ هـ ) :
وَلدَتْهُ في حرم الإلـه وأمنـه
والبيت حيـث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمـة
طابت وطاب وليدهـا والمولد
ما لُفَّ في خِرَقِ القوابِل مِثلُه
إلاّ ابــن آمنةَ النبـيِ محمّد
وله أيضاً في أمير المؤمنين عليهالسلام :
طبـتَ كهلاً وغلاماً
ورضيعـاً وجنينـا
ولدى الميثاق طينـاً
يوم كان الخلقُ طينا
وببطن البيت مولوداً
وفي الرمل دفينا [۵]
وقال عبدالباقي العمري في عينيته الشهيرة :
أنت العليّ الذي فوق العُلى رُفعا
ببطن مكة عند البيت إذ وُضعا
وعقّب عليه أبو الثناء الآلوسي في شرحه هذه القصيدة ـ شرح عينية عبدالباقي العمري ـ ما نصه : « وفي كون الأمير كرّم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا ، وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة … ولم يشتهر وضع غيره كرّم الله وجهه كما اشتهر وضعه ، بل لم تتفق الكلمة عليه ، وأحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه في ما هو قبلة للمؤمنين ، سبحان من يصنع الأشياء ، وهو أحكم الحاكمين » [6].
ــــــــــــــ المصادر ـــــــــــ
[1] أنظر إعلام الورى ١ : ٣٠٦ ، إرشاد المفيد ١ : ٥ ، عليٌّ وليد الكعبة / الأوردبادي : ٣ منشورات مكتبة الرضوي ، كشف الغمَّة / العلأَمة المحقِّق الأربلي ١ : ٥.
[2] الإصابة / ابن حجر ٢ : ٥٠٧.
[3] كشف الغمَّة ١ : ٥٩.
[4] كشف الغمَّة ١ : ٦٠.
[5] علي وليد الكعبة / الأوردبادي : ١١ ط النجف الأشرف.
[6] علي وليد الكعبة : ٣.